
مرحبًا يا أصدقاء في سلسلة قصص الأنبياء، والتي سنبدأها بقصّة النبي آدم عليه السلام. أول من خُلق من البشر. قصّته تخبرنا كيف بدأ الإنسان، وكيف علّمه الله كل شيء، وكيف أحبّه وكرّمه. استعد لرحلة ممتعة نكتشف فيها بداية الحكاية التي تخصّنا جميعًا.
آدم عليه السلام في الجنة
في قديم الزمان، قبل أن توجد الجبال العالية والأنهار الجارية كما نعرفها اليوم، شاء الله تعالى أن يكرّم هذا الكون بمخلوقٍ جديد يعبده ويعمر الأرض بالخير. خلق الله آدم عليه السلام من طينٍ لطيفٍ نديّ، ثم نفخ فيه من روحه، فصار آدم إنسانًا كاملًا يسمع ويرى ويتفكّر، وفتح آدم عليه السلام عينيه على رحمة الله، ووجد نفسه في جنّةٍ جميلة فيها أشجارٌ مثمرة، وأنهارٌ صافية، وأزهارٌ عطرة، وطيورٌ تغرّد بألحانٍ مبهجة.
كان آدم عليه السلام ذا قلبٍ طيبٍ ولسانٍ شاكر، وعلّمه الله أسماء الأشياء من حوله حتى يعرفها ويستخدمها، فصار يتعرّف إلى النعَم ويشكر الله عليها… ثم أمر الله الملائكة أن يسجدوا سجود تكريمٍ واحترام لآدم، فسجدوا جميعًا امتثالًا لأمر الله، لكنّ إبليس الشيطان تكبّر ورفض، فاستحقّ غضب الله، وصار عدوًّا للإنسان يوسوس له ليصرفه عن الخير!
وصارت غاية خلق آدم عليه السلام أن يعرف ربّه ويشكره ويحافظ على الطاعة.
اقرأ أيضًا: قصّة الهدهد والنبي سليمان عليه السلام

آدم وحوّاء
شاء الله تعالى فيما بعد أن يجعل لآدم عليه السلام صحبةً طيبة تؤنسه وتعاونه، فخلق له زوجته حوّاء. فرح آدم بها، وفرحت هي به، وصارا يتجولان في الجنة معًا، يقطفان من ثمارها ويستمتعان بظلالها الباردة ومياهها العذبة. لم يكن في الجنة تعبٌ ولا حزن، بل راحةٌ وطمأنينة، وكلّ شيء يذكّر بالمنعم الكريم.
أمر الله تعالى آدم وحوّاء أن يسكنا الجنّة، يجولان ويطوفان فيها، يأكلان من خيراتها وينعمان بما فيها من مناظر خلاّبة ساحرة. ونهاهما عن الاقتراب من شجرة واحدة في الجنة. فهي ممنوعة عليهما. كان الأمر واضحًا وسهلًا؛ في الجنة من الخيرات ما يغنيهما، فلا حاجة للاقتراب مما نُهيَا عنه.
قال تعالى:
“وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” – البقرة 36
كان آدم عليه السلام وزوجته يعلمان أن الطاعة تحفظ النعمة، وأن شكر الله يديمها، وقد كان لديهما من النعم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من القصور والفواكه الحلوة والذهب والأنهار الصافية من اللبن والعسل والسكينة التي تملأ القلوب.

وسوسة العدو
لكنّ العدوّ القديم، إبليس، لم ينسَ حقده. أخذ يوسوس سرًّا: “اقتربا من تلك الشجرة، فيها سرٌّ كبير… إن أكلتما منها ستصيران أعظم!” وحاول أن يُلبِس الباطل ثوبَ الخير، وأن يخلط الأكاذيب بالوعود المزيّفة.
في لحظة ضعفٍ ونسيان، اقترب آدم عليه السلام وحوّاء، فأكلا من الشجرة الممنوعة! ما إن فعلا ذلك حتى شعرا بالحزن في قلبيهما، فقد خالفا أمر الله، وعرفا أنّ طمأنينة الجنة لا تُحفظ إلا بالطاعة، وأن وسوسة إبليس كانت فخًّا.
لم يبرّرا خطأهما، ولم يقولا: “لم نقصد!” بل أسرعا إلى التوبة… ردّد آدم عليه السلام كلمات علّمه الله إيّاها يدعو بها:
“قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” – الأعراف 23
لرحمة الله بعباده قبل توبتهما لكنه قضى أن ينزلا إلى الأرض وتبدأ رحلتهما الجديدة: رحلةُ تعمير الأرض بالعمل الصالح، لكي يتعلّم أبناء آدم عليه السلام أنّ الطاعة طريق النجاة، وأن الخطأ إذا لحقته توبةٌ نصوح، يزيد القلوب قربًا من الله.

بداية الحياة على الأرض
هبط آدم عليه السلام وحوّاء إلى الأرض، فاستقبلتهما طبيعةٌ واسعة: سماءٌ زرقاء، جبالٌ شامخة، سهولٌ خضراء، وبحارٌ رحبة. على الأرض تعبٌ وشمسٌ وليلٌ ونهار، فيها جهدٌ وتعلّم وتجربة. لكن الله لم يتركهما وحدهما؛ أنزل عليهما الهداية، وعرّفهما كيف يعيشان ويعبدان ويعلّمان أبناءهما الخير.
على الأرض وُجد التنوع: ألوانٌ كثيرة من الطيور والنباتات والحيوانات، وكلّها تذكّر بالخالق العظيم، ومع كل صعوبةٍ واجهتهما، كان آدم وحوّاء يتذكران أنّ الله يحب الصابرين، وأن الطريق الصحيح يبدأ بالصدق في القول والعمل.

عهدٌ للأرض ورسالةٌ للأجيال
كبرت أسرة آدم عليه السلام، وصار له أبناءٌ وبنات، لكلٍّ منهم طبعه وميوله. علّمهم أن العبادة لا تقتصر على الصلاة والدعاء فقط، بل تشمل الصدق في الكلام، والعدل بين الإخوة، ومساعدة الضعيف، وشكر النعمة. فالله يرانا في كل حين فلنكن له طائعين، وللناس نافعين.
مضت السنوات، واشتعل رأس آدم عليه السلام شيبًا، وقد أدّى أمانته: عبد ربّه، وتاب حين أخطأ، وبنى أسرةً تعلّمت معنى الطاعة والمحبة. وكان آدم عليه السلام نبيًّا مكلَّمًا، أنزل الله إليه الوحي، يعلّم أبناءه وأحفاده عبادة الله وحده ويحذّرهم من عداوة الشيطان، ليعرفوا أن السعادة في طاعة الله، وأن التوبة باب مفتوح لمن أخطأ.
إن الأرض أمانة من الله لا بد أن نغرس فيها الخير، ونصدق ونخلص في العمل، وأن العلم نور في الدنيا والآخرة، وعمار الأرض لا يكون إلا بالعدل، فالعدل ميزان الله، ثم بالإحسان إلى الآخرين وطاعة الله وحده قبل كل شيء.
ثم حان الوداع وتوفي آدم عليه السلام، ليخلّد الله ذكره في قلوب المؤمنين، نبيًّا كريمًا وأبًا رحيمًا. ومن بعده، حمل الناس الرسالة جيلًا بعد جيل: الشكر يحفظ النعمة، والاستغفار يمسح العثرة، والطاعة طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
العبرة
يا أحبّتي، نتعلّم من قصّة آدم عليه السلام أن نكون شاكرين لله على كل نعمة بين أيدينا، وأن نسرع إلى التوبة إذا أخطأنا مثلما تاب هو وحوّاء. فقد عاش آدم في الجنة بسعادة، لكن حين نسي أمر الله نزل إلى الأرض، ومع ذلك لم ييأس، بل رجع إلى ربّه فغفر له ليذكرنا دائمًا أنّ باب التوبة مفتوح، وأن الشيطان يحاول أن يوسوس لنا كما فعل مع آدم عليه السلام، لكننا نستطيع أن نغلبه إذا تمسّكنا بالطاعة.
إذا حفظنا هذه العبرة في قلوبنا، عشنا على الأرض بسلام، وزرعنا الخير أينما كنّا، وتطلّعت قلوبنا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض، حيث يرضى الله عن عباده المحسنين.
اقرأ المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة.
