الجندب والنملة – قصة قصيرة عن الإيثار للأطفال
نحن نعيش من أجل أنفسنا ولكننا نتعلّم المعنى الحقيقي للحياة عندما نؤُثر الآخرين، فالإيثار لا يعني أن نُعطي الأشياء الفائضة لدينا، بل أن نُعطي الأشخاص من حاجتنا ونؤثرهم على نفسنا،...

نحن نعيش من أجل أنفسنا ولكننا نتعلّم المعنى الحقيقي للحياة عندما نؤُثر الآخرين، فالإيثار لا يعني أن نُعطي الأشياء الفائضة لدينا، بل أن نُعطي الأشخاص من حاجتنا ونؤثرهم على نفسنا،...
نحن نعيش من أجل أنفسنا ولكننا نتعلّم المعنى الحقيقي للحياة عندما نؤُثر الآخرين، فالإيثار لا يعني أن نُعطي الأشياء الفائضة لدينا، بل أن نُعطي الأشخاص من حاجتنا ونؤثرهم على نفسنا، حتى وإنّ كنا بأمس الحاجة.
بهذه الحكمة نحكي لكم اليوم قصة النملة والجندب، صديقان يعيشان سويًا في الغابة ويتشاركان اللعب والمرح، ولكن ماذا سيحدث عندما يحلّ فصل الشتاء القارس؟ وهل يمكن للإيثار أن يُنقذ حياة أحدهما في وقت الشدة؟
هيا نقرأ معًا قصة النملة والجندب ونتعلّم منها درسًا مهمًا عن الإيثار والعطاء الحقيقي ونكتشف جمال هذه القيم وأهميتها في تحويل الحياة إلى عالم يملؤه الحب والرحمة.
في قديم الزمان، عاشت نملة وجندب في غابة خضراء جميلة، مليئة بالأشجار العالية والزهور الملونة. عُرف الجندب بين حيوانات الغابة بحبّه للعب واللهو. فهو يعشق الغناء، ويقفز برشاقة بين الأزهار المختلفة، ويعزف ألحانه السعيدة، وينشر الفرح في كل مكان. لم يكن يفكّر إلا في اللعب، ولا يشغل باله سوى المرح واللهو.
أما النملة، فعلى عكس الجندب، تستيقظ مع الفجر وتعمل بجدّ دون كلل أو تعب. تجمع الحبوب وتخزنها بعناية في بيتها الصغير تحت الأرض. وتقضي نهارها تتنقل بين الأعشاب والبذور، باحثة عن الطعام الصالح لتخزينه. ولا تتوقف عن العمل أبدًا، مهما اشتدّ الحر أو هبّت الرياح، لأنها تعرف أن الشتاء قادم، ويجب أن تكون مستعدة.
في أحد أيام الصيف الحارّة، خرج الجندب يتنقّل بين الأعشاب حتى وصل إلى بيت النملة. طرق الجندب باب منزلها، قائلاً: مرحبًا يا صديقتي العزيزة، الجو حار اليوم، ما رأيك أن نذهب إلى البركة ونستمتع بمياهها المنعشة”.
ردّت النملة: لا أستطيع اللعب الآن، يجب أن أجمع الحبوب وأخزّنها استعدادًا لفصل الشتاء”.
ضحك الجندب، وقال بلا مبالاة: “مازال الصيف طويلاً والوقت مبكر، لا تكوني مملة يا صديقتي، هيا بنا نلعب قليلًا”.
ردّت عليه: “يجب أن أخزّن الطعام يا صديقي، لماذا لا تنضم إليّ وتساعدني في جمع الحبوب وبعدها يمكننا اللعب”.
صاح الجندب: “لا لا لا لا، الجو حار جدًا، سأذهب إلى الماء لأخفف هذا الحر”.
رحل كلٌ من الجندب والنملة إلى وجهته. توجّهت النملة إلى المرج الأخضر لجمع الحبوب الصالحة لتخزينها. كانت النملة تحمل الحبوب الثقيلة بتوازن على ظهرها، ثم تضع حبة القمح في مخزنها، ثم تعود مسرعة إلى الحقل مرة أخرى لجمع حبة جديدة. وتكرّر هذه الرحلة مرات ومرات، ذهابًا وإيابًا بلا كلل.
من جهة أخرى، وصل الجندب إلى البركة الزرقاء، فاستقبلته الحيوانات بترحيب وفرح. قفز في المياه الباردة، وقضى يومه في سعادة غامرة مع أصدقائه، يغني ويلعب، مستمتعًا بأشعة الشمس والمياه المنعشة.
في صباح يوم جديد، التقي الجندب بالنملة في المرج العشبي، لوّح لها وقال ساخرًا: “هل ستجمعين الحبوب اليوم أيضًا؟ ألا تملين من العمل كلّ يوم؟”
ردّت النملة بهدوء: “الشتاء القارص سيحل قريبًا، ولن يسمح لنا بالخروج للبحث عن الطعام، لذا يجب أن أعمل اليوم لأرتاح غدًا”.
لكن الجندب لم يهتم بكلام صديقته النملة، وقضى يومه في المرج العشبي يلعب ويغني ويرقص على الألحان التي يعزفها. وفي كل مرة يرى النملة تمر من أمامه، يلوّح لها ويناديها للعلب معه، يقول لها ضاحكًا: “كُفّي عن العمل! تعالي نغنِّ ونستمتع بالشمس الدافئة. لديكِ الكثير من الطعام الذي يكفيكِ طوال الصيف”.
كانت النملة تتجاهله وتواصل عملها بجد، وهي تردد في نفسها: “نحن بحاجة إلى الطعام لنعيش. الصيف سيمضي سريعًا، ويا ليت الجندب يفكر قليلًا في الغد”.
ومع مرور الأيام، ازدادت سخرية الجندب من النملة كلما رآها تحمل الحبوب. وهو يقول في نفسه: “لماذا أقلق بشأن الغد؟ اليوم جميل، والطعام وفير في الغابة”.
مرّت الأسابيع، وانتهى فصل الصّيف، وأقبل الخريف برياحه الخفيفة وأوراقه المُتساقطة. لكن لم يتغيّر شيء في طباع الجندب والنملة. النملة تواصل جمع الطعام، والجندب لا يزال يعزف ويغنّي. كل يوم، تدعو النملة صديقها الجندب إلى جمع الطعام للاستعداد للشّتاء، لكنّه يرفض بكسل.
ثم حلّ فصل الشّتاء البارد. تساقطت الثلوج وغطّت الأرض والأشجار، وأصبح كلّ شيء أبيض. لم تعد هناك أوراق، ولا بذور، مما جعل البحث عن الطعام مستحيلاً. جلست النملة تتناول ما خزّنته من طعام، في بيتها الدّافئ. أما الجندب الكسول، فكان يرتجف من البرد، ويتنقّل بين الأغصان باحثًا عن حبة طعام، لكن دون جدوى.
في أحد الأيام الباردة، استيقظ الجندب من نومه وخرج من منزله باحثًا عن أيّ شيء يسد به جوعه، كان البرد قاسيًا وأوراق الشجر تتساقط، والرياح تعصف من حوله. حاول أن يبحث عن طعام بين الثلوج والأوراق المتساقطة، لكنّه لم يجد شيئًا. فجلس بجانب صخرة يرتجف من الجوع والبرد وضم جناحيه ليدفأ نفسه.
فجأة، تذكّر كلمات النملة، فقرّر زيارتها ليطلب منها بعض الطعام. وفي طريقه إلى بيت صديقته، وجدها أمامه وكأنّها تبحث عنه، وكانت تحمل فوق ظهرها حبّة سكر كبيرة. توقفت النملة عندما رأته في هذه الحالة، ونظرت إليه بحزن. وقالت: “جندب! ماذا بك؟ لماذا تبدو ضعيفًا وشاحبًا بهذا الشكل؟”
أجاب الجندب بصوت ضعيف: “البرد شديد وأنا جائع للغاية، ولم أجد طعامًا منذ يومين”.
صمتت النملة قليلاً، ثم قالت: “هذا ما حذّرتك منه يا صديقي، ولكنّك لم تستمع إليّ”.
ثم أضافت: “تعال معي إلى بيتي، لديّ الكثير من الطعام الذي يكفيني أنا وأنت. يمكنك أن تأكل وتستريح حتى تزول العاصفة.”
فتح الجندب عينيه بدهشة: “حقًا! هل ستُعطيني الطعام؟ لكنني لم أساعدك في جمعه أو تخزينه”.
ردّت النملة: “أعلم ذلك، ولكنك صديقي. والإيثار هو أن نتشارك مع نحب حتى وإن لم يُعطينا شيئًا في المقابل. وأنت صديقي”.
شعر الجندب بالخجل الشديد، وانتابته موجة من الندم على كسله وعدم إكتراثه. سار مع النملة بصمت مستندًا عليها، حتى وصلا إلى بيتها. فتحت النملة الباب، وساعدته على الجلوس بالقرب من موقد النار، ثم أحضرت له بطانية، وقدّمت له طبقًا شهيًا من الحبوب والماء الدافئ.
كان الجندب ممتنًا للغاية، ولم يجد كلمات تُعبّر عن شكره ولطف النملة معه. بعد أن تناول الطعام، وشعر بالدفء، همّ بالمغادرة، لكنّ النملة منعته من المغادرة وقالت بلطف: “اجلس هنا حتي تستعيد صحتك بالكامل وتنتهي العاصفة”.
مكث الجندب في بيت النملة عدة أيام، ينعم بدفئها وكرمها، ويستعيد صحته شيئًا فشيئًا. وذات يوم، قال الجندب بصدق: لقد تعلّمت درسًا قاسيًا لن أنساه أبدًا، وأعدك يا صديقتي العزيزة أنني سأساعدك بكل طاقتي في جمع الطعام في الصيف المقبل.”
ومع مرور الأيام، ازدادت الصداقة بين الجندب والنملة وصارت أقوي. وبعد انتهاء الشتاء وحلول الربيع، خرج الجندب مبكرًا من بيته حاملاً سلة كبيرة وتوجّه مباشرة إلى منزل النملة.
دق الجندب الباب، ففتحت له النملة، قال لها بحماس: “هيا يا صديقتي، لقد حان وقت العمل، لنجمع الحبوب معًا”.
فرحت النملة كثيرًا بتغير الجندب وخرجت معه لجمع الطعام. قضى الصديقان الأيام في جمع الطعام وهما يغنيان ويرقصان فرحين بالتّعاون والعمل المشترك.
لم ينسَ الجندب أبدًا ما فعلته النملة لأجله، وكيف آثرت نفسها ومنحته من طعامها، رغم تعبها الشّديد في جمعه. وأخبر جميع حيوانات الغابة عن أخلاق النملة وكيف علمته معنى الإيثار الحقيقي، وكيف غيرّت حياته إلى الأفضل.
ومنذ ذلك اليوم، انتشرت قصة النملة والجندب بين الحيوانات، وصارت النملة ترمز إلى الإيثار والكرم، وصار الجندب مثالًا للتّغير الإيجابي. وهكذا، عاشا الصديقين يتعاونان ويتكاتفان في كل الأوقات.
اقرأ أيضًا: قصة قصيرة حول تقبل الآخرين| الثعلب واللقلق
قصة النملة والجندب ليست مجرد قصة تُعلّمنا أهمية العمل فقط، بل تعلمنا أهمية الإيثار والمشاركة مع الآخرين. قصة جميلة تبرز أهمية الشعور بآلام الآخرين ومشاكلهم وكيف يمكن للرحمة والمحبة والإيثار أن تبني العلاقات وتقويها. كما تعلم الأطفال أن القوة الحقيقة ليست في امتلاكك لكل شيء، بل تكمن في قدرتك على العطاء بحب للآخرين.
دعونا نتعلم اليوم يا أطفال قيمة وأهمية الإيثار في حياتنا ونحرص على العمل به، لنبني مجتمعًا قائمًا على المحبة والتعاون.
اقرأ أيضًا: مالك الغاضب!| قصة قصيرة حول السيطرة على الغضب