

تُعد إدارة الوقت من أهم مهارات الحياة التي ينبغي أن يتعلمها الطفل منذ صغره، فهي تساعده على ترتيب يومه، وإنجاز واجباته، والموزانة بين المهام الضرورية ورغباته. عندما يتعلم الطفل هذه المهارة، يصبح أكثر تركيزًا ونجاحًا، مما يزيد من ثقته بنفسه.
ونُقدّم لكم اليوم قصة قصيرة ممتعة عن الطفل سليم، ولد ذكي ومحبوب، ولكنه يجد صعوبة في تنظيم وقته. وذات يوم، يحدث شيء عجيب يُغير حياته ويعلمه درسًا مهمًا.
في منزل جميل أمامه حديقة خضراء مليئة بالزهور، عاش سليم مع والديه وأخيه. كان سليم فتى طيب القلب ومرحًا، ويحبه كل من يعرفه في المدينة، لكن كانت هناك مشكلة صغيرة تُزعج والديه، وهي عدم تنظيم وقته أبدًا، كان يؤجّل دروسه وواجباته، ويستيقظ متأخرًا، ويُضيّع اليوم بالكامل في اللعب ومشاهدة التلفاز، وتمرّ ساعات يومه دون أن يشعر بها.
لم تُعجب تصرفات سليم والده، وكان يقول له دائمًا: ” يا بُني، الوقت كنزٌ ثمين، إذا فرطت فيه، فلن يعود أبدًا. عليك أن تتعلّم كيفية إدارة الوقت بحكمة”.
لكن سليمًا كان يضحك ببراءة ويقول: “لا تقلق يا أبي، اليوم طويل، سأفعل كل شيء لاحقًا”.
وفي أحد الأيام، بينما يلعب سليم في الحديقة، سمع صوتًا غريبًا ينبعث من جهة أحدى الأشجار. اقترب بحذر ليرى مصدر الصوت، فإذا به يجد ساعة ذهبية قديمة، تلمع وكأنها قطعة من الشمس.
كانت الساعة مختلفة عن أي ساعة رآها من قبل، تتحرك عقاربها ببطء شديد وفي اتجاه معاكس لحركة الساعة العادية. وكلما اقترب سليم منها، كانت تُطلق ضوءًا ذهبيًا غربيًا.
لم يستطع مقاومة فضوله، فاقترب من الساعة الذهبية ومدّ يده وأمسكها ليتفحّصها عن قرب. وفجأة! سطع من الساعة نور قوي، شعر سليم بأن المكان يدور حوله بسرعة، ثم اختفى كل شيء.
عندما فتح عينيه، وجد نفسه في عالم غريب لم يرَ مثله من قبل. كان عالمًا سحريًا مليئًا بساعات لا تحصى. تعجّب سليم كثيرًا مما يراه، تسائل: “ما هذا المكان الغريب؟”
فجأة ظهر أمامه رجل عجوز، ابتسم وقال: ” أهلاً بك، في عالم الوقت”.
ازداد تعجّب سليم وقال: “عالم الوقت؟ كيف جئت إلى هنا؟ ماذا أفعل هنا؟”
ابتسم الرجل العجوز مرة أخرى وقال: “لا تخف يا بني، أنت هنا لتتعلم أهمية الوقت. لقد أرسلت لك هذه الساعة التي تحملها بيدك لتساعدك على إدارة الوقت”.
ثم أشار الرجل بيده إلى الساعات وقال: “انظر جيدًا يا سليم، هذه الساعات تُظهر لك كيف تقضي وقتك في كل يوم”.
شعر سليم بالخجل وقال: “أعلم أنني أضيع وقتي في اللعب، لكنني لا أعرف كيف أبدأ في تنظيمه”.
ضحك الرجل وقال: “لا تقلق! هنا سأعلمك كل شيء. سأعطيك ثلاث مهام، ويجب أن تنجزها لتتعلم قيمة الوقت وكيفية إدارته، وعندها ستتمكن من العودة إلى منزلك”.
وافق سليم بحماس، وبدأت رحلته مع الرجل العجوز ليتعلم فن إدارة الوقت. مشى الرجل الحكيم مع سليم حتى وصلا إلى ميدان كبير
قال الرجل الحكيم: “الآن ستبدأ مهمتك الأولى يا سليم. يجب أن تكون سريعًا ومنظمًا، وتحرص على إنهائها في خمس عشرة دقيقة فقط”. ثم تابع حديثه: “يجب عليك أن ترتب غرفتك وتنهي حل واجبك. وتذكر جيدًا، يجب أن تنجز المهمة في الوقت المحدد”.
فجأة، استخدم الرجل العجوز قوته السحرية وصنع مجسمًا مشابهًا لغرفة سليم الحقيقة. دخل سليم الغرفة، وبدأت الساعة تدق معلنة بداية المهمة. ركض سليم بسرعة نحو السرير لترتيبه، ثم بدأ بجمع ألعابه ووضعها في مكانها المخصص، بعد ذلك انتقل إلى مكتبه ليحل الواجب. بدأ يقرأ الأسئلة ويجب عنها بدقة وبسرعة. وقبل انتهاء الخمس عشرة دقيقة بثوانٍ قليلة، أنهى سليم المهمة بأكملها.
صفق الحكيم وقال: “رائع! لقد أنهيت المهمة، لم أتوقع أن تنجح من المحاولة الأولى”.
ابتسم سليم وأجاب: “لم أكن أتخيل أنني سأتمكن من فعل هذه كل المهام بسرعة”.
بعد انتهاء المهمة الأولى، أخذ الرجل الحكيم سليم إلى غرفة أخرى فيها لوح أبيض كبير وأقلام ملونة.
قال الرجل: ” الآن، ستبدأ مهمتك الثانية. هذه المهمة صعبة وتحتاج إلى التركيز. يجب أن تكتب جدولاً ليومك وتخصص وقتًا لكل شيء تفعله في يومك، مثل: الدراسة والنوم واللعب وحتى مساعدة والدتك”.
بدأ سليم يفكر، ثم أمسك بالقلم وبدأ في تصميم جدوله اليومي. قسم اليوم إلى أوقات محددة، وجعل وقت الدراسة في الصباح، وبعد الغداء خصص وقتًا لحل واجباته المدرسية. كما خصص وقت للعب مع أصدقائه بعد الانتهاء من واجباته، لكنه جعله وقتًا أطول قليلًا من باقي الأوقات. كما خصص وقتًا للنوم مبكرًا. ولم ينسَ أيضًا تخصيص وقتًا لمساعدة والدته.
عندما انتهى من كتابة جدوله اليومي، نظر إليه الحكيم وضحك. ثم قال: “جدولك رائع يا سليم، ولكن ألا ترى أنك خصصت وقتًا أطول من اللازم للعب. ما رأيك لو خصصنا جزء صغير من وقت اللعب للقراءة؟، فالقراءة تنير العقل وتزيد الخيال، ألن يكون ذلك أفضل بكثير”.
رد سليم: “حسنًا، موافق، طالما أنه ما زال هناك وقت للعب”.
رد الرجل: “لا تقلق يا بني، إذا اتبعت هذا الجدول، ستجد أن يومك أصبح أسهل، وستتمكن من الاستفادة من كل دقيقة في يومك”.
قال سليم: “سأعلقه في غرفتي وأتبعُّه كل يوم”.
الآن حان موعد المهمة الأخيرة، أخذ الرجل الحكيم سليم إلى ساحة فيها ثلاث أبواب. وقال له: “كل باب من هذه الأبواب الثلاثة يمثل خيارًا ستواجهه في يوم من الأيام. لديك اختيار واحد فقط لتفعله، لذا يجب أن تختار بعناية”.
كان يسمع خلف الباب الأول أصدقاءه يدعونه إلى لعب كرة القدم. أما الباب الثاني، فكان خلفه قصة جديدة كان سليم يحلم بقرائتها منذ فترة. وفي الباب الثالث، كان هناك صوت خافت يذكره بواجب مدرسي يجب عليه حله وتسليمه في الغد.
عندما عرف سليم الخيارات، وقف حائرًا لا يدري ماذا يختار. تردد كثيرًا، وقال: “أنا أحب اللعب كثيرًا، كما أنني متشوق لقراءة القصة الجديدة لكن الواجب مهم أيضًا”.
فكر سليم قليلًا، ثم قال: “سأختار الواجب في البداية. وإذا بقي لدي وقت بعد ذلك، سأقرأ القصة، وبعدها سأخرج لألعب مع أصدقائي وأستمتع بوقتي”.
ابتسم الحكيم وقال بفرح: “أحسنت الاختيار يا سليم! لقد نجحت في المهمة الثالثة”.
ثم تابع حديثه قائلاً: ” الآن، سأشرح لك الهدف من هذه المهام. المهمة الأولى كان هدفها هو تعليمك التركيز وكيفية إنجاز المهام بكفاءة وفي الوقت المحدد. أما المهمة الثانية، فتعلمت كيف تخطط ليومك وتنظم وقتك بشكل جيد، وتخصص وقتًا لكل مهمة تقوم به، حتى لا يضيع يومك سدى. أما المهمة الثالثة، فقد تعلمت أهمية اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، وكيف توازن بين مسؤولياتك ورغباتك، وأن تبدأ بالأهم أولاً”.
ثم أضاف الرجل الحكيم: “الآن يا سليم، لقد فهمت أهمية إدارة الوقت وتنظيمه، وكيف تستفيد من كل لحظة في يومك. لقد انتهت رحلتنا في عالم الوقت، وحان الآن وقت العودة إلى منزلك، ولكن لا تنسَ تطبيق كل ما تعلمناه هنا”.
قال سليم: ” شكرًا لك”.
فجأة، بدأت الساعة الذهبية التي عثر عليها سليم في البداية تدق بسرعة، وأصدرت نورًا ذهبيًا. ووجد نفسه في لحظات قليله في منزله، وكانت الساعة العجيبة ما تزال في يده.
منذ ذلك اليوم، تغيّر سليم. أصبح يستيقظ مبكرًا، ويُنجز واجباته المدرسية في وقتها المحدد، ويخصص وقتًا للعب مع أصدقائه ووقتًا لمساعدة والديه. فرح والده كثيرًا بتغيره، وأصبح سليم مثالاً يحتذى به لباقي الأطفال في المدينة في تعلم إدارة الوقت. أما الساعة العجيبة فقد بقيت على مكتبه، تلمع بضوئها الذهبي وتنتظر مغامرة جديدة.
اقرأ أيضًا: قصة قصيرة للأطفال: نانا تريدُ تقديم يد العون!
في نهاية هذه القصة، تعلمنا أن الوقت مثل الكنز، من يتمكن من إدارته جيدًا، يتمكن من النجاح في حياته ويحقق أهدافه كلها، كما يتمكن أيضًا من الاستمتاع بيومه. وكما تعلم سليم، فإن إدارة الوقت هي سر النجاح، يجب أن نتعلم نحن أيضًا أهمية الوقت، ومعرفة الوقت المناسب للعب والدراسة، ومتى يجب أن نرتاح لنتمكن من النجاح وتحقيق أهدافنا في الحياة. لذا يا أطفال، هل أنتم مستعدون لتكونوا مثل سليم، ناجحين ومتفوقين في دراستكم؟ هيا بنا من اليوم ننظم وقتنا معًا لتصبحوا أبطال الغد.