قصة هود عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

هل تتخيل أن تعيش في أرضٍ مليئةٍ بالقصور العالية، والخيام الضخمة، والأنهار الجارية بين الجبال والرمال الذهبية؟
هناك عاش قومٌ أقوياء جدًا، يبنون بأيديهم الأبراج العالية ويقولون: “لا أحد أقوى منا!”
لكن… هل تدوم القوة إلى الأبد؟
في هذه القصة المدهشة، سنكتشف ما حدث لقومٍ نسوا شكر الله، وكيف أرسل إليهم الله نبيًّا اسمه هود عليه السلام ليذكّرهم بالحق، ويعلّمهم أن الشكر والإيمان هما سرّ النعمة والنجاة.
هيّا بنا نبدأ الحكاية، ونغوص في قصة قوم عاد الذين غيّر الله أرضهم بريحٍ عاتيةٍ لم يُرَ مثلها من قبل جزاءً لكفرهم!

قوم عاد

في زمنٍ قديمٍ جدًّا، قبل آلاف السنين، بعد أيام نبيّ الله نوح عليه السلام، عاش قومٌ يُسمَّون عادًا في أرضٍ واسعةٍ جميلة تُسمّى الأحقاف.
كانت تلك الأرض تمتد بين البحر من جهة والجبال من جهة أخرى، تتوسطها أوديةٌ خضراء تجري فيها المياه، وأراضٍ خصبة مزروعة بأنواعٍ كثيرةٍ من الزرع والثمار.
تُشرق الشمس على رمالها الذهبية فيضيء لونها كأنها من نور، ويهبّ النسيم بين أشجار النخيل فيملأ الجوّ بالحياة.

كان قوم عاد أقوياء الجسد عِظام البنية، يرفعون الحجارة الضخمة بسهولةٍ كأنها ألعاب، ويبنون بها القصور العالية ذات الأعمدة العظيمة التي تمتد نحو السماء.

وكانوا يقيمون أيضًا في الخيام الواسعة الجميلة المصنوعة من الأقمشة الغليظة والأعمدة الطويلة التي تشبه الجبال في ضخامتها وثباتها. امتلكوا الإبل والأغنام والأنعام الكثيرة، وعاش بعضهم في القرى المزدهرة المزينة بالأشجار والمياه، بينما سكن بعضهم في البادية بين الكثبان الرملية، يرحلون بأنعامهم من وادٍ إلى وادٍ بحثًا عن الطعام والماء.

كانت حياتهم مملوءةً بالنعم، وأرضهم عامرةً بالخيرات، لكن مع مرور الوقت تسلّل الغرور إلى قلوبهم.
صاروا ينظرون إلى قوتهم العظيمة بإعجابٍ، ويقولون في أنفسهم: من يقدر علينا؟ نحن الأقوى في الأرض!

ونسي هؤلاء القوم أن الله هو الذي منحهم القوة والرزق، فبدل أن يشكروه ويعبدوه، أعرضوا عن عبادته، وتركوا طاعته…
وبعد أن كانوا يعرفون ربهم الواحد، صنعوا بأيديهم أصنامًا من الحجارة والخشب، ثم عبدوها، وراحوا يسألونها المطر والنصر والرزق، وهي لا تسمع ولا ترى، ولا تملك لهم شيئًا!

قصة هود عليه السلام

دعوة هود عليه السلام

أحبّ الله قوم عاد، وأراد لهم الهداية بعد أن ضلّوا الطريق، فاختار من بينهم رجلًا صالحًا حكيمًا اسمه هود عليه السلام.
كان هود معروفًا بين قومه بصدقه وأمانته، يحكم بينهم بالعدل ويقول الحقّ مهما كان صعبًا. كان قلبه مليئًا بالرحمة والخوف على قومه، لا يريد لهم إلا الخير.

وفي يومٍ اجتمع الناس في ساحتهم الواسعة بين القصور والخيام، فوقف هود عليه السلام بينهم وقال بصوتٍ هادئٍ وواثقٍ:
“يا قومي، لماذا تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر؟ هذه التماثيل التي صنعتموها لا تنفعكم ولا تضركم. الله وحده هو خالقكم، وهو الذي أعطاكم هذه القوة والنعم، فاشكروه وعودوا لعبادته، فهو ربّكم وخالقكم.”

"أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم"  الشعراء 133-135.

كان كلامه ينبع من قلبٍ صادق مؤمن، يذكّرهم بالوقت الذي كانوا فيه شاكرين لله، وكيف رزقهم بالماء والزرع والأنعام. تحدث إليهم مرارًا، يومًا بعد يوم، يزورهم في مجالسهم ويكلم كبارهم وصغارهم، ويدعوهم بلينٍ وحكمةٍ وصبرٍ عظيم.

لكنّ أكثر القوم أعرضوا عنه، ضحك بعضهم وسخر آخرون، وقالوا بتكبرٍ:
“يا هود، لا نراك إلا بشرًا مثلنا، ولن نترك آلهتنا من أجلك!”

كان يمكن لهود عليه السلام أن يغضب أو ييأس، لكنه لم يفعل. ظلّ هادئًا، ينظر إليهم بعين الحزن والشفقة، ولا يطلب منهم مالًا ولا جاهًا، ويريد لهم النجاة؛ فالله وحده هو القوي، ومن يشكره تدُم له النعمة.

ومع ذلك، ازداد أكثرهم عنادًا، واشتدّ غرورهم بما يملكون من قصورٍ وأجسامٍ قويةٍ، وقالوا بفخرٍ وتعالٍ:
“من هو الذي يفوقنا قوة؟!”

كانوا يظنون أن قوتهم ستحميهم إلى الأبد، ولم يعلموا أن القوة لا تدوم…

ريح العذاب ونجاة المؤمنين

مرت الأيام، وهود عليه السلام لا يملّ من دعوته لقومه، يتحدث إليهم بالحكمة واللين، ويذكّرهم بنعم الله عليهم، لكن القوم ظلّوا على عنادهم وكبرهم. وكلّما نصحهم ازدادوا غرورًا، ليقولوا بثقةٍ عمياء: من أقوى منا؟!

"وقالوا من أشد منا قوة" - فصلت 15

ظلّوا على هذا الحال حتى استحقوا عذاب الله! وأنزل عليهم وعده الحقّ.
في البداية تغيّر الجوّ في بلادهم تمامًا، فصارت السماء غريبة المنظر، غابت عنها زُرقتها، وسكنت الرياح التي كانت تعوّدوا على نسماتها اللطيفة.
وقف القوم ينظرون إلى السماء بدهشة، لا يسمعون إلا سكونًا عجيبًا، كأن الأرض تتهيأ لانتظار شيءٍ قادم.

ثم، ومن بعيد، بدأ صوت الريح يُسمع خافتًا... يعلو قليلًا قليلًا، حتى صار كالزئير!
هبّت ريحٌ باردةٌ قوية، تقترب منهم شيئًا فشيئًا، تحمل الرمال والحصى، وتدور في دوّاماتٍ ضخمة.
في اليوم الأول ظنّ القوم أنها ستمرّ سريعًا، لكنّها ازدادت شدّةً يومًا بعد يوم، حتى صارت عاصفة هوجاء لا تُطاق.

كانت تقتلع الخيام الضخمة وتُلقيها بعيدًا، وتكسر الأشجار العالية، وتغمر الأرض بالرمال والغبار.
لم يعد أحدٌ يقدر أن يقف أمامها، فقد كانت ريحًا لا تُبقي ولا تذر، تهبّ بلا رحمة، تحمل الغبار والبرد، وتنهي كل شكل للحياة في طريقها.

استمرّت تلك الريح سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متتابعة، لا يهدأ فيها الهواء، ولا يجد أحدٌ مأمنًا منها، حتى هلك كل من كفر وتكبّر على الله، الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم.

"فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون" فصلت 16

أما هود عليه السلام ومن آمن معه، فقد أنجاهم الله برحمته. كانوا في مكانٍ آمنٍ بعيد عن الرياح، يسمعون صوت العاصفة من بعيد ولا تمسّهم بسوء، لأنهم صدّقوا نبيهم وآمنوا بربهم.

وعندما انقضت العاصفة وسكنت الأرض، لم يبقَ في ديار قوم عاد أحدٌ من المكذّبين بدعوة هود عليه السلام!
هدأت الأرض بعد العاصفة، إنها عبرةٌ خالدة، تذكّر الناس في كل زمان بأن النعمة لا تدوم إلا بالشكر، وأن القوة لا تنفع من يعصي ربَّه.

وهكذا انتهت قصة قوم عاد، قصة العاصفة التي قضت على كبرياء من تجبروا، وأنجت أصحاب القلوب المؤمنة المطمئنة.

العبر المستفادة من قصة هود عليه السلام

تعلّمنا قصة هود عليه السلام دروسًا عظيمة لا تُنسى:

  1. الشكر سرّ النعمة: من يشكر الله على ما عنده، يبارك الله له ويزيده من فضله.
  2. القوة الحقيقية في الإيمان: فالله هو الأقوى، ومن يعتمد عليه لا يخاف أحدًا.
  3. الغرور طريق الهلاك: من يتكبّر وينسى خالقه، تزول عنه النعمة مهما كان قويًا.
  4. الصبر في الدعوة: مثل هود عليه السلام، الذي لم ييأس رغم سخرية قومه، بل واصل نصحهم برحمةٍ وثبات.
  5. العاقبة للمتقين: فالله أنجى المؤمنين ونجّاهم من العاصفة، لأن قلوبهم كانت مليئة بالإيمان.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ المزيد من قصص الأنبياء المليئة بالعبرة والفائدة على حدّوتة.

شاركنا رأيك بالقصة

Your email address will not be published. Required fields are marked *