قصة عن أهمية التفكير الإيجابي: كيف غيّرت أفكاري عالمي الصغير

قيل قديمًا أن العقل كالحديقة، إن زرعت فيه أفكارًا إيجابية، ستحصد نتائج إيجابية، والعكس صحيح. تشير هذه المقولة الجميلة إلى أهمية التفكير الإيجابي والأفكار التي نغذّي بها عقولنا.

كلّ فكرة إيجابية هي شمعةٌ، تضيء طريقتك في مواجهة اليأس والخوف والفشل. وفي قصتنا اليوم، نقّدم قصة مؤثرة عن التفكير الإيجابي، ونحكي قصة الفتاة “أمل” وكيف تمكنّت بفكرة واحدة فقط أن تغيّر حياتها بأكملها.

قصة قصيرة عن أهمية التفكير الإيجابي

تبدأ أحداث قصتنا مع طفلة جميلة تُدعى أمل وتبلغ من العمر إحدى عشرة سنة. كانت أمل تحب الذهاب إلى المدرسة، لكنّ أكثر ما تحبه هو الرسم والتلوين. شاركت أمل في العديد من مسابقات الرسم، لكنّها لم تحصد أيّ نتائج مُرضية، وبالرغم من موهبتها المتميّزة، إلاّ أنّها لم تتمكّن من الفوز إطلاقًا في أيّ من هذه المسابقات، ممّا سبّب لها الحزن والإحباط، وبدأت الأفكار الرمادية المتشائمة تسيطر عليها.

وفي أحد الأيام، أعلنت المدرسة عن مسابقة جديدة للرسم، فقرّرت أمل الاشتراك فيها. وعند بداية المسابقة، حاولت أمل رسم لوحة، لكنها لم تتمكن من رسم ما تخيّلته في عقلها. جربت مرة، واثنتين، وثلاثًا، لكن بلا فائدة.

شعرت أمل بالإحباط، فتركت فرشاتها وانسحبت من المسابقة في النهاية، وقالت في لنفسها: “أنا سيئة في الرسم، ولا أملك المهارة الكافية لتحقيق الفوز”.

عادت أمل إلى منزلها واليأس يملأ قلبها، وكانت تفكّر في ترك الرسم وترى العالم حولها باهتًا بلا ألوان. عندما رأتها جدّتها، سألتها عن سبب حزنها. فردت أمل قائلة: “لم أتمكّن من إكمال لوحتى، إنني حزينة، وأريد ترك الرسم نهائيًا”.

احتضنت الجدة حفيدتها وابتسمت بلطف، ثم قالت: “يا ابنتي العزيزة إنكِ موهوبة ورسوماتك جميلة. لكنك دائمًا تفكرين بطريقة متشائمة، وهذا ما يجعلك في النهاية ترسمين بطريقة سيئة. ما رأيك أن تنظري إلى نفسك بطريقة مختلفة؟”

نظرت أمل إلى جدتها بدهشة وسألتها: “لكن، كيف يمكن لفكرة في عقلي أن تغيّر الواقع من حولي”.

ابتسمت الجدة وقالت: “سأحكي لكِ قصة قصيرة توضّح لكِ أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا، وكيف يمكن أن تؤثّر الأفكار على ما نقوم به، وعلى الأشياء من حولنا أيضًا”.

بدأت الجدة في سرد القصة قائلةً: “سأحكي لكِ يا أمل عن قصة فتى يُدعى باسم. كان يحب لعب كرة القدم كثيرًا، ويحلم بأن يصبح لاعبًا مشهورًا. وكان موهوبًا لدرجة أنّ كلّ من يراه يلعب يشعر وكأنه يشاهد لاعبًا كبيرًا في أحد الأندية العالمية.

في أحد الأيام، ذهب باسم إلى مدرسته، وعندما بدأ الفصل، سأل المعلم عن حلم كل طالب. رفع صديقة سامي يده وقال: “أريد أن أصبح طبيبًا ناجحًا مثل والدي.”

ثم قال أحمد: “أريد أن أصبح مهندسًا”.

وعندما جاء دور باسم، ابتسم وقال بكل ثقة: “أنا أحلم بأن ألعب كرة القدم مع فريقي المفضل”.

فجأة، عمت أصوات الضحك في الفصل وسخر الطلاب من حلمه، وقال أحدهم: “هل تمزح؟ كيف لفتى يعيش في قرية صغيرة أن يصبح لاعبًا في نادٍ عالمي؟”

حزن باسم من سخرية أصدقائه، وجلس طوال اليوم الدراسي يفكر في ما قاله أصدقائه، وبدأت الأفكار المتشائمة تتسلل إلى عقله ببطء. ومع انتهاء النهار، ذهب إلى تدريباته، لكنّه لم يستطع اللعب بمهاراة، فوبّخه مدرّبه. عندها شعر بأن أصدقائه على صواب.

حزن باسم بسبب سخرية أصدقائه، وبقي يفكّر في كلماتهم لعدّة أيام. بدأت الأفكار المتشائمة تتسلّل إلى عقله ببطء، حتى شعر بالضعف والحزن. وكان يذهب في كلّ يوم إلى تدريب كرة القدم حزينًا متشائمًا. فيما مضى، كان باسم يلعب بحماس ويركض ويصوّب بدقة. لكنّه الآن يسقط أكثر من مرة ويفقد الكرة بسهولة.

وبّخه المدرّب بحزم، وقال: “ما بك يا باسم؟ لماذا لا تلعب بمهارة مثل كلّ مرة؟”

طأطأ باسم رأسه حزينًا وقال: “ربّما لم أكن ماهرًا من البداية”.

توجّه باسم إلى منزله وهو يشعر بالإحباط، ويردّد في سرّه كلمات أصدقائه عن حلمه المستحيل. تعجّبت والدته من حديثه المتشائم، فسألته عن سبب هذا الكلام، أخبرها بما حدث معه في الفصل وكيف سخر أصدقائه من حلمه، وكيف وبخّه المدرب.

قاطعته والدته قائلة: “لقد أخطأت يا باسم، لا يجب أن تسمع لحديث المتشائم، ما رأيك إذا لبسنا النظارة السحرية”.

ردّ باسم: “النظارة السحرية”.

أجابت الأم: “نعم، ولكنها ليست نظارة حقيقية، بل هي نظارة التفكير الإيجابي، هي طريقة جديدة لرؤية العالم من حولنا”.

ثم تابعت حديثها: “يا بُنيّ، الأحلام هي أهداف مؤجلة تنتظر من يسعى لتحقيقها. يجب عليك أن تؤمن بحلمك وتسعى لتحقيقه مهما كانت الظروف. تحقيق الأحلام لن يكون سهلاً دائمًا، بل يتطلب مواجهة التحديات والقضاء عليها، والعزيمة، والصبر، والإصرار على النجاح”.

تأثّر باسم بكلام والدته، وصعد إلى غرفته. وظلّ يفكّر طوال الليل في نصائح والدته وفي أمر النظارة السحرية. وفي صباح اليوم التالي، أسرع إلى والدته وأخبرها بأنه سيكمل تدريباته وسيسعى لتحقيق حلمه ولن يلتفت إلى كلام أصدقائه. فرحت الأم بإصرار طفلها، ثم استأذنها للذهاب إلى النادي. أدّى باسم جميع تدريباته بنشاط وقوة.

كان باسم يحرص على الذهاب إلى التمرينات في مواعيدها، ويهتم بتناول طعام صحي، استعدادًا ليوم المنافسة الكبير. وعند عودته إلى المنزل، يُنهي واجباته المدرسية ويُراجع دروسه بانتظام، دون أن يُقصّر في أي جانب. مضت السنوات، وهو يحول كل موقف سيء إلى موقف إيجابي بنظارته السحرية. وفي أحد الأيام، أعلن النادي عن يوم مهم سيحضر مدربون من كافة الفرق، لاختيار أفضل اللاعبين لضمهم إلى فرقهم.

شعر باسم بأن هذا اليوم هو الفرصة التي انتظرها طويلًا، وقال لنفسه: “هذا هو اليوم الذي تدرّبتُ من أجله لسنوات. هذا هو اليوم الذي سأبدأ فيه تحقيق حلمي.”

وفي يوم المنافسة، حضر باسم برفقة والدته التي كانت تشجعه باستمرار وتسانده بكلماتها الإيجابية. نزل باسم إلى الملعب وتمكن من خطف أنظار كل المدربين بأدائه الرائع، وفي نهاية اليوم، تمكّن من الانضمام إلى المنتخب القومي لبلاده. شعر باسم بالسعادة والفرح الشديد لاقترابه من تحقيق حلمه، وأدرك أن الإصرار والتفكير الإيجابي كانا المفتاح الحقيقي لنجاحه.

أصبح باسم لاعبًا مشهورًا، وكان يصنع أهدافًا رائعة في كل مباراة، وبدأت شهرته تزداد يومًا بعد يوم. وفي أحد الأيام، أثناء ذهابه إلى التمرين، تفاجأ بأن مدرّب ناديه المفضل قد أرسل مندوبًا لمقابلته، ليقنعه بالانضمام إلى الفريق واللعب معهم. لم يصدق باسم نفسه، فقد كان هذا حلمه الكبير منذ الطفولة، والآن أصبح حقيقة بعد كل الجهد والتعب.

وبالفعل، سافر باسم إلى خارج البلاد، وبدأ تدريباته مع زملائه الجدد في الفريق. وقبل أول مباراة له مع ناديه المفضل، دعا والدته وكل أصدقائه لحضور المباراة، لرؤيتهه وهو يلعب مع ناديه المفضل.

وعندما انتهت المباراة، قال باسم بسعادة وهو يلوّح بيده للجمهور: “اليوم حققت حلمي الذي لم يصدّقه أحد، ووصلتُ لما حلمت به. أنصح كل من يسمعني أن يسعى وراء حلمه، ولا يستسلم أبدًا، ولا يلتفت إلى الكلمات المحبِطة. فالعمل الجاد والتفكير الإيجابي هما طريق تحقيق الأحلام”.

في نهاية القصة، سألت الجدة أمل: “هل تعرفين من هو باسم يا حفيدتي؟” هزّت أمل رأسها بالنفي، فأخرجت الجدة هاتفها، وعرضت عليها فيديو للاعب على الإنترنت، ثم أخبرتها: “هذا هو باسم، الذي أخبرتك عنه، هي قصة حقيقية”.

ذُهّلت أمل، وفهمت أخيرًا كيف يمكن للأفكار الإيجابية أن تؤثر على تصرفاتها وتساعدها على تحقيق أهدافها. وبعد تلك اللحظة، قرّرت أمل أن تلبس النظارة السحرية، وألا تترك مجالاً للأفكار المتشائمة لتتسلل إلى عقلها.

قالت لنفسها: “أنا أمتلك موهبة الرسم، ويمكنني أن أرسم لوحات جميلة”.

ذهبت أمل، وأحضرت أدواتها ولوحتها، وجلست بجانب جدتها ترسم لوحة جميلة للزهور. وفي صباح اليوم التالي، أخذت اللوحة إلى مدرستها لتُريها لمعلمتها، فاندهشت المعلمة من جمال اللوحة وتفاصيلها.

قالت المعلمة: “رسمتك جملية للغاية يا أمل. ستقيم المدرسة مسابقة للرسم، والفائز سيسافر إلى باريس لتعلّم الرسم خلال العطلة الصيفية. يجب أن تشتركي في هذه المسابقة”.

بدأت أمل في التدرّب على الرسم من جديد، وانضمت إلى نادي الرسم لتتعلم أكثر وتُطوّر مهاراتها استعدادًا للمسابقة. وفي يوم المسابقة، استيقظت أمل وجهزت أدواتها، لكن بدأ الخوف يتسلّل إلى عقلها وقلبها. لاحظت جدّتها ذلك، فاقتربت منها وقالت: “تذكّري يا أمل قصة باسم، وكيف حقق حلمه. فكّري بالأفكار الإيجايبة. أنا أثق بأنك ستفوزين بالمركز الأول”.

نظرت إلى جدّتها، وقالت: “لن أدع الأفكار المتشائمة تسيطر عليِّ، أنا أستطيع تحقيق الفوز اليوم، سأرسم لوحة جميلة تنبض بالحياة وتعجب كل من يراها”.

غادرت أمل المنزل، وهي عازمة على تحقيق المركز الأول. جلست في مكانها المخصص، وبدأت ترسم اللوحة بهدوء شديد، وهي تردد: “أنا أستطيع الفوز”.

وبعد عدة ساعات، انتهت أمل من لوحتها، وانتظرت رأي الحكّام. وبعد عدة مناقشات، صدرت نتائج المسابقة وحصلت أمل على المركز الأول. قفزت أمل من مكانها بسعادة، وركضت إلى جدتها التي كانت تنتظرها بفخر، وعانقتها بقوة. قالت الجدة بابتسامة: “ألم أقل لكِ إن التفكير الإيجابي يصنع المعجزات؟”

ذهبت أمل لتستلم جائزتها وسط تصفيق أصدقائها، اقترب منها أحد الحكام وسألها عن اسم لوحتها. نظرت أمل إلى لوحتها وقالت: “سأسمي لوحتي الفكرة المضيئة”. وأكملت حديثها قائلة: “كنت أرغب في رسم لوحة تعبّر عن أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا. أردت أن يشعر كل من يراها بالقوة ويسعي لتحقيقه”.

عادت أمل إلى المنزل وهي تحمل الجائزة، تملأها السعادة، وشكرت جدتها وقالت: “شكرًا لك يا جدتي، اليوم تعلمت الدرس جيدًا، وفهمت كيف يمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مسار حياتنا. ومن اليوم فصاعدًا، سأحرص دائمًا على قول كل الكلمات والأفكار الإيجابية لنفسي وللآخرين”.

ابتسمت الجدة ورتبت على كتفها قائلة: “وهكذا تبدأ الفكرة المضيئة في الانتشار.”

اقرأ أيضًا: قصة للأطفال عن توفير المال: سامر والديناصور الأخضر

المغزى من القصة

وفي نهاية القصة، تعلمنا من أمل كيف يمكن أن يساعدنا التفكير الإيجابي على تغيير نظرتنا لأنفسنا، ويحفّزنا على السعي لتحقيق أهدافنا وأحلامنا. وكيف يمكن للأفكار السلبية التي نُصدّقها عن أنفسنا أن تؤثر على ثقتنا بأنفسنا وأحلامنا.

يساعدنا التفكير الإيجابي على تحويل الخوف واليأس إلى إصرار وتحدٍّ، يعقبه نجاح وتحقيق الأهداف. كما نتعلّم أيضًا كيف يمكننا أن نشجع الآخرين، تمامًا كما كانت الجدة تشجع أمل باستمرار.

وتذكّر يا طفلي العزيز، قد لا تنجح محاولتك الأولى، ولكن بالسعي والمحاولة يمكننك أن نصل إلى ما نحلم به. لا تُصدّق كل ما يُقال عنك، أنت لست ما يقوله الآخرون عنك، بل ما تؤمن به عن نفسك. لذا، ثق بنفسك وفكر بإيجابية. وتذكّر في النهاية أن التفكير الإيجابي هو مفتاح النجاح.

اقرأ أيضًا: مالك الغاضب!| قصة قصيرة حول السيطرة على الغضب

ماذا تعرف عن التفاؤل المزيّف؟ اقرأ المقال كاملاً الآن.

أفضل قصص قبل النوم: قصة الأميرة النائمة

ماذا لو أخبرتك أن قوة وطيبة قلبك قد تحقق لك ما تريده في حياتك؟ في قصتنا اليوم، نتعرف على قصة الأميرة النائمة، التي كانت ضحية لعنة سحرية استمرت لمئة عام. لعنة بدت كأن لا أمل في زوالها، ولكن ما لم يكن يتوقعه أحد هو أن يأتي أمير شجاع وطيب القلب يتمكّن من إبطال مفعول اللعنة.

قصة الأميرة النائمة

في قديم الزمان، في أرض سحرية، عاش ملك وملكة في إحدى الممالك الجميلة، ينعمان بحياة سعيدة يملؤها الحب والطبية، ويحلمان أن يُرزقا بطفل صغير يمنحهما السعادة والفرح ويُنير حياتهما. مرت سنوات طويلة من الانتظار والدعاء، وفي أحد الأيام، تحقق حلمهما، ورزقهما الله بأميرة جميلة جدًا، شعرها ذهبي كأشعة الشمس وعيناها زرقاوان كصفاء السماء.

فرحَ الملك بقدوم الأميرة الصغيرة وسمّاها أورورا. وقرر الملك أن يقيم حفلاً كبيرًا للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة، ودعا جميع أهل المملكة من دون استثناء.

وهنا، في يوم الاحتفال، تبدأ أحداث قصة الأميرة النائمة.

هبة الجنيّات ولعنة الساحرة

احتفلت المملكة كلّها باليوم السعيد، بميلاد أميرتهم الصغيرة. وحضر الحفل جميع الملوك والأمراء من الممالك المجاورة، وكانت البهجة تملأ القلوب وزُين القصر بالزهور والأنوار. وكان من عادات المملكة أن يُقدّم كل فرد حضر الحفل هدية إلى المولود الجديد. لذلك، سمح الملك للناس برؤية ابنته الصغيرة وتقديم الهدايا إليها. ثم حضرت الجنيات الثلاثة في المملكة وأحضرت كلّ واحدة منهن هدية سحرية للأميرة الصغيرة.

اقتربت الجنية الأولى من المهد وقالت: “أمنحكِ أيتها الاميرة هبة الجمال، فلتكوني جميلة مشرقة لا يضاهي جمالك أحد.” ثم تقدّمت الجنية الثانية وقالت: “أما أنا يا أميرتي الصغيرة أمنحكِ هبة الصوت العذب، فليكن صوتك رقيقًا رنّانًا عذبًا كشدو العصافير.”

عندما اقتربت الجنية الثالثة من الأميرة، وقبل أن تتكلم، دوّى صوت قوي في قاعة الاحتفال. ظهرت ساحرة شريرة لم تُدعَ إلى الحفل. غضبت بشدة من تجاهلهم لها، فصرخت بغضبٍ شديد، وألقت لعنة على الأميرة الصغيرة.

قالت الساحرة الشريرة بصوت غاضب: “ستموت الأميرة في عيد ميلادها السادس عشر، ستلمس مغزلًا وتموت!”
ثم اختفت وسط دخان أسود كثيف، تاركة الجميع في القاعة في صدمة وذعر. شعر كل من حضر الحفل بالقلق والخوف الشديد على مستقبل أميرتهم الصغيرة.

عندها، صرخت الملكة والدموع تملأ عينيها: “لا يمكن أن يحدث هذا لابنتي!”. أمر الملك الجنود بمطاردة الساحرة، لكن دون جدوى، فقد اختفت الساحرة في لمح البصر، كأنها لم تكن موجودة أصلًا.

اقتربت إحدى الجنيات الطيبات من الملكة وقالت بهدوء: “لا تقلقي يا مولاتي، ما زال هناك هدية الجنية الثالثة.”

اقتربت الجنية الثالثة من مهد الأميرة، وحرّكت عصاها السحرية وهي تقول: “أميرتي الجميلة، إن كان قدرُكِ أن تلمسي مغزلًا في عيد ميلادك السادس عشر. فهبتي لكِ هي ألّا تموتي بل ستغرقين في نومٍ عميق، وتستيقظين بقبلةٍ صادقة من قلبٍ مُحب فيزول السحر”.

هدأ القصر قليلًا، لكن ظل القلق يحوم حول الملك والملكة. وفي اليوم التالي، أمر الملك بحرق جميع المغازل الموجودة في الممكلة حفاظًا على حياة الأميرة. وبالفعل، خرج الجنود إلى كل مكان، وجمعوا المغازل من البيوت والمحلات، وحرقوها، حتى لم يتبقَ مغزلٌ واحد في المملكة. فعلوا ما بوسعهم، لكن في أعماقهم، لا يزال الخوف يسكن قلوبهم.

تحقق اللعنة

ومرّت السنوات، وكبُرت الأميرة أورورا وازدات جمالًا يومًا بعد يوم. وأحبّها جميع من في المملكة بسبب طيبتها وتواضعها وتعاملها الحسن معهم. كانت جميلة قلبًا وقالبًا، تضحك مع الجميع، وتعلب مع الأطفال، وتنشر الفرح أينما ذهبت.

وفي عيد ميلادها السادس عشر، شعر الملك والملكة بخوفٍ شديد من أن يتحقق ما تنبأت به الساحرة الشريرة. لذلك، قرّر الملك أن يُقيم احتفال عيد ميلادها داخل القصر لحمايتها. كما أمر الجنيات بمراقبة ورعاية الأميرة أورورا في الجناح الملكي طوال اليوم.

وفي ذلك اليوم، بينما كانت الأميرة تلهو وتتجول في أروقة القصر، سمعت صوتًا غريبًا يناديها من أعلى البرج.
دفعها فضولها لتتبع الصوت، فوجدت بابًا قديمًا لم تره من قبل، ففتحته وصعدت درجات سلّم يؤدي إلى غرفة صغيرة في أعلى البرج.

عندما فتحت الأميرة باب الغرفة، رأت امرأة عجوز تجلس أمام مغزل وتغزل الصوف لصنع عروسة صغيرة. تعجبت الأميرة من شكل الآلة، فهي لم ترَ مثلها من قبل.

اقتربت من العجوز وقالت بلطف: “مرحبًا سيدتي، ما هذا الشيء؟ لم أرّه من قبل.”

قالت العجوز بصوت ناعم: “تعالي يا عزيزتي، إنه مغزل، ما رأيك أن تجرّبيها بنفسك”.

مدّت الأميرة أورورا يدها بحذر، وما أن لمست المغزل، حتى وخز سنّه الحاد إصبعها. فسقطت على الأرض في الحال، وغرقت في نومٍ عميق.

بعد فترة، لاحظ الملك غياب ابنته، فشعر بالقلق، وأمر جميع الحرّاس والخدم بالبحث عنها في أنحاء القصر. وبعد بحث طويل، وجدها أحد الحراس نائمة على أرض الغرفة، بلا حراك. فحملها بسرعة، ووضعها في غرفتها، ثم نادى الملك والملكة.

أمر الملك باستدعاء أمهر أطباء المملكة، على أمل أن يتمكّن أحدهم من إيقاظ الأميرة من نومها العميق. ولكن باءت جميع المحاولات بالفشل، فالأميرة لم تستيقظ.

أصيب الملك والملكة بحزن شديد، وحضرت الجنيّات الثلاث على عجل إلى القصر، فوجدن الملك وحاشيته في حالة ذعر وحزن لا مثيل لها.

طلبت إحدى الجنيات أن يتمّ نقل الأميرة إلى غرفة خاصّة، وإعداد مكان نومها جيّدًا، ثم حرّكت عصاها السحرية وهي تقول:

“ستنام الأميرة لمئة عام، ومن المحزن أن تستيقظ فلا تجد عائلتها وأحبابها معها، لذا… فلتناموا جميعًا، ولتغرقوا في سبات عميق حتى تستيقظ الأميرة…”

وما إن تمتمت بتلك الكلمات، حتّى غطّ الجميع في النوم، كلّ على حاله…نام الملك على كرسيّ العرش، وغرقت الملكة في النوم وهي في غرفتها، وكذلك الحرس والطهاة والعاملون والعاملات، غرقوا جميعًا في النوم.

خرجت بعدها الجنية إلى حديقة القصة، وحرّكت عصاها مرّة أخرى، فنبتت من الأرض أشجار عملاقة ونباتات التوت ولفّت القصر بأكمله، لتحميه من دخول الغرباء وإزعاج الأميرة وحاشيتها في سباتهم.

انكسار اللعنة

مرّت العديد من السنوات، وما زالت الأميرة النائمة أورورا غارقة في سباتها العميق، محاطة بحراسة الجنيات. وفي أحد الأيام، مرّ أمير من إحدى الممالك المجاورة يتجول في الغابة. كان الأمير الشاب فضوليًا ويهوى استكشاف الأماكن الجديدة برفقة حرّاسه.

وبينما هو يتجوّل بين أجمات الأشجار، لاحظ فجأة القصر الغامض محاطًا بالأشجار والنباتات المتسلّقة، وسأل حرّاسه عن حكايته، فأخبره أحدهم قائلاً:

“إنّه قصر ملعون، يقال أنّه مليئ بالساحرات والجنيّات، ومن يقترب منه ستصيبه لعنة مميتة لا مجال للنجاة منها!”

فأردف آخر:

“إنّه قصر الأميرة النائمة، لقد سمعت أنّ أميرة فائقة الحسن والجمال تعيش فيه، ويقال أنّها أميرة وقعت عليها لعنة شريرة، فأغرقتها في نوم عميق لمئة عام.”

ازداد فضول الأمير حين سمع قصّة الأميرة النائمة وقرّر أن يستكشف حقيقة الأمر بنفسه. فاندفع نحو القصر على صهوة حصانه، وعبثًا حاول جنوده ثنيه عن ذلك، فلم يستطيعوا إقناعه بالعدول عن قراره.

وما إن اقترب الأمير من مدخل القصر المحاط بالنباتات والأشجار، حتّى بدأت هذه النباتات تتباعد وتتحرّك متيحة له المجال للمرور كما لو أنّها ترحّب به، وبمجرد أن سار من بينها حتى عاودت الانغلاق، مانعة بقية الجنود من التقدّم.

استغرب الأمير ما يحدث معه، ولكنّه واصل المسير على صهوة حصانه، متوغّلاً في حدائق القصر وجنائنه، وكما كان الحال في البداية، استمرّ على ذات المنوال، كانت النباتات والأشواك تتباعد كلّما اقترب، وتنغلق مجدّدًا بعد مروره.

استمرّ مسير الأمير لساعات في قلب حدائق القصير المهجور الغريب، إلى أنّ وصل أخيرًا إلى مدخل المبنى، ووجد عنده اثنان من الحرّاس يغطّان في نومٍ عميق وهما واقفان يحملان رماحهما. فازداد عجبه واستغرابه ممّا يحصل، ودخل إلى القصر، ليجد ما هو أعجب وأغرب… كان القصر مليئًا بالخدم والحاشية، والحيوانات الأليفة، والكلّ كان يغطّ في النوم، القطط والكلاب والعصافير كانت نائمة، وكذلك الطهاة، نائمون وهم يحرّكون طعامهم، والعاملات نائمات وهنّ يغسلن الثياب أو يرتبّن الأثاث!

أخيرًا وصل الأمير إلى غرفة الأميرة النائمة، وكانت مغلقة هي الأخرى، ففتحها وتقدّم بخطوات متردّدة نحو السرير، وهناك…وقعت عيناه على أجمل فتاة رآها في الكون… كانت الأميرة تغطّ في نوم عميق، شعرها الناعم الأشقر منسدل على كتفيها وبين يديها وردة حمراء تماثل في حمرتها شفتيها وخدّيها.

وقع الأمير في حبّ أورورا من النظرة الأولى، ودنا منها، وطبع على جبينها قبلة خفيفة. وحدث حينها ما لم يكن يتوقّعه أحد. بدأت الأمير تتحرّك، وفتحت عينيها تدريجيًا… لقد انكسرت اللعنة بعد مئة عام من وقوعها، وأنقذ حبّ الأمير النقي الأميرة من سباتها العميق الأبدي.

النهاية السعيدة

استغربت الأميرة ممّا يحدث وسألت:

“من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ ما الذي حصل لي؟”

شرح لها الأمير من يكون، وكيف عثر على القصر واكتشف وجوده، وكيف دخل إليه ووصل إليها. وعرّفها بنفسه، وعبّر لها عن إعجابه بها. أمّا الأميرة، فقد مال قلبها إلى الأمير، وأعجبت بحسن أخلاقه، وشجاعته وطيبة قلبه.

وبينما هما يتحادثان، بدأت الحياة تدبّ من جديد في القصر…استيقظ الخدم والجنود والعمال من نومهم الطويل، وأفاقت الحيوانات من سباتها، وكذلك الملك والملكة، حيث هرعا على الفور نحو غرفة ابنتهما بمجرّد ان استيقظا، فوجداها جالسة في سريرها تحادث الأمير، وتتبادل وإياه أطراف الحديث.

فرح الأبوان بعودة ابنتهما إليهما سالمة، وشكرا الأمير الشجاع لأنه أنقذهم جميعًا من هذه اللعنة الشريرة. واستأذن الأمير أن ترافقه أورورا إلى مملكته، لتكون زوجته وشريكة حياته، وملكة مملكته مستقبلاً، فوافق الملك والملكة على الفور، وباركا هذا الزواج. وابتهجت المملكة بالفرح وبالزفاف القريب.

وهكذا عاد الفرح والسرور إلى المملكة، وعاش الجميع بسعادة وهناء.

اقرأ أيضًا: قصص أميرات للبنات: قصة سندريلا

في نهاية قصتنا، نتعلم منها أن الحسد والكره من أبغض الصفات التي يجب أن تبعد عنها ليس لأنها تسبب الأذى فقط لمن حولك بل لك أيضًا. كما نتعلم أيضًا أن الحياة مليئة بالمخاطر والتحديات، لكن الإصرار على تحقيق الهدف هو الطريق الوحيد لتجاوز هذه الصعاب. النجاح لا يأتي بسهولة، بل يتطلب إصرار وعزيمة. مثلما فعل الأمير في قصة الأميرة النائمة، الذي لم ييأس من محاولاته رغم الفشل، واستمر في السعي ليحقق هدفه. وتذكر دائمًا، إذا أردت أن تكون شخصًا مميزًا، تذكر أن تتعامل بطيبة وتواضع مع الآخرين.

اقرأ المزيد من قصص الأميرات.

اقرأ المزيد من قصص الأطفال ذات العبرة.

سنووايت والأقزام السبعة

كان يا مكان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، كانت تعيش ملكة جميلة طيبة القلب في إحدى الممالك البعيدة.

في إحدى أيام الشتاء قارسة البرودة، وبينما كان الثلج يهطل بغزارة في الخارج، جلست الملكة الطيبة عند حافة النافذة تطرّز على قماش من حرير، وبينما هي على تلك الحال، وخزت اصبعها فجأة بإبرة الخياطة، وسقطت بضع قطرات من الدم على الثلج الأبيض المتجمّع عند النافذة. 

في تلك اللحظة، تمنّت الملكة أن يرزقها الله بمولود ذو بشرة بيضاء كالثلج، وفم أحمر كالدم، وشعر أسود كالأبانوس. 

وما هي إلاّ بضعة أشهر حتى وضعت الملكة مولودها، وكان بنتًا جميلة تمامًا كما تمنّتها، ذات شعر أسود حالك كالأبانوس، وبشرة بيضاء ناصعة كالثلج، وفم أحمر كالدم القاني. وأسمتها الملكة سنو وايت أيّ: “بياض الثلج”. 

وفرح الملك بمولودته الصغيرة، لكنّ فرحته لم تدم طويلاً، فقد مرضت الملكة بعد الولادة مرضًا شديدًا، وماتت بعد بضعة أيّام تاركة سنووايت يتيمة بلا أمّ.

سنووايت وزوجة الأب الجديدة

تزوّج الملك فيما بعد بامرأة أخرى، وكانت زوجته الجديد جميلة جدًا، لكنها لم تكن طيبة على الإطلاق كما كانت الملكة الراحلة. كما أنها كانت تغار كثيرًا ولا تحبّ أن يكون هناك من هو أجمل منها. بل كان لديها أيضًا مرآة سحرية، وكانت في كلّ صباح تنظر إلى المرآة وتقول:

– مرآتي يا مرآتي، أخبريني من هي أجمل فتاة في الأرض؟

فتجيب المرآة:

– مولاتي الملكة، أنتِ الأجمل في هذه الأرض، وليس هناك من يضاهي جمالك على الإطلاق.

فتضحك الملكة بسعادة، ويزداد غرورها وإعجابها بنفسها وجمالها.

ومرّت الأيام والسنوات، وكبرت سنو وايت، وازداد جمالها، كما أنها كانت ذات قلب طيب رقيق، تحبّ مساعدة الغير، ولا تبخل بتقديم العون على من يحتاج، ولاحظت الملكة المغرورة جمال سنو وايت، وبدأت تغار من حسن مظهرها ودماثة أخلاقها. 

وفي أحد الأيام، استيقظت الملكة، وسألت مرآتها السحرية:

– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل فتاة على وجه الأرض؟

وأجابت المرآة:

– مولاتي الملكة، إنّ جمالك رائع لا مثيل له، ولكنّ هناك من هو أجمل منك…إنها سنو وايت.

غضبت الملكة غضبًا شديدًا حين سمعت هذه الجملة، واشتعلت نيران الغيرة في قلبها وتأجّجت، وقررت التخلص من سنو وايت. فنادت أحد حرّاسها المخلصين وقالت له:

– أريد أن تصطحب سنو وايت إلى الغابة، وتقتلها، وتحضر لي قلبها، حتى أتأكد أنها ماتت بالفعل.

فزع الحارس من طلب الملكة، لكن لم يستطع الرفض، وهكذا نفّذ أوامر الملكة، ورافق سنو وايت إلى الغابة. 

كانت هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها سنو وايت من القصر، وكم كانت سعادتها عظيمة وهي ترى الغابة بحيواناتها الأليفة من أرانب وغزلان وعصافير، ونباتاتها وأزهارها البرية الساحرة، فراحت تقفز من مكان لآخر وهي تغنّي فرحًا وسعادة، بينما كان الحارس يتحيّن الفرصة للقضاء عليها وهي غافلة عنه وعن خطّته الماكرة.

لكن الحارس كان في أعماقه رجلاً طيبًا وفيًا للملك، ولم يستطع برغم كلّ محاولاته أن يقتل سنو وايت، فقال لها أخيرًا، وهو يصوّب قوسه نحوها:

– اهربي يا سنو وايت ولا تعودي إلى القصر، فزوجه أبيك الشريرة تريد القضاء عليك.

فزعت سنو وايت عندما رأت الحارس في تلك الحالة وسمعت ما قاله لها، فهربت بعيدًا عنه، وراحت تركض على غير هدى في الغابة باحثة عن ملجأ أو مأوى.

بيت الأقزام

حلّ الليل، وتحوّلت الغابة المشرقة إلى مكان مظلم مخيف، اختبأت الحيوانات الظريفة من أرانب وغزلان، وبدأت الحيوانات المفترسة التجوال باحثة عن عشائها. أمّا سنو وايت، فقد اختبأت في كهف بعيد، وقضت ليلتها الأولى في خوف شديد، فلم تستطع النوم حتى بدأت بشائر الصباح بالظهور. 

استيقظت سنو وايت في اليوم التالي عند العصر، وخرجت من الكهف تبحث عن شيء تأكله، فقد كانت جائعة جدًا، وبينما كانت تبحث عن الطعام، لاح لها من بعيد كوخ صغير، ففرحت وابتهجت، وقرّرت الذهاب إليه وطلب العون من أهله، علّهم يقدّمون لها طعامًا تسدّ به جوعها.

وصلت سنو وايت إلى الكوخ الصغير، وطرق الباب عدّة مرّات، فلم تلقَ جوابًا، ثمّ دفعت الباب، فوجدته مفتوحًا فدخلت وأغلقت الباب من خلفها.

في داخل الكوخ، وجدت سنو وايت مائدة مستطيلة حولها سبعة كراسي، وعلى المائدة سبعة صحون من الحساء، وسبع ملاعق، وسبعة شوك وكذلك سبع أرغفة من الخبز، وسبعة أكواب من الماء.

ولأنها كانت جائعة جدًا، لم تستطع الانتظار حتى يأتي أهل البيت، فجلست على أحد الكراسي، وقد كان كرسيًا صغيرًا للغاية، وأخذت ملعقة وراحت تأكل بضع لقيمات من كلّ صحن، وتأخذ قطعة صغيرة من كلّ رغيف، ورشفة من كلّ كوب. 

وعندما انتهت من تناول الطعام، صعدت إلى الطابق العلوي من الكوخ، ووجدت فيه سبعة أسرّة أيضًا، لكنّها كانت صغيرة جدًا وكأنها أسرّة أطفال، فاختارت أحدها واستلقت عليه، وما لبثت أن غطّت في نوم عميق.

ومع حلول المساء، عاد أهل البيت إلى كوخهم، وقد كانوا سبعة أقزام يعملون في التنجيم، وما إن دخلوا حتى لاحظوا أمرًا غريبًا في منزلهم لكنهم لم يستطيعوا معرفة ما هو.

وعندما جلسوا جميعًا إلى مائدة العشاء، قال أوّلهم:

– هنالك من جلس على كرسيّي!

وقال آخر:

– وهناك من أكل من طبقي…

وأضاف الثالث:

– ومن استخدم ملعقتي؟!

ثمّ أضاف الرابع:

– وهنالك من شرب من كأسي…

وقال الخامس:

– وأكل من رغيف الخبز الخاصّ بي!

قال السادس في غضب:

– واستخدم شوكتي أيضًا!

وهنا سمع الجميع صوت القزم السابع يقول وهو ينزل من الطابق العلوي:

– والآن هو ينام على سريري!

تفاجأ الأقزام كلّهم، وصعدوا على الفور إلى العليّة، فعثروا على سنووايت الجميلة نائمة بعمق، وأصابتهم الحيرة، وراحوا يفكّرون بأمرها:

– من تكون يا ترى؟

قال أحدهم.

– لا يبدو عليها أنّها شريرة. 

أضاف الآخر، ووافقه البقية، وبينما هم في حيرتهم تلك، فتحت سنووايت عينيها أخيرًا واستيقظت من نومها، فتعجّبت ممّن حولها، واستغربت وخافت، لكنّ الأقزام قاموا بطمأنتها وأخبروها أنّهم لم يأذوها.

اعتذرت سنووايت لأنها دخلت البيت دون استئذان، وأخبرت الأقزام بقصّتها وحدّثتهم عن زوجة أبيها الشريرة القاسية، فحزن الأقزام على حالها.

– يمكنك أن تعيشي معنا في هذا الكوخ، وسنحميك من زوجة أبيك الماكرة.

قال كبير الأقزام أخيرًا، ووافقه البقية. ففرحت سنووايت بذلك كثيرًا، وشكرت الأقزام على طيبتهم وحسن ضيافتهم.

وفي مكان آخر، كان الصيّاد قد عاد إلى القصر، وقد أحضر معه قلب أحد الحيوانات التي اصطادها، وأخبر الملك أنّ ذلك هو قلب سنووايت، ففرحت الملكة بهذا الخبر، وقهقهت بصوت عالٍ. لقد أصبحت مجدّدًا أجمل امرأة على وجه الأرض.

خطط الملكة الشريرة للقضاء على سنووايت

عاشت سنووايت مع الأقزام بسعادة، فكانت تفيق صباحًا وتعدّ لهم الطعام الشهي وتقوم بأعمال المنزل من تنظيف وترتيب، وكان الأقزام سعداء بوجودها أيضًا، فكانوا يقدّمون لها الهدايا، ويقصّون عليها الحكايات، ويعتنون بها أحسن عناية.

ومرّت الأيام والأسابيع على هذه الحال، وفي أحد الأيام، سألت الملكة مرآتها السحرية:

– مرآتي يا مرآتي…أخبريني من هي الأجمل في الأرض؟

وأجابت المرآة:

– مولاتي الملكة، إنّك بلا شكّ أجمل النساء في هذه القلعة، ولكن هناك في أعماق الغابة، تعيش فتاة رائعة الجمال، وهي أجمل الفتيات على الأرض…إنها سنووايت.

عند سماع هذه الكلمات، استشاطت الملكة غضبًا، وقالت:

– لا بدّ أن الصياد قد خدعني وكذب عليّ…لن أغفر له هذا الأمر، وسألقّنه درسًا لن ينساه. أمّا سنووايت…فسأتخلّص منها بيديّ هاتين.

في اليوم التالي، تنكّرت الملكة في شكل سيّدة في مقتبل العمر، وحملت معها حقيبة مليئة بالأشرطة والأحزمة القماشية، وذهبت بها إلى الغابة حيث تقطن سنوايت مع الأقزام السبعة.

في ذلك الوقت كانت سنووايت الأزهار في الحديقة، عندما رأت السيدة الغريبة تقترب منها، فحيّتها بأدب، وراحت تحادثها وتسألها عن أحوالها.

– صغيرتي الجميلة، أنا أبيع الأشرطة الحريرية والأحزمة القماشية للفتيات الجميلات أمثالك، وظنّي أنّ هذا الحزام سيلائم لون عينيك، فدعيني أجرّبه عليك.

– شكرًا لك يا خالة، ولكنّي لا أملك أيّ مال لأشتريه منك.

– لا عليك. قالت البائعة، ثمّ واصلت: فكلماتك الطيبة تكفي.

وهكذا أخرجت من سلّتها الشريط الحريري، ولفّته حول خصر سنووايت، وراحت تشدّه بقوّة، حتى ما عادت سنووايت قادرة على التنفس، وحاولت من دون جدوى أن تخبر السيدّة بأنّ الحزام يؤلمها، لكنّها فشلت، وأغمي عليها قبل أن تتمكّن من قول أيّ شيء.

وقعت سنووايت أرضًا، وراحت الملكة الشريرة المتنكّرة بثياب البائعة تضحك سعيدة بفعلتها، ثمّ غادرت عائدة إلى القلعة سعيدة لأنها أخيرًا تخلّصت من منافستها، وقد أصبحت الآن أجمل فتاة في الأرض.

ومع غروب الشمس، عاد الأقزام السبعة إلى الكوخ، وأصابتهم الصدمة عندما رأوا سنووايت ملقاة أرضًا بلا حراك. حاولوا إيقاظها، ولكن دون جدوى، إلى أن لاحظ أحد الأقزام الحزام الحريري ملتفًا حولها، وقال للبقية:

– انظروا! هذا الحزام ملتفّ بشدة حول خصرها، إنها غير قادرة على التنفّس بسببه… هيا أحضروا لي المقصّ!

وبسرعة جاء قزم آخر بالمقصّ، ومزّق الحزام، فبدأ اللون يعود تدريجيًا إلى وجه سنووايت وبدأت تتنفس من جديد، وما هي إلاّ لحظات، حتى فتحت عينيها وأفاقت من إغمائها.

فرح الأقزام كثيرًا، وقصّت عليهم سنووايت ما حصل معها، فعرفوا في الحال أنّ تلك السيدة ما هي إلاّ الملكة الشريرة نفسها، وحذّروا سنووايت من عودتها، وطلبوا إليها ألاّ تحادث الغرباء مجدّدًا وأن تتوخّى الحذر.

بعد مرور أيّام قليلة قضتها الملكة الشريرة في سعادة ترتّب الحفلات، والمآدب والعشاءات مع النبلاء والأمراء، توجّهت مرّة أخرى إلى مرآتها السحرية وسألتها:

– مرآتي يا مرآتي….من هي أجمل النساء على وجه الأرض؟

وردّت المرآة:

– إنك يا ملكتي أجمل النساء في القصر، ولكنّ ما تزال سنووايت أجمل منك، وهي أجمل من في الأرض.

استشاطت الملكة غضبًا، وكادت تكسر المرآة من شدّة غضبها، وصاحت بإنكار:

– هذا مستحيل! لقد تخلّصت منها بيديّ!

وأجابت المرآة:

– ما تزال سنووايت حيّة ترزق، فقد تمكّن الأقزام من إنقاذها، وهي تزداد جمالاً في كلّ يوم.

– ليس لوقت طويل!

قالت الملكة، ثمّ تنكّرت مرّة أخرى بزيّ بائعة لأدوات التجميل، وغيّرت شكلها ووجها حتى لا تتعرّف عليها سنووايت، وذهبت مجدّدًا إلى الكوخ.

في ذلك الوقت كانت، سنووايت جالسة عند المدخل تقرأ كتابًا قديمًا، وحولها بعض من حيوانات الغابة اللطيفة. اقتربت منها البائعة العجوز، وقالت لها بصوت لطيف:

– كيف حالك أيتها الفتاة الحسناء؟ هل ترغبين بشراء مشطٍ مميّز لتسريح شعرك الأسود الجميل.

تذكّرت سنووايت على الفور ما حدث في المرّة السابقة، وشعرت ببعض الخوف، لكنّ السيدة العجوز طمأنتها، وقالت:

– أعلم أنّ التحدث إلى الغرباء قد لا يكون آمنًا، لكنّي يا صغيرتي لا أنوي بك شرًّا. انظري، سأسرّح شعري بهذا المشط حتى تتأكدي أنّه سليم وليس فيه ما يخيف.

وأخرجت مشطًا، وبدأت بتسريح شعرها، فاطمأنت لها سنووايت، وقالت:

– هل يمكنني أن أجرب أنا أيضًا؟

أجابت البائعة:

– بالطبع يا صغيرتي! دعيني أسرّح شعرك أنا… 

ومن دون أن تلاحظ سنووايت، أخرجت العجوز مشطًا آخر، وقد كان مسمومًا، وراحت تسرّح به شعر سنووايت الأسود الجميل، وفي غضون لحظات قليلة، بدأت سنووايت تشعر بالدوار، فقد بدأ السمّ يتسلل إلى جسمها تدريجيًا، وسقطت بعد دقائق أرضًا بلا حراك.

ضحكت الملكة سعيدة، وغادرت على الفور عائدة إلى قصرها وهي سعيدة لأنها تمكّنت من التخلص من سنووايت. أمّا الأقزام السبعة، فقد عادوا مساءًا ومرّة أخرى وجدوا سنووايت مغمىً عليها بلا حراك. بحثوا عن شريط حول خصرها لكنّهم لم يجدوا شيئًا، وبينما هم يحاولون إيقاظها، انتبه أحدهم فجأة إلى المشط المسموم مغروزًا في شعرها، فنزعه على الفور وألقاه بعيدًا، وبدأت سنووايت تستعيد عافيتها بعده، وأفاقت بعد عدّة دقائق.

مجدّدًا، قصّت هذه الأخيرة ما حصل معها، وعرف الأقزام أنّها محاولة أخرى من محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها. فحذّروا سنووايت وطلبوا منها ألاّ تخرج من الكوخ أبدًا وألا تفتح الباب لأحد من الآن فصاعدًا.

وهكذا مرّت الأيام، وسنووايت تعيش بأمان مع الأقزام، تقضي وقتها في داخل الكوخ، ولا تفتح لأحد الباب أيًّا كان. أما الملكة الشريرة، فقد انشغلت مجدّدًا بإقامة الولائم وحضور الحفلات في القصر، ولكنها بعد عدّة أسابيع، عادت إلى مرآتها وسألتها:

– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض.

وأجابت المرآة:

– أنتِ يا مولاتي من أجمل النساء، ولكنّ سنووايت كانت وستبقى هي الأجمل على الإطلاق.

كادت الملكة تفقد عقلها من شدّة الغضب والحنق، وقرّرت هذه المرّة أن تقضي على سنووايت تمامًا، فتنكّرت من جديد بهيئة امرأة طاعنة في السنّ، وحملت معها سلّة من التفاح الأحمر اللذيذ، وتوجّهت نحو الكوخ لتنفّذ خطّتها الشريرة.

لكن في هذه المرّة لم تكن سنووايت في الخارج، وكان باب الكوخ مغلقًا، فطرقت الباب، وجاءها صوت سنووايت من الداخل:

– من بالباب؟

– أنا سيّدة طاعنة أسكن في الجوار، وأحتاج لكوب من الماء من فضلك، إنني عطشى…

التزمت سنووايت بأوامر الأقزام، وقالت للعجوز:

– معذرة يا خالة، ولكني لا أستطيع أن أفتح لك الباب.

فأجابت السيدة العجوز:

– لا عليك يا صغيرتي، يمكنك أن تناوليني كوب الماء من النافذة إن شئتِ.

فكّرت سنووايت قليلاً، ورأت أنّه لا ضير في ذلك، ففتحت النافذة وقدّمت للعجوز كوب الماء، فشكرتها هذه الأخيرة، وشربت الماء، ثمّ قالت:

– إنك فتاة طيبة للغاية، وتستحقّين كلّ الخير. تفضّلي، سأعطيك هدّية صغيرة. 

ثمّ قدّمت لها حبّة تفاح حمراء ناضجة، وأضافت:

– لقد قطفت هذا التفاح قبل قليل من شجرة عند النهر، تذوّقيها، إنّها حلوة ولذيذة للغاية.

وعلى الرغم من تردّدها، لكن سنووايت لم تستطيع مقاومة تلك التفاحة التي بدت شهيّة للغاية، فأخذتها من العجوز، وقضمتها… وبمجرّد أن فعلت ذلك، حتى سقطت أرضًا مرّة أخرى مغمى عليها، فقد كانت التفاحة مسمومة، وكان السمّ فيها قويًا للغاية.

ضحكت الملكة الشريرة وهي تنظر إلى سنووايت الملقاة أرضًا وقالت:

– هذه المرّة لن تتمكّني من النجاة أبدًا! هاهاهاهاهاها…

ثمّ عادت إلى قصرها والسعادة بالانتصار تغمرها.

عاد الأقزام ليلاً، ووجدوا سنووايت ملقاة أرضًا، فحاولوا بشتّى الطرق إيقاظها، لكنهم فشلوا… لم يعثروا على حزام حول خصرها ولا مشط مسموم في شعرها، ولم يعرفوا كيف يمكنهم إنقاذها. 

حاولوا وحاولوا، ولكن دون جدوى… هذه المرّة لم يكن بالإمكان إنقاذ سنووايت.

حزن الأقزام كثيرًا على صديقتهم المسكينة، فبنوا لها صندوقًا زجاجيًا ووضعوها فيها، ثمّ ذهبوا بها إلى الغابة، وجلسوا هناك حولها يبكون وينتحبون.

ومرّت الأيام على تلك الحال دون أن تستيقظ سنووايت أو تستعيد عافيتها. أمّا الملكة، فكانت تسأل مرآتها كلّ يوم عن أجمل امرأة في الأرض، وكانت المرآة تجيب:

– أنتِ يا مولاتي أجمل نساء الأرض الآن.

فكانت تضحك وتقهقه بسعادة وفرح، لأنّ سنووايت قد ماتت، ولم تعد حيّة بعد الآن.

النهاية السعيدة

وفي أحدّ الأيام، مرّ أمير من إحدى الممالك المجاورة بالغابة، فسمع صوت الأقزام وهم يبكون، واقترب من مصدر الصوت، حتى عثر على الأقزام وهم ملتفّون حول الصندوق الزجاجي.

استغرب وأصابته الدهشة، لكنه عندما اقترب أكثر من الصندوق، ورأى سنووايت الجميلة نائمة فيه، أعجب بها كلّ الإعجاب، وسأل الأقزام عنها، فأخبروه بحكايتها، وقصّوا عليه محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها، وكيف أنّها نجحت أخيرًا في تحقيق مرادها.

حزن الأمير أشدّ الحزن على سنووايت، وطلب من الأقزام أن يسمحوا له بأخذها معه إلى قصره، علّ الأطباء في مملكته يقدرون على علاجها.

وبعد مشاورات فيما بينهم، وافق الأقزام على طلب الأمير، وفتحوا الصندوق الزجاجي، فانحنى الأمير نحو سنووايت وحملها بين ذراعيه ليضعها على صهوة حصانه، فتدلّى رأسها، وانفتح فمها قليلاً فسقطت قطعة التفاح المسموم أرضًا، وما هي إلاّ لحظات حتى فتحت سنووايت عينيها وعاد إليها وعيها.

فرح الأقزام أشدّ الفرح بعودة صديقتهم، واستقبلوها بالأحضان والغناء، وأمّا الأمير، فقد انحنى نحوها، وأبدى احترامه وإعجابه الشديد بها، فقال:

– آنستي الجميلة، إني ومنذ رأيتك نائمة، قد وقعت في حبّك، وأرجوك أن تقبلي طلبي بمرافقتي إلى قصري لتكوني زوجتي وملكة مملكتي المستقبلية. 

احمّرت وجنتا سنووايت خجلاً، ووافقت فورًا على طلب الأمير، فهتف الأقزام فرحًا وسعادة، وهلّلوا لهذا الخبر السعيد. 

وركبت سنووايت ظهر الحصان مع الأمير، وساروا في الغابة يتبعهم الأقزام يغنون فرحًا، وشاركتهم حيوانات الغابة من أرانب وعصافير وغزلان هذا الفرح في موكب جميل بهيّ.

وأقيمت احتفالات عظيمة في المملكة المجاورة احتفاءً بالأمير وعروسه الجميلة، ووصلت أخبار هذا الزفاف المهيب إلى المملكة التي كانت تعيش فيها سنووايت سابقًا، فارتابت الملكة وتشكّكت، واتجهت إلى مرآتها لتسألها السؤال المعتاد:

– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض؟

– إنها يا مولاتي سنووايت…ملكة المملكة المجاورة المستقبلية وعروس الأمير الطيب الشجاع…سنووايت هي أجمل الفتيات في الأرض.

لم تستطع الملكة تحمّل الصدمة، وقذفت بتاجها على المرآة السحرية فتهشمّت إلى قطع صغيرة، واخترقت إحدى هذه القطع قلب الملكة فماتت على الفور. وهكذا نالت عقابها جزاء غرورها وحقدها الشديد على كلّ ما هو جميل.

أمّا سنووايت فعاشت بسعادة وهناء مع الأمير، وكانت تزور أصدقاءها الأقزام بين الحين والآخر لتلعب وتمرح معهم في الغابة.

قصص أميرات للبنات: قصة سندريلا

كان يا مكان، في قديم الزمان، وفي إحدى البلدان البعيدة، عاشت فتاة جميلة طيبة القلب اسمها سندريلا، مع أبويها اللذين يحبّانها ويعطفان عليها. كانت تعيش حياة سعيدة إلى أنّ جاء يوم مرضت فيه والدتها مرضً شديدًا، ولم يتمكّن الأطباء من علاجها، ففارقت الحياة، تاركة سندريلا المسكينة وحيدة.

حزن الأب على فراق زوجته حزنًا شديدًا، وأصبح وحيدًا يشعر بألم الفراق. وكان كلّما نظر إلى ابنته الصغيرة، شعر بمزيد من الحزن لأنه أصبحت يتيمة دون أمّ ترعاها وتعطف عليها. فقرّر أن يتزوّج بامرأة أخرى تحلّ محلّ أمها، فتعتني بها وتقدّم لها الحبّ والعناية.

وكذلك كان الحال، تزوّج الأب بامرأة أرملة، لديها ابنتان أكبر من سندريلا بقليل. وانتقلن للعيش في منزل سندريلا. 

كانت زوجة الأب وابنتاها يعاملن سندريلا معاملة حسنة، وفرحت هذه الأخيرة لأنه أصبح لديها أختان تتتسلّى معهما. 

فرح الاب لرؤية ابنته وقد عادت إلى محياها الابتسامة، واطمأن قلبه أنها ستكون بخير أثناء سفره للعمل، وهكذا، بعد عدّة أسابيع من زواجه، سافر الأب مبحرًا إلى بلاد بعيدة لإحضار البضاعة من أجل عمله. وهنا تغيّرت الأمور تمامًا.

أصبحت زوجة الأب هي سيّدة المنزل، فأجبرت سندريلا على الانتقال إلى العليّة المظلمة، وأعطتها ملابس رثّة ممزقة لترتديها بدلاً من ثيابها الجميلة. ليس هذا وحسب، بل جعلتها تقوم بجميع أعمال المنزل من تنظيف وترتيب وطبخ.

تحوّلت حياة سندريلا بين ليلة وضحاها، وصارت خادمة لزوجة أبيها القاسية وابنتيها المدللتين، فكانت تستيقظ باكرًا لتعدّ لهنّ طعام الفطور، وتغسل ثيابهنّ وترتب غرفهن، في حين كانت الأختان المغرورتان تقضيان نهارهما في النوم والأكل والتنزّه في الأسواق لشراء الأثواب والمجوهرات الفاخرة.

على الرغم من قسوة الحياة ومعاملة زوجة الأب وابنتاها السيئة، لكنّ سندريلا لم تفقد الأمل، وحافظت على طيبة قلبها ورقّتها في التعامل، وكان لديها أصدقاء صغار من الحيوانات يخفّفون عنها وحدتها ويساعدونها في بعض أعمالها. فكانت بعض العصافير تقدّم لها العون لنشر الغسيل على الحبال، والفئران الظريفة تمدّ لها يدّ العون في حمل بعض الخضار والفواكه والأواني، والقطّ ميشا يساعدها في المسح وتنظيف الأرضيات، ممّا أدخل السعادة إلى قلبها، وشجّعها على الاستمرار في العيش برضى.

في أحد الأيام شاع خبر رغبة الأمير ابن حاكم المملكة في الزواج، وأعلن الملك عن إقامة حفل كبير في القصر الملكي، تحضره جميع الفتيات ممّن هنّ في سنّ الزواج ليختار الأمير عروسه من بينهنّ.

وتلقّت زوجة الأب وابنتاها دعوات لحضور الحفل الراقص، كما تلقّت سندريلا أيضًا دعوة لحضور الحفل، وكم أفرحها وأسعدها ذلك، لكنها طلبت الإذن من زوجة أبيها للسماح لها بحضور الحفل:

  • هل يمكنني أن أذهب أنا أيضًا إلى الحفل الراقص؟

سألت سندريلا بحذر.

ضحكت زوجة الأب بسخرية، وردّت:

– سأسمح لك بالذهاب إن استطعتِ إنهاء جميع أعمالك المنزلية، وعثرتِ على ثوب مناسب للحفل، أمّا الآن فأريد منك أن تساعدي ابنتيّ على الاستعداد للحفل، أريد أن تكونا أجمل الفتيات في القصر حتى يقع اختيار الأمير على إحداهما.

وهكذا ازداد ضغط العمل على سندريلا التي أصبحت الآن مكلّفة بإتمام جميع أعمال التنظيف والترتيب والطبخ، وكذلك تحضير وخياطة أثواب الحفل لأختيها ومساعدتهما لاختيار المجوهرات والأحذية المناسبة لحضور هذه المناسبة الراقية.

كانت تعمل بجدّ طوال النهار، وتسهر ليلاً على حياكة ثياب أختيها، واستطاعت بفضل أصدقائها الطيبين أن تصلح أحد أثواب والدتها الراحلة وتزيّنه بالشرائط الحريرية والخرز اللامع حتى أصبح ثوبًا أنيقًا وجميلاً.

في يوم الحفل، استيقظت سندريلا باكرًا، فأعدّت الفطور لأختيها، وقامت بتنظيف وترتيب المنزل كاملاً، ثمّ ساعدت الفتاتان المغرورتان على تجربة فساتين الحفل واختيار ما يلائم من الجواهر والأحذية، فكانتا تلبسان وتخلعان الفساتين والموجوهرات، وسندريلا تساعدهما على اختيار ما يلائم وما لا يلائم، حيث قضت معهما ساعات طوال تستمع إلى أرائهن وتصلح ما يحتاج إلى إصلاح أو تضييق أو توسيع من الثياب والفساتين.

ومع غروب الشمس، كانت الفتاتان وزوجة الأب في أبهى حلّة لهنّ، يرتدين فساتين من الحرير مطرّزة بالخيوط الذهبية ومزيّنة بالخرز والجواهر، واستغلّت سندريلا فترة تناولهنّ الطعام، فارتدت فستان والدتها الراحلة البسيط الذي أصلحته مع أصدقائها الحيوانات، وربطت شعرها بشريط حريري، ونزلت إلى الأسفل تحمل دعوتها.

كانت زوجة الأب والفتاتان على وشك ركوب العربة المتجهة إلى القصر عندما نادتهنّ سندريلا:

– انتظروني! ألن آتي معكنّ أنا أيضًا!

والتفتت الأختان وأمهما إلى سندريلا، ثمّ انفجرن ضاحكات بسخرية:

– هل ستأتين معنا بهذا الثوب القديم البالي؟!

قالت إحدى الأختان، وأضافت الأخرى:

– وهذا الحذاء البشع القبيح؟!

قالت زوجة الأب

– لن أسمح لكِ بإفساد فرصة الزواج من الأمير على ابنتيّ، فإن رآكِ معهما سيسخرّ منّا وينفر من الحديث معهما، ستحرجينني مع العائلة المالكة والطبقة الثرية من الحضور.

– لكن…

وقاطعتها زوجة الأب مجدّدًا:

– كفى….لن تحضري الحفل، ثمّ إنّ المنزل غارق في الفوضى، عليك ترتيب المكان وتنظيفه قبل عودتنا، لا أريد أن أرى ذرّة غبار واحدة عندما أعود.

ثمّ اقتربت منها، وأخذت منها دعوة الحفل، فمزّقتها ورمتها أرضًا حتى تتأكّد من أنّ سندريلا لن تحضر الحفل، وغادرت بعدها مع ابنتاها وهنّ يضحكن بخبث، تاركات سندريلا وحدها في المنزل.

شعرت سندريلا بالظلم، والحزن الشديد، واندفعت إلى غرفتها في العلية حيث ارتمت على السرير وراحت تبكي بكاءً مريرًا، فيما حاول أصدقاؤها الصغار التخفيف عنها، ولكن بلا جدوى.

ومن شدّة تعبها، غفت سندريلا لبضع لحظات، لكنّها عندما استيقظت من جديد رأت أمامها سيدة طيبة الملامح، ترتدي ثوبًا أزرق لامعًا، وتحمل بيدها عصًا غريبة الشكل.

– من أنتِ؟

سألت سندريلا بفضول.

– أنا الجنيّة الطيبة، وقد أتيتُ لمساعدتك يا سندريلا، فامسحي دموعك، ولا تحزني لأنط ستذهبين إلى الحفل الراقص.

– وكيف أذهب من دون ثوب أو عربة أو حتى بطاقة دعوة، زوجة أبي وأختاي محقّات، سأكون مصدر إحراج لهنّ ولنفسي إن ذهبت.

قالت سندريلا بحزن، وابتسمت الجنية الطيبة وهي تستمع إليها ثمّ قالت:

– لا عليك… ستكونين أجمل فتاة في الحفل، وستخطفين الأبصار بحضورك!

ثم لمست بعصاها سندريلا، فأشعّ نور قويّ، وفجأة تحوّل ثوبها القديم إلى فستان رائع الجمال من الحرير الثمين، مطرّز بخيوط فضيّة دقيقة وخرزٍ نجمي لامع.

ولمست الجنيّة شعر سندريلا، فمُشّطَ تلقائيًا ووُضع عليه تاج ثمين مرصّع باللآلئ والألماس، وعلى رقبتها استقرّ عقدٌ من اللؤلؤ والمرجان.

وأمّا حذاؤها الممزّق، فتحوّل هو الآخر إلى حذاء من الزجاج الشفاف اللامع. 

– أنتِ مستعدّة الآن للحفل، ولم يتبقَ سوى إعداد العربة… هيا لننزل إلى الأسفل!

قلت الجنية، ثمّ نزلت إلى المطبخ في الطابق السفلي، فاختارت منه حبّة يقطين كبير، وحملتها إلى المدخل، ثمّ ضربتها بعصاها، فتحوّلت في الحال إلى مقصورة عربة رائعة الجمال، وبضربة أخرى، تحوّلت الفئران من أصدقاء سندريلا إلى جياد بيضاء أصيلة ذات عدّة ذهبية بديعة.

– أخيرًا، نحتاج إلى سائق عربة، وخادم لمساعدتك على الركوب والنزول!

ونظرت من حولها فرأت زوج العصافير من أصدقاء سندريلا، فلمست كلّا منهم بعصاها السحرية، وكما هو الحال مع الفئران، تحوّلا في الحال إلى رجلين ببزّة رسمية أنيقة.

ذُهلت سندريلا من كلّ ما رأت، وشعرت بالسعادة الغامرة. فراحت تدور حول نفسها بثوبها الساحر وهي تشكر الجنيّة الطيبة.

– شكرًا لك أيتها الجنية الرائعة، لا أنسى لك معروفك ما حييت!

ابتسمت الجنيّة بطيبة، ثمّ قالت:

– هيا يا عزيزتي، حان وقت الذهاب… لكن تذكّري، عليك العودة إلى المنزل قبل منتصف الليل، فعند الدقّة الثانية عشرة من منتصف الليل سيختفي أثر السحر وتعود ثيابك إلى حالتها الأولى وكذلك العربة وكلّ شيء آخر.

– فهمت لن أنسى ذلك، وسأغادر قبل حدوث ذلك.

ثمّ ركبت العربة، وودّعت الجنية وانطلقت نحو الحفل.

هناك في القلعة، كانت الفتيات يحاولن التقرّب من الأمير، والتعريف بنفسهن أمامه، لكن علامات الملل والضجر كانت بادية على محيّاه، فلم يرَ في أيّ منهن صفات الزوجة المناسبة، وفجأة رفع نظره نحو مدخل القاعة، فرأى سندريلا وهي تقف عند المدخل بثوبها الساحر وحليّها الفاخرة. 

وقف الأمير على الفور، واتجه نحوها، وتتبّع جميع الحضور خطواته نحو سندريلا.

– آنستي الجميلة، أهلاً بك في هذا الحفل الراقص، لا شكّ أنّك من النبلاء أو أميرة من أميرات الممالك المجاورة.

لم تعرف سندريلا ما تقول، فانحنت للأمير باحترام وشكرته على دعوتها لمثل هذا الحفل المميز، ومدّ الأمير يده إليها طالبًا منها مشاركته الرقصة التالية، فوافقت وابتسامة مشرقة ترتسم على محيّاها.

وانطلق العزف من جديد في الأرجاء، فرقصت سندريلا والأمير لوقت طويل، وأسرت جميع الحضور بجمالها وروعة حضورها.

وبعد الرقص، تمّ تقديم العشاء في الحفل، فرافق الأمير سندريلا، وتناول عشاءه معها، ثمّ خرج الإثنان إلى حديقة القصر، وراحا يتحدّثان ويتسامران، فأعجب كلّ منهما بشخصية الآخر ودماثة أخلاقه وطيبة قلبه، ولم تنتبه سندريلا لتأخر الوقت في حضرة الأمير، إلى أن سمعت فجأة الساعة تدقّ معلنة منتصف الليل.

ارتبكت سندريلا وتوتّرت، واعتذرت على عجل من الأمير:

– أرجو المعذرة يا مولاي، ولكن يجب أن أغادر الآن!

– مهلاً انتظري…لم أعرف اسمك حتى الآن…

لكنّ سندريلا لم تكن تملك من الوقت ما يكفي للإجابة عن سؤال الأمير، فحيّته، وركضت نحو الخارج، وأثناء نزولها الدرج باتجاه العربة سقطت منها فردة حذائها، إلاّ أنها لم تبالي وتركتها وراءها وركبت العربة وغادرت على عجل.

حار الأمير في أمرها، ولم يعرف ما أصابها ودفعها للرحيل على هذا النحو، ثمّ حمل فردة الحذاء الزجاجي الذي تركته، وعاد به إلى الحفل، الذي بدا له حينها مملاً لا معنى له.

في اليوم التالي، راح الأمير يسأل حاشيته عن صاحبة الحذاء، لكنّ أحدًا لم يعرف من تكون أو ما اسمها، ممّا زاد من حزنه على رحيلها. وأصدر أمرًا بالبحث عنها والعثور عليها، ولكن دون جدوى، فلم يعثر أحد على هذه الأميرة الغامضة.

أخيرًا أعلن الأمير أنّه سيتزوّج الفتاة التي تناسب قدمها الحذاء الزجاجي، وأمر خدمه بزيارة كلّ المنازل في المملكة وجعل الفتيات يجرّبن فردة الحذاء الزجاجي حتى يعثروا على عروسه.

جاب الحرّاس أنحاء المملكة، يطرقون أبواب المنازل، ويعرضون فردة الحذاء على الفتيات، وحاولت الكثير منهنّ ارتداءه لكنّه لم يناسب أيًّا منهن.

وبعد عدّة أيام، وصل حرّاء الملك إلى منزل سندريلا، فبادرت الأختان بقياس فردة الحذاء، لكنه كان صغيرًا جدًّا عليهما. وقال أحد الحراس بعدها:

– بحسب معلوماتي فهنالك فتاة أخرى تعيش في هذا المنزل.

قالت زوجة الأب:

– هذا صحيح، لكنّها مجرّد خادمة، ولا يمكن أن تكون تلك الأميرة الساحرة التي رأيناها في الحفل، فلا داعي لإضاعة وقتكم الثمين معها.

أجاب الحارس:

– إنّ الأوامر تنصّ على أن تجرّب كلّ فتاة في المملكة فردة الحذاء بغضّ النظر عمّن تكون، فأرجو منك استدعاءها الآن.

وعلى مضض، نادت زوجة الأب سندريلا من المطبخ، فجاءت وجلست على الأريكة، ووُضع الحذاء في قدمها، فانزلق بسهولة كأنه خُلق لها! دهش الجميع، وفجأة، أشرق نور سحري من حولها، ليعود فستانها الملكي ويتألّق تاجها من جديد، وسط شهقات الذهول من زوجة الأب وابنتيها.

– هذا مستحيل، سندريلا لم تذهب إلى ذلك الحفل، فمن أين لها بذلك الثوب الرائع وتلك الجواهر الثمين.

أخذها الخدم إلى القصر، حيث كان الأمير ينتظرها بفارغ الصبر. وعندما رآها، أشرق وجهه بالسعادة وقال: “أخيرًا وجدتكِ!” لم يكن بحاجة لسماع أيّ شيء آخر، فقد كان متأكدًا أنّها هي الفتاة التي يريدها. وبعد أيام قليلة، أُقيم حفل زفاف كبير، وتوّجت سندريلا أميرة، لتعيش مع الأمير بسعادة وهناء.

أما زوجة الأب وابنتاها، فتعلمّن درسًا قاسيًا، حيث أدركن أن الجمال الحقيقي ليس في الملابس الفاخرة، بل في القلب الطيب والروح النقية.

Exit mobile version