رحلة إلى مملكة النحل | مغامرة خياليّة حول صناعة العسل

رحلة إلى مملكة النحل

كان صباحًا دافئًا والنسيم يتسلل عبر نافذة المطبخ، جلست ليان وأخوها آدم مع أمّهما إلى مائدة الإفطار. وضعت الأمّ أمامهما طبقًا صغيرًا من العسل الذهبي اللامع، يلمع كأنه ذهب سائل. غمست ليان قطعة من الخبز في العسل وتذوّقت الطعم الحلو وقالت وهي تضحك:

– “ممم… ما أطيبه! يا أمّي، من أين يأتي العسل؟”
ابتسمت الأم وقالت:

– “العسل هدية من النحل الصغير، الذي يجمع الرحيق من الأزهار ليحوّله إلى طعام لذيذ ومفيد.”

توقّف آدم عن الأكل وحدّق في العسل بتردّد، ثم قال:

– “النحل؟! أنا لا أحب النحل، إنه يلسع الناس. ماذا لو اقترب منّي؟”

ردّت ليان:

– “لكن يا آدم، تخيّل حياتنا من دون عسل… أو من دون زهور وأشجار مثمرة!”

فكّر آدم قليلًا ثم قال:

– “لكن كيف يمكن لهذه المخلوقات الصغيرة أن تصنع شيئًا بهذا الطعم الرائع؟”

ابتسمت الأم وقالت:

– “هذا سرّ عجيب، لن تكتشفوه إلا إذا رافقتم نحلة في رحلتها.”

وفجأة، سمعوا طنينًا خفيفًا عند النافذة. اقتربوا بحذر، فإذا بنحلة صغيرة تقف هناك. رفرفت بجناحيها، وكأنها تقول: “أنا هنا لأجيب عن أسئلتكم، فقط استمعوا لي.”

صداقة مع نحلة اسمها نورا

فتح آدم النافذة قليلًا، فدخلت النحلة وجلست على حافة الكوب. ارتبك وقال بصوت مرتجف:

– “إنها قريبة جدًّا! ماذا لو لسعتني؟”

فجأة، سمعوا صوتًا رقيقًا يشبه همس الريح:

– “لا تخف يا آدم، أنا نحلة طيبة. اسمي نورا، جئت لأكون صديقتكما.”

شهقت ليان بدهشة:

– “هل… هل تتحدثين؟!”

ضحكت النحلة:

– “اليوم فقط تستطيعان سماعي، لأن قلوبكما مليئة بالفضول لمعرفة قصتي.”

اقترب آدم ببطء وقال:

– “لكن… لماذا تلسع النحل أحيانًا الناس؟”

أجابت نورا:

– “نلسع فقط إذا شعرنا بخطر كبير يهدّدنا أو يهدّد مملكتنا. نحن لا نحب الأذى، مهمتنا أن نحمي الأزهار وأن نصنع العسل.”

رفرفت بجناحيها وأضافت:

– “هل تودّان زيارة مملكتي لتشاهدا بأعينكما كيف نصنع العسل؟ ستريان أشياء مذهلة لم يسبق لكما رؤيتها من قبل.”

قفزت ليان بحماس:

– “نعم، نعم! أريد أن أرى كل شيء.”

أما آدم فبقي متردّدًا، لكنه قال أخيرًا:

– “حسنًا… لكن إذا كانت الملكة غاضبة، سأهرب فورًا!”

ابتسمت النحلة وقالت:

– “لا تقلق، الملكة حكيمة وطيبة، ستفرح بزيارتكما. ستكتشفان أن النحل أصدقاء حقيقيون للإنسان.”

ثمّ رفرت بجناحيها فتطاير غبار لامع في الأجواء، ولامس جسد كلّ من لسان وآدم، فراح حجمهما يتقلّص شيئًا فشيئًا حتى أصبحا في حجم نحلة صغيرة. صرخا بدهشة، لكنهما شعرا بخفة غريبة جعلتهما يضحكان في النهاية.

الدخول إلى مملكة النحل

طار الثلاثة معًا فوق الحديقة، وكل شيء بدا ضخمًا أمام الطفلين بحجمهما الجديد. بدت لهما الزهور كغابات ملوّنة، والندى على أوراقها لآلئ ضخمة، وأصوات الطيور صارت كالرعد. كان الطيران ممتعًا جدّا، والهواء يحملهما بخفّة فيزيد إحساسهما بالفرح والمتعة.

مملكة النحل

وما هي إلاّ بضع دقائق، حتّى وصلوا جميعًا إلى خلية كبيرة معلّقة بين أغصان شجرة. كانت الخلية من الخارج تشبه قصرًا ذهبيًّا له أبواب سداسية لامعة.

قالت نورا بفخر:

– “مرحبًا بكم في مملكة النحل، حيث النظام والعمل هما سرّ الحياة.”

دخلوا الخلية، وإذا بعالم عجيب أمامهم: آلاف النحلات تتحرّك في انسجام تام، كأنها جيش منظّم. بعض النحل يجمع الرحيق، وبعضه ينظّف الخلية، وآخرون يعتنون باليرقات الصغيرة.

قالت ليان بدهشة:

– “كل نحلة تعرف عملها! هذا مذهل حقًّا.”

وأضاف آدم:

– “هذه النحلات أكثر التزامًا بالنظام من الطلاّب في مدرستنا!”

ابتسمت نورا وأشارت إلى قاعة كبيرة في وسط الخلية وقالت:

– “هناك تسكن الملكة، تعاليا معي لتتعرّفا إليها. إنها قلب المملكة وروحها.”

ودخلوا القاعة، فرأوا الملكة أكبر حجمًا من باقي النحل، جناحاها يلمعان كالحرير، تحيط بها الحارسات. كانت جميلة ومهيبة، تتحرك ببطء لكن بثقة.

قالت الملكة بصوت هادئ كالموسيقى:

– “مرحبًا بكما أيها الصغيران. سمعنا أنكما تريدان معرفة سرّ العسل.”

انحنت ليان احترامًا وقالت:

– “نعم يا جلالة الملكة.”

أما آدم فابتلع ريقه وقال:

– “من فضلك… لا تجعلي نحلة تلسعني.”

ضحكت الملكة وقالت:

– “أنت في أمان هنا. نورا ستأخذكما في جولة لتريكما خطوات صنع العسل من البداية حتى النهاية.”

كيف نصنع العسل؟

قادَتْهم نورا إلى الحديقة أولًا، حيث الأزهار تتفتح بألوانها الزاهية، وقفت على زهرة حمراء وقالت:

– “الخطوة الأولى: نجمع الرحيق. الرحيق هو سائل حلو داخل الزهرة، نحبه كثيرًا.”

مدّت لسانها الطويل مثل أنبوب صغير وامتصّت بعض الرحيق. قالت:

– “نخزنه في بطوننا في مكان خاص يُسمّى معدة العسل، وهناك يبدأ بالتغيّر بفضل الإنزيمات.”

سألت ليان:

– “وكيف تعرفن الزهرة المفضلة؟”

أجابت نورا:

– “نحن نحب الأزهار المليئة بالرحيق، ونرشد بعضنا بعضًا برائحة خاصة نتركها على الطريق، حتى تتبعنا أخواتنا العاملات.”

عادوا إلى الخلية ومعهم الرحيق. هناك رأوا النحل يمرّر الرحيق من نحلة لأخرى. كل نحلة تمضغه قليلًا وتضيف إنزيمات خاصة، فيتحوّل الرحيق شيئًا فشيئًا إلى عسل.

سأل آدم بدهشة:

– “كأنكم طهاة صغار تعملون في مطبخ كبير لإعداد طعام لذيذ!”

ضحكت نورا وقالت:

– “صحيح، الخطوة التالية هي تجفيف العسل.”

أشارت إلى مجموعة نحلات يرفرن بأجنحتهنّ بقوة، مولّدات تيّارًا هوائيًا خفيفًا.

قالت:

– “تتولّى مجموعة النحلات العاملات هذه مهمّة تجفيف العسل بأجنحتهنّ، حتى يتبخّر الماء منه، فيصبح سميكًا وذهبيًّا.”

_ “منظره مدهش حقًا! يشبه الذهب الخالص!” هتفت ليان.

فابتسمت نورا فخوة بعمل زميلاتها، وقالت:

_ “هيا اتبعاني! لم ننتهي بعد!”

وطارت بخفّة نحو جدران الخليّة، فلحق بها آدم وليان، ليجدا نفسيهما أمام بيوتٍ صغيرة سداسية الشكل، لامعة مشرقة، وسأل آدم مستفسرًا:

_ “ما هذه؟”

أجابت نورا:

– “هنا نخزّن العسل. عندما نملأ العين السداسية، نغلقها بغطاء شمع أبيض حتى يبقى محفوظًا لأطول وقت ممكن دون أن يفسد أو يتخيّر طعمه.”

قالت ليان بإعجاب:

– “إنها تشبه قوارير صغيرة مرتّبة بدقّة!”

وأضاف آدم:

– “أعترف أنكم تعملون بجدّ أكثر منا نحن البشر، ولا تتذمرون أبدًا.”

ابتسمت نورا وقالت:

– “العمل الجماعي هو سرّ قوتنا. كل نحلة تعرف مهمتها، فلا أحد يتكاسل أو يتأخر. كلنا نعمل لأجل مملكتنا.”

السرّ الأخير

جلس الصغيران بعد انتهاء رحلتهما مع نورا في وسط الخلية، حيثُ قدّمت لهما العاملات كؤوسًا صغيرة من الشمع مليئة بالعسل الطازج السائل، وراحت الملكة تراقبهما برفق من بعيد.

قالت نورا:

– “ما يزال هناك سرّ آخر لا تعرفانه عن النحل: نحن لا نصنع العسل فقط، بل نساعد النباتات أيضًا على صنع الثمار!”

سألت ليان:

– “كيف ذلك؟”

أجابت نورا:

– “عندما نزور الأزهار، ننقلُ غبار الطلع من زهرة لأخرى، وهذا يساعد النباتات على إنتاج الثمار. من دون النحل، ستختفي الكثير من الفواكه والخضار، وسيجوع العالم.”

اتسعت عينا آدم من الدهشة وقال:

– “إذن فأنتنّ لا تصنعن العسل اللذيذ وحسب، بل تساعدن الأرض كلّها على الحياة!”

أومأت نورا برأسها وقالت:

_ “هذا صحيح! لقد سخّرنا الله لإعمار الأرض ومساعدة النباتات على إنتاج الثمار، وجعل في العسل الذي نصنعه دواءً وشفاء. على الرغم من صغر حجمنا، لكنّ أثرنا كبير.”

_ “صدقتِ يا نورا…”

اقتربت الملكة وقالت بحكمة:

_ “ولأننّا نعمل بجدّ، فنحن نحبُّ مساعدتكم لنا أيّها البشر، من خلال الحفاظ على الأزهار، وحماية البيئة، وتجنّب أذية بيوتنا… فنحنُ جميعًا شركاء في الحفاظ على الأرض والطبيعة.”

ابتسمت ليان وقالت:

– “سأزرع أزهارًا في حديقتنا من أجلكم كل ربيع.”

وأضاف آدم:

– “وأنا لن أخاف من النحل بعد اليوم، بل سأحميه وأشرح لأصدقائي أهميته.”

ابتسمت نورا، ورفرفت بجناحيها:

_ “هيّا يا صغار! لقد حان وقت العودة!” فطار الثلاثة عائدين، وما إن وقفوا عند نافذة المنزل حتّى عاد جسد كلّ من آدم وليان إلى طبيعتهما، ودّعتهما نورا، ولوّحا لها فيما كانت تحلّق من جديد باتجاه خليّة النحل.

نظر آدم إلى طبق العسل وقال:

– “الآن أعرف كم هو ثمين، ليس بسبب طعمه اللذيذ فقط بل بسبب القصة الرائعة التي تكمنُ خلف صنعه.”

قالت ليان:

– “العسل ليس مجرد طعام، إنه درس في التعاون والحياة والعطاء.”

ضحكت الأم وقالت:

– “يسعدني أنّكما قد تعلّمتما قصّة النحل، واحتفالاً بهذا الإنجاز، سأعدّ لكما غدًا فطيرة العسل!”

_ “يا سلام! فطيرة لذيذة شهيّة مليئة بالفوائد، ستمنحنا القوّة والطاقة!”

هتف آدم فرحًا مسرورًا.

ومنذ ذلك اليوم، لم يعد آدم يخاف من النحل، بل صار ينظر إليها بعين المحبّة والاحترام. ولا يحاول إخافتها أو إشعارها بالخطر حينما يراها. أمّا ليان، فقد واظبت على زراعة الأزهار في حديقة المنزل حتى تساعد النحلات على صناعة المزيد من العسل.

اقرأ المزيد من القصص التعليمية المفيدة على حدوّتة.

شارك القصة

شاركنا رأيك بالقصة

Your email address will not be published. Required fields are marked *