حكاية بذرة: قصة تعليمية للأطفال عن دورة حياة النبات

طفلة صغيرة تزرع بذرة وتظهر حولها مراحل نمو النبات من بذرة إلى زهرة وثمرة في حديقة خضراء، صورة تعليمية عن دورة حياة البذور للأطفال

ماذا تعرف عن بذرة النباتات؟ هل تعلم كيف تتحوّل هذه الحبّة الصغيرة إلى نباتات جميلة متنوعة؟ لنقرأ معًا قصّة مرح، ونعش معها حكاية البذرة، نتعرّف من خلالها على دورة حياة النباتات بأسلوب مشوّق وممتع.

بذرة في الظلام

بطلة قصّتنا اليوم اسمها مرح، كانت طفلة في العاشرة من عمرها، تعيش في بيت جميل تحيطه حديقة صغيرة مليئة بالأزهار والنباتات المتنوّعة. كانت مرح تقضي الكثير من وقتها في هذه الحديقة ترسم تحت ظلّ شجرة التفاح، أو تسقي النباتات مع والدها، وكثيرًا ما كانت تطرح على والديها أسئلة حول أسماء النباتات، وكيفية نموّها وتحوّلها إلى ثمار مختلفة، بعضها لذيذ يُؤكل والبعض الآخر ذو رائحة عطرة يوضع في مزهريّات للزينة.

في أحد الأيام، قرّر والد مرح أن يساعد ابنته الصغيرة على اكتشاف سرّ النباتات، ولكن بطريقة ممتعة مسليّة. فقال لها وهو يقدّم إليها كيسًا صغيرة:

_ يحتوي هذا الكيس على بذور متعدّدة يا مرح، بعضها سيصبح أزهارًا ملوّنة، والبعض الآخر خضروات لذيذة، وبعضها أعشاب عطرية نضعها في الشاي، فما رأيك أن تزرعيها بنفسك وتراقبي نموّها.

فتحت مرح الكيس بفضول،كانت بعضها كبيرة، وبعضها صغيرة جدًا، وبعضها مستدير، وآخر طويل. تأمّلتها باهتمام قالت وهي تضعها في يدها:

_ ولكن كيف يمكن لهذه البذور الصغيرة جدًّا أن تتحوّل إلى نباتات؟!

ابتسم الأب بحنان، وأجاب قائلاً:

_ اسأليها بنفسك، وراقبيها جيّدًا لتعرفي الجواب!

_ كيف ستصبحين نباتات أيّتها البذور؟!

لكن البذور لم تُجب، فهي كانت ما تزال نائمة.

وبتوجيه من الأب، حفرت مرح حفرًا صغيرة في التربة، ووضعت البذور فيها برفق ثمّ غطتها بالتراب. حرصت على أن تضع كلّ مجموعة من البذور المتشابهة قريبة معًا حتى لا تشعر البذور بالوحدة، ثمّ سقتها بالماء وتركتها.

وهنالك في ظلام التربة الرطبة شعرت الذور بالراحة، كأنّها تحت بطانية دافئة. مرّ يومٌ بعد يوم، ومرح تواظب على ريّ البذور كلّ صباح. كانت تقف أمامها وتحدّثها قائلة:

_ أنا بانتظارك يا بذوري الصغيرة الجميلة…

في داخل التربة، بدأت البذور تشعر بتغيُّرٍ غريب؛ دخل الماء من قشرتها، وانتفخت قليلًا، ثم بدأت القشرة تتشقّق رويدًا رويدًا. قالت بذرة في نفسها:

_ ماذا يحدث لي؟ هل أنا أكبر؟ هل حان وقت الاستيقاظ؟

من الظلام، خرج خيط أبيض صغير من أسفل كلّ بذرة، كان ذلك أوّل جذر لها. بدأ الجذر يتسلّل إلى أسفل، يبحث عن الماء والغذاء في التربة. وفي نفس الوقت، بدأت من أعلى البذور نقطة صغيرة خضراء تدفع التراب لتخرج إلى الأعلى.

اقرأ أيضًا: المهندسة نملة| قصة ممتعة عن حياة النمل وتنظيمه

الحديقة تستيقظ

في صباحٍ مشمس، خرجت مرح كالمعتاد إلى الحديقة لتتفقّد نباتاتها، وفرحت كثيرًا عندما رأت شيئًا صغيرًا يطلّ من التربة. اقتربت بحماس، فإذا بها ترى نباتات صغيرة تطلّ من التربة، بعضها كان له ورقة واحدة، وآخر ورقتان، براعم صغيرة جدًّا مختلفة الأشكال.

صاحت مغتبطة:

_ انظري يا أمي! لقد استيقظت حديقتي!

سمعتها البراعم الصغيرة، وشعرت بالفخر، فقالت بلغة لا تفهمها إلاّ النباتات:

_ شكرًا لك يا مرح! لقد سقيتنا وحميتنا…سنكبر الآن ونكون نباتات متنوّعة تزيّن حديقتك!

كانت النباتات ما تزال ضعيفة، سيقانها نحيفة، وجذورها صغيرة. لكنها بدأت تتعلّم تدريجيًا كيف تعيش فوق سطح الأرض.

قالت التربة:

_ أنا سأمنحك الماء والغذاء، يمكنك الحصول عليه من جذورك الصغيرة التي ستصبح أقوى وأكبر.

وقالت الشمس من بعيد:

_ وأنا سأعطيك الدفء والضوء الذي سيحوّل الماء والأملاح إلى غذاء مفيد لتكبري.

أما الهواء من حولها فقال:

_ سأعطيكِ الهواء الذي تحتاجينه لتنمو أوراقكِ ولكي تشعري بالقوة.

فهمت النبتة أنّها تحتاج إلى أربعة أشياء مهمّة لتكبر:
الماء – الهواء – ضوء الشمس – والتربة الجيدة.

مع مرور الأيام، تغيّر شكل النبتة؛ أصبحت جذورها أطول وأقوى في باطن الأرض، وساقها اشتدّ وارتفع أكثر، وظهرت أوراق جديدة أكبر وأعرض. كانت مرح تقف أمامها كلّ يوم تراقب، وتقول:

_ في الأسبوع الماضي كانت صغيرة جدًّا… الآن أصبحت أطول!

ومع مرور الأيام أصبح للنباتات أشكال مختلفة، بعضها تحوّل إلى شتلات طمام ذات أوراق كثيرة. وأخرى صارت نباتات نعناع فوّاحة ذات رائحة طيبة.

فهمت مرح أنّ كلّ هذه النباتات كانت في البداية بذورًا ساكنة، لكن الآن كلٌّ منها يتّخذ شكلًا مختلفًا وطريقة خاصة في النمو، مع أنّ حاجتها الأساسية واحدة.

أزهار، ثمار، وبذور جديدة

مرّت الشهور، ومع العناية والريّ المنتظم، كبرت النباتات التي زرعتها مرح كثيرًا. أصبح لها سيقان قوية، وأوراق كثيفة خضراء. ولاحظت مرح في أحد الأيام شيئًا جديدًا بين الأوراق:

_ ما هذا؟! هناك شيء صغير ملوّن!

اقتربت فرأت برعمًا صغيرًا مغلقًا، كأنه هدية ملفوفة. وبعد أيام قليلة أخرى، انفتح البُرعم وتحوّل إلى زهرة جميلة بأوراق ملوّنة. تنفست النبتة بعمق وقالت:

_ أخيرًا أصبحتُ زهرة كاملة!

راحت النحلات والفراشات تزور الزهرة، تنتقل من زهرة إلى أخرى في الحديقة، تحملُ معها حبوب اللقاح من نبتة إلى أخرى لتساعدها على تكوين بذور جديدة. كانت النباتات تشعرُ بالدغدغة اللطيفة عندما تهبط عليها النحلة. بعد فترة، بدأت أوراق الزهرة الملونة تسقط واحدة تلو الأخرى، تعجّبت مرح وشعرت بالحزن، نباتاتها تذبل، فهرعت إلى أبيها تخبره بما رأت.

ابتسم الأب وقال بلطفٍ موضّحًا:

_ لا تقلقي يا صغيرتي، نباتاتُك بخير، ولكن لا بدّ للزهور أن تسقط حتى تتيح للثمرة أن تنمو وتنضج. الكثير من الأزهار تتحوّل إلى ثمار تحمل بذورًا جديدًا. هكذا تعيش النباتات، وتتكرّر حياتها مرّة بعد مرّة.

انتظرت بضعة أسابيع حتى نضجت ثمرة الطماطم التي زرعتها، فقطفتها بحذر، وفتحتها مع أبيها. في الداخل رأت بذورًا كثيرة تشبه البذرة الأولى التي زرعتها منذ مدة. أمسكت مرح بإحدى تلك البذور وقالت بدهشة:

_ يعني هذه البذرة كانت… في بطن نبتتي؟

ضحك الأب وقال:

_ نعم، هي كانت جزءًا من الزهرة التي أصبحت ثمرة، والآن يمكن أن نزرعها لنحصل منها على نبتة طماطم جديدة.

كانت النباتات الأخرى قد مرّت بمراحل مماثلة:

أزهار الفليفلية القزمية تحولت إلى حبّات فليفلة خضراء وحمراء وصفراء حلوة.

دورة لا تنتهي

في أحد الأيام، قبل أن يحل المساء بقليل، جلست مرح مع أسرتها في الحديقة، والهواء عليل ورائحة النباتات تملأ المكان. نظرت مرح إلى النباتات التي زرعتها منذ أشهر وقالت:

_ لقد فهمتُ الآن حكاية البذرة من البداية: أولًا: تكون بذرة صغيرة نائمة، نضعها في التربة ونغطيها لتشعر بالدفء، ونسقيها، فتشرب الماء وتستيقظ، ويخرج منها جذر إلى الأسفل، وساق وأوراق إلى الأعلى… تكبر وتكبر حتى تُخرج أزهارًا جميلة، ثم تتحول الأزهار إلى ثمار أو حبوب، فيها بذور جديدة.

أكملت أمّها قائلة:

_ وهذه البذور الجديدة يمكن أن نزرعها مرة أخرى، فتبدأ دورة حياة جديدة لنبات جديد.

أخذت مرح بعض البذور التي خرجت من ثمار نباتاتها التي زرعتها سابقًا، وقرّرت أن تزرعها في الحديقة أيضًا، لتبدأ حكاية جديدة. حفرت حفرة صغيرة في التربة، ثمّ قالت للبذور وهي تضعها برفق:

_ لا تخافي من الظلام أيّتها البذور الصغيرة، ستخرجين يومًا إلى النور، وتصبحين نباتات جميلة.

أزهار الليمون القزمي تحوّلت هي الأخرى إلى حبات صغيرة من الليمون صفراء ذات رائحة منعشة.

نبتة النعناع لم تُخرج ثمارًا كبيرة، لكنها كوّنت بذورًا دقيقة تتناثر مع الهواء لإنتاج نباتات جديدة.

هكذا فهمت مرح أن لكلّ نبتة طريقتها في حمل البذور وحمايتها، لكن الهدف واحد: أن تبدأ حياة جديدة من بذرة جديدة.

ابتسم والدها وقال:

_ أحسنتِ يا مرح. عندما نفهم دورة حياة البذرة، نتعلم أيضًا أن نحترم النباتات، فلا نكسر أغصانها، ولا نُهمل ريّها، ولا نرمي القمامة في التربة التي تعيش فيها.

شعرت مرح بالامتنان، ولم تعد ترى البذور أشياء صغيرة بلا قيمة، بل صار لكلّ شيء في الحديقة قصة مشوقّة:

هذه الشجرة الكبيرة كانت يومًا بذرة صغيرة مثل التي في يدها الآن.

وهذه الأزهار الملوّنة كانت براعم خجولة اختبأت بين الأوراق.

وتلك السنابل الذهبية في الحقل بدأت حبوبًا دقيقة تحت الأرض.

نظرت مرح إلى حديقتها وقالت في سرّها:

_ ما أجمل أن أرى الحياة تبدأ من بذرة! كلّ نبتة هنا هي بطلة لها حكايتها الخاصّة، وأنا جزء من هذه الحكاية، أحمي النباتات وأساعدها لتكبر وتنمو من جديد.

تصفّح المزيد من القصص التعليمية للأطفال على موقع حدّوتة.

تصفّح المزيد من القصص القصيرة للأطفال.

شاركنا رأيك بالقصة

Your email address will not be published. Required fields are marked *