مراهنة عنتر| قصص شعبية مضحكة للأطفال

مراهنة عنتر هي حكاية تراثية فكاهية مليئة بالحيلة والذكاء، حيث يخدع عنتر أهل قريته في مراهنة طريفة حول حماره، ليعلّمهم أن العقل يمكنه تحويل المستحيل إلى ممكن. لنقرأها معًا ونستمتع بطرافة عنتر ودهائه!

بهجة عنتر

في إحدى القرى الصغيرة، كان عنتر يسير في السوق بخطواتٍ بطيئة وهو ينظر إلى الوجوه الضاحكة والباعة الذين ينادون بأعلى أصواتهم:

– تفاح طازج! برتقال حلو مثل العسل!

– عندنا خبز ساخن للتو من التنور!

كان السوق مزدانًا بالألوان كمهرجان: أقمشةٌ حمراء كالورد، وخضروات صفراء وحمراء وخضراء، وحلويات تتلألأ كالمجوهرات. وأصوات الباعة تتمازج كموسيقى حيوية تعزفها الحناجر.

أما عنتر فكان بلباسه المميز: يرتدي جُبّة واسعة زرقاء، ويشد وسطه حزامًا عريضًا أحمر، وعلى رأسه عمامة كبيرة ملفوفة بعناية. لحيته قصيرة سوداء، وشاربه عريض يزيد من طرافة ابتسامته. وجهه دائري يشع بالمرح، وعيناه تلمعان ببريق الذكاء وسعة الحيلة. في يده كيس صغير لا يحتوي إلا على بعض النقود القليلة.

نظر حوله مبتسمًا وقال في نفسه:

_ يا سلام! كل شيء هنا يبدو لذيذًا، لكن نقودي قليلة، لا تكفي إلا لشراء شيء بسيط. ومع ذلك، عنتر لا يستسلم أبدًا!

اقترب منه صديقه القديم حسن وقال له مازحًا:

– يا عنتر، ألا تملّ من التجوال في السوق من غير شراء؟

ضحك عنتر وردَّ:

– ومن قال لك إني لا أشتري؟ أنا أشتري الضحكات والنكات من وجوه الناس، وهذه لا تحتاج نقودًا!

ضحك حسن، وأضاف:

– أتعرف؟ إنك لو اشتركت في مسابقة للضحك لربحت الجائزة!

ابتسم عنتر وقال:

– فكرة جيّدة! لكن ماذا عن مسابقة للعقل والحيلة؟ هل تظنني سأخسرها؟

وبينما كانا يتحدّثان، مرّت امرأة تحمل سلة تفاح توقفت عند سماع جملة عنتر حول الضحكات، وقالت:

_ لو كان عندي نصف بهجة عنتر لامتلأ السوق سعادة!

فضحك عنتر بدهاء، وما لبثت ضحكاته تنتقل إلى الباعة وروّاد السوق، وتساءل في حينها أصحاب المتاجر حول بهجته التي تشع في كل مكان يحلّ فيه.

مراهنة عنتر: الفكرة

جلس عنتر مع أصدقائه في المقهى الشعبي بعد الظهر يشربون الشاي ويأكلون الفول، وفجأة قال أحدهم:

– يا رجال، لماذا لا نختبر ذكاء عنتر؟

رفع آخر حاجبيه وقال:

– وكيف نختبره؟

فكّروا قليلًا، ثم اقترح أحدهم:

– لنعطِه تحدّيًا صعبًا، ونرى إن كان سينجح فيه أم لا!

نالت الفكرة إعجاب البقية، واتفقوا فيما بينهم على شروط التحدّي الذي أطلقوا عليه اسم “مراهنة عنتر”، ثمّ التفت أحدهم إلى عنتر وقال:

– اسمع يا عنتر، نريد أن نتحدّاك في أمر. إن ربحتَ أعطيناك طعامًا لذيذًا من المطعم الكبير، وإن خسرت، فعليك أن تنظف المقهى كله ليومٍ كامل.

رفع عنتر رأسه وضحك قائلًا:

– وهل أضيّع فرصة كهذه؟ طبعًا أوافق! فما هو التحدّي؟

قالوا:

– نحن نتحدّاك أن تجلب لنا حمارك، وتجعل هذا الحمار يضحك أمامنا!

ضحك الجميع بصوت عالٍ وهمس آخرون:

– مستحيل! الحمار ينهق، لكنه لا يضحك.

أما عنتر فابتسم ابتسامة غامضة وقال:

– أعطوني يومًا واحدًا فقط، وغدًا تعالوا وشاهدوا حمارًا يضحك تمامًا كالبشر.

انتشر خبر مراهنة عنتر كالنار في الهشيم في القرية حتى إن بعض النساء قُلن:

_ لن نضيّع الغد، سنأتي لنرى ما سيصنعه عنتر!

فيما كان بعض الرجال يهزّون رؤوسهم قائلين:

_ هذه المرّة سيقع عنتر في ورطة حقيقية.

وفي غضون ساعات، تحوّلت مراهنة عنتر الذي بدأت على شكل طرفة بين مجموعة أصدقاء، إلى حدث جلل تنتظره القرية بأكملها، ويترقّبه جميع سكّانها.

عنتر والحمار

عاد عنتر إلى بيته وهو يضحك في نفسه… كان حماره مربوطًا أمام البيت، يأكل بعض التبن بهدوء، وقف جحا أمامه وقال:

– أيها الحمار الطيب، غدًا علينا أن نُثبت للناس أنك لست مجرد حمار عادي، بل حمارٌ ذكي يَضحك ويُضحك!

حدّق الحمار في جحا بعينيه الواسعتين ولم يفهم شيئًا بالطبع. فابتسم عنتر وربت على رأسه:

– لا تقلق، لدي خطة!

دخل عنتر إلى المطبخ، وأحضر قليلًا من الفلفل الأحمر الحار. ثم قال:

– غدًا، عندما أضع هذا الفلفل قرب فمك، ستفتح فمك وتحرّك شفتيك وتُصدر أصواتًا مضحكة كأنك تضحك! وسيرى الجميع أنك ضحكت بالفعل!

ضحك عنتر وحده حتى دمعت عيناه وقال:

– آه يا عنتر، أنت حقًّا عبقري!

اقترب من الحمار وهمس له:

_ لا تخف، لن أجعلك تأكل إلا قليلًا جدًّا، فقط ما يكفي للعرض، وبعدها سأعطيك ألذّ جزرة في القرية.

هزّ الحمار أذنيه وكأنه يوافق على الصفقة!

لحظة التحدي

جاء يوم مراهنة عنتر أخيرًا، واجتمع أهل القرية في المقهى. جاء حسن والأصدقاء الذين وضعوا الرهان، وجاء الأطفال أيضًا ليشاهدوا. كان الجميع متحمّسًا لرؤية ما سيفعله عنتر.

دخل عنتر وهو يقود حماره بفخر، وقال:

– ها هو حمار عنتر، سيضحك أمامكم بعد قليل!

ضحك الناس وسخروا:

– هل جننت يا عنتر؟ من رأى حمارًا يضحك؟

أخرج عنتر من جيبه قطعة صغيرة من الفلفل ووضعها في فم الحمار، ما إن ذاقها الحمار حتى بدأ يفتح فمه بسرعة ويحرك شفتيه ويُصدر أصواتًا غريبة، فظنّ الناس أنه يضحك!

انفجر الجميع بالضحك والتصفيق وقالوا:

– انظروا! الحمار يضحك حقًّا!

أما عنتر فجلس بكل فخر على كرسي وقال:

– ألم أقل لكم؟ عنتر لا يخسر التحدّيات!

صفّق الصغار وقفزوا حول الحمار، وقال رجل عجوز: «لم أرَ في حياتي شيئًا كهذا!» ووقف بعض الغرباء الذين مرّوا بالسوق ليروا المشهد، صار عنتر نجم القرية في دقائق معدودة!

المفاجأة الثانية

ظنّ الأصدقاء أن الأمر انتهى، لكنهم لم يستسلموا. قال أحدهم:

– لقد ربحت هذه المرة يا عنتر، لكن لدينا لك تحدٍّ أصعب: هل تستطيع أن تجعل حمارك يبكي أمامنا؟

ابتسم عنتر وقال:

– سهل جدًّا، أعطوني يومًا آخر فقط!

عاد عنتر إلى البيت، وأمسك بجرّة ماء بارد جدًّا، اقترب من الحمار وسكب قليلًا من الماء البارد على رأسه فجأة. ارتجف الحمار وهزّ رأسه، ثم أطلق صوتًا حزينًا كأنه يبكي.

ضحك عنتر وقال:

– غدًا سترون حمارًا يبكي كالأطفال!

في اليوم التالي اجتمع الناس من جديد، ونفّذ عنتر خطته، فبدأ الحمار ينهق بصوت حزين وعيونه تدمع قليلًا من الهواء البارد. صرخ الناس:

– يا إلهي! الحمار يبكي حقًّا!

ضحك الأطفال حتى وقعوا على الأرض، وصاح الكبار:

– عنتر لا يُهزم أبدًا!

وقال رجل غريب من قرية أخرى:

_ جئت أبيع قمحًا، فإذا بي أشاهد مسرحية مضحكة بالمجان!

فزاد الضحك أكثر وأكثر.

العبرة من مراهنة عنتر

بعد أن انتهت التحدّيات، جلس عنتر مع أصحابه وقال لهم مبتسمًا:

– أيها الأصدقاء، لم أربح المراهنة بالحمار فقط، بل أردت أن أعلّمكم شيئًا مهمًّا.

سألوه باستغراب:

– وما هو يا عنتر؟

قال:

– أحيانًا يظن الناس أن الأمر مستحيل، لكن بالعقل والفطنة يصبح ممكنًا. لا يمكن للحمار أن يضحك أو يبكي، لكنها حيلتي البسيطة! المهم أن لا نستهين بالعقل، وأن نعرف أنّ لكلّ مشكلة حلًّا.

– معك حق يا عنتر، أنت أذكى مما نظن!

ثم التفت عنتر إلى الأطفال وقال بلطف:

– تذكّروا يا أطفال، الضحك جميل إذا كان صافيًا لا يجرح أحدًا، والبكاء ليس عيبًا إذا كان يخفف الحزن. لكن الأجمل أن نستخدم عقولنا لنحوّل المشاكل إلى حلول. مثلما حولتُ أنا الحيلة الصغيرة إلى حكاية تفرح القرية كلها.

سأل أحد الصغار:

_ يعني إذا اختلفنا مع صديق، بإمكاننا أن نضحك معه بدل أن نغضب منه؟

ابتسم عنتر وقال:

_ بالضبط! الكلمة الطيبة تُضحك القلب، أما الغضب فيزيد الهمّ.

وأضاف:

_ وتذكّروا أنّ الحيلة لا تكون نافعة إلا إذا كانت بلا أذى، فالعقل الحقيقي هو الذي يجمع بين المرح والرحمة.

ومنذ ذلك اليوم صار أهل القرية يروون قصة «تحدّي عنتر» للأطفال، ليعلّموهم أن الذكاء والحيلة يمكن أن يتغلبا على أي تحدٍّ، وأن الضحك خير دواء للقلوب.

بل وصار الأطفال يقلّدون الحمار في ضحكه وبكائه كلما أرادوا المرح، فيضحك الكبار معهم، ويقولون: «حيلة صغيرة أضحكت القرية كلها!»

وهكذا ظلّت قصة عنتر تُروى جيلًا بعد جيل، ليس للضحك فقط، بل لتذكير الناس أن البهجة تصبح أجمل حين تمتزج مع الذكاء والطيبة.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ أيضًا قصّة نوادر جحا المضحكة

تصفّح أيضًا: قصة جحا والحمار

Exit mobile version