تعدّ القصص وسيلة فعّالة لتعليم المهارات المختلفة للأطفال، لأنها تطرح المعلومات بأسلوب ممتع ومرح باستخدام الشخصيات الكرتونية المحببة إليهم. كما تحفّز مهارة الخيال والتفكير الإبداعي، مما يسهّل على الأطفال فهم الدروس والعبر المستفادة منها.
قصتنا اليوم، تتضمن رسالة قيمة تُعلّم الأطفال كيفية السيطرة على الغضب، وهي واحدة من المهارات المهمة التي تساعدهم على التحكم في مشاعرهم والتعامل مع المواقف المختلفة بهدوء وحكمة.
قصة مالك والسيطرة على الغضب
في بلدة صغيرة، عاش صبي صغير يُدعى مالك، كان مالك فتى ذكيًّا، يحب اللعب مع أصدقائه في الحديقة، كما يستمتع بقراءة القصص والرسم. لكن، كانت هناك عقبة كبيرة تعكر صفو حياته، فقد كان سريع الإنفعال، ولا يستطيع كبح غضبه.
وكلّما سارت الأمور بطريقة لا تعجبه، كان ينفجر غضبًا كالبركان، ويصرخ بصوت عالٍ، ويقول كلمات جارحة دون تفكير، غير مبالٍ بما قد تسبّبه كلماته من ألم للآخرين. لم يقتصر غضب مالك على المدرسة والملعب فقط، بل امتدّ إلى المنزل أيضًا. فكان يستشيط غضبًا إذا عبثت أخته الصغيرة بألعابه، أو إذا رغب أخوه في لعبة لا يحبها.
أمّا والدة مالك فقد كانت تحزن لرؤية نوبات غضب ابنها المتكررة، وتبذل قصارى جهدها في التحدث معه وتعليمه فنّ إدارة الغضب والسيطرة عليه.
قالت الأم: “يا بُني، إنّ الغضب ليس حلاًّ للمشكلات، بل يؤذي الآخرين من حولك”.
ولكنّ، لم يتمكن مالك من فهم أمه أو السيطرة على الغضب. وفي أحد الأيام، ذهب إلى الحديقة مع صديقيه يوسف وخالد ليستمتعوا معًا باللعب بالأرجوحة أو ببناء قلاع رملية في ساحة الرمل المخصّصة للأطفال.
بنى الأصدقاء قلعة كبيرة من الرمل، واستغرقوا وقتًا طويلاً . ولكن لسوء الحظ، داس خالد عليها بالخطأ، فانهارت القلعة بالكامل.
شعر مالك بالغضب يتصاعد داخله، وانفجر بصوت عالٍ: “لماذا فعلت هذا؟ لقد تعبنا في بنائها، وحطّمتها بهذه السهولة”.
رد خالد قائلاً: “أنا آسف يا مالك، لم أقصد ذلك أبدًا”.
لكن مالك لم يهدأ، بل سيطر عليه الغضب تمامًا، فانفجر في وجه صديقيه بكلمات قاسية. حزن خالد ويوسف، وشعرا بالاستياء من ردّة فعل صديقهما، وتوقّفا عن اللعب معه.
شعر مالك بالخجل وأدرك عواقب أفعاله، فانسحب ليجلس وحيدًا على مقعد قريب. وعندما ابتعد عن أصدقائه قليلًا، بدأوا يلعبون معًا مرّة أخرى. جلس مالك يشاهدهم من بعيد، وعندما رأى أصدقاءه يلعبون بسعادة بدونه، شعر بالحزن لفقدانه السيطرة على مشاعره.
عاد مالك إلى المنزل. وفي تلك الليلة، ظل يتقلّب في فراشه، ولم يستطع النوم. وشعر بالذنب لأنه صرخ في وجه أصدقائه، لكنّه لم يعرف كيف يُصلح ما حدث. وبعد تفكير طويل، أدرك أنه بحاجة ماسة إلى للمساعدة.
في صباح اليوم التالي، جلس مالك مع والدته وأخبرها عما بدر منه في الملعب مع أصدقائه. وضعت يدها برفق على كتفه، وقالت: “يا بُني، الغضب شعور طبيعي، لكن يجب أن تتعلم كيف تتعامل معه بالطريقة الصحيحة. دعني أعلمك سرًا.”
قصّت الأم قصصًا عن معاناتها مع الغضب في صغرها، لتوضح له كيف أن السيطرة على الغضب رحلة ممكنة، وأنها مرّت بتلك الصعوبات أيضًا. ثم تابعت الأم حديثها: “لن يكون الأمر سهلاً في البداية، ولكن بالممارسة ستتمكّن من التحكّم في مشاعرك دون إيذاء الآخرين”.
سأل مالك: “ماذا يجب أن أفعل عندما أشعر بالغضب؟ أنا لا أستطيع السيطرة على نفسي”.
علّمت الأم مالك تقنية بسيطة لمساعدته، فقالت: “هناك ثلاث خطوات سحرية تساعدنا على التحكم بغضبنا والسيطرة عليه وهي: توقّف، ثم تنفّس، وأخيرًا فكر قبل القيام بأي تصرّف”.
ثم تابعت الأم حديثها: “أول شيء يجب أن تفعله عندما تشعر بالغضب هو أن تقف مكانك، وتتوقف عن الكلام أو الفعل، يمكنك مثلاً أن تعدّ إلى العشرة قبل القيام بأيّ شيء. ثم، خذ نفسًا عميقًا من أنفك، وازفره ببطء من فمك، وكرّر ذلك ثلاث مرات. فالتنفّس بعمق سيساعدك على تهدئة نبضات قلبك المتسارعة. كما شجّعته على أن يأخذ دقائق للتفكير قبل أن يتصرّف باندفاع.”
ثم قالت: “تذكر يا بُني، إن الغضب كالنار، يحرق كل شيء في طريقه. لكن إذا طبقنا هذه الخطوات السحرية، يمكننا إخماد تلك النار والسيطرة على مشاعرنا”.
صعد مالك إلى غرفته، وأخذ يفكّر في كلام والدته، ثم قرّر أن يبدأ في تنفيذ الخطوات السحرية.
في اليوم التالي، استيقظ مالك من النوم، وبينما كان يستعد للمدرسة، ذكّر نفسه بنصائح والدته، وقرّر أن يراعي مشاعر الآخرين قبل التعبير عن غضبه. وأثناء تناول الإفطار، سكبت أخته الصغيرة الحليب عن طريق الخطأ على قميصه المفضل. شعر مالك بموجة غضب شديدة، لكنه تذكّر نصائح والدته، فتوقف، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وراح يعدّ إلى العشرة في سرّه.
وكان كلّما عدّ أكثر، وتنفّس ببطء أثناء العدّ، يشعر أنّ غضبه يتلاشى ويهدأ، وهكذا حتى اختفى تدريجيًا. لقد أدرك حينها أنّ الصراخ والغضب لن يغيرا شيئًا، بل سيجعلان الأمور أسوأ.
وعندما فتح عينيه أخيرًا، رأى أخته تنظر إليه بقلق وخوف. فقال وابتسامة خفيفة ترتسم على محيّاه: “لا بأس، هيا ننظفها معًا”.
فرحت الأم عندما رأت مالك يطبق النصائح، وشجّعته على الاستمرار. في المدرسة، واجه مالك مواقف كثيرة كانت تُغضبه في السابق. في الفصل، اصطدم به أحد زملائه دون قصد، فتبعثرت كتبه على الأرض. شعر مالك بغضبٍ صغير يتسلل إليه، لكنه تذكّر ما تعلمه، ثم التقط كتبه بهدوء، وساعد زميله بابتسامة وهو يقول: “لا بأس”.
وفي وقت الفسحة، كان مالك يلعب الكرة مع أصدقائه في ساحة المدرسة. فجأة، ركل أحدهم الكرة بقوة، فاصطدمت بمالك وسقط أرضًا. شعر مالك بالغضب يتصاعد في صدره. اعتذر صديقه، وقال: “آسف يا مالك، لم أقصد ذلك”.
ابتسم مالك وردّ: “لا تقلق، أنا بخير، لكن يجب أن تنتبه أكثر”.
ضحك الجميع، وعادوا للعب بسعادة. بينما شعر مالك بالفخر. وتذكّر كيف كان في الماضي يغضب ويصرخ لأتفه الأسباب، وكم من الأصدقاء خسر بسبب عدم قدرته على التحكّم في أعصابه، أما الآن، فهو يشعر أنّه بطل، لأنه ينتصر على غضبه.
وفي المساء، ذهب مالك إلى الحديقة القريبة، رأى مالك صديقيه يوسف وخالد يجلسان معًا. وتذكّر ما فعله في اليوم السابق وما بدر منه. تردّد مالك قليلاً، وأخذ نفسًا عميقًا، وتقدّم نحوهما ببطء، ثمّ اعتذر لهما عمّا فعله بالأمس.
قال بصوت هادئ: ” أنا آسف لأني صرخت عليكما. لقد غضبت لأن القلعة تهدّمت، لكنني أعرف أنكما لم تقصدا ذلك. أنا أتعلّم الآن كيف أسيطر على غضبي”.
ابتسما صديقاه، وقالا: “نعلم أنّك لا تقصد ذلك”. ثم قال يوسف: “هل نعيد بنائها مرة أخرى؟”.
ضحك مالك وقال: حسنًا، لكن هذه المرة، إذا غضبت، سأعدّ للعشرة أولًا”.
ومع مرور الأيام، لاحظ المعلمون وأصدقاء مالك التغيير الكبير في شخصيته وقدرته الجديدة على السيطرة على غضبه ومشاعره. فقّدروا محاولاته، وبدأوا يساعدونه ويدعونه للمشاركة في أنشطة أكثر واللعب معهم. فرح مالك بتغير تعامل معلميه وأصدقائه معه، وقرّر منذ ذلك اليوم، استخدام الخطوات السحرية للتحكّم في غضبه.
مع مرور الأسابيع، استمر مالك في ممارسة الخطوات التي علمته إياها والدته. لم يكن الأمر سهلاً دائمًا، ولكنه كان يتحسن كثيرًا شعر مالك بالفخر لأنه أصبح قادرًا على التحكم في غضبه. وأصبح مثالًا يُحتذى به بين زملائه. بدأ الجميع يسأله سره. فكان يجيب مبتسمًا: “توقف، تنفّس، فكر، ثم تَصرف بهدوء”.
وفي نهاية العام الدراسي، قررت المدرسة تنظيم فعالية للصداقة. وقرّر مالك وأصدقائه أن يساعدوا في تنظيم هذا اليوم المميز. كانوا جميعًا متحمسين وتعاونوا معًا لإعداد العديد من الأنشطة الممتعة، مثل: لعبة البحث عن الكنز.
كانت المدرسة تعج بالحماس والتشجيع والضحكات العالية في هذا اليوم. وارتدى مالك شارة “الطالب اللطيف”، وشارك تجربته مع أصدقائه، وأخبرهم بالخطوات السحرية التي علمته إياها والدته ليتمكن من السيطرة على الغضب. ثم انضم الجميع إلى الحديث، وبدأ كل طالب ومعلّم يتحدث عن قصة ملهمة في حياته، وكيف ساعدته على التحكم في مشاعره في التعامل مع مواقف صعبة.
في نهاية اليوم، حصل مالك على ميدالية كُتب عليها: “هذه الميدالية قُدمت لك أيها البطل لأنك تمكنت من السيطرة على غضبك”. عاد مالك إلى منزله وهو يشعر بالفخر والسعادة، وقال لوالدته: ” الآن أشعر يا أمي أنني قوي وأفضل لأنني تعلمت كيف أسيطر على مشاعري”.
شجعته أمه وقالت: “هذه هي القوة الحقيقة يا مالك، ولقد تمكنت من تعلم الدرس جيدًا، أنا فخورة بك”.
ومع مرور الأيام، أصبح مالك صديقًا جيدًا لأصدقائه وعائلته، وتعلّم أن أول خطوة للتعامل مع المواقف جيدًا هو فهم مشاعرك في المواقف التي تتعرض لها يوميًا. وأدرك أن اللطف والرحمة من أقوى الصفات التي يجب على كل إنسان أن يتحلى بها.
اقرأ أيضًا: قصة قصيرة للأطفال عن أهمية إدارة الوقت
الغضب شعور طبيعي يمكننا التحكم فيه إذا طبقنا خطوات بسيطة، مثل: التنفس العميق والتفكير قبل أي تصرف. إن تعلم السيطرة على الغضب ليس مقتصرًا على الأطفال فقط، بل هو مهارة حياتية للجميع. تساعدنا هذه المهارة على تحسين علاقاتنا الشخصية، وبناء علاقات قوية. كما تمنحنا القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بحكمة وهدوء.
اقرأ أيضًا: حكايات عالمية: أشهر القصص من حول العالم
قد يعجبك أيضًا: ما الذي يختفي وراء شعورك بالغضب؟