
الصغير الصائم، قصّة قصيرة للأطفال تدرّب الصغار على الصيام والاستعداد لشهر رمضان المبارك، بأسلوب ممتع جذّاب يحبّب الأطفال في الشهر الفضيل وعبادة الصوم العظيمة.
القرار
إنّها ليلة الأخيرة من شهر شعبان، وفي الغد سيكون أوّل أيام شهر رمضان الكريم، كانت المدينة تتلألأ بزينة رمضان، الأطفال يلعبون في الخارج مع أصدقائهم حاملين فوانيسهم سعداء بقدوم هذا الضيف العزيز الذي طال غيابه عنّا.
دخل عمرُ الصغير ذو الأعوام السبعة على والديه في غرفة الجلوس حاملاً فانوسه الجديد، وقال بفرح:
“أريد أن أصوم معكم غدًا، فأنا كبير الآن!”
ابتسمت الأم، ومسحت على رأسه بلطف قائلة:
“الصوم عبادة عظيمة يا عمر، ويحتاج نية صافية وقوّة، واستعداد أيضًا. سأوقظك قبل الفجر لتناول السحور معنا، ففي السحور بركة، وهي فرصة للذكر وقراءة القرآن، والدعاء.”
“حسنًا!” قال عمر سعيدًا، ثمّ ذهب إلى النوم باكرًا حتى يستطيع الاستيقاظ للسحور.
استيقظ عمر على صوت والده وهو يهمس في أذنه برفق:
“هيا يا بطل، لقد حان وقت السحور.”
فتح عمر عينَيه بتثاقل، ثم ما لبث أن نهض بسرعة متذكّرًا أنّ هذا أوّل يومٍ له في رمضان. جلس إلى المائدة مع والديه، فرأى أصنافًا بسيطة من الطعام: تمر، وحليب، وخبز، وجبنة.
قال الأب مبتسمًا وهو يضع بعض التمر في طبق عمر:
“يا عمر، في السحور بركة، والنبي ﷺ أوصانا به. فهو يُقوّي الجسد على الصيام، ويُذكّرنا أن نبدأ يومنا بذكر الله.”
سأل عمر وهو يأخذ رشفة من الحليب:
“هل يكفيني أن آكل فقط يا أبي؟”
أجاب الأب:
“الأكل مهم، لكن الأهم أن تذكر الله، وأن تنوي الصيام بقلبٍ صادق. وبعد أن نفرغ من السحور، سنصلّي الفجر معًا، فهي صلاة عظيمة، وفي رمضان لها طعم خاص. من يصلّي الفجر كأنما بدأ يومه بنورٍ وبركة.”
أحسّ عمر بالفرح وهو يسمع كلمات أبيه، وقال بحماس:
“أريد أن أجرّب قراءة الأذكار أيضًا بعد الصلاة!”
ضحكت الأم وقالت:
“هكذا يكون الصائم الصغير المجتهد. بالصيام، والصلاة، والذكر، يُصبح قلبك أنقى، وروحك أقرب إلى الله.”
ثمّ نهض الجميع فتوضؤوا، ووقف عمر إلى جوار أبيه في صلاة الفجر، قلبه يخفق بالسعادة لأنه بدأ رحلته الأولى مع الصيام في شهر رمضان المبارك.
بعد أن صلّى عمر الفجر مع والده وقرأ بعض الأذكار، عاد إلى فراشه ليستريح قليلًا. وما إن أشرقت الشمس حتى أيقظته أمّه برفق لتجهيزه للمدرسة. فتح عينيه مبتسمًا، فقد كان يشعر بالفخر أنه صائم مثل الكبار. نهض بحيوية، غسل وجهه، وارتدى ملابسه المدرسية وهو يردّد في نفسه:
“اليوم سأصمد وأُثبت أنني قادر على الصيام!”
ثم تناول حقيبته التي أعدّها ليلًا، وخرج مع والده نحو المدرسة، وفي قلبه بهجة كبيرة لأنه يعيش أوّل تجربة رمضانية حقيقية في حياته.
كان يسير في طريقه وهو يشعر أن قدميه أخفّ من العادة، وأن في صدره طبلة صغيرة تدق بحماس. كانت الشمس دافئة، والهواء مليئًا برائحة الخبز الطازج من المخبز القريب. عندها همس في نفسه بسؤال:
“هل سأتمكّن من الصمود حتى المغرب؟”
ثم ابتسم وقال:
“أنا الصغير الصائم… وسأحاول بكل قوتي.”

أول مواجهة مع وحش الجوع
ما إن رنّ جرس الحصّة الثانية حتى بدأ بطن عمر يُصدر أصواتًا غريبة، كأنه يقرع طبولًا بعيدة. ابتسم بخجل، ثم تخيّل أن في بطنه غابةً صغيرة تسكنها كائنات مضحكة اسمها وحوش الجوع.
ظهر أولهم قصيرًا مستديرًا يقرع الطبول واسمه جائع، والثاني طويل نحيف يمسك شوكة كبيرة اسمه نَهِم، أما الثالث فيلوّح بملعقة لامعة اسمه لُقمة. وراحوا جميعًا يهتفون:
“نريد الطعام! نريد الطعام!”
رفع عمر يده فوق الطاولة مثل قائد شجاع وقال في نفسه:
“لن تهزموني… سلاحي هو الإرادة!”
أغمض عينيه قليلًا، ووضع يده على بطنه وهمس:
“اللهم قوّني.”
فشعر أن الوحوش تتباطأ وتتراجع. فتح عينيه فوجد قلبه أكثر هدوءًا. حاول التركيز مع المعلمة وهو يكتب الإملاء، لكن الطبول عادت تقرع. عندها بدأ يعدّ أنفاسه ببطء:
شهيق… زفير… كأنه ينفخ سحابة صغيرة تطفئ نار الجوع.
نظر إلى الساعة ورأى أن الوقت يمضي، فابتسم وقال:
“كل دقيقة تمرّ خطوة جديدة نحو النصر.”

تفرقت الوحوش قليلًا، وقال جائع وهو يقرع طبلته: “سأعود بعد الاستراحة!” أما نَهِم ولُقمة فجلسا يراقبان هذا الصغير الذي لم يستسلم لهما بسهولة.
مغريات الحلوى في المدرسة
في وقت الاستراحة، فتحت لمى علبة مليئة بالحلوى، ألوانها تلمع مثل قوس قزح. واقترب حسان وهو يلوّح بقطعة شوكولاتة قائلًا:
“خذ نصفها يا عمر!”
ابتلع عمر ريقه بصعوبة، وكأن رائحة الحلوى تهب عليه مثل عاصفة من كل اتجاه. شعر كأن مغريات الحلوى تدور حوله وتدعوه:
“جرّب طعم الفراولة! فقط لقمة صغيرة! لن يلاحظ أحد!”
لكن عمر تذكّر وعده لنفسه. تنفّس بعمق وابتسم بلطف قائلًا:
“شكرًا لكما، لكن اليوم صائمٌ. ادعوا لي أن أستمر.”
قالت لمى بإعجاب: “أنت شجاع حقًّا، أنا لم أستطع صوم يومٍ كامل بعد، أرجو لك التوفيق”
وأضاف حسان وهو يعيد الشوكولاتة: “إن صبرت اليوم، غدًا لك قطعتان!”
ضحكوا جميعًا، فتراجعت تلك المغريات بعيدًا. حاول جائع أن يقرع طبلته في بطن عمر من جديد، وأشار نَهِم بالشوكة، ولوّح لُقمة بملعقته، لكنهم لم ينجحوا؛ فقد كان في قلب عمر نور صغير يزداد قوة كلما قال لنفسه: “أنا أستطيع.”

سلاح الإرادة والخطط الذكية
عاد عمر إلى الصف وهو يشعر ببعض التعب، فتذكّر خطته التي سماها سُلّم الإرادة. كان يتخيّل هذا السلم كدرجات يصعدها كلما شعر بالضعف؛ في الدرجة الأولى يجدّد النية، وفي الثانية يتصور نفسه عند المغرب يبتسم وهو منتصر، وفي الثالثة يقوم بعمل صالح صغير، أما الدرجة الأخيرة فهي أن يغيّر المشهد إذا استطاع.
بدأ بالدرجة الثالثة مباشرة، فرفع يده واستأذن المعلمة أن يرتب مكتبة الصف. وبينما كان يعيد الكتب إلى أماكنها، كان يقرأ العناوين ويبتسم، كأن كل كتاب يقول له: “أنت تستطيع”.
وفي الاستراحة القصيرة، أدّى صلاة الظهر في مصلّى المدرسة مع زملائه، وخرج بعدها إلى الساحة يتمشّى قليلاً، فرأى صديقه ياسين حزينًا لأنه أخطأ في مسألة حسابية. جلس بجانبه وقال: “دعنا نحاول معًا.” جلسا على المقعد الخشبي وشرح له الخطوات حتى قال ياسين بفرح: “فهمت!” عندها شعر عمر بخفة عجيبة، كأن قطعة من السعادة ذابت في قلبه فأشبعت روحه.
وحين عادت وحوش الجوع لتقرع طبولها، وجدها أضعف من قبل، فقد امتلأ قلبه بفرح المساعدة. قال نَهِم بدهشة: “كيف يشبع من غير طعام؟” فردّ لُقمة وهو يحك رأسه: “ربما تشبعه النية والعمل الطيب.”
وهنا أدرك عمر أن سلاحه الحقيقي ليس أن يرفض الطعام فقط، بل أن يشغل نفسه بما ينفعه ويملأ قلبه بالسرور.
طريق العودة إلى البيت

مع انتهاء الدوام المدرسي، خرج عمر من بوابة المدرسة بخطوات بطيئة، فقد بدأ يشعر بجوعٍ أكبر من ذي قبل. وفي الطريق إلى البيت، مرّ بالسوق القريب، حيث كانت المحالّ تزدحم بالناس استعدادًا للإفطار. وقف قليلًا يتأمل الألوان الزاهية للحلويات الرمضانية؛ الكنافة المزيّنة بالفستق، والقطايف المحشوة بالقشطة والجوز، وصواني البقلاوة اللامعة بالعسل. وعلى الجهة الأخرى، رأى الباعة يرفعون أباريق عصائر قمر الدين والتمر الهندي، فتطايرت الروائح العذبة التي أيقظت جوعه أكثر.
توقّف عمر، وشعر أن معدته تصرخ: “أريد فقط لقمة صغيرة!” لكنه تذكّر سُلّم الإرادة الذي بناه في عقله، وأغمض عينيه متخيّلًا نفسه عند المغرب، يبتسم وهو يجلس مع عائلته على المائدة، يفطر بتمرة وكوب ماء بارد. عندها ابتسم وقال لنفسه:
“لن أسمح لهذه الروائح أن تُسقطني. سأصبر، والنصر قريب.”
ومضى في طريقه بخطوات أقوى، كأن صبره غلب الجوع، وحوّل ضعفه إلى قوة.
في البيت وأجواء رمضانية دافئة
ما إن وصل عمر إلى البيت، حتى استقبلته أمّه بابتسامة واسعة، وقالت وهي تفتح له الباب:
“مرحبًا بالصائم الصغير، كيف كان يومك؟”
خلع عمر حقيبته وجلس قليلًا ليستريح، ثم أخذ يحكي لها بحماس عن سلّم الإرادة، وكيف ساعد صديقه ياسين، وكيف قاوم روائح الحلويات في الطريق. استمعت إليه أمّه بفخر وربّتت على كتفه قائلة:
“هكذا يكون الصائم حقًا، صبر وعمل صالح.”
في تلك الأثناء، كانت رائحة الكنافة الساخنة تعبق في أرجاء البيت، وصوت أباريق العصائر ينسكب في الأكواب: قمر الدين، تمر هندي، وليمون بالنعناع. وعلى المائدة بدأت تظهر أطباق الشوربة، والسلطة، والسمبوسك. نظر عمر إليها بعينين تلمعان، ثم ابتسم وهو يقول:
“سأصبر قليلًا بعد، حتى نسمع الأذان.”
ساعة العصر والاختبارات
حين حلّت ساعة العصر، شعر عمر أن عقارب الساعة تمشي ببطء شديد، كأنها لا تريد الوصول إلى المغرب أبدًا. ومن بيت الجيران تسلّلت رائحة طعام شهيّة، فبدت له مثل لحن طويل يزداد إغراءً كل دقيقة. عندها تخيّل أصدقاءه في عقله: جائع يقرع طبله بقوة، ونَهِم يلوّح براية كتب عليها “استسلام”، بينما لُقمة يرفع ملعقته الفضية متحديًا.
كاد قلب عمر يستسلم، وشعر بعينيه تلمعان من التعب، لكنه تذكّر الدرجة الأخيرة من سلّم الإرادة: غيّر المشهد. فاستأذن أمّه وخرج مع أبيه إلى الحديقة القريبة. هناك جلسا يلعبان لعبة “عدّ الغيمات”. ابتسم الأب وقال:
“كل غيمة تمرّ فوقنا تعني أن الأذان صار أقرب.”
ضحك عمر، وشعر أن معدته تهدأ شيئًا فشيئًا. وفي طريق العودة، مرّا بمركز خيري صغير، فدخل عمر مع أبيه ليساعد المتطوعين في ترتيب صناديق الطعام التي ستوزّع عند المغرب. حينها أحسّ أن الجوع يذوب، وأن قلبه امتلأ بالطمأنينة.
قال نَهِم بدهشة في خياله: “إنه يساعد في إطعام الآخرين… فيشبع هو!”
وعلى الطريق، مرّا بجانب بائع يترنّم بلحن شعبي، فأخذ عمر يردّد معه ببساطة. وكل نغمة كان يغنيها تُبعد عنه التعب وتقرّبه من لحظة النصر.
عاد عمر إلى البيت أكثر صبرًا، كأن على كتفيه جناحين صغيرين من العزيمة.
اقرأ أيضًا: قصص الحيوان في القرآن الكريم: الهدهد والنبي سليمان

أذان المغرب والنصر الصغير
تلوّنت السماء بدرجات الغروب؛ برتقالي يذوب في زرقة المساء، والبيت يملؤه دفء وانتظار. جلست الأم تُرتّب المائدة بحب، فوضعت التمر والماء أولًا، ثم أطباق الشوربة والسمبوسك، وكوب اللبن الأبيض يلمع كهدية صغيرة. التفّت الأسرة حول الطاولة، وكل واحد منهم يهمس في قلبه بدعاء وذكر.
كان قلب عمر يخفق مثل طبلة فرح، ومع ذلك بقي هادئًا متماسكًا. وفجأة دوّى صوت الأذان من المئذنة القريبة، فأحسّ وكأن نافذة نور فُتحت في صدره.
أغمض عينيه، رفع دعاءً قصيرًا، ثم شرب أول رشفة ماء ببطء، كأن جدولًا باردًا يجري في عروقه. أخذ تمرتين كما علّمه والده، وأتبعها بدعاء لأسرته وأصدقائه. ابتسم وقال بصوت واثق:
“لقد تغلّبت اليوم على وحوش الجوع ومغريات الطريق.”
صفق أخوه الصغير بحماس وصاح: “عمر بطل رمضان!”، فضحك الأب وقال:
“هذا هو النصر الحقيقي يا عمر: أن تختار الصبر وتثبت عليه.”
أضافت الأم بعينين تلمعان بالفخر:
“والأجمل أنك لم تصبر وحدك؛ بل استعنت بالذكر، والعمل الطيب، ومساعدة الآخرين.”
وفي خيال عمر، رأى جائع يطوي طبلته مطأطئ الرأس، ونَهِم يلوّح براية بيضاء مستسلمًا، أما لُقمة فوضع ملعقته جانبًا مبتسمًا:
“نعرف الآن أن قلبك أقوى… لكننا سنجرب حظنا غدًا.”
رفع عمر نظره إلى السماء فرأى النجمة الأولى تشرق في الأفق، فابتسم ووعد نفسه أن يجعل من كل يوم في رمضان مغامرة جديدة وانتصارًا صغيرًا، يقرّبه أكثر من سرّ الصيام: الصبر، والشكر، ونشر الخير بين الناس.

الأمسية الرمضانية الأولى
بعد أن انتهت الأسرة من الإفطار وجلست قليلًا تتبادل الضحكات والحديث، نهض الأب قائلًا:
“هيا يا أحبّتي، لنستعد لصلاة التراويح.”
ارتدى عمر ثوبه الصغير ومشى بجانب والده إلى المسجد، حيث كانت أصوات التكبير والقرآن تملأ المكان بهدوء مهيب. وقف عمر بين الصفوف، يستمع إلى الإمام وهو يتلو آياتٍ عذبة، فأحسّ كأن الكلمات تنير قلبه مثل الفوانيس المضيئة في الشارع.
وبعد الصلاة، جلس مع والده يرددان الأذكار، ثم عادا إلى البيت فوجد الأم تقرأ في المصحف، فأخذ عمر مصحفه الصغير وجلس بجانبها يقلّدها، يمرّر إصبعه على السطور ويحاول قراءة بعض الآيات التي يحفظها.
وفي تلك اللحظة، شعر أن قلبه ممتلئ بالسكينة، وأن تعبه طوال النهار تحوّل إلى طمأنينة جميلة. ابتسم وقال لنفسه:
“أريد أن أصوم غدًا أيضًا… وأكمل مغامرتي مع رمضان.”
وهكذا، انتهت أمسيته الرمضانية الأولى، لكنه كان يعلم أن كلّ يوم جديد سيحمل له دروسًا صغيرة، وانتصارات أكبر، وقربًا أعمق من الله.
استمع الآن إلى مجموعة من الأغاني الرمضانية المميزة للأطفال.