
أحلام ياسمين الصغيرة هي قصّة قصيرة تشجّع كلّ طفل وطفلة على الوثوق بقدراته أيّا كانت، وتحفّزه للتغلّب على الخجل، والتعبير عن نفسه دون خوف أو تردّد. فلنقرأها معًا، ونكتشف كيف تغلّبت صديقتنا على خوفها، لتصبح شاعرة صغيرة واثقة.
في بيتٍ صغيرٍ تحيطه حديقة جميلة، كانت تعيش ياسمين، ياسمين فتاة رقيقة تحبّ الألوان والكلمات، وتحب أشياءها وتحافظ عليها، وتحب بشكل خاص دفترها الملوّنَ بغطاء أزرق الذي تتوسطه صورة فراشة زاهية! بالنسبة لها، لم يكن ذلك مجرّد دفتر، بل عالمًا سريًّا تخبّئ فيه أحلامها! كانت تكتب فيه قصائد صغيرة عن الفراشات التي تحلّق في الحديقة، وعن الغيوم التي تشبه قطنًا أبيض، وعن أحلامها التي تكبر في قلبها.
كل مساء تجلس قرب النافذة، تراقب السماء وتكتب:
“أيّها الطير، خذ قلبي معك، علّمه كيف يحلّق.”
كانت كلماتها بريئة، مليئة بالصور الجميلة، لكنها بقيت حبيسة الورق، لا يسمعها أحد سوى القمر والنجوم.
في الصف، وفي حصة التعبير المفضلة عند ياسمين، تسأل معلّمة اللغة العربيّة: “من يودّ أن يقرأ لنا ما كتب؟” تشعر ياسمين أن قلبها يخفق بقوة، كطبولٍ في احتفال! وتريد بشدة أن ترفع يدها، لكن وجهها يحمرّ كحبّة بندوة، وصوتها يختفي كما لو أنّها تعاني من زكام قويّ، ويلتصق جسدها بمقعدها دون حراك.
تحدّث نفسها: “ماذا لو لم يعجبهم شِعري؟ ماذا لو ضحكوا عليّ؟”
وأحيانًا تتخيل أن أصوات الضحك تتعالى في الصف، حتى قبل أن تبدأ بالقراءة! هذا الخيال وحده كان كفيلاً بجعلها تصمت، كانت تبتسم حين يصفّق الجميع لزميلتها مريم التي تلقي قصائدها بثقة، لكنها في الداخل تشعر بوخزٍ صغير، كإبرة تقول لها: “أنتِ أيضًا لديك كلمات تستحق أن تُسمع.”
وفي كل مرة تعود إلى بيتها، تفتح دفترها، تنظر إلى القصائد، وتهمس:
“سامحيني يا كلماتي… أنا لست شجاعة بما فيه الكفاية.”

أحلام ياسمين الكبيرة
في صباحٍ ربيعي مشرق، اجتمع الطلاب في ساحة المدرسة ليستمعوا إلى إعلان مهم من إدارة المدرسة، كانت العصافير تزقزق من فوق الأشجار، والهواء يحمل رائحة زهور البرتقال. وقفت المديرة على المنصّة بابتسامة وقالت:
_ “لدينا مسابقة لإلقاء الشعر الأسبوع القادم. سيقف الطلاب على المسرح أمام الجميع، وسنكرّم صاحب أفضل قصيدة وأفضل إلقاء.”
امتلأت الساحة بالهمسات والأسئلة، بعض الطلاب بدأ يخطّ كلمات في دفاتره بسرعة، وآخرون تخيّلوا أنفسهم واقفين تحت الأضواء، ارتفعت أصوات الحماس، وبدت العيون تلمع بشغف التجربة.
أما ياسمين، فجلست صامتة، تحدّق في دفترها الذي كان بين يديها. شعرت أن الإعلان وُجّه إليها مباشرة، قلبها يهمس: “هذه فرصتك” لكن خوفها أسرع في الرد: “سترتجفين أمام الجميع… ستخطئين… سيضحكون.”
اقتربت منها صديقتها مريم وقالت بحماس:
“-ياسمين، أنتِ شاعرة رائعة! قصائدك التي تقرئينها لي أحيانًا أجمل بكثير مما أكتب، يجب أن تشاركي في المسابقة.”
أطرقت ياسمين رأسها وهمست بخجل:
– “أكتب نعم… لكن الوقوف على المسرح؟ شيء مخيف جدًّا، أفضّل أن أبقى مستمعة.”
ضحكت مريم وربّتت على كتف صديقتها:
_”لو جربتِ مرة واحدة، ستكتشفين أن الأمر ليس صعبًا كما تظنين.”
في تلك الليلة، جلست ياسمين قرب نافذتها، تتأمّل القمر مضيئًا في صفحة السماء لامعًا واثقًا. كتبت في دفترها: “أتمنى أن أشارك، لكني أخاف أن أرتجف أمام الجميع” ثمّ رفعت عينيها نحو القمر وهمست:
_”أيها القمر المنير، كيف يمكنك أن تضيئ السماء بلا خوف أو خجل؟ كيف يمكنني أنا أيضًا أن أضي بكلماتي وشِعري؟”
وأغلقت دفترها بشيء من الحزن، متمنية لو كان القمر يستطيع أن يرد عليها أو يرسل إليها نجمةً صغيرة تهمس لها بالشجاعة.
اقرأ أيضًا: قصة عن أهمية التفكير الإيجابي: كيف غيّرت أفكاري عالمي الصغير

سرّ الخوف
في المساء، جلست ياسمين مع أمها في المطبخ، بينما كانت رائحة الكعك بالزبيب تنتشر في المكان. كانت الأم ترتّب الصينية في الفرن، وياسمين تتأمل بخجل أطراف ثوبها. بعد لحظات صمت قالت:
– “أمي… لماذا أشعر أنني أعجز عن الكلام أمام الناس؟”
جلست الأم قربها، ابتسمت وربّتت على كتفها وقالت:
– “يا صغيرتي، الخوف شعور طبيعي. كل إنسان يشعر به، حتى الكبار. لكنّك تفكّرين كثيرًا بما قد يحدث، تقولين في نفسك: ماذا لو أخطأت؟ ماذا لو لم يعجبهم كلامي؟ وهذه الأفكار مثل سلاسل تقيّدُكِ وتمنعك من الحركة.”
أصغت ياسمين بانتباه، وعيناها تلمعان بالدموع.
أضافت الأم:
– “لكن تذكّري، لا أحد كامل. حتى الشُعراء الكبار أخطؤوا قبل أن ينجحوا. الشجاعة ليست انعدام الخوف، بل المحاولة رغم الخوف. إذا أخطأتِ مرة، ستتعلمين، وإذا جربتِ مرتين، ستزدادين قوة! ومع كلّ محاولة، سيصبح صوتك أوضح.”
أطرقت ياسمين رأسها وقالت بصوت خافت:
– “لكن يا أمي، ماذا لو سخروا مني؟”
ابتسمت الأم وربّتت على يدها:
– “من يسخر لا يعرف قيمة الكلمة. والناس دائمًا يحترمون القوي الذي يحاول.”
فكّرت ياسمين طويلًا بكلام أمها، أدركت أن مشكلتها لم تكن في شِعرها، بل في الأفكار التي كانت تكبّلها. ابتسمت ابتسامة صغيرة، وكأن نورًا جديدًا أضاء داخلها، ووعدت نفسها أن تخوض تجربة صغيرة، حتى لو ارتجفت قدماها.

أولى الخطوات نحو الثقة بالنفس
في اليوم التالي، قررت ياسمين أن تبدأ بخطوة صغيرة. جلست أمام أخيها الصغير سامر، الذي كان يلعب بسيارته الحمراء على الأرض، وقالت له بخجل:
“هل تسمع قصيدتي الجديدة؟”
رفع سامر رأسه وضحك وقال: “طبعًا! لكن اقرئيها بصوتٍ عالٍ وببطء كي أسمع جيدًا.”
ترددت لحظة، ثم فتحت دفترها وبدأت تلقي أبياتها. كان صوتها يرتجف، لكن الكلمات خرجت رغم ذلك. عندما انتهت، صفق سامر بيديه الصغيرتين وقال:
– “واو! إلقاؤك جميل جدًّا! أنت رائعة.”
شعرت ياسمين بالدفء يسري في قلبها… جرّبت مساءً أن تقرأ لوالدها وهو يطالع جريدته. ابتسم وقال:
“-أنت شجاعة يا ياسمين. تذكّري أن الثقة بالنفس مثل الزهرة. تحتاج إلى رعاية كي تنمو.”
وفي اليوم التالي، جمعت شجاعتها وقرأت لصديقتها مريم تحت ظل شجرة المدرسة. عندما أنهت قصيدتها، صاحت مريم:
“-أنتِ شجاعة أكثر مما تظنين. لو ألقيتِ هذا على المسرح لصفق لك الجميع!”
ومع كلّ مرّة، كان قلبها يخفق بقوة، لكن صوتها يزداد وضوحًا، بدأت تشعر أن خوفها لم يعد جبلًا ضخمًا كما كان، بل قد أصبح حجرًا صغيرًا يمكن أن تتخطّاه. كانت ابتسامتها تتسع أكثر فأكثر، كزهرة تتفتح مع كل صباح. وفي سرّها قالت: “ربما أستطيع… ربما أنجح.”

يوم الوقوف على المسرح
وأخيرًا جاء اليوم المنتظر! تزيّن المسرح بستائر زرقاء، والمقاعد امتلأت بالطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، كانت القاعة تشعّ بالحماس، والكلّ يترقّب أسماء المشاركين. خلف الستار، كانت ياسمين تمسك دفترها بقوة، ويداها تتعرّقان، وقلبها يخفق كالطبول من جديد.
سمعت صوت المنادي: “والآن مع الطالبة ياسمين!”
شعرت أنّ قدميها ثقيلتان كصخرتين، لكنها تذكّرت كلمات أمها وأبيها، وتصفيق سامر، وتشجيع مريم. رفعت رأسها وقالت في سرّها: “أنا أستطيع.”
تقدّمت بخطوات بطيئة نحو المسرح. الأضواء بدت قوية، والوجوه الكثيرة أمامها جعلت قلبها يسرع أكثر… للحظة، كادت أن تهرب، لكنها تنفّست بعمق، ثم بدأت تقرأ:

“أحلامُ قلبيَ تكبُرُ
كالنور يغفو ويَنشُرُ
أحيا بفرحةِ وردةٍ
للصُّبحِ دوما أُقبل
أرنو لبيتٍ هادئٍ
فيه المحبةُ تُزهِرُ
وأصيرُ يوما ناجحةً
أرعى الضعيفَ وأشكُرُ
اللهُ يراني دائما
بالخيرِ نفسيَ تُبصِرُ
أطوي السماءَ بلُعبي
ونحو الغدِ الجميل أُبحر“
في البداية كان صوتها خافتًا مثل همسة، لكن شيئًا في داخلها اشتعل! شعرت أنها ليست وحدها، بل كل من تحبهم يقفون معها. تذكّرت القمر الذي كان يصغي إليها دائمًا، وتخيّلت أنه يبتسم لها من النافذة العالية. صار صوتها أعلى وأوضح ومليئًا بالثقة.
وعندما انتهت، دوّى التصفيق في القاعة… وقفت ياسمين مذهولة للحظة، ثم ابتسمت، وامتلأ قلبها فرحًا. حتى المعلّمة التي لطالما انتظرت أن تسمع صوتها، ابتسمت بفخر وكأنها تقول: “لقد فعلتها يا ياسمين.”
الثقة بالنفس تضيء الطريق
بعد أن نزلت عن المسرح، أحاط بها أصدقاؤها يهنئونها، وقالت لها مريم:
_ “رأيتِ؟ كنتِ رائعة! لم أتخيل أن صوتك سيصدح بهذه الثقة.”
قال سامر الذي حضر مع والدته:
_ “أختي أفضل شاعرة في العالم!”
شعرت ياسمين أن قلبها صار خفيفًا كالهواء. لم يختفِ خوفها تمامًا، لكنه صار أصغر بكثير، مثل ظلّ بعيد لا يمنعها من التقدّم. ابتسمت لنفسها وقالت:
– “الثقة بالنفس لا تعني أن لا نخاف، بل أن نجرؤ على مواجهة خوفنا.”
منذ ذلك اليوم تغيّرت ياسمين. صارت ترفع يدها في الصف لتشارك بلا تردد، وتكتب قصائدها بفخر، وتقرأ ما تكتبه لأصدقائها بابتسامة. صارت تضحك أكثر، تحلم أكثر، وتثق أن صوتها يستحق أن يسمع.

وذات مساء، جلست قرب نافذتها كعادتها، وفتحت دفترها. كتبت:
“أحلامي الصغيرة قد كبُرتْ…
ولم تعد تخافُ من الخطرِ…
فتحت أجنحتها، عزمتْ…
وحلّقت بعيدًا مع الفجر…”
رفعت رأسها إلى القمر، وقالت:
– “شكرًا لك يا صديقي، لم أعد أخجل من ضوئي! سأضيء مثلما تفعل دائمًا.”
وهكذا، تحوّلت “أحلام ياسمين الصغيرة” إلى نورٍ يضيء قلبها، ويعلّم كل طفلٍ أنّ الشجاعة تبدأ بخطوة صغيرة، وأنّ الثقة بالنفس تجعل الحياة أجمل وأبهى. ومنذ ذلك اليوم، صارت ياسمين تذكّر كل من يسمع قصائدها أن صوته أيضًا يستحق أن يرى النور.
اقرأ المزيد من القصص القصيرة الملهمة.



