قصة عن التسامح قصيرة للأطفال: أسامة والأصدقاء
في عالم مليء بالصراعات والتنمر، أصبحنا بحاجة ملحّة إلى قلوبٍ متسامحة تغفر قبل أن تُعاقب. ومن هنا، تبرز أهمية التحلّي بالتسامح كخلق سامي يسهم في بناء حاضر مُزدهر ومستقبل أفضل...

في عالم مليء بالصراعات والتنمر، أصبحنا بحاجة ملحّة إلى قلوبٍ متسامحة تغفر قبل أن تُعاقب. ومن هنا، تبرز أهمية التحلّي بالتسامح كخلق سامي يسهم في بناء حاضر مُزدهر ومستقبل أفضل...
في عالم مليء بالصراعات والتنمر، أصبحنا بحاجة ملحّة إلى قلوبٍ متسامحة تغفر قبل أن تُعاقب. ومن هنا، تبرز أهمية التحلّي بالتسامح كخلق سامي يسهم في بناء حاضر مُزدهر ومستقبل أفضل يعيش فيه أطفالنا براحة واطمئنان. يُعدّ التسامح صفة عظيمة وسامية، وهو من أعظم الأخلاق التي أمرنا الله عز وجل بها. ويتمثل التسامح في النعفو عن الآخرين وتجاوز الإساءة دون ردّها، ومنح الآخرين فرصة لتصحيح أخطائهم بدلًا من الانتقام.
إذا أردت أن يتحلى أطفالك بأفضل وأسمى القيم الإنسانية، فما من طريقة أفضل من قراءة القصص لهم. إذ تُعلّمهم القصص كيف يسامحون ويغفرون حتى في أصعب المواقف، وتزرع في قلوبهم الصغيرة الرحمة والمحبة. وفي هذا المقال، نقدم لك قصة مؤثّرة عن التسامح قصيرة ومناسبة للأطفال لا تنسَ أن تضيفها إلى مجموعة قصص ما قبل النوم.
في مدينةٍ هادئةٍ تقع بين التلال الخضراء، عاش طفل يُدعى آدم في منزلٍ صغيرٍ مليءٍ بالحب والدفء. كان آدم يبلغ من العمر ثماني سنوات، ويُعرف بين أهل حيّه بلطفه وطيبته وحبّه للقراءة ولعبه مع أصدقائه.
في صباحٍ مشمس، أخبر والد آدم ابنه بانتقال عائلة جديدة إلى المنزل المجاور، وأن لديهم طفلًا في مثل عمره. قفز آدم من الفرح وتخّيل كيف سيكون صديقه الجديد، وتمنى أن يحب اللعب مثله.
بعد تناول الغداء، خرج آدم مسرعًا إلى الحديقة. وفي اللحظة نفسها توقفت شاحنة أمام المنزل المجاور، وبدأت العائلة الجديدة في إنزال أغراضها. راقب آدم الموقف بفضول حتّى لمح فتى ذا بشرة سمراء وشعر مجعد ينزل من الشاحنة. اقترب آدم منه وقال بابتسامة لطيفة: “مرحبًا! أنا آدم، وأنت؟”
ابتسم الفتى وقال: “أنا أسامة، سررت بلقائك”.
ردّ آدم: “سررت بلقائك، هل تريد أن ترى بيت الشجرة الذي بنيته مع والدي”.
أجاب أسامة: “بالتأكيد”.
ركض الولدان نحو بيت الشجرة الموجود في حديقة منزل آدم. صعد آدم السلّم وخلفه أسامة. عندما وصلا إلى البيت، نظر أسامة حوله بدهشة، وقال: “هذا رائع، لم أرِ في حياتي بيت شجرة كبيرًا مثل هذا”.
أمضى الطفلان الوقت يلعبان في بيت الشجرة ويتبادلا القصص والحديث، وأخبر أسامة آدم بحبه للرسم، وفوزه بعدة جوائز في مسابقات المدرسة. أُعجب آدم بموهبة أسامة، وشعر بأنه وجد صديقًا رائعًا. وفجأة أثناء اللعب، سقطت إحدى ألعاب آدم المفضلة من الشجرة وتحطمت.
لم يستطع أدم السيطرة على غضبه، وصاح: “لماذا كسرتها؟ إنها لعبتي المفضلة”.
تجمّد أسامة مكانه، وامتلأت عيناه بالدموع. قال: “أنا آسف، لم أقصد كسرها”.
هدأ آدم شيئًا فشيئًا، ونظر إلى وجه صديقه الحزين. فشعر بوخز في قلبه، واقترب منه وقال بلطف: “أنا آسف لأنني غضبت منك. أعلم أنك لم تفعلها عن قصد.”
ابتسم أسامة بخجل، وقال: “لا بأس ياصديقي لقد سامحتك، فالتسامح يساعدنا على الحفاظ على صداقتنا”. تعانق الصديقان، ومع غروب الشمس، دعت والدة آدم الولدين لتناول العشاء. تناولا الطعام وتبادلا النكات، ثم افترقا على وعد اللقاء غدًا للعب. مرّت الأيام، وأصبح أسامة وآدم أعز الأصدقاء.
وبعد مرور أسبوع، فتحت المدرسة أبوابها للاستعداد إلى الفصل الدراسي الجديد، ذهب آدم وأسامة ألى المدرسة معًا، وعرّفه على المعلمين والطلاب.
قال آدم لزملائه: “مرحبًا يا أصدقائي، هذا صديقي أسامة، انتقل إلى حيّنا مؤخرًا”.
كان أسامة مختلفًا عن بقية الأولاد بسبب شعره المجعد، فتفرّق الأطفال بين مرحّب به ومتردّد وساخرٍ منه، فقد سخر بعض الطلاب من شعره وبشرته. بدأ الأطفال يتهامسون، وقال مراد: “لماذا شعرك مجعّد هكذا؟”
ضحك البعض، بينما وقف آدم غاضبًا وقال: “توقفوا! هذا ليس مضحكًا. أسامة صديق جيّد، وهو أطيب شخصٍ رأيته في حياتي”.
ابتعد الأولاد ساخرين، ووقف أسامة حزينًا. اقترب منه آدم وقال: “لا تهتمّ لكلامهم، أنت رائع كما أنت”.
عندما حلّ وقت الغداء، توجه الطلاب إلى الكافتيريا، جلس أسامة في زاوية الطاولة وحيدًا. لمح آدم صديقه من بعيد، فتوجّه نحوه على الفور، يحمل صينيته في يده وجلس بجانبه. ومع مرور الوقت، بدأت ملامح أسامة تتغير وعلت وجهه ابتسامة حقيقية. شعر آدم بالفرح لرؤية الابتسامة تعود إلى وجه صديقه المقرب.
بعدَ انتهاء اليوم الدِّراسي، ذهب آدم وأسامة إلى الحديقة للعب كرة القدم، وعندما وصلا إلى الحديقة، رأيا مراد وعلي وبعض الأطفال يلعبون كرة القدم. تردّد آدم للحظةٍ غير متأكّد ممَّا إذا كانوا سيقبلون اللّعب مع أسامة.
بعد لحظات، سألهم: “هل يُمكننا اللَّعب معكم؟”
نظر مراد إلى أسامة، ثمَّ قال: “سنلعب معك أنت يا آدم فقط، لن نلعب معه”.
شعر أسامة بالحزن، وانسحب بهدوء. حاول آدم التَّخفيف عنه ودعاه إلى بيت الشَّجرة للّعب، لكنَّ أسامة اعتذر قائلاً: “أريد أن أعود إلى البيت”.
في الأيّام التّالية، استمرّ مراد وعلي في السّخرية من أسامة، مرّة بسبب لون بشرته، وأخرى من شعره، وأحيانًا من ملابسه. وفي أحد الأيَّام، قال له علي أمام الطلاب: “أنت مختلف، لا تُشبه أحدًا منّا”.
تجمّد أسامة وجلس وحيدًا في زاوية، لاحظت المُعلمة تغيّر حالته وجلوسه وحيدًا. فاقتربت منه: “ما بكَ يا أسامة؟ هل أنت بخير؟”
تردّد قليلًا، ثمّ قال: “زملائي يسخرون منِّي بسبب لون بشرتي وشعري.”
تفاجأت المعلمة، وشعرت بالحزن ممّا سمعته، وقالت: “أنت جميل يا أسامة. لكلٍّ منّا لون وشكلٌ مختلف، لكنّ ما يهم هو ما في قلوبنا”.
وفي اليوم التّالي، جمعت المعلمة الطلاب في الفصل الدّراسي، تُحدّثهم عن معنى الصَّداقة، فقالت: “هل تعرفون ما هو أهمَّ شيء في الصَّداقة؟”
أجاب آدم: “أن نلعب معًا؟”
ابتسمت المعلمة وقالت: “هذا صحيح، لكنّ الأهمَّ أن نحبَّ ونتقبّل بعضنا كما نحن. خلقنا الله بألوانٍ وأشكالٍ مختلفة، تمامًا مثل الزهور. هل رأيتم من قبل حديقة تتكوَّن من زهور بلون واحد؟”
ردّ الطلاب جميعًا في وقت واحد: “لا”.
قالت المعلمة: “الزهور مختلفة الألوان والأحجام ومعًا تصنع أجمل حديقة، وكذلك البشر”.
نظرَ مراد وعلي إلى أسامة، وشعرا ببعض النّدم على تصرَّفاتهما، لكنّهما لم يعتذرا.
أرادت المعلمة أن تُقرّب الطلاب من بعضهم، فطلبت منهم أن يرسموا لوحةً جميلة تُعبّر عن شيء مهم بالنّسبة لهم.
رسم آدم على الفور بيت الشجرة في حديقة منزله، بينما قرّر أسامة أن يرسم مجموعة أطفال مُختلفي الملامح يلعبون معًا يستمتعون بوقتهم. أمّا مراد فرسم ملعب كرة القدم ورسم عليّ شاطئ البحر.
عندما حان وقت عرض اللّوحات، شارك أسامة لوحته بتردّد. عندما رآها الطلاب، انبهروا بها وصفّقوا له، حتّى مراد وعلي شعرا بالدّهشة من موهبة أسامة ولم يتمكّنا من إخفاء إعجابهما.
قالت المعلمة: “لوحتك رائعة يا أسامة، لقد عبّرت عن المحبّة والتسامح بأجمل صورة.”
وقرب نهاية الفصل، أعلنت المعلمة على إقامة معرض المدرسة السّنوي. تحمّس الطلاب وبدأ كُلّ طالب يُفكّر في المشروع الذي سيقيمه. قرّر آدم وأسامة العمل معًا، وأنشآ مشروعًا جديدًا بعنوان “أساور الصَّداقة”، حيث يستطيع زملاؤهما صُنع أساور مُلوَّنة لأصدقائهم. قضيا ساعات في جمع الخرز الملوّن والخيوط استعدادًا للمعرض.
وفي يوم المعرض، جهّزا الطاولات بحماس، وتوافد الطلاب على ركن الصَّداقة لصُنع الأساور، وبدأوا بصنع أساورهم، بمساعدة آدم وأسامة.
وبعد فترة، اقترب مراد وعلي بتردّد، سأل مراد: “هل يمكننا صنع الأساور أيضًا؟”
ردّ أسامة: “بالتّأكيد، ما الألوان التي تُحبّانها؟”
اختار مراد وعلي الألوان الّتي يُفضّلانها، لكن مراد لم يتمكن من تثبيت الخرز جيدًا، فتبعثرت على الأرض وسط نظرات الجميع، فضحك بعض الطلاب وسخروا منه. شعر مراد بالحزن وهمّ بالمغادرة، وفجأة دوى صوت بين الطلاب: “توقفوا كلنا نخطئ في المحاولة الأولى”.
رفع مراد رأسه، فإذا بأسامة يقف بثبات، يدافع عنه بكل شجاعة. أدهشه موقفه، وشعر بالخجل من تصرفاته السابقة. ثمّ اقترب منه أسامة وابتسم قائلاً بلطف: “لا بأس يا مراد، جرب مرة أخرى، أنا واثق أنك ستنجح”.
جلس آدم وأسامة بجانب مراد يُساعدانه، وبينما كانوا يصنعون الأساور، تبادلوا الحديث والضَّحكات. فقال علي: “أنت طيب للغاية يا أسامة، أنا آسف على ما بدر مني”.
ثمَّ قال مراد: “وأنا أيضًا أعتذر عن تصرَّفاتي، لقد كنت مخطئًا، لم أكن أعلم أن للكلمات هذا التأثير المؤلم. أتمنّى أن تُسامحني”.
نظر أسامة إليهما وقال: “لا بأس يا صديقيّ، لقد سامحتكما”.
مع مُرور الوقت، بدأ الأربعة أطفال في التقرب، وتعلّموا الكثير عن بعضهم البعض، وأصبحوا يُقدّرون اختلافاتهم. كما بدأ الأطفال الآخرون في المدرسة يتقبّلون أسامة واختلافه عنهم.
في أحد الأيّام، تحدّثت مُعلّمتهم عن التسامح. أوضحت أنّ كلّ شخص يختلف بطريقته الخاصّة، لكنّ هذه الاختلافات هي ما تجعل العالم مكانًا أكثر إثارة للاهتمام.
رفع آدم يده، وقال: “مثلي أنا وأسامة. نحن مختلفان، ولكنّنا أفضل الأصدقاء”.
ثمّ قال مراد: “لقد كُنت أخطئُ في حقّه ولكنّه سامحني، وأصبح صديقي”.
ابتسمت المعلمة وقالت: “أنا فخورةُ بكم، أنتم الأربعة مثال رائع للصَّداقة والتسامح. كما أنَّني فخورة بك يا أسامة لمسامحتك زملاءك”.
أمضى الطلاب بقيّة اليوم يُشاركون القصص حول تجاربهم الخاصّة ويتعلّمون كيفيّة مسامحة الآخرين. واصل الأصدقاء الأربعة قضاء أيّامهم في الاستكشاف واللّعب وتكوين ذكريات جديدة. توطدت صداقتُهم أكثر، وأدركوا أنهم يستطيعون دائمًا الاعتماد على بعضهم البعض.
في نهاية الأسبوع، دعاهم آدم لقضاء وقت ممتع في بيت الشّجرة، وبينما كانوا يلّعبون، الّتفت مراد، وقال: “أنا سعيد لأنّني تعرفت عليك، لقَد علّمتني التسامح”.
شاهد الأصدقاء غروب الشّمس معًا، وشعروا بامتنان لصداقتهم. وأدركُوا أنَّ أهمّ درس على الإطلاق هُو تقبّل اختلاف الآخرين والتسامح وبناء صداقة تدُوم مدى الحياة.
اقرأ أيضًا: قصة عن أهمية التفكير الإيجابي: كيف غيّرت أفكاري عالمي الصغير
التسامح خُلق نبيل من أخلاق الإسلام، وقيمة إنسانية عظيمة، وهو من أرفع الفضائل وأسماها التي تُعبّر عن سموّ النفس. التسامح ليس ضعفًا أو تخليًا عن حقوقك أو تقبّل الظلم، بل هو دليل على طبية ونقاء قلبك.
تذّكر دائمًا: كُن متسامحًا، وعامل الآخرين بلطف كما تحب أن يعاملوك، وتجاوز عن أخطائهم ما دمت قادرًا على ذلك، فذلك من شيم الكرام.