مغامرات الصغير الصائم: وليمة عند الجيران

لنشارك عُمر وليمة عند الجيران! يُقال إنّ الجار قبل الدار، وأنّ أجمل العطايا هي تلك التي نقدّمها ونحن في أمسّ الحاجة إليها. في قصّة اليوم، نرافق صديقنا الصغيرَ عُمر في رحلة إيمانية جديدة خلال شهر رمضان المبارك، لنتعلم معه معنى “الإيثار”، وكيف تتحوّل المشاركة البسيطة إلى بركة تملأ البيوت سعادة ودفئًا. فلنقرأ القصّة معًا!

الجيران الجدد

حلّ يوم جديد من أيام الشهر الفضيل، واستيقظ عمر باكرًا، ارتدى ملابسه، وحمل حقيبته على عجل متوجّهًا إلى المدرسة. كان سعيدًا جدًّا فقد اعتاد على الصيام، ولم تعد وحوش الجوع تخيفه كما كان الحال في أوّل يوم صومٍ له. وفيما كان يغادر المنزل، رأى شاحنة صغيرة تتوقّف أمام البيت المقابل لهم، وينزل منها رجل طيّب ومعه عائلته، زوجته وطفلان يماثلان عُمر في السنّ.

ثمّ راحت العائلة تُنزل حقائب وصناديق كبيرة من الشاحنة. وتُدخلها إلى البيت. قال عُمر محدّثًا نفسه:

_ يبدو أنّ جيرانًا جددًا قد انتقلوا إلى حيّينا….

ثمّ تابع مسيره إلى المدرسة. وهناك التقى بصديقيه، حسّان ولُمى، فأخبرهما عن الجيران الجدد.

قال حسّان:

_ نعم سمعتُ من أبي أنّ عائلة جديدة ستنتقل إلى الحيّ، يُقال أنّهم غرباء قد أتوا من بلد غير بلادنا.

وأضافت لُمى:

_ هذا صحيح، أنا أيضًا سمعتُ أمّي تحدّث جارتنا عنهم، تقول لها أنّهم قد مرّوا بأوقات صعبة قبل أن يصلوا إلى هنا.

قال عُمر:

_ علينا إذن أن نكون لطفاء معهم، ونصادق أطفالهم حتى لا يشعروا بالوحدة أو الحزن.

وهزّ كلّ من حسان ولُمى رأسيهما موافقين، ثمّ دخل الأستاذ سامي إلى الصفّ، وجلس كلّ في مكانه استعدادًا للدرس.

درسٌ عن الإيثار

كتب الأستاذ سامي على السبّورة عنوان الدرس:
“الإيثار والمشاركة”

ثم التفت إلى التلاميذ وقال:
– من منكم يعرف معنى الإيثار؟

رفعت لمى يدها وقالت:
– يعني أن أعطي غيري شيئًا أحبّه، وأقدّم حاجته على حاجتي.

ابتسم المعلّم وقال:
– أحسنتِ يا لمى. الإيثار هو أن تفكّر في غيرك قبل أن تفكّر في نفسك، خصوصًا إذا كان ما تعطيه له هو شيء تحبّه. وقد شجّعنا النبي  ﷺ على التحلّي بخلق الإيثار، إذ يقول عليه السلام في الحديث الشريف: “لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه”.

نظر إلى التلاميذ وأضاف:
– والمشاركة قريبة من الإيثار، فهي أن نتقاسم النِعم مع الآخرين، فلا نأكل وحدنا وننسى من حولنا، ولا تنسوا أننا في شهر رمضان المبارك. في هذا الشهر، نُحبّ أن نطعم الجائعين، وأن نشارك الفقراء والمحتاجين بما نستطيع، وفي هذا أجر عظيم جدًّا.

كان عمر ينصت باهتمام. تذكّر العائلة الجديدة التي انتقلت إلى الحيّ، وتخيّل كيف يشعر الإنسان عندما يأتي إلى مكان جديد لا يعرف فيه أحدًا.

قال ياسين:
– يا أستاذ، قبل رمضان كنت أحضر معي إلى المدرسة طعامًا أحبّه جدًّا، وأرى أن صديقي قد نسي طعامه، فأفكّر: أأشاركه أم أحتفظ به لنفسي؟

ابتسم الأستاذ سامي وقال:
– تمامًا هذا ما أتحدّث عنه، إن شاركته طعامك، أو أعطيته الجزء الأكبر منه، فهذا إيثار. ستشعر بالجوع قليلًا، لكنّ قلبك يمتلئ سعادة.

ثمّ نظر إلى عمر وسأل:
– ماذا عنك يا عمر؟ متى تشعر أنّك تريد أن تشارك غيرك؟

فكّر عمر قليلًا وقال:
– عندما أرى شخصًا حزينًا أو محتاجًا، أشعر أنّ طعامي لا يكون لذيذًا إذا لم أشاركه وإذا شعرت أن غيري يشتهيه. لكن… أحيانًا أتردّد، خصوصًا إذا كان شيئًا أحبّه جدًّا.

ضحك التلاميذ، وقال الأستاذ:
– هذا طبيعي يا عمر، لهذا نحتاج أن نتعلّم ونعوّد أنفسنا على المشاركة، المؤمن يحاول أن يقاوم رغباته ويتخلق بالأخلاق الحسنة قدر استطاعته، والإيثار من هذه الأخلاق التي تحتاج جهدًا وتعويدًا.

قبل نهاية الحصّة قال الأستاذ:
– أريد من كلّ واحد منكم أن يقوم بعمل واحد على الأقلّ هذا الأسبوع، يشارك فيه غيره شيئًا يحبّه: طعامًا، لعبةً، وقتًا، أو مساعدة. ويبقي هذا العمل سرًّا بينه وبين الله، ولا يحدّث أحدًا به.

خرج عمر من الصفّ وهو يفكّر:
هل سأكون قادرًا حقًّا على هذا؟
لم يكن يعلم أنّ الفرصة قريبة جدًّا… أقرب ممّا يتخيّل.

الاستعداد للوليمة

مرّت بضعة أيّام على انتقال الجيران الجدد إلى الحيّ، وعلى المهمّة التي أوكل بها الأستاذ سامي لطلابه. كانت شمس العصر تميل نحو الغروب، والسماء مصطبغةٌ بلونٍ ذهبيّ هادئ، كأنّها تستعدّ لاستقبال أذان المغرب. في الحيّ، كانت رائحة الطعام تنتشر من النوافذ، وأصوات الأطباق تتعالى في كلّ بيت كالعادة، استعدادًا للإفطار.

أمّا عمر الصغير، فكان يقف عند النافذة، يراقب الشارع بهدوء، ويفكّر في عمل يمكنه القيام به ليشارك ما يملك مع الآخرين، حينما نادته أمّه من المطبخ:

– عمر! تعال ساعدني يا صغيري!

دخل مسرعًا إلى المطبخ، فوجد أمّه مشغولة بطبقٍ كبير من الأرزّ بالدجاج، مزّين بالمكسّرات، ورائحته طيّبة جدًّا.

سألها عمر:
– ما هذا الطبق الضخم يا أمّي؟ يبدو أشهى من المعتاد!

ابتسمت الأمّ وقالت:
– اليوم، سيكون إفطارنا في بيت جيراننا الجدد، عائلة أبي سليم. لقد اتفق جميع الجيران في الحيّ على أن يعدّ كلّ منهم طبقًا ويحضره إلى بيت العائلة الجديدة، لنتشارك معًا الطعام، ونتعرّف عليهم أكثر.

اتّسعت عينا عمر:
– وليمة عند الجيران؟ هذا رائع!

قال الأب وهو يدخل الغرفة:
– أخبرني جارنا أبو حسّان، أنّهم غرباء من بلد مجاور، وإمكانياتهم قليلة حاليًا، فقد لا يستطيعون تقديم الكثير. لذلك قرّرنا جميعًا أن نأخذ معنا إفطارنا حتّى لا نُثقل عليهم، ولنُشعرهم بجوّ العائلة. فنحن في هذا الحيّ عائلة واحدة كبيرة.

نظر عمر إلى الطبق مرّة أخرى، كان هذا الطبق من أحبّ الأطعمة إلى قلبه، وهو يحبّ أن يبقى منه لليوم التالي. شعر بصراعٍ صغير في قلبه.
قال بصوت خافت:

– وهل سنأخذ كلّ هذا الطبق إلى بيت الجيران؟

لاحظ الأب تردّده، فجلس بجانبه وقال بهدوء:

– نعم يا صغيري، سنتشاركه مع عائلة أبي سليم وبقيّة الجيران، وسيشاركوننا هم أيضًا طعامهم. ولأنّ ظروف العائلة الجديدة صعبة، فعلينا أن نتحلّى بخلُق الإيثار، ونقدّم حاجتهم إلى الدعم والوليمة على حاجتنا.

هزّ عمر رأسه وتذكّر كلام الأستاذ سامي، وتذكّر كيف طلب منهم أن يقدّموا شيئًا يحبّونه لغيرهم. واصل الأب:

– نحن اليوم أمام فرصة. هذا الطبق الذي تحبّه سيكون سببًا في إدخال السرور على قلوب جيراننا الجدد وبوابة للأجر والثواب، تخيّل شعورهم عندما يرَوْننا نشاركهم بهذا الكرم، وهم ما زالوا غرباء في الحيّ.

قالت الأمّ بلطف:
– وسأُعدّ لك في يومٍ آخر طبقًا تشتهيه أيضًا. لكنّ هذه الليلة قد لا تتكرّر.

ظلّ عمر صامتًا لحظة، ينظر إلى الطبق، ثمّ قال ببطء:
– حسنًا يا أمّي… لنأخذ الطبق كلّه معنا. أريد أن أكون من أهل الإيثار، مثلما تحدّث الأستاذ في الصفّ!

ابتسم الأب بفخر وربّت على كتف عمر:
– هذا هو ابني الصغير البطل، صاحب القلب الكبير.

ساعد عمر أمّه في تغطية الطبق، ووضعوا الحلوى في صندوق أنيق، واستعدّوا للذهاب. في الطريق إلى بيت الجيران، كان عمر يشعر بمزيجٍ من الحماس والفضول، وفي نفسه شيء من الندم لأنه ضحّى بطبقٍ يحبّه، لكنّه كان يحاول أن يركّز على القيمة العظيمة لما يفعله: أنا أشارك… أنا أؤثِر غيري على نفسي.

ثمرة الإيثار

اجتمع سكّان الحيّ جميعًا في الشارع المجاور، وارتسمت البهجة على كلّ من وجوه عُمر وحسّان ولُمى عندما التقوا مجدّدًا وأدركوا أنّهم سيتناولون اليوم الإفطار معًا. سار الجيران معًا إلى بيت أبي سليم، وطرق أبو عمر الباب بلطف. انتظر للحظات قبل أن تفتح أمّ سليم الباب، كانت ترتدي ثوبًا بسيطًا، وعلى محيّاها ارتسمت تعابير متمازجة، من الطيبة والوقار، ولكن أيضًا كان على محيّاها إمارات واضحة من الحزن والوحدة.

تفاجأت كثيرًا حينما رأت الجيران يقفون عند بابها، وقالت لها أمّ عُمر بلطف:

_ من عاداتنا في هذا الحيّ أن نستقبل الجيران الجدد بوليمة نعدّها معًا ونتناولها في منزل العائلة الجديدة. فهلّا تسمحين لنا بالدخول؟

_ بالطبع، أهلاً وسهلاً بكم جميعًا، يسرّنا ويُسعدنا استضافتكم في منزلنا المتواضع.

دخل عمر مع والديه، فرأى غرفة جلوس متواضعة، لكنّها نظيفة ومرتّبة، وقد فرشت فيها مائدة صغيرة على الطاولة وفيها بعض الأطباق البسيطة: حساء، بعض الخبز، طبق من الأرزّ، وطبق صغير من السلطة.

ركض طفلان لاستقبالهم؛ صبيّ اسمه سليم، في سن عمر تقريبًا، وفتاة صغيرة اسمها سلمى. قال سليم:
– أهلًا وسهلًا بكم! نحن سعداء بقدومكم إلينا.

كان أبو سليم يجلس في زاوية الغرفة يقرأ ما تيسّر من آيات القرآن الكريم، وبادر على الفور بالترحيب بالجيران، وقد بدا عليه السرور والغبطة.

قال الأب وهو يضع الطبق الكبير على المائدة:
– ونحن سعداء أكثر بانضمامكم إلى حيّنا… بهذا تكبر أسرتنا وتتسع.

اقترحت أمّ سليم:

_ الجو جميل اليوم، فما رأيكم أن نتناول الإفطار في الباحة الخلفية؟

رحّب الجميع بالفكرة، وقاد أبو سليم الرجال إلى الباب الخلفي، فيما راحت النسوة يساعدن أمّ سليم في تجهيز المائدة الكبيرة ووضع أطباق الطعام التي أحضروها عليها.

فتحت أمّ سليم غطاء الطبق الذي أحضرته عائلة عمر، فتفاجأت بحجمه ورائحته الشهية، وقالت بامتنان:
– ما كان يجب عليكم أن تكلّفوا أنفسكم هذا العناء…

ابتسمت أمّ عمر وقالت:
– هذا أقلّ ما نقدّمه لإخوتنا في شهر الخير والبركة.

وما هي إلاّ لحظات حتى تعالت أصوات الأذان معلنة عن وقت الإفطار، كان الفناء دافئًا جميلاً، مزيّنًا بنباتات منزلية جميلة، وزينة رمضانية دافئة، جلس الجميع حول المائدة، وبدؤوا بتناول التمر والماء، ثمّ راحوا يسكبون من الأطباق الشهيّة التي أحضرها الجيران: الأرز الشهي مع الدجاج من بيت أبي عمر، السلطات الملوّنة من بيت أبي حسّان، حساء الخضار الساخن الذي أحضرته عائلة لُمى وأطباق أخرى متعدّدة أعدّتها بقية العائلات.

جلس عمر إلى جانب سليم. كان سليم ينظر بإعجاب إلى الطبق الذي أحضره عمر وعائلته. قال بهدوء:

– لم نأكل منذ وقتٍ طويل طبقًا بهذا الشكل…

شعر عمر بشيء يتحرّك في قلبه. مدّت أمّه إليه طبقًا فيه قطعة كبيرة من الدجاج، فقالت:

– هذه حصّتك يا عمر، فأنت تحبّها.

نظر عمر إلى القطعة، ثمّ إلى سليم الذي يأخذ قطعًا صغيرة بحذر، كأنه يخاف أن يكثر. تذكّر درس الأستاذ، وتذكّر قراره قبل قليل. دفع الطبق برفقٍ نحو سليم وقال:

– سليم، هل تأخذ هذه القطعة؟ يمكننا أن نتقاسمها سويًّا.

نظر سليم إليه متفاجئًا:

– حقًّا؟ إنها حصّتك أنت!

ابتسم عمر وقال:

– الطعام يصبح ألذّ عندما نشاركه مع الأصدقاء.

شاركاه القطعة، وأخذ عمر لنفسه قطعة أصغر، لكنّه شعر بسعادةٍ كبيرة في صدره، كأنّ قلبه بدأ يكبر ويتسع!

بعد الإفطار، جلس الكبار يتحدّثون. حكت أمّ سليم كيف اضطرت عائلتهم للرحيل عن بلدهم الأمّ بسبب الظروف الصعبة، وكيف اضطرّوا إلى ترك بيتهم القديم، وكيف بدؤوا من جديد في هذا البلد الجديد الغريب عنهم. كان الأب يهزّ رأسه متعاطفًا، والأمّ تقدّم الشاي والحلوى للجميع.

أمّا الأطفال حسان وياسين ولُمى وعُمر فراحوا يلعبون في الجوار مع بقية الأطفال…

جلسوا جميعًا في زاوية الغرفة يتحدّثون، امتلأت الغرفة بالضحكات والأصوات، وصارت الوليمة الصغيرة كبيرةً بالمشاركة والمحبّة، لا بالطعام فقط.

قالت لُمى بحماس:
_ من الجميل أن نجتمع كلنا هنا!

أجاب عمر بخجل، وابتسامة فخر خفيفة تظهر على شفتيه:
_ أردنا أن نشارك جيراننا بدايتهم الجديدة.

قال حسّان وهو ينظر إلى سليم:
– سأجلب لك في الغد بعض القصص المصوّرة، لعلّك تحبّها.

وأضاف ياسين:
– وأنا سأساعدك في الواجبات إذا احتجت.

كانت سلمى الصغيرة تضحك وهي تقفز بين الأطفال، والشعور بالدفء يملأ المكان.

عندما عاد عمر مع والديه إلى البيت بعد صلاة التراويح، كان الليل هادئًا، والقمر يضيء الحيّ بهدوء. في طريقهم، قال الأب:
– اليوم كانت وليمة بسيطة، لكنّها في نظر الله كبيرة وعظيمة، ففي الإحسان إلى الجار أجر عظيم وإطعام الصائمين له أجر أعظم، الحمد لله!

قالت الأمّ:
– ما أجمل أن يبدأ الجيران حياتهم في مكان جديد وهم يشعرون أنّ حولهم قلوبًا تحبّهم وأنهم ليسوا وحدهم.

أما عمر، فكان يسير وهو يشعر بخفّة عجيبة. لم يعد يفكّر في الطبق الذي تركه هناك، بل في الابتسامة التي رآها على وجه سليم وأسرته، وفي الثواب العظيم الذي حازه في هذه الليلة المباركة من رمضان. لقد تذوّق عُمر أخيرًا حلاوة الإيثار والمشاركة، ووعد نفسه أنّه سيشارك ما يحبّه مع الآخرين دومًا لتتضاعف سعادته وفرحته كما حدث اليوم.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ المزيد من مغامرات الصغير الصائم على حدّوتة.

اقرأ أيضًا: أنشطة للعائلة والأطفال في رمضان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version