قصة هود عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

هل تتخيل أن تعيش في أرضٍ مليئةٍ بالقصور العالية، والخيام الضخمة، والأنهار الجارية بين الجبال والرمال الذهبية؟
هناك عاش قومٌ أقوياء جدًا، يبنون بأيديهم الأبراج العالية ويقولون: “لا أحد أقوى منا!”
لكن… هل تدوم القوة إلى الأبد؟
في هذه القصة المدهشة، سنكتشف ما حدث لقومٍ نسوا شكر الله، وكيف أرسل إليهم الله نبيًّا اسمه هود عليه السلام ليذكّرهم بالحق، ويعلّمهم أن الشكر والإيمان هما سرّ النعمة والنجاة.
هيّا بنا نبدأ الحكاية، ونغوص في قصة قوم عاد الذين غيّر الله أرضهم بريحٍ عاتيةٍ لم يُرَ مثلها من قبل جزاءً لكفرهم!

قوم عاد

في زمنٍ قديمٍ جدًّا، قبل آلاف السنين، بعد أيام نبيّ الله نوح عليه السلام، عاش قومٌ يُسمَّون عادًا في أرضٍ واسعةٍ جميلة تُسمّى الأحقاف.
كانت تلك الأرض تمتد بين البحر من جهة والجبال من جهة أخرى، تتوسطها أوديةٌ خضراء تجري فيها المياه، وأراضٍ خصبة مزروعة بأنواعٍ كثيرةٍ من الزرع والثمار.
تُشرق الشمس على رمالها الذهبية فيضيء لونها كأنها من نور، ويهبّ النسيم بين أشجار النخيل فيملأ الجوّ بالحياة.

كان قوم عاد أقوياء الجسد عِظام البنية، يرفعون الحجارة الضخمة بسهولةٍ كأنها ألعاب، ويبنون بها القصور العالية ذات الأعمدة العظيمة التي تمتد نحو السماء.

وكانوا يقيمون أيضًا في الخيام الواسعة الجميلة المصنوعة من الأقمشة الغليظة والأعمدة الطويلة التي تشبه الجبال في ضخامتها وثباتها. امتلكوا الإبل والأغنام والأنعام الكثيرة، وعاش بعضهم في القرى المزدهرة المزينة بالأشجار والمياه، بينما سكن بعضهم في البادية بين الكثبان الرملية، يرحلون بأنعامهم من وادٍ إلى وادٍ بحثًا عن الطعام والماء.

كانت حياتهم مملوءةً بالنعم، وأرضهم عامرةً بالخيرات، لكن مع مرور الوقت تسلّل الغرور إلى قلوبهم.
صاروا ينظرون إلى قوتهم العظيمة بإعجابٍ، ويقولون في أنفسهم: من يقدر علينا؟ نحن الأقوى في الأرض!

ونسي هؤلاء القوم أن الله هو الذي منحهم القوة والرزق، فبدل أن يشكروه ويعبدوه، أعرضوا عن عبادته، وتركوا طاعته…
وبعد أن كانوا يعرفون ربهم الواحد، صنعوا بأيديهم أصنامًا من الحجارة والخشب، ثم عبدوها، وراحوا يسألونها المطر والنصر والرزق، وهي لا تسمع ولا ترى، ولا تملك لهم شيئًا!

دعوة هود عليه السلام

أحبّ الله قوم عاد، وأراد لهم الهداية بعد أن ضلّوا الطريق، فاختار من بينهم رجلًا صالحًا حكيمًا اسمه هود عليه السلام.
كان هود معروفًا بين قومه بصدقه وأمانته، يحكم بينهم بالعدل ويقول الحقّ مهما كان صعبًا. كان قلبه مليئًا بالرحمة والخوف على قومه، لا يريد لهم إلا الخير.

وفي يومٍ اجتمع الناس في ساحتهم الواسعة بين القصور والخيام، فوقف هود عليه السلام بينهم وقال بصوتٍ هادئٍ وواثقٍ:
“يا قومي، لماذا تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر؟ هذه التماثيل التي صنعتموها لا تنفعكم ولا تضركم. الله وحده هو خالقكم، وهو الذي أعطاكم هذه القوة والنعم، فاشكروه وعودوا لعبادته، فهو ربّكم وخالقكم.”

"أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم"  الشعراء 133-135.

كان كلامه ينبع من قلبٍ صادق مؤمن، يذكّرهم بالوقت الذي كانوا فيه شاكرين لله، وكيف رزقهم بالماء والزرع والأنعام. تحدث إليهم مرارًا، يومًا بعد يوم، يزورهم في مجالسهم ويكلم كبارهم وصغارهم، ويدعوهم بلينٍ وحكمةٍ وصبرٍ عظيم.

لكنّ أكثر القوم أعرضوا عنه، ضحك بعضهم وسخر آخرون، وقالوا بتكبرٍ:
“يا هود، لا نراك إلا بشرًا مثلنا، ولن نترك آلهتنا من أجلك!”

كان يمكن لهود عليه السلام أن يغضب أو ييأس، لكنه لم يفعل. ظلّ هادئًا، ينظر إليهم بعين الحزن والشفقة، ولا يطلب منهم مالًا ولا جاهًا، ويريد لهم النجاة؛ فالله وحده هو القوي، ومن يشكره تدُم له النعمة.

ومع ذلك، ازداد أكثرهم عنادًا، واشتدّ غرورهم بما يملكون من قصورٍ وأجسامٍ قويةٍ، وقالوا بفخرٍ وتعالٍ:
“من هو الذي يفوقنا قوة؟!”

كانوا يظنون أن قوتهم ستحميهم إلى الأبد، ولم يعلموا أن القوة لا تدوم…

ريح العذاب ونجاة المؤمنين

مرت الأيام، وهود عليه السلام لا يملّ من دعوته لقومه، يتحدث إليهم بالحكمة واللين، ويذكّرهم بنعم الله عليهم، لكن القوم ظلّوا على عنادهم وكبرهم. وكلّما نصحهم ازدادوا غرورًا، ليقولوا بثقةٍ عمياء: من أقوى منا؟!

"وقالوا من أشد منا قوة" - فصلت 15

ظلّوا على هذا الحال حتى استحقوا عذاب الله! وأنزل عليهم وعده الحقّ.
في البداية تغيّر الجوّ في بلادهم تمامًا، فصارت السماء غريبة المنظر، غابت عنها زُرقتها، وسكنت الرياح التي كانت تعوّدوا على نسماتها اللطيفة.
وقف القوم ينظرون إلى السماء بدهشة، لا يسمعون إلا سكونًا عجيبًا، كأن الأرض تتهيأ لانتظار شيءٍ قادم.

ثم، ومن بعيد، بدأ صوت الريح يُسمع خافتًا... يعلو قليلًا قليلًا، حتى صار كالزئير!
هبّت ريحٌ باردةٌ قوية، تقترب منهم شيئًا فشيئًا، تحمل الرمال والحصى، وتدور في دوّاماتٍ ضخمة.
في اليوم الأول ظنّ القوم أنها ستمرّ سريعًا، لكنّها ازدادت شدّةً يومًا بعد يوم، حتى صارت عاصفة هوجاء لا تُطاق.

كانت تقتلع الخيام الضخمة وتُلقيها بعيدًا، وتكسر الأشجار العالية، وتغمر الأرض بالرمال والغبار.
لم يعد أحدٌ يقدر أن يقف أمامها، فقد كانت ريحًا لا تُبقي ولا تذر، تهبّ بلا رحمة، تحمل الغبار والبرد، وتنهي كل شكل للحياة في طريقها.

استمرّت تلك الريح سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ متتابعة، لا يهدأ فيها الهواء، ولا يجد أحدٌ مأمنًا منها، حتى هلك كل من كفر وتكبّر على الله، الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم.

"فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون" فصلت 16

أما هود عليه السلام ومن آمن معه، فقد أنجاهم الله برحمته. كانوا في مكانٍ آمنٍ بعيد عن الرياح، يسمعون صوت العاصفة من بعيد ولا تمسّهم بسوء، لأنهم صدّقوا نبيهم وآمنوا بربهم.

وعندما انقضت العاصفة وسكنت الأرض، لم يبقَ في ديار قوم عاد أحدٌ من المكذّبين بدعوة هود عليه السلام!
هدأت الأرض بعد العاصفة، إنها عبرةٌ خالدة، تذكّر الناس في كل زمان بأن النعمة لا تدوم إلا بالشكر، وأن القوة لا تنفع من يعصي ربَّه.

وهكذا انتهت قصة قوم عاد، قصة العاصفة التي قضت على كبرياء من تجبروا، وأنجت أصحاب القلوب المؤمنة المطمئنة.

العبر المستفادة من قصة هود عليه السلام

تعلّمنا قصة هود عليه السلام دروسًا عظيمة لا تُنسى:

  1. الشكر سرّ النعمة: من يشكر الله على ما عنده، يبارك الله له ويزيده من فضله.
  2. القوة الحقيقية في الإيمان: فالله هو الأقوى، ومن يعتمد عليه لا يخاف أحدًا.
  3. الغرور طريق الهلاك: من يتكبّر وينسى خالقه، تزول عنه النعمة مهما كان قويًا.
  4. الصبر في الدعوة: مثل هود عليه السلام، الذي لم ييأس رغم سخرية قومه، بل واصل نصحهم برحمةٍ وثبات.
  5. العاقبة للمتقين: فالله أنجى المؤمنين ونجّاهم من العاصفة، لأن قلوبهم كانت مليئة بالإيمان.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ المزيد من قصص الأنبياء المليئة بالعبرة والفائدة على حدّوتة.

قصة نوح عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

هل سمعتَ من قبل عن النبيّ الذي دعا قومه إلى عبادة الله تسعمئة وخمسين سنة دون أن ييأس؟
إنه نبيّ الله نوح عليه السلام، أحد أعظم الأنبياء الذين علّمونا معنى الصبر والثبات والإيمان.
في هذه القصة المدهشة، ستتعرّف كيف صبر نوح على قومه، وكيف بنى السفينة العملاقة بأمر الله، وكيف نجّاه الله من الطوفان العظيم.
هيّا بنا نبدأ الرحلة ونتعلّم من قصة نبيّنا نوح عليه السلام دروسًا جميلة تبقى في قلوبنا دائمًا

بداية دعوة نوح عليه السلام

في زمنٍ بعيد جدًّا، كانت الأرض مليئة بأناس يعيشون في خيرٍ واسعٍ ورزقٍ وفير. كانت حياتهم هادئة، وبيوتهم عامرة، وأراضيهم مليئة بالزرع والثمار، والماء يجري في أنهارٍ صافية تروي حقولهم. أنعم الله عليهم بكل ما يحتاجونه ليعيشوا بسعادة وطمأنينة.

لكن مع مرور الوقت، بدأت قلوب الناس تبتعد عن شكر الله، ونسوا أنه هو الذي رزقهم كل هذا الخيرات!
بدؤوا يصنعون أصنامًا من الحجارة والخشب، يزيّنونها ويضعونها في أماكن مرتفعة، حتى صاروا يعبدونها بدلًا من الله عز وجلّ…
كانت تلك الأصنام لا تتكلم ولا تسمع، ومع ذلك اعتقد الناس أنها تجلب لهم النفع وتمنع عنهم الضرر. وهي مجرد كذبة اختلقوها!

وفي وسط هذا الضلال، كان بينهم رجل صالح طيّب القلب، يعرف الحقّ ولا يرضى بالباطل، اسمه نوح عليه السلام. كان من نسل النبي إدريس، وجدّه الرابع، وكان معروفًا بين قومه بالصدق والأمانة وحسن الخلق. اختاره الله ليكون نبيًّا لهم، ليذكّرهم بربهم الذي خلقهم وأنعم عليهم، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده بلا شريك.

سنوات من الصبر

بدأ نوح عليه السلام يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، وأن يتركوا عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضرّ. كان قلبه مليئًا بالرحمة، يريد لهم الخير، ويخاف عليهم من الضلال.

 "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"- الأعراف 59

لم يكن يدعوهم غاضبًا، بل كان هادئًا ولطيفًا، ويتحدث إليهم بالحكمة واللين… دعاهم في الليل في بيوتهم، وفي النهار في الأسواق والمجالس.
كان يذكّرهم بنعم الله عليهم، ويحدّثهم عن الخالق الذي أعطاهم الحياة والرزق والأمان.
لكن أكثر قومه لم يسمعوا كلامه، وكذّبوه وسخروا منه، وقالوا إنه بشر مثلهم، فكيف يكون رسولًا؟

وبدلًا من أن يشكروا الله على من أُرسل إليهم ليهديهم، ابتعدوا عنه وازدادوا عنادًا. ومع ذلك، لم يتراجع نوح عليه السلام، ولم يغضب أو ييأس.
ظلّ صابرًا محتسبًا، يدعو قومه سنين طويلة جدًّا، لا يملّ ولا يتوقف عن الأمل في أن تعود قلوبهم إلى الحق.

مرّت 950 سنة كاملة ونوح عليه السلام مستمرّ في دعوته، والناس على حالهم لا يستجيبون للدعوة إلا قليل منهم، آمنوا به وصدّقوا رسالته. كانوا قلةً قليلة، لكنهم كانوا ثابتين على الإيمان، يزدادون صبرًا مع نبيّهم، وينتظرون رحمة الله.

بناء السفينة

كان نوح عليه السلام في شبابه يرعى الغنم، مثل كثيرٍ من الأنبياء الصالحين، يتأمل في خلق الله ويرى آياته في كل شيء حوله. ثم صار نجّارًا ماهرًا عندما أمره الله بصناعة السفينة التي ستكون سبب النجاة للمؤمنين.

"وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ" - هود 36

بدأ نوح يصنع السفينة من الخشب كما أمره الله، يعمل بجدٍّ وصبرٍ وإيمان. كان يقطع الأخشاب بعناية، ويجمع الألواح ويثبتها بالحبال والمسامير، وكل يوم يكبر البناء أكثر فأكثر. كان المكان من حوله صامتًا إلا من صوت المطرقة على الخشب، وصوت الريح التي تمرّ كأنها تراقب العمل العظيم.

ومع كل هذا الجدّ، كان قومه يمرّون من هناك فيسخرون منه ويضحكون، ويقول بعضهم: لماذا يصنع سفينة كبيرة على اليابسة، ولا يرون سببًا لذلك!

"وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" - هود 38

لكن نوحًا عليه السلام لم يلتفت إليهم، ولم يتوقف عن العمل، لأن قلبه مليء بالثقة في أمر الله.

ظلّ يعمل في صمتٍ وإخلاص، حتى اكتملت السفينة تمامًا كما أراد الله، سفينة قوية، جميلة، ومستعدة لأمرٍ عظيم سيأتي قريبًا.

الطوفان والنجاة

حين جاء أمر الله، تغيّر وجه السماء، وبدأت الغيوم تتجمّع شيئًا فشيئًا حتى صارت كثيفةً وسوداء، وما لبث أن بدأ المطر يهطل غزيرًا، وانفجرت عيون الماء من جوف الأرض ففاضت الوديان والانهار، وانغمرت السهول، وارتفع منسوب المياه حتى غطّى اليابسة من حولهم.

وصعد حينها نوح عليه السلام ومن آمن معه إلى السفينة، كما أمرهم الله، ومعهم من كلّ نوع من الحيوانات زوجان اثنان، لحكمة أرادها الله جل وعلا. أُغلقت أبواب السفينة بإحكام، فيما استمرّ المطر والسيول يغمران اليابسة، وتحوّلت إلى بحر واسع، تلاطمت أمواجه كالجبال العالية.

كان منظرًا مريعًا، مخيفًا، لكنّ سفينة نوح بقيت صامدة تسير بثبات فوق تلك الأمواج القوية، بحفظ من الله عزّ وجلّ. كانت الرياح تعصف والماء يحيط بها من كل جانب، ومع ذلك بقيت السفينة تمضي مطمئنة.

أغرق الطوفان كلّ من كفر من قوم نوح وكذّب رسالته، ورغبَ عن دعوته للإيمان بالله وتوحيده. وكان من بين هؤلاء، ابن نوح عليه السلام. حيث رآه والده يسبح محاولاً النجاه، ودعاه لأن يركب معه في السفينة وسؤمن برسالته، لكن هذا الأخير عصى أمر أبيه، وتحجّج أنّه سيبحث عن ربوة أو تلّة يلجأ إليها. لكن…هيهات هيهات، فالطوفان عقاب من الله للكافرين، ولن ينجوَ منه أحد من العاصين.

"وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ" هود 42- 43

وهكذا، بعد أن أغرق الطوفان الكافرين، أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، والسماء أن تغلق أبوابها، فتوقّف المطر أخيرًا، وهدأت العيون المتفجّرة من باطن الأرض، وظهرت الجبال واليابسة من جديد، لتستقرّ سفينة نوح على قمّة جبل الجوديّ، وهو جبل يقع الآن على الحدود السورية العراقية.
فبدأ الماء يهدأ شيئًا فشيئًا، وظهرت الجبال من جديد، حتى استقرّت السفينة على جبلٍ مرتفعٍ آمن.

"وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" - هود 44

خرج نوح عليه السلام ومن آمن معه بسلام، والفرح يملأ قلوبهم، وشكروا الله الذي أنجاهم من الغرق وحفظهم برحمته. ومن بعدهم بدأت الحياة من جديد، حياة يسودها الإيمان والشكر لله الذي جعل الصبر والثبات طريقًا للنجاة.

الدروس والعبر المستفادة من قصّة نوح عليه السلام

تعلّمنا قصّة نوح عليه السلام كغيرها من قصص الأنبياء دروسًا عظيمة لا بدّ أن نحفظها، ونتذكّرها على الدوام، ومن هذه الدروس:

أولاً: الصبر

  • يجب أن نصبر على طاعة الله وأداء ما أمرنا به.
  • نصبر على أذى الناس وكلامهم السيئ.
  • نصبر في مواجهة الأعداء وصعوبات الحياة.
  • نبي الله نوح صبر كثيرًا، فقد دعا قومه إلى عبادة الله 950 سنة، وهذا يعلّمنا الثبات على الحق مهما طال الوقت.

ثانيًا: الحكمة في الردّ

  • الشخص العاقل يرد على الأكاذيب والشبهات بعقل هادئ وقلب طيب.
  • لا يغضب، بل يوضّح الحقيقة بالكلام الصحيح والدليل الواضح.

ثالثًا: الشجاعة والتمسّك بالحقّ

  • على الإنسان أن يقول رأيه بشجاعة.
  • يدافع عن الحق ولا يخاف من تهديد أو وعود الآخرين.
  • نبي الله نوح لم يتراجع عن دعوته رغم معارضة قومه.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ ما رأيك في قراءة المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة؟

قصة إدريس عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

قصّة اليوم عن النبي إدريس عليه السلام. وهو ثالث الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لدعوة الناس وهدايتهم إلى الإيمان. فلنقرأها معًا، ولنتعلّم منها العبرة والفائدة.

نسب إدريس عليه السلام ونشأته

منذ أن نزل آدم عليه السلام إلى الأرض، بدأت ذريته تكبر وتنتشر، وصار للناس بيوت وقرى وأعمال، فصار فيهم من يعبد الله ويشكره ويذكره في كل حين، وفيهم من يغفل عن ذكره وينشغل بالدنيا ونعيمها.
 ومن نسل آدم، وبالتحديد من ذرية ابنه شيث، وُلد غلام مبارك اسمه إدريس، وقد كان يُسمّى في بعض الكتب القديمة أخنوخ، وهو جَدٌّ من أجداد النبي نوح عليه السلام، أي أنه عاش قبل زمن الطوفان بسنوات طويلة.

كان النبيّ إدريس الحفيد الخامس للنبي “شيث” وهو ثاني الأنبياء بعد آدم عليه السلام. ولأن الناس كانوا يعيشون لسنوات طويلة جدًّا في ذلك الزمن، فقد التقى النبي إدريس عليه السلام بآدم وعاصره.

النبيّ إدريس المعلم

لم يكن إدريس نبيًا يذكّر الناس فقط بعبادة الله، بل كان أيضًا معلّمًا لهم في حياتهم اليومية؛ فقد علّمه الله أشياء لم يعرفها الناس من قبل، وجعله سببًا في نشر العلم بينهم.

كان أول ما عُرف به أنه أول من خطّ بالقلم، فلم يكن أحد في ذلك الزمان يعرف الكتابة، وكان الناس يحفظون الأخبار في صدورهم؛ فإذا مات رجل، ضاع ما عنده من علم، لكن الله علّم إدريس كيف يكتب الحروف والكلمات، وكيف يرسمها على ألواح من الخشب أو الجلد.

بدأ الناس يتعلمون الكتابة شيئًا فشيئًا، حتى صارت عادة بينهم، وهكذا كان إدريس أول من نشر نور الكتابة، وجعل العلم محفوظًا لا يضيع.

ولم يتوقف عند الكتابة فقط، فقد كان إدريس أيضًا أول من علّم الناس الخياطة، فقد كان الناس يلبسون جلود الحيوانات كما هي، ثقيلة وخشنة، لكن إدريس أراهم كيف يغزلون الخيوط من الصوف والكتان، وكيف يخيطونها معًا حتى تصبح ثوبًا مريحًا يستر أجسادهم.

وتروي الكتب أن أول من لبس الثوب المَخِيط كان إدريس نفسه، وعندما رآه الناس بثوبه الجديد، فرحوا وقلّدوه… صاروا يحضرون الصوف والكتان، ويغزلون الخيوط، ويخيطونها كما علّمهم، حتى أصبح عندهم لباس جميل وأنيق، بدل الجلود الثقيلة. هكذا صار إدريس نبيًّا ومعلّمًا في الوقت نفسه، كان يعلّمهم دينهم ليعبدوا الله، ويعلّمهم ما ينفعهم في دنياهم ليعيشوا براحة… أحبّ الناس نبيهم أكثر، لأنهم وجدوا عنده الدين والعلم والعمل معًا.

إدريس عليه السلام والعبادة

عاش إدريس عليه السلام يعلّم الناس أركان الشريعة، ويحثّهم على عبادة الله تعالى وطاعته. وقد أقام سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه في مصر وكانت مدة إقامته في الأرض اثنتين ووثمانين سنة.

وفي يوم من الأيام، أكرم الله إدريس تكريمًا عظيمًا، لم ينله أحد من قومه؛ فقد رفعه إلى مكان عالٍ، مكان لا يصل إليه الناس العاديون، وهذا يعني أن الله أعطاه منزلة رفيعة، وجعله في مقام كريم عنده.

وقد روي أن النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين عُرج به إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، رأى إدريس في السماء الرابعة، وهذا يدل على أن إدريس في مكانة عالية بين الأنبياء.

اقرأ أيضًا: قصّة النبي آدم عليه السلام.

العبرة

بعد أن رفع الله إدريس إلى السماء الرابعة، عاد مجدّدًا إلى الأرض، وعاش فيها حتّى انتهت أيامه في الدنيا، وتوفّاه الله لكن أثره لم ينتهِ قطُّ، لقد ترك وراءه علمًا عظيمًا نافعًا، إذ علّم قومه الكتابة فحُفظ العلم بعده، وعلّمهم الخياطة فصاروا يلبسون ثيابًا جميلة مريحة، وكان أوّل من اهتدى بالنجوم في السماء ليعرف طريقه أثناء السفر.

قصة إدريس قصة بسيطة، لكنها تذكّرنا أن الإنسان إذا عاش صادقًا، وصبر على الخير، وسعى لنفع الناس، فإن الله لا يضيّع تعبه، بل يرفع مكانته.

يا أحبتي الصغار، إذا أردتم أن تنالوا الأجز العظيم والمكانة الرفيعة عند الله، فكونوا صادقين في كلامكم وأفعالكم، اصبروا على طاعة الله، وابحثوا دائمًا عن العلم الذي ينفعكم وينفع الناس من حولكم.

وهكذا، تبقى قصة إدريس عليه السلام من أجمل قصص الأنبياء التي تضيء قلوبنا وتزرع فيها حب الطاعة والصدق، وتعلّمنا أن الله يحب عباده الصالحين، ويرفعهم درجات إذا أطاعوه وثبتوا على الحق.

تصفّح المزيد من القصص الدينية المفيدة للأطفال على حدّوتة

اقرأ أيضًا: قصص أطفال قبل النوم

قصة آدم عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

مرحبًا يا أصدقاء في سلسلة قصص الأنبياء، والتي سنبدأها بقصّة النبي آدم عليه السلام. أول من خُلق من البشر. قصّته تخبرنا كيف بدأ الإنسان، وكيف علّمه الله كل شيء، وكيف أحبّه وكرّمه. استعد لرحلة ممتعة نكتشف فيها بداية الحكاية التي تخصّنا جميعًا.

آدم عليه السلام في الجنة

في قديم الزمان، قبل أن توجد الجبال العالية والأنهار الجارية كما نعرفها اليوم، شاء الله تعالى أن يكرّم هذا الكون بمخلوقٍ جديد يعبده ويعمر الأرض بالخير. خلق الله آدم عليه السلام من طينٍ لطيفٍ نديّ، ثم نفخ فيه من روحه، فصار آدم إنسانًا كاملًا يسمع ويرى ويتفكّر، وفتح آدم عليه السلام عينيه على رحمة الله، ووجد نفسه في جنّةٍ جميلة فيها أشجارٌ مثمرة، وأنهارٌ صافية، وأزهارٌ عطرة، وطيورٌ تغرّد بألحانٍ مبهجة.

كان آدم عليه السلام ذا قلبٍ طيبٍ ولسانٍ شاكر، وعلّمه الله أسماء الأشياء من حوله حتى يعرفها ويستخدمها، فصار يتعرّف إلى النعَم ويشكر الله عليها… ثم أمر الله الملائكة أن يسجدوا سجود تكريمٍ واحترام لآدم، فسجدوا جميعًا امتثالًا لأمر الله، لكنّ إبليس الشيطان تكبّر ورفض، فاستحقّ غضب الله، وصار عدوًّا للإنسان يوسوس له ليصرفه عن الخير!

وصارت غاية خلق آدم عليه السلام أن يعرف ربّه ويشكره ويحافظ على الطاعة.

اقرأ أيضًا: قصّة الهدهد والنبي سليمان عليه السلام

آدم وحوّاء

شاء الله تعالى فيما بعد أن يجعل لآدم عليه السلام صحبةً طيبة تؤنسه وتعاونه، فخلق له زوجته حوّاء. فرح آدم بها، وفرحت هي به، وصارا يتجولان في الجنة معًا، يقطفان من ثمارها ويستمتعان بظلالها الباردة ومياهها العذبة. لم يكن في الجنة تعبٌ ولا حزن، بل راحةٌ وطمأنينة، وكلّ شيء يذكّر بالمنعم الكريم.

أمر الله تعالى آدم وحوّاء أن يسكنا الجنّة، يجولان ويطوفان فيها، يأكلان من خيراتها وينعمان بما فيها من مناظر خلاّبة ساحرة. ونهاهما عن الاقتراب من شجرة واحدة في الجنة. فهي ممنوعة عليهما. كان الأمر واضحًا وسهلًا؛ في الجنة من الخيرات ما يغنيهما، فلا حاجة للاقتراب مما نُهيَا عنه.

قال تعالى:

“وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” – البقرة 36

كان آدم عليه السلام وزوجته يعلمان أن الطاعة تحفظ النعمة، وأن شكر الله يديمها، وقد كان لديهما من النعم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من القصور والفواكه الحلوة والذهب والأنهار الصافية من اللبن والعسل والسكينة التي تملأ القلوب.

وسوسة العدو

لكنّ العدوّ القديم، إبليس، لم ينسَ حقده. أخذ يوسوس سرًّا: “اقتربا من تلك الشجرة، فيها سرٌّ كبير… إن أكلتما منها ستصيران أعظم!” وحاول أن يُلبِس الباطل ثوبَ الخير، وأن يخلط الأكاذيب بالوعود المزيّفة.

في لحظة ضعفٍ ونسيان، اقترب آدم عليه السلام وحوّاء، فأكلا من الشجرة الممنوعة! ما إن فعلا ذلك حتى شعرا بالحزن في قلبيهما، فقد خالفا أمر الله، وعرفا أنّ طمأنينة الجنة لا تُحفظ إلا بالطاعة، وأن وسوسة إبليس كانت فخًّا.

لم يبرّرا خطأهما، ولم يقولا: “لم نقصد!” بل أسرعا إلى التوبة… ردّد آدم عليه السلام كلمات علّمه الله إيّاها يدعو بها:

“قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” – الأعراف 23

لرحمة الله بعباده قبل توبتهما لكنه قضى أن ينزلا إلى الأرض وتبدأ رحلتهما الجديدة: رحلةُ تعمير الأرض بالعمل الصالح، لكي يتعلّم أبناء آدم عليه السلام أنّ الطاعة طريق النجاة، وأن الخطأ إذا لحقته توبةٌ نصوح، يزيد القلوب قربًا من الله.

بداية الحياة على الأرض

هبط آدم عليه السلام وحوّاء إلى الأرض، فاستقبلتهما طبيعةٌ واسعة: سماءٌ زرقاء، جبالٌ شامخة، سهولٌ خضراء، وبحارٌ رحبة. على الأرض تعبٌ وشمسٌ وليلٌ ونهار، فيها جهدٌ وتعلّم وتجربة. لكن الله لم يتركهما وحدهما؛ أنزل عليهما الهداية، وعرّفهما كيف يعيشان ويعبدان ويعلّمان أبناءهما الخير.

على الأرض وُجد التنوع: ألوانٌ كثيرة من الطيور والنباتات والحيوانات، وكلّها تذكّر بالخالق العظيم، ومع كل صعوبةٍ واجهتهما، كان آدم وحوّاء يتذكران أنّ الله يحب الصابرين، وأن الطريق الصحيح يبدأ بالصدق في القول والعمل.

عهدٌ للأرض ورسالةٌ للأجيال

كبرت أسرة آدم عليه السلام، وصار له أبناءٌ وبنات، لكلٍّ منهم طبعه وميوله. علّمهم أن العبادة لا تقتصر على الصلاة والدعاء فقط، بل تشمل الصدق في الكلام، والعدل بين الإخوة، ومساعدة الضعيف، وشكر النعمة. فالله يرانا في كل حين فلنكن له طائعين، وللناس نافعين.

مضت السنوات، واشتعل رأس آدم عليه السلام شيبًا، وقد أدّى أمانته: عبد ربّه، وتاب حين أخطأ، وبنى أسرةً تعلّمت معنى الطاعة والمحبة. وكان آدم عليه السلام نبيًّا مكلَّمًا، أنزل الله إليه الوحي، يعلّم أبناءه وأحفاده عبادة الله وحده ويحذّرهم من عداوة الشيطان، ليعرفوا أن السعادة في طاعة الله، وأن التوبة باب مفتوح لمن أخطأ.

إن الأرض أمانة من الله لا بد أن نغرس فيها الخير، ونصدق ونخلص في العمل، وأن العلم نور في الدنيا والآخرة، وعمار الأرض لا يكون إلا بالعدل، فالعدل ميزان الله، ثم بالإحسان إلى الآخرين وطاعة الله وحده قبل كل شيء.

ثم حان الوداع وتوفي آدم عليه السلام، ليخلّد الله ذكره في قلوب المؤمنين، نبيًّا كريمًا وأبًا رحيمًا. ومن بعده، حمل الناس الرسالة جيلًا بعد جيل: الشكر يحفظ النعمة، والاستغفار يمسح العثرة، والطاعة طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

العبرة

يا أحبّتي، نتعلّم من قصّة آدم عليه السلام أن نكون شاكرين لله على كل نعمة بين أيدينا، وأن نسرع إلى التوبة إذا أخطأنا مثلما تاب هو وحوّاء. فقد عاش آدم في الجنة بسعادة، لكن حين نسي أمر الله نزل إلى الأرض، ومع ذلك لم ييأس، بل رجع إلى ربّه فغفر له ليذكرنا دائمًا أنّ باب التوبة مفتوح، وأن الشيطان يحاول أن يوسوس لنا كما فعل مع آدم عليه السلام، لكننا نستطيع أن نغلبه إذا تمسّكنا بالطاعة.

إذا حفظنا هذه العبرة في قلوبنا، عشنا على الأرض بسلام، وزرعنا الخير أينما كنّا، وتطلّعت قلوبنا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض، حيث يرضى الله عن عباده المحسنين.

اقرأ المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة.

قصص الحيوان في القرآن الكريم: الهدهد والنبي سليمان

في مساءٍ دافئ، اجتمع الصغار الثلاثة حول جدتهم “أم ياسر” في غرفة الجلوس، حيث كانت تجلس على كرسيها الخشبي المريح، وبجانبها فنجان شاي دافئ تفوح منه رائحة النعناع. كان الجو هادئًا، والستائر تتمايل برفق مع نسيم المساء.

قالت الجدة بابتسامة واسعة وهي تنظر في عيون أحفادها:
“اليوم يا أحبّتي سأقص عليكم قصة من أروع قصص الحيوان التي وردت في كتاب الله الكريم، قصة طائر صغير لكنه كان شجاعًا وذكيًا… إنه الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام.”

وبدأت الحكاية: كان النبي سليمان عليه السلام ملكًا نبيًّا، أعطاه الله ملكًا لم يعطه لأحد من بعده، وجعل له القدرة على فهم لغات المخلوقات جميعًا، من طيور وحيوانات وحتى حشرات صغيرة. وكان جيشه عظيمًا يضم الإنس والجن والطير، يسيرون جميعًا بانتظام عجيب.

وفي يوم من الأيام، وقف سليمان يتفقد جنوده، فجال ببصره في صفوف الطيور، ولاحظ أن طائر الهدهد لم يكن موجودًا. فتعجّب وسأل عن مكانه، وتوعّد بتعذيبه أو قتله إن لم يكن له عذرٌ مقنع لهذا الغياب. حيث قال (كما جاء في القرآن الكريم):
“ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه، أو ليأتيني بسلطان مبين.” – سورة النمل

رفعت سلمى حاجبيها دهشة وقالت: “جدتي! هل كان سيّدنا سليمان عليه السلام يعرف كلّ طائر في جيشه؟”
ضحكت الجدة برفق وقالت: “نعم يا صغيرتي، فقد كان قائدًا حكيمًا، لا يترك أحدًا من جنوده دون أن يعرف مكانه.”

وأضافت وهي تخفض صوتها قليلًا: “لقد كان سليمان عليه السلام يدرّب جنوده على الانضباط، حتى لو كان الجندي طائرًا صغيرًا مثل الهدهد. فالقائدُ الذي يغفل عن أصغر التفاصيل قد يُضعف جيشَه بأكمله.”

الهدهد يأتي بالخبر

واصلت الجدّة الحكاية قائلة:
“ولم يمضِ وقت كثير حتّى عاد الهدهد إلى عرش سيّدنا سليمان -عليه السلام-، يرفرف بجناحيه بقوّة، فوقف أمام النبيّ على الفور مبرّرًا سبب غيابه، إذ قال بصوت ثابت: “لقد رأيتُ ما لم تره، وأتيتك بخبر مهم عن مملكة سبأ” “أحطت بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين.” – سورة النمل
ثم بدأ يحكي ما رآه: طار بعيدًا حتى وصل إلى أرض بعيدة اسمها سبأ، وهناك وجد قومًا يعبدون الشمس من دون الله، ورأى ملكتهم، وهي امرأة عظيمة تملك عرشًا بديعًا مصنوعًا من الذهب والجواهر، لكنهم جميعًا ضلوا الطريق وتركوا عبادة الله الواحد.

قاطع يحيى القصة وقال: “إذن فالهدهد لم يكن يلعب أو يتجول عبثًا!”
ابتسمت الجدة وأجابت: “بالطبع، لقد كان في مهمة عظيمة، وأراد أن يخبر النبي سليمان بما اكتشفه.”

ثم أضافت: “كان الهدهد صغير الحجم، لكن قلبه كان مليئًا بالغيرة على التوحيد. لم يسكت حين رأى قومًا يسجدون للشمس بدلًا من الخالق العظيم، بل أسرع ليبلغ النبي سليمان بما يحدث. وهذا يعلّمنا أن المؤمن لا يقف متفرجًا أمام الخطأ، بل يسعى لتصحيحه بما يستطيع.”

اقرأ المزيد من القصص الدينية الممتعة للأطفال.

رسالة سليمان

بعد أن استمع سليمان إلى قصّة الهدهد، أراد أن يتأكّد من الخبر، فكتب رسالة إلى ملكة سبأ يدعوها فيها وقومها إلى توحيد الله تعالى، وأمر الهدهد أن يوصلها إليها. قال تعالى: “سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون.”

طار الهدهد بخفة ورشاقة، يحمل رسالة النبي في منقاره، حتى وصل إلى قصر الملكة بلقيس، ملكةسبأ. كان القصر فخمًا، تحيط به الحدائق والأنهار، وتزينه الأعمدة العالية. دخل الهدهد من نافذة عليا، وأسقط الرسالة برفق أمام الملكة.

فتحت الملكة الرسالة وقرأت ما جاء فيها بصوت عالٍ، كما ورد في القرآن الكريم:
“إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألّا تعلوا علي وأتوني مسلمين.”

جمعت الملكة كبار قومها، واستشارتهم في أمر هذه الرسالة الغريبة، فقالت:

“أيّها القوم، لقد وصلني خطاب من ملك عظيم يُدعى سليمان، يدعونا فيه إلى عبادة الله وتوحيده، فأفتوني في هذا الأمر.

قال الله تعالى على لسان ملكة سبأ: “يا أيها الملأ، أفتوني في أمري، إنه كتاب كريم من ملك عظيم، يدعونا لعبادة الله.”
وبعد نقاش طويل مع الوزراء والمستشارين، قرّرت الملكة بلقيس إرسال مجموعة من الهدايا الثمينة والغالية إلى سليمان، حتّى لا يأتي بجنوده ويدمّر بلادها.

هنا توقفت الجدة قليلًا وقالت: “انظروا يا أحبتي كيف بدأ سليمان رسالته: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه الكلمات العظيمة تفتح كل خير، وتدل على أن دعوة الحق تقوم على الرحمة لا على الغلظة.”

ردّ الملكة بلقيس وقرار النبي سليمان عليه السلام

حين وصلت الهديّة إلى سليمان ورآها، غضب غضبًا شديدًا ولم يقبلها، فقد أمّده الله عزّ وجل بملك عظيم، وكان لديه خيرات كثيرة، ولم يكن يريد من الملكة بلقيس مالاً أو هدايا، بل كلّ ما أراده منها وقومها أن يؤمنوا بالله تعالى ويتركوا عباد الشمس. وحينما عاد رجال الملكة بلقيس إليها وأخبروها بما رأوا وسمعوا، قرّرت هي أن تذهب بنفسها إلى سليمان.

وقبل أن تصل، أراد سليمان عليه السلام، أن يريها آية من آيات الله، فسأل جنوده:

“من يستطيع إحضار عرش الملكة بلقيس إليّ قبل أن تصل إلى هنا؟” (“من يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟” – سورة النمل

فقال عفريت من الجنّ: “أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك.”، أيّ سأحضره إليك قبل أن تقوم من مجلسك، وقال رجل آخر عُرف عنه الحكمة والوقار: “أمّا أنا فسأحضره إليك قبل أن ترمش عينك.”

وكذلك كان الحال، بمشيئة الله وإذنه، تمّ إحضار عرش الملكة في لمح البصر، ولم يبقَ سوى انتظار وصول الملكة.

قالت الجدة للأحفاد: “لقد أراد سليمان أن يبين للملكة بلقيس أنّ ما عنده ليس منه هو، وإنما هو ملك ورزق من عند الله القادر على كل شيء.” ثمّ أضافت: “وهكذا يا صغاري، يتعلّم الإنسان أن العلم المقرون بالإيمان أعظم من القوة وحدها.”

رحلة الملكة إلى سليمان

كما سبق أن وضّحنا، قرّرت الملكة أن تسافر بنفسها، فأمرت بتجهيز قافلة ضخمة تحمل الذهب والفضة والعطور. وفي الصباح تحرّك الموكب الطويل عبر الصحراء. كانت الجمال تصطف في صفوف، تحمل الصناديق المذهبة والبراميل المليئة بالطيب، وكان الجنود يحيطون بالموكب لحمايته، والطبول تدقّ لإعلان الرحلة العظيمة.

الملكة في هودجها المزخرف، جلست تفكر: هل سيقبل سليمان الجدال؟ هل سيكون قاسيًا أم رحيمًا؟ وكانت في قلبها رهبة كبيرة، لكنها شعرت أيضًا بفضول عظيم لرؤية هذا الملك العظيم.

وعندما اقتربت من مدينة سليمان، رأت ما أدهشها: جيش ضخم مصطفّ في نظام عجيب، الطيور ترفرف فوق الرؤوس كأنها غيوم ملونة، والجنود يقفون بثبات. كل شيء يوحي بالهيبة والتنظيم.

قالت الجدة بابتسامة: “يا أحبتي، إن من يطلب الحق لا يخاف من الرحلة الطويلة، بل يسير بخطوات ثابتة حتى يصل إلى غايته.”

وحينما وصلت ورأت عرشها، ذُهلت وأصابتها دهشة عظيمة وتساءلت: “كيف جاء عرشي من سبأ في اليمن إلى فلسطين بهذه السرعة؟!”

امتحان الإيمان

دخلت الملكة بلقيس القصر، وكان قصرًا عظيمًا تلمع جدرانه كأنها مرصعة بالنجوم، وفي وسطه صرح مبني من أرضية زجاجية شفافة تجري تحتها المياه.

ظنّت الملكة أن الأرض ماء، فرفعت ثوبها لتخطو بحذر، فابتسم سليمان ووضّح لها أنّ الأرضية مصنوعة من زجاج تجري تحته المياه، فأدركت حينها أنّ ما تراه ليس خيالًا ولا سحرًا، بل صنعة متقنة علّمها الله لعبده ونبيّه. لقد عرفت وفهمت أنّ كلّ ما تراه ليس أمرًا عاديًا من صنع الإنسان فقط، وإنّها هو إعجاز من ربّ عظيم.

صمتت لبرهة تتفكّر وتتدبّر، ثمّ قالت أخيرًا بصوت يملؤه الخشوع:

لقد ظلمت نفسي وشعب مملكتي، والآن رأيت عظمة الخالق، لقد آمنت مع سليمان بربّ العالمين. (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.) – سورة النمل

صفق يحيى بيديه فرحًا وقال: “إذن فقد آمنت الملكة بالله!”
ابتسمت الجدة وقالت: “نعم يا صغيري، لقد آمنت بلقيس، ملكة سبأ بالله عزّ وجلّ، وأصبحت بذلك قصّتها عبرة لكلّ من يبحث عن الحق، ويسعى للإيمان بالله وتوحيده.”

ثم أضافت بحكمة: “العبرة يا أحبتي أنّ الإيمان قد يأتي بعد رحلة طويلة من التساؤل، لكن من يخلص في البحث يهده الله إلى الصراط المستقيم، وقد كانت ملكة سبأ امرأة حكيمة تبحث عن الحق، فعلى الرغم من قوّتها وملكها، لكنها أدركت أنّ ملك الله أعظم، وآمنت به وأخلصت له إيمانها.”

أردفت سلمى: “وكلّ ذلك كان بفضل الهدهد، إنّه طائر حكيم فعلاً.”

“نعم يا صغيرتي، هذا صحيح. لقد كان لهذا الطائر شأن عظيم، وقصّته تعدّ من أجمل قصص الحيوان في القرآن الكريم.”

“سأكتب عن قصّة الهدهد في موضوع التعبير المقبل. شكرًا لك يا جدّتي على هذه القصّة الجميلة.” قال يحيى.

وهكذا قبّل الأطفال جدّتهم، وخلدوا إلى النوم، وهم يحلمون بعرش الملكة بلقيس، وقصّتها مع النبي سليمان وطائر الهدهد الفريد.

اقرأ المزيد من قصص الحيوانات الممتعة للأطفال.

شاهد قصّة الهدهد والنبي سليمان كاملة على يوتيوب.

Exit mobile version