قصة نوح عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

رسم كرتوني لسفينة نوح وسط البحر، محاطة بدوائر من نور ذهبي، تعبير رمزي عن نجاتها بأمر الله.

هل سمعتَ من قبل عن النبيّ الذي دعا قومه إلى عبادة الله تسعمئة وخمسين سنة دون أن ييأس؟
إنه نبيّ الله نوح عليه السلام، أحد أعظم الأنبياء الذين علّمونا معنى الصبر والثبات والإيمان.
في هذه القصة المدهشة، ستتعرّف كيف صبر نوح على قومه، وكيف بنى السفينة العملاقة بأمر الله، وكيف نجّاه الله من الطوفان العظيم.
هيّا بنا نبدأ الرحلة ونتعلّم من قصة نبيّنا نوح عليه السلام دروسًا جميلة تبقى في قلوبنا دائمًا

بداية دعوة نوح عليه السلام

في زمنٍ بعيد جدًّا، كانت الأرض مليئة بأناس يعيشون في خيرٍ واسعٍ ورزقٍ وفير. كانت حياتهم هادئة، وبيوتهم عامرة، وأراضيهم مليئة بالزرع والثمار، والماء يجري في أنهارٍ صافية تروي حقولهم. أنعم الله عليهم بكل ما يحتاجونه ليعيشوا بسعادة وطمأنينة.

لكن مع مرور الوقت، بدأت قلوب الناس تبتعد عن شكر الله، ونسوا أنه هو الذي رزقهم كل هذا الخيرات!
بدؤوا يصنعون أصنامًا من الحجارة والخشب، يزيّنونها ويضعونها في أماكن مرتفعة، حتى صاروا يعبدونها بدلًا من الله عز وجلّ…
كانت تلك الأصنام لا تتكلم ولا تسمع، ومع ذلك اعتقد الناس أنها تجلب لهم النفع وتمنع عنهم الضرر. وهي مجرد كذبة اختلقوها!

وفي وسط هذا الضلال، كان بينهم رجل صالح طيّب القلب، يعرف الحقّ ولا يرضى بالباطل، اسمه نوح عليه السلام. كان من نسل النبي إدريس، وجدّه الرابع، وكان معروفًا بين قومه بالصدق والأمانة وحسن الخلق. اختاره الله ليكون نبيًّا لهم، ليذكّرهم بربهم الذي خلقهم وأنعم عليهم، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده بلا شريك.

سنوات من الصبر

بدأ نوح عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، وأن يتركوا عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضرّ. كان قلبه مليئًا بالرحمة، يريد لهم الخير، ويخاف عليهم من الضلال.

 "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"- الأعراف 59

لم يكن يدعوهم غاضبًا، بل كان هادئًا ولطيفًا، ويتحدث إليهم بالحكمة واللين… دعاهم في الليل في بيوتهم، وفي النهار في الأسواق والمجالس.
كان يذكّرهم بنعم الله عليهم، ويحدّثهم عن الخالق الذي أعطاهم الحياة والرزق والأمان.
لكن أكثر قومه لم يسمعوا كلامه، وكذّبوه وسخروا منه، وقالوا إنه بشر مثلهم، فكيف يكون رسولًا؟

وبدلًا من أن يشكروا الله على من أُرسل إليهم ليهديهم، ابتعدوا عنه وازدادوا عنادًا. ومع ذلك، لم يتراجع نوح عليه السلام، ولم يغضب أو ييأس.
ظلّ صابرًا محتسبًا، يدعو قومه سنين طويلة جدًّا، لا يملّ ولا يتوقف عن الأمل في أن تعود قلوبهم إلى الحق.

مرّت 950 سنة كاملة ونوح عليه السلام مستمرّ في دعوته، والناس على حالهم لا يستجيبون للدعوة إلا قليل منهم، آمنوا به وصدّقوا رسالته. كانوا قلةً قليلة، لكنهم كانوا ثابتين على الإيمان، يزدادون صبرًا مع نبيّهم، وينتظرون رحمة الله.

بناء السفينة

كان نوح عليه السلام في شبابه يرعى الغنم، مثل كثيرٍ من الأنبياء الصالحين، يتأمل في خلق الله ويرى آياته في كل شيء حوله. ثم صار نجّارًا ماهرًا عندما أمره الله بصناعة السفينة التي ستكون سبب النجاة للمؤمنين.

"وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" - هود 36

بدأ نوح يصنع السفينة من الخشب كما أمره الله، يعمل بجدٍّ وصبرٍ وإيمان. كان يقطع الأخشاب بعناية، ويجمع الألواح ويثبتها بالحبال والمسامير، وكل يوم يكبر البناء أكثر فأكثر. كان المكان من حوله صامتًا إلا من صوت المطرقة على الخشب، وصوت الريح التي تمرّ كأنها تراقب العمل العظيم.

ومع كل هذا الجدّ، كان قومه يمرّون من هناك فيسخرون منه ويضحكون، ويقول بعضهم: لماذا يصنع سفينة كبيرة على اليابسة، ولا يرون سببًا لذلك!

"وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" - هود 38

لكن نوحًا عليه السلام لم يلتفت إليهم، ولم يتوقف عن العمل، لأن قلبه مليء بالثقة في أمر الله.

ظلّ يعمل في صمتٍ وإخلاص، حتى اكتملت السفينة تمامًا كما أراد الله، سفينة قوية، جميلة، ومستعدة لأمرٍ عظيم سيأتي قريبًا.

الطوفان والنجاة

حين جاء أمر الله، تغيّر وجه السماء، وبدأت الغيوم تتجمّع شيئًا فشيئًا حتى صارت كثيفةً وسوداء، وما لبث أن بدأ المطر يهطل غزيرًا، وانفجرت عيون الماء من جوف الأرض ففاضت الوديان والانهار، وانغمرت السهول، وارتفع منسوب المياه حتى غطّى اليابسة من حولهم.

وصعد حينها نوح عليه السلام ومن آمن معه إلى السفينة، كما أمرهم الله، ومعهم من كلّ نوع من الحيوانات زوجان اثنان، لحكمة أرادها الله جل وعلا. أُغلقت أبواب السفينة بإحكام، فيما استمرّ المطر والسيول يغمران اليابسة، وتحوّلت إلى بحر واسع، تلاطمت أمواجه كالجبال العالية.

كان منظرًا مريعًا، مخيفًا، لكنّ سفينة نوح بقيت صامدة تسير بثبات فوق تلك الأمواج القوية، بحفظ من الله عزّ وجلّ. كانت الرياح تعصف والماء يحيط بها من كل جانب، ومع ذلك بقيت السفينة تمضي مطمئنة.

أغرق الطوفان كلّ من كفر من قوم نوح وكذّب رسالته، ورغبَ عن دعوته للإيمان بالله وتوحيده. وكان من بين هؤلاء، ابن نوح عليه السلام. حيث رآه والده يسبح محاولاً النجاه، ودعاه لأن يركب معه في السفينة وسؤمن برسالته، لكن هذا الأخير عصى أمر أبيه، وتحجّج أنّه سيبحث عن ربوة أو تلّة يلجأ إليها. لكن…هيهات هيهات، فالطوفان عقاب من الله للكافرين، ولن ينجوَ منه أحد من العاصين.

"وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ" هود 42- 43

وهكذا، بعد أن أغرق الطوفان الكافرين، أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، والسماء أن تغلق أبوابها، فتوقّف المطر أخيرًا، وهدأت العيون المتفجّرة من باطن الأرض، وظهرت الجبال واليابسة من جديد، لتستقرّ سفينة نوح على قمّة جبل الجوديّ، وهو جبل يقع الآن على الحدود السورية العراقية.
فبدأ الماء يهدأ شيئًا فشيئًا، وظهرت الجبال من جديد، حتى استقرّت السفينة على جبلٍ مرتفعٍ آمن.

"وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" - هود 44

خرج نوح عليه السلام ومن آمن معه بسلام، والفرح يملأ قلوبهم، وشكروا الله الذي أنجاهم من الغرق وحفظهم برحمته. ومن بعدهم بدأت الحياة من جديد، حياة يسودها الإيمان والشكر لله الذي جعل الصبر والثبات طريقًا للنجاة.

الدروس والعبر المستفادة من قصّة نوح عليه السلام

تعلّمنا قصّة نوح عليه السلام كغيرها من قصص الأنبياء دروسًا عظيمة لا بدّ أن نحفظها، ونتذكّرها على الدوام، ومن هذه الدروس:

أولاً: الصبر

  • يجب أن نصبر على طاعة الله وأداء ما أمرنا به.
  • نصبر على أذى الناس وكلامهم السيئ.
  • نصبر في مواجهة الأعداء وصعوبات الحياة.
  • نبي الله نوح صبر كثيرًا، فقد دعا قومه إلى عبادة الله 950 سنة، وهذا يعلّمنا الثبات على الحق مهما طال الوقت.

ثانيًا: الحكمة في الردّ

  • الشخص العاقل يرد على الأكاذيب والشبهات بعقل هادئ وقلب طيب.
  • لا يغضب، بل يوضّح الحقيقة بالكلام الصحيح والدليل الواضح.

ثالثًا: الشجاعة والتمسّك بالحقّ

  • على الإنسان أن يقول رأيه بشجاعة.
  • يدافع عن الحق ولا يخاف من تهديد أو وعود الآخرين.
  • نبي الله نوح لم يتراجع عن دعوته رغم معارضة قومه.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ ما رأيك في قراءة المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة؟

2 تعليق

  1. نوفمبر 12, 2025 at 6:24 م
    كوزه علي المرزوقي

    القصه جميله جدا

  2. نوفمبر 12, 2025 at 6:25 م
    Mouza ali

    The stories is very smart

شاركنا رأيك بالقصة

Your email address will not be published. Required fields are marked *