رحلة سليم إلى القدس | سلسلة حكايات فلسطين

شوق في القلب إلى القدس

في طرف القرية الهادئة، كان يقف بيت الجدة مثل شاهدٍ على الزمن، مبنيًّا من حجارة بيضاء قديمة نحتتها الشمس والرياح عبر السنين، سقفه مغطّى ببلاطٍ أحمر لامع، يزداد بريقه كلما داعبه ضوء الغروب الذهبي. أمام البيت، تمتد حديقة صغيرة تحمل رائحة الحياة: شجرة ليمون متدلية الثمار، شجرة رمان حمراء كحبات الياقوت، وآنية فخّار قديمة زرعت فيها الجدة نعناعًا يفوح عطْره في الأرجاء كلما هبّت نسمة عليلة. بجانب الباب الخشبي العريض المزوّد بمقبض نحاسي لامع، علّقت الجدة قفّة من القشّ فيها خبز الطابون الساخن يبرد ببطء، ناشرًا رائحة تملأ المكان دفئًا وطمأنينة.

جلس سليم في الفناء الواسع، يراقب أرضيته المرصوفة بحجارة ملساء رتبتها الجدة بعناية لتبقى صلبة رغم مرور الأعوام. في الزاوية بئر ماء قديمة معطًّى بغطاء خشبي، تحيط به نباتات بريّة صارت جزءًا من ذاكرة المكان. كان كل ركن من البيت يحكي قصة، والجدة تحرص أن يبقى كل شيء كما تركه الأجداد، كأنها تخاف أن تنطفئ الحكاية إذا تغيّر شكل الحجر أو رائحة التراب.

نظرت الجدة إلى حفيدها، وقالت بصوتٍ حنون، كأنها تكرّر درسًا يعرفه قلبها قبل لسانها:
– “في القدس مسجد مبارك اسمه المسجد الأقصى، باركه الله وجعله مكانًا عزيزًا على قلوب المؤمنين.”

رفع سليم رأسه بسرعة، وعيناه تتألقان بفضولٍ لا ينطفئ، وقال بشغف:
– “يا جدّتي، هل سنذهب يومًا لرؤيته؟”

ابتسمت الجدة، وتجاعيد وجهها ازدادت إشراقًا، وقالت:
– “بإذن الله يا بني. القدس مثل جوهرة محفوظة في قلب الزمان، كل من يراها يزداد حبًّا لها. ولا بد أن يأتي اليوم الذي تنعم فيه عيناك برؤيتها.”

ظلّ كلام الجدة يتردّد في أذن سليم كأنشودة. جلس صامتًا، لكن قلبه كان معلّقًا هناك، بالمسجد الأقصى. أخذ يتخيّل القباب اللامعة تعكس نور الشمس، والأسوار القديمة التي تحرس المدينة منذ قرون، والأبواب الضخمة التي تنفتح على طرقات ضيّقة مليئة بالحياة. تخيّل نفسه يمشي في تلك الأزقّة، يلمس حجارتها، يسمع دعاء المصلّين يتردّد بين المآذن، ويشم رائحة الخبز الطازج الذي تحبّه جدته.

وفي تلك الليلة، وهو يتهيّأ للنوم، رفع كفّيه الصغيرتين ودعا الله أن يحقق أمنيته، ثم غفا سريعًا. وفي حلمه، وجد نفسه في قلب القدس، يسير بخطوات واثقة، كأن المدينة فتحت له ذراعيها لتقول: “مرحبًا بك يا سليم، كنت في قلبي منذ زمن”

بداية الرحلة

في صباحٍ من الصباحات تحقق الحلم! استيقظ سليم على صوت والده وهو يقول:

– “استعد يا سليم، اليوم سنزور القدس.”

قفز سليم من فراشه ووجهه يضيء فرحًا. غسل وجهه بسرعة وارتدى أجمل ما في خزانته. حمل حقيبته الصغيرة، وفيها دفتر رسم وألوان، فقد قرّر أن يرسم كل ما يراه في رحلته.

جلس في السيارة إلى جانب والده، وبدأت الطريق تمتد أمامهما. على الجانبين صفوف طويلة من أشجار الزيتون، جذوعها قوية كأنها تحرس الأرض منذ مئات السنين، وقطرات الندى تلمع على أوراقها الخضراء، والعصافير تطير بين الأغصان وتغرد بمرح.

نظر سليم من النافذة بعينين لامعتين وقال:
– “كم هي مباركة أرضنا يا أبي!”
ابتسم الأب وأجاب:
– “نعم يا بني، هذه الأرض تشهد على قصص الأنبياء، وتحمل في ترابها حضارة عريقة.”

مرّا بقرى هادئة بيوتها من الحجر الأبيض، وأسقفها مقوّسة بلون الطين، وأمامها أحواض زهور ملونة. في الطرقات كان الأطفال يركضون بمرح، بعضهم يحمل كعكًا بالسمسم، وآخرون يلوّنون السماء بطائرات ورقية صغيرة.

فتح سليم دفتره وبدأ يرسم بسرعة: شجرة زيتون نضرة، بيتٌ قديمٌ بباب خشبي، بئر ماء بجانب حديقة صغيرة، وتلّة خضراء تمتد نحو الأفق. كان يشعر أن الطريق نفسه يحكي له قصة طويلة قبل أن يصل إلى القدس.

أغمض عينيه للحظة، وتخيّل أن الأشجار تلوّح له بيدها، وأن الحجارة تهمس له: “أهلاً بك يا سليم، ستزور اليوم مدينة لا تُنسى.”

أبواب القدس وأسواقها

بعد رحلة ممتعة، ظهرت أسوار القدس من بعيد، شامخة بلونها الحجري العتيق. اقتربت السيارة شيئًا فشيئًا حتى توقّفت عند أحد أبواب المدينة القديمة. كان الباب ضخمًا مقوّسًا مبنيًّا من حجارة داكنة صقلتْها أيدي الناس وملامح الزمن. مدّ سليم يده الصغيرة ولمس الجدار البارد، فشعر وكأنه يلمس صفحةً من كتابٍ قديمٍ يروي قصص الأبطال والتجّار والحجّاج الذين مرّوا من هنا.

دخل مع والده إلى البلدة القديمة، فانفتحت أمامهما أزقّة ضيقة مرصوفة بالحجارة. البيوت متلاصقة، شبابيكها صغيرة مزيّنة بأصص الريحان، ومن فوقها تدلّت أقواسٌ بيضاء تحمي الطريق من الشمس، وتزيد المكان سحرًا ودفئًا.

امتلأت أذنا سليم بأصوات الباعة:
– “خبز طازج بالسمسم!”
– “زيت وزيتون مبارك!”
– “بهارات من أرض فلسطين!”

وتداخلت الأصوات مع الروائح الزكية: رائحة الخبز الطازج، والزعتر المطحون، والقرفة التي تذكّره ببيت الجدة. وقف مدهوشًا أمام بائع يعرض أثوابًا مطرزة بخيوط حمراء وخضراء، فسأله والده:
– “هل ترى يا سليم؟ كل غرزة في هذه الثياب تحكي قصة من قرية أو مدينة.”

ابتسم سليم وهو يلمس القماش، ثم أسرع نحو محل آخر يبيع الفخار الأزرق المزين برسومات الطيور.

لكن وسط الزحام، لمح رجالًا بملامح عابسة، يرتدون ثياب العساكر، يتحركون بخشونة ويزاحمون الناس. شدّ سليم يد والده وقال بهمس:
– “أبي، أنا خائف…”
أجابه الأب بهدوء:
– “لا تخف من هؤلاء الجنود يا صغيري، ليسوا سوى لصوص يحاولون إزعاج الناس وسرقة أرضهم، لكن المدينة تعرف كيف تحافظ على تراثها وخيراتها، وهي أقوى من كل هذه المحاولات.”

شعر سليم بالراحة من كلام والده، وقرر أن يتابع تأمله، فتح دفتره ودوّن: “القدس مدينة تفوح رائحتها بالزعتر والخبز، وتلمع حجارتها كأنها تبتسم للزائرين.”

أول لقاء مع المسجد الأقصى

واصل سليم السير مع والده بين الأزقة حتى وصلا إلى ساحة واسعة يغمرها نور العصر. هناك، وقف سليم مبهورًا، وقد اتسعت عيناه دهشة، وأمامه استقرّ المسجد الأقصى بكلّ جماله.

كانت القبة الذهبية تتلألأ تحت صفحة السماء الزرقاء، في منظر بهيّ. وأحاطت بالمسجد أشجار نضرة تتمايل أوراقها بهدوء مع لنسيم العليل، فيما كان الحمام يرفرف في الأرجاء مطمئنًا، وكأنه يعرف أن هذه الأرض مباركة. ثمّ ارتفعت في الارجاء أصوات آذان العصر، فزادت المكان سحرًا وجماباً

اقتربا من المتوضأ، فغسلا وجهيهما ويديهما بماءٍ باردٍ رقراق، أحسّ سليم معه بصفاءٍ عجيبٍ يغمر قلبه. دخل مع والده المسجد الأقصى، فشعر كأنّه يدخل قلب التاريخ نفسه. كانت الأعمدة الرخامية البيضاء ترتفع عالية في السماء، مزخرفة بنقوشٍ هندسيةٍ دقيقةٍ تتشابك كأنّها نجمات صغيرة من الضوء. الزخارف الملوّنة تملأ الجدران، والخشب المنقوش في السقف يروي حكاياتٍ عن أيدٍ بارعةٍ صلّت وهي تبنيه.

وقف سليم بجانب والده في الصف، وصلّيا العصر مع جماعة المصلّين. كان صوت الإمام يملأ القاعة بخشوعٍ مهيب، والنسيم القادم من النوافذ العالية يحمل معه رائحة الطهر والسكينة. شعر سليم أن صلاته هنا تختلف عن أي صلاةٍ صلاّها من قبل… كأنّ السماء أقرب، وكأنّ الدعاء يصعد دون عناء.

بعد الصلاة، جلسا تحت شجرة زيتون معمّرة، جذعها العريض يشبه ذراعًا عظيمة تحضن المكان. أخرج سليم دفتره بسرعة، وبدأ يرسم القبة بخطوطٍ مرتعشة من شدّة الفرح. كان قلبه يخفق بقوة، وكأنه يكتب بيده ذكرى لا تُمحى.

اقترب والده منه وقال بلطف:
– “المسجد الأقصى أمانة غالية يا سليم. من يحبّه، يحميه بالدعاء، وبالعمل الصالح، وبالذكر الطيب.”

رفع سليم رأسه بحماس وقال بثقة:
– “سأحمله في قلبي دائمًا يا أبي… ولن أنساه أبدًا.”

حلّقت مجموعةٌ من الطيور البيضاء فوق الساحة، فرفع سليم بصره نحوها، يراقبها وهي تدور في سماء القدس بطمأنينة. شعر في تلك اللحظة أن حتى الطيور تصلي بطريقتها، وأن زيارته الأولى للأقصى لم تكن مجرد رحلة، بل عهدًا بينه وبين هذا المكان المبارك، سيحمله في قلبه ما عاش.

حكاياتٌ من الزمن

بعد أن فرغ سليم ووالده من جولتهما في الساحة، اتجها إلى السوق القريب من المسجد الأقصى ليستريحا. كان السوق نابضًا بالحياة: دكاكين صغيرة متلاصقة، بسطات مليئة بالفاكهة والبهارات، وباعة ينادون بمرح يجذب المارة. رائحة القهوة الطازجة امتزجت مع رائحة الخبز والكعك بالسمسم، فحاول أنف سليم التقاطها كلها بحماس!

جلس الأب وابنه عند دكّان يبيع الكتب والخرائط القديمة. كان صاحبه شيخًا مسنًّا، لحيته بيضاء وابتسامته هادئة، وعيناه تلمعان كأنهما تعرفان أسرار المكان. نظر إلى سليم وقال بلطف:
– “هذه أول زيارة لك يا صغيري، أليس كذلك؟”

أجاب سليم وهو يهز رأسه بحماس:
– “نعم يا عم، وقد شعرت أنني أعرف المدينة منذ زمن!”

ضحك الشيخ وقال:
– “هذا لأن القدس تسكن في قلب كل مؤمن قبل أن يراها. مرّ من هنا العلماء والرحّالة والتجّار، كل واحد منهم ترك أثرًا في حجارتها وأسواقها. إنها مدينة لا تنسى زائريها.”

أشار الشيخ إلى رفوف الكتب والبطاقات، ثم تابع:
– “كل حجر هنا يحكي قصة، وكل زقاق فيه ذكرى. حتى وإن جاء المحتلّون ليزعجوا الناس ويسرقوهم، تبقى القدس مثل شجرة زيتون، عميقة الجذور، لا تسقط أبدًا.”

جلس سليم مأخوذًا بكلامه، ثم فتح دفتره وكتب: “القدس مدينة تحفظ الحكايات، مثلما تحفظ الجدة قصص الأجداد.”

مرّ أمامهم طفل يحمل عربة صغيرة مليئة بالكعك الساخن، يوزعها مبتسمًا على الزبائن. ضحك الشيخ وقال:
– “حتى هذا الكعك له قصة هنا، فالقدس تحفظ طعمها ورائحتها كما تحفظ أبوابها وأسوارها.”

شعر سليم أن السوق ليس مكانًا للبيع والشراء فقط، بل كتابًا مفتوحًا للحكايات، كل شخص فيه سطر، وكل زائر كلمة جديدة. نظر إلى والده وقال:
– “أريد أن أحفظ هذه القصص كلها، لأرويها لأصدقائي.”
ربّت والده على كتفه بفخر، وقال:
– “وهكذا تصبح أنت جزءًا من الحكاية.”

وعدٌ لا يُنسى

مع اقتراب الغروب، عاد سليم مع والده إلى الساحة الواسعة أمام المسجد الأقصى. كانت السماء قد بدأت تتلوّن بخطوط حمراء وبرتقالية، والقبة الذهبية تعكس ضوء الشمس الأخير فتزداد جمالًا وبهاءً. جلسا قليلًا على طرف الدرج الحجري، والنسيم يحرّك أوراق الزيتون في هدوء.

وقف سليم يتأمل المشهد طويلًا، ثم التفت إلى والده وقال بصوتٍ مملوء بالعزم:
– “أبي، أعدك أنني سأعود إلى القدس مرات كثيرة. أريد أن أحفظ كل زاوية فيها، وأرسم كل شجرة وكل حجر.”

ابتسم والده ووضع يده على كتفه وقال:
– “ومن يحب القدس حقًّا، يحملها في قلبه حتى لو ابتعد عنها. وكلما حدثتَ أحدًا عن جمالها، تكون قد عدت إليها من جديد.”

أخرج سليم ورقة ملوّنة من حقيبته، ورسم عليها بسرعة قبة المسجد الأقصى، ثم كتب تحتها: “القدس في قلبي إلى الأبد.” رفع الورقة عاليًا وكأنه يرسل وعده مع نور الغروب.

في طريق العودة بالسيارة، ظل سليم ينظر من النافذة. رأى الأطفال يلعبون أمام بيوتهم، والباعة يغلقون دكاكينهم، والطيور تعود إلى أعشاشها. لكن قلبه ظل معلّقًا هناك، في الساحة الكبيرة حيث القبة المضيئة.

وعندما وصل إلى البيت، كانت جدته بانتظاره عند الباب. ركض إليها وهو يهتف:
– “يا جدتي! رأيت المسجد الأقصى بعيني… كان أجمل من كل ما حكيته لي!”

دمعت عيناها وهي تضمّه وتقول:
– “بارك الله فيك يا بني. لقد عدت ومعك نور من القدس.”

جلس سليم بجانبها يصف لها تفاصيل رحلته: الأزقة الضيقة، الأسواق المليئة بالبهارات، الأطفال الذين كانوا يلعبون، والحمام الذي يرفرف في ساحات المسجد. عرض عليها دفتره المليء بالرسوم، فابتسمت وقالت:
– “الآن صرتَ أنت من يحكي الحكاية، وسترويها يومًا لأطفالك كما رويتها لك.”

وفي تلك الليلة، نام سليم وهو يشعر أن قلبه كبر قليلًا. كان يعرف أن رحلته لم تنتهِ، بل بدأت، وأن الوعد الذي كتبه سيبقى معه دائمًا: أن القدس بيت له، وأن الأقصى سيظل في قلبه مهما طال الزمن.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ المزيد من قصص فلسطين للأطفال الآن على موقع حدّوتة

قصة إدريس عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

قصّة اليوم عن النبي إدريس عليه السلام. وهو ثالث الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لدعوة الناس وهدايتهم إلى الإيمان. فلنقرأها معًا، ولنتعلّم منها العبرة والفائدة.

نسب إدريس عليه السلام ونشأته

منذ أن نزل آدم عليه السلام إلى الأرض، بدأت ذريته تكبر وتنتشر، وصار للناس بيوت وقرى وأعمال، فصار فيهم من يعبد الله ويشكره ويذكره في كل حين، وفيهم من يغفل عن ذكره وينشغل بالدنيا ونعيمها.
 ومن نسل آدم، وبالتحديد من ذرية ابنه شيث، وُلد غلام مبارك اسمه إدريس، وقد كان يُسمّى في بعض الكتب القديمة أخنوخ، وهو جَدٌّ من أجداد النبي نوح عليه السلام، أي أنه عاش قبل زمن الطوفان بسنوات طويلة.

كان النبيّ إدريس الحفيد الخامس للنبي “شيث” وهو ثاني الأنبياء بعد آدم عليه السلام. ولأن الناس كانوا يعيشون لسنوات طويلة جدًّا في ذلك الزمن، فقد التقى النبي إدريس عليه السلام بآدم وعاصره.

النبيّ إدريس المعلم

لم يكن إدريس نبيًا يذكّر الناس فقط بعبادة الله، بل كان أيضًا معلّمًا لهم في حياتهم اليومية؛ فقد علّمه الله أشياء لم يعرفها الناس من قبل، وجعله سببًا في نشر العلم بينهم.

كان أول ما عُرف به أنه أول من خطّ بالقلم، فلم يكن أحد في ذلك الزمان يعرف الكتابة، وكان الناس يحفظون الأخبار في صدورهم؛ فإذا مات رجل، ضاع ما عنده من علم، لكن الله علّم إدريس كيف يكتب الحروف والكلمات، وكيف يرسمها على ألواح من الخشب أو الجلد.

بدأ الناس يتعلمون الكتابة شيئًا فشيئًا، حتى صارت عادة بينهم، وهكذا كان إدريس أول من نشر نور الكتابة، وجعل العلم محفوظًا لا يضيع.

ولم يتوقف عند الكتابة فقط، فقد كان إدريس أيضًا أول من علّم الناس الخياطة، فقد كان الناس يلبسون جلود الحيوانات كما هي، ثقيلة وخشنة، لكن إدريس أراهم كيف يغزلون الخيوط من الصوف والكتان، وكيف يخيطونها معًا حتى تصبح ثوبًا مريحًا يستر أجسادهم.

وتروي الكتب أن أول من لبس الثوب المَخِيط كان إدريس نفسه، وعندما رآه الناس بثوبه الجديد، فرحوا وقلّدوه… صاروا يحضرون الصوف والكتان، ويغزلون الخيوط، ويخيطونها كما علّمهم، حتى أصبح عندهم لباس جميل وأنيق، بدل الجلود الثقيلة. هكذا صار إدريس نبيًّا ومعلّمًا في الوقت نفسه، كان يعلّمهم دينهم ليعبدوا الله، ويعلّمهم ما ينفعهم في دنياهم ليعيشوا براحة… أحبّ الناس نبيهم أكثر، لأنهم وجدوا عنده الدين والعلم والعمل معًا.

إدريس عليه السلام والعبادة

عاش إدريس عليه السلام يعلّم الناس أركان الشريعة، ويحثّهم على عبادة الله تعالى وطاعته. وقد أقام سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه في مصر وكانت مدة إقامته في الأرض اثنتين ووثمانين سنة.

وفي يوم من الأيام، أكرم الله إدريس تكريمًا عظيمًا، لم ينله أحد من قومه؛ فقد رفعه إلى مكان عالٍ، مكان لا يصل إليه الناس العاديون، وهذا يعني أن الله أعطاه منزلة رفيعة، وجعله في مقام كريم عنده.

وقد روي أن النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين عُرج به إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، رأى إدريس في السماء الرابعة، وهذا يدل على أن إدريس في مكانة عالية بين الأنبياء.

اقرأ أيضًا: قصّة النبي آدم عليه السلام.

العبرة

بعد أن رفع الله إدريس إلى السماء الرابعة، عاد مجدّدًا إلى الأرض، وعاش فيها حتّى انتهت أيامه في الدنيا، وتوفّاه الله لكن أثره لم ينتهِ قطُّ، لقد ترك وراءه علمًا عظيمًا نافعًا، إذ علّم قومه الكتابة فحُفظ العلم بعده، وعلّمهم الخياطة فصاروا يلبسون ثيابًا جميلة مريحة، وكان أوّل من اهتدى بالنجوم في السماء ليعرف طريقه أثناء السفر.

قصة إدريس قصة بسيطة، لكنها تذكّرنا أن الإنسان إذا عاش صادقًا، وصبر على الخير، وسعى لنفع الناس، فإن الله لا يضيّع تعبه، بل يرفع مكانته.

يا أحبتي الصغار، إذا أردتم أن تنالوا الأجز العظيم والمكانة الرفيعة عند الله، فكونوا صادقين في كلامكم وأفعالكم، اصبروا على طاعة الله، وابحثوا دائمًا عن العلم الذي ينفعكم وينفع الناس من حولكم.

وهكذا، تبقى قصة إدريس عليه السلام من أجمل قصص الأنبياء التي تضيء قلوبنا وتزرع فيها حب الطاعة والصدق، وتعلّمنا أن الله يحب عباده الصالحين، ويرفعهم درجات إذا أطاعوه وثبتوا على الحق.

تصفّح المزيد من القصص الدينية المفيدة للأطفال على حدّوتة

اقرأ أيضًا: قصص أطفال قبل النوم

قصة آدم عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

مرحبًا يا أصدقاء في سلسلة قصص الأنبياء، والتي سنبدأها بقصّة النبي آدم عليه السلام. أول من خُلق من البشر. قصّته تخبرنا كيف بدأ الإنسان، وكيف علّمه الله كل شيء، وكيف أحبّه وكرّمه. استعد لرحلة ممتعة نكتشف فيها بداية الحكاية التي تخصّنا جميعًا.

آدم عليه السلام في الجنة

في قديم الزمان، قبل أن توجد الجبال العالية والأنهار الجارية كما نعرفها اليوم، شاء الله تعالى أن يكرّم هذا الكون بمخلوقٍ جديد يعبده ويعمر الأرض بالخير. خلق الله آدم عليه السلام من طينٍ لطيفٍ نديّ، ثم نفخ فيه من روحه، فصار آدم إنسانًا كاملًا يسمع ويرى ويتفكّر، وفتح آدم عليه السلام عينيه على رحمة الله، ووجد نفسه في جنّةٍ جميلة فيها أشجارٌ مثمرة، وأنهارٌ صافية، وأزهارٌ عطرة، وطيورٌ تغرّد بألحانٍ مبهجة.

كان آدم عليه السلام ذا قلبٍ طيبٍ ولسانٍ شاكر، وعلّمه الله أسماء الأشياء من حوله حتى يعرفها ويستخدمها، فصار يتعرّف إلى النعَم ويشكر الله عليها… ثم أمر الله الملائكة أن يسجدوا سجود تكريمٍ واحترام لآدم، فسجدوا جميعًا امتثالًا لأمر الله، لكنّ إبليس الشيطان تكبّر ورفض، فاستحقّ غضب الله، وصار عدوًّا للإنسان يوسوس له ليصرفه عن الخير!

وصارت غاية خلق آدم عليه السلام أن يعرف ربّه ويشكره ويحافظ على الطاعة.

اقرأ أيضًا: قصّة الهدهد والنبي سليمان عليه السلام

آدم وحوّاء

شاء الله تعالى فيما بعد أن يجعل لآدم عليه السلام صحبةً طيبة تؤنسه وتعاونه، فخلق له زوجته حوّاء. فرح آدم بها، وفرحت هي به، وصارا يتجولان في الجنة معًا، يقطفان من ثمارها ويستمتعان بظلالها الباردة ومياهها العذبة. لم يكن في الجنة تعبٌ ولا حزن، بل راحةٌ وطمأنينة، وكلّ شيء يذكّر بالمنعم الكريم.

أمر الله تعالى آدم وحوّاء أن يسكنا الجنّة، يجولان ويطوفان فيها، يأكلان من خيراتها وينعمان بما فيها من مناظر خلاّبة ساحرة. ونهاهما عن الاقتراب من شجرة واحدة في الجنة. فهي ممنوعة عليهما. كان الأمر واضحًا وسهلًا؛ في الجنة من الخيرات ما يغنيهما، فلا حاجة للاقتراب مما نُهيَا عنه.

قال تعالى:

“وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” – البقرة 36

كان آدم عليه السلام وزوجته يعلمان أن الطاعة تحفظ النعمة، وأن شكر الله يديمها، وقد كان لديهما من النعم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من القصور والفواكه الحلوة والذهب والأنهار الصافية من اللبن والعسل والسكينة التي تملأ القلوب.

وسوسة العدو

لكنّ العدوّ القديم، إبليس، لم ينسَ حقده. أخذ يوسوس سرًّا: “اقتربا من تلك الشجرة، فيها سرٌّ كبير… إن أكلتما منها ستصيران أعظم!” وحاول أن يُلبِس الباطل ثوبَ الخير، وأن يخلط الأكاذيب بالوعود المزيّفة.

في لحظة ضعفٍ ونسيان، اقترب آدم عليه السلام وحوّاء، فأكلا من الشجرة الممنوعة! ما إن فعلا ذلك حتى شعرا بالحزن في قلبيهما، فقد خالفا أمر الله، وعرفا أنّ طمأنينة الجنة لا تُحفظ إلا بالطاعة، وأن وسوسة إبليس كانت فخًّا.

لم يبرّرا خطأهما، ولم يقولا: “لم نقصد!” بل أسرعا إلى التوبة… ردّد آدم عليه السلام كلمات علّمه الله إيّاها يدعو بها:

“قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” – الأعراف 23

لرحمة الله بعباده قبل توبتهما لكنه قضى أن ينزلا إلى الأرض وتبدأ رحلتهما الجديدة: رحلةُ تعمير الأرض بالعمل الصالح، لكي يتعلّم أبناء آدم عليه السلام أنّ الطاعة طريق النجاة، وأن الخطأ إذا لحقته توبةٌ نصوح، يزيد القلوب قربًا من الله.

بداية الحياة على الأرض

هبط آدم عليه السلام وحوّاء إلى الأرض، فاستقبلتهما طبيعةٌ واسعة: سماءٌ زرقاء، جبالٌ شامخة، سهولٌ خضراء، وبحارٌ رحبة. على الأرض تعبٌ وشمسٌ وليلٌ ونهار، فيها جهدٌ وتعلّم وتجربة. لكن الله لم يتركهما وحدهما؛ أنزل عليهما الهداية، وعرّفهما كيف يعيشان ويعبدان ويعلّمان أبناءهما الخير.

على الأرض وُجد التنوع: ألوانٌ كثيرة من الطيور والنباتات والحيوانات، وكلّها تذكّر بالخالق العظيم، ومع كل صعوبةٍ واجهتهما، كان آدم وحوّاء يتذكران أنّ الله يحب الصابرين، وأن الطريق الصحيح يبدأ بالصدق في القول والعمل.

عهدٌ للأرض ورسالةٌ للأجيال

كبرت أسرة آدم عليه السلام، وصار له أبناءٌ وبنات، لكلٍّ منهم طبعه وميوله. علّمهم أن العبادة لا تقتصر على الصلاة والدعاء فقط، بل تشمل الصدق في الكلام، والعدل بين الإخوة، ومساعدة الضعيف، وشكر النعمة. فالله يرانا في كل حين فلنكن له طائعين، وللناس نافعين.

مضت السنوات، واشتعل رأس آدم عليه السلام شيبًا، وقد أدّى أمانته: عبد ربّه، وتاب حين أخطأ، وبنى أسرةً تعلّمت معنى الطاعة والمحبة. وكان آدم عليه السلام نبيًّا مكلَّمًا، أنزل الله إليه الوحي، يعلّم أبناءه وأحفاده عبادة الله وحده ويحذّرهم من عداوة الشيطان، ليعرفوا أن السعادة في طاعة الله، وأن التوبة باب مفتوح لمن أخطأ.

إن الأرض أمانة من الله لا بد أن نغرس فيها الخير، ونصدق ونخلص في العمل، وأن العلم نور في الدنيا والآخرة، وعمار الأرض لا يكون إلا بالعدل، فالعدل ميزان الله، ثم بالإحسان إلى الآخرين وطاعة الله وحده قبل كل شيء.

ثم حان الوداع وتوفي آدم عليه السلام، ليخلّد الله ذكره في قلوب المؤمنين، نبيًّا كريمًا وأبًا رحيمًا. ومن بعده، حمل الناس الرسالة جيلًا بعد جيل: الشكر يحفظ النعمة، والاستغفار يمسح العثرة، والطاعة طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

العبرة

يا أحبّتي، نتعلّم من قصّة آدم عليه السلام أن نكون شاكرين لله على كل نعمة بين أيدينا، وأن نسرع إلى التوبة إذا أخطأنا مثلما تاب هو وحوّاء. فقد عاش آدم في الجنة بسعادة، لكن حين نسي أمر الله نزل إلى الأرض، ومع ذلك لم ييأس، بل رجع إلى ربّه فغفر له ليذكرنا دائمًا أنّ باب التوبة مفتوح، وأن الشيطان يحاول أن يوسوس لنا كما فعل مع آدم عليه السلام، لكننا نستطيع أن نغلبه إذا تمسّكنا بالطاعة.

إذا حفظنا هذه العبرة في قلوبنا، عشنا على الأرض بسلام، وزرعنا الخير أينما كنّا، وتطلّعت قلوبنا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض، حيث يرضى الله عن عباده المحسنين.

اقرأ المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة.

قصص الحيوان في القرآن الكريم: الهدهد والنبي سليمان

في مساءٍ دافئ، اجتمع الصغار الثلاثة حول جدتهم “أم ياسر” في غرفة الجلوس، حيث كانت تجلس على كرسيها الخشبي المريح، وبجانبها فنجان شاي دافئ تفوح منه رائحة النعناع. كان الجو هادئًا، والستائر تتمايل برفق مع نسيم المساء.

قالت الجدة بابتسامة واسعة وهي تنظر في عيون أحفادها:
“اليوم يا أحبّتي سأقص عليكم قصة من أروع قصص الحيوان التي وردت في كتاب الله الكريم، قصة طائر صغير لكنه كان شجاعًا وذكيًا… إنه الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام.”

وبدأت الحكاية: كان النبي سليمان عليه السلام ملكًا نبيًّا، أعطاه الله ملكًا لم يعطه لأحد من بعده، وجعل له القدرة على فهم لغات المخلوقات جميعًا، من طيور وحيوانات وحتى حشرات صغيرة. وكان جيشه عظيمًا يضم الإنس والجن والطير، يسيرون جميعًا بانتظام عجيب.

وفي يوم من الأيام، وقف سليمان يتفقد جنوده، فجال ببصره في صفوف الطيور، ولاحظ أن طائر الهدهد لم يكن موجودًا. فتعجّب وسأل عن مكانه، وتوعّد بتعذيبه أو قتله إن لم يكن له عذرٌ مقنع لهذا الغياب. حيث قال (كما جاء في القرآن الكريم):
“ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه، أو ليأتيني بسلطان مبين.” – سورة النمل

رفعت سلمى حاجبيها دهشة وقالت: “جدتي! هل كان سيّدنا سليمان عليه السلام يعرف كلّ طائر في جيشه؟”
ضحكت الجدة برفق وقالت: “نعم يا صغيرتي، فقد كان قائدًا حكيمًا، لا يترك أحدًا من جنوده دون أن يعرف مكانه.”

وأضافت وهي تخفض صوتها قليلًا: “لقد كان سليمان عليه السلام يدرّب جنوده على الانضباط، حتى لو كان الجندي طائرًا صغيرًا مثل الهدهد. فالقائدُ الذي يغفل عن أصغر التفاصيل قد يُضعف جيشَه بأكمله.”

الهدهد يأتي بالخبر

واصلت الجدّة الحكاية قائلة:
“ولم يمضِ وقت كثير حتّى عاد الهدهد إلى عرش سيّدنا سليمان -عليه السلام-، يرفرف بجناحيه بقوّة، فوقف أمام النبيّ على الفور مبرّرًا سبب غيابه، إذ قال بصوت ثابت: “لقد رأيتُ ما لم تره، وأتيتك بخبر مهم عن مملكة سبأ” “أحطت بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين.” – سورة النمل
ثم بدأ يحكي ما رآه: طار بعيدًا حتى وصل إلى أرض بعيدة اسمها سبأ، وهناك وجد قومًا يعبدون الشمس من دون الله، ورأى ملكتهم، وهي امرأة عظيمة تملك عرشًا بديعًا مصنوعًا من الذهب والجواهر، لكنهم جميعًا ضلوا الطريق وتركوا عبادة الله الواحد.

قاطع يحيى القصة وقال: “إذن فالهدهد لم يكن يلعب أو يتجول عبثًا!”
ابتسمت الجدة وأجابت: “بالطبع، لقد كان في مهمة عظيمة، وأراد أن يخبر النبي سليمان بما اكتشفه.”

ثم أضافت: “كان الهدهد صغير الحجم، لكن قلبه كان مليئًا بالغيرة على التوحيد. لم يسكت حين رأى قومًا يسجدون للشمس بدلًا من الخالق العظيم، بل أسرع ليبلغ النبي سليمان بما يحدث. وهذا يعلّمنا أن المؤمن لا يقف متفرجًا أمام الخطأ، بل يسعى لتصحيحه بما يستطيع.”

اقرأ المزيد من القصص الدينية الممتعة للأطفال.

رسالة سليمان

بعد أن استمع سليمان إلى قصّة الهدهد، أراد أن يتأكّد من الخبر، فكتب رسالة إلى ملكة سبأ يدعوها فيها وقومها إلى توحيد الله تعالى، وأمر الهدهد أن يوصلها إليها. قال تعالى: “سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون.”

طار الهدهد بخفة ورشاقة، يحمل رسالة النبي في منقاره، حتى وصل إلى قصر الملكة بلقيس، ملكةسبأ. كان القصر فخمًا، تحيط به الحدائق والأنهار، وتزينه الأعمدة العالية. دخل الهدهد من نافذة عليا، وأسقط الرسالة برفق أمام الملكة.

فتحت الملكة الرسالة وقرأت ما جاء فيها بصوت عالٍ، كما ورد في القرآن الكريم:
“إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألّا تعلوا علي وأتوني مسلمين.”

جمعت الملكة كبار قومها، واستشارتهم في أمر هذه الرسالة الغريبة، فقالت:

“أيّها القوم، لقد وصلني خطاب من ملك عظيم يُدعى سليمان، يدعونا فيه إلى عبادة الله وتوحيده، فأفتوني في هذا الأمر.

قال الله تعالى على لسان ملكة سبأ: “يا أيها الملأ، أفتوني في أمري، إنه كتاب كريم من ملك عظيم، يدعونا لعبادة الله.”
وبعد نقاش طويل مع الوزراء والمستشارين، قرّرت الملكة بلقيس إرسال مجموعة من الهدايا الثمينة والغالية إلى سليمان، حتّى لا يأتي بجنوده ويدمّر بلادها.

هنا توقفت الجدة قليلًا وقالت: “انظروا يا أحبتي كيف بدأ سليمان رسالته: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه الكلمات العظيمة تفتح كل خير، وتدل على أن دعوة الحق تقوم على الرحمة لا على الغلظة.”

ردّ الملكة بلقيس وقرار النبي سليمان عليه السلام

حين وصلت الهديّة إلى سليمان ورآها، غضب غضبًا شديدًا ولم يقبلها، فقد أمّده الله عزّ وجل بملك عظيم، وكان لديه خيرات كثيرة، ولم يكن يريد من الملكة بلقيس مالاً أو هدايا، بل كلّ ما أراده منها وقومها أن يؤمنوا بالله تعالى ويتركوا عباد الشمس. وحينما عاد رجال الملكة بلقيس إليها وأخبروها بما رأوا وسمعوا، قرّرت هي أن تذهب بنفسها إلى سليمان.

وقبل أن تصل، أراد سليمان عليه السلام، أن يريها آية من آيات الله، فسأل جنوده:

“من يستطيع إحضار عرش الملكة بلقيس إليّ قبل أن تصل إلى هنا؟” (“من يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟” – سورة النمل

فقال عفريت من الجنّ: “أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك.”، أيّ سأحضره إليك قبل أن تقوم من مجلسك، وقال رجل آخر عُرف عنه الحكمة والوقار: “أمّا أنا فسأحضره إليك قبل أن ترمش عينك.”

وكذلك كان الحال، بمشيئة الله وإذنه، تمّ إحضار عرش الملكة في لمح البصر، ولم يبقَ سوى انتظار وصول الملكة.

قالت الجدة للأحفاد: “لقد أراد سليمان أن يبين للملكة بلقيس أنّ ما عنده ليس منه هو، وإنما هو ملك ورزق من عند الله القادر على كل شيء.” ثمّ أضافت: “وهكذا يا صغاري، يتعلّم الإنسان أن العلم المقرون بالإيمان أعظم من القوة وحدها.”

رحلة الملكة إلى سليمان

كما سبق أن وضّحنا، قرّرت الملكة أن تسافر بنفسها، فأمرت بتجهيز قافلة ضخمة تحمل الذهب والفضة والعطور. وفي الصباح تحرّك الموكب الطويل عبر الصحراء. كانت الجمال تصطف في صفوف، تحمل الصناديق المذهبة والبراميل المليئة بالطيب، وكان الجنود يحيطون بالموكب لحمايته، والطبول تدقّ لإعلان الرحلة العظيمة.

الملكة في هودجها المزخرف، جلست تفكر: هل سيقبل سليمان الجدال؟ هل سيكون قاسيًا أم رحيمًا؟ وكانت في قلبها رهبة كبيرة، لكنها شعرت أيضًا بفضول عظيم لرؤية هذا الملك العظيم.

وعندما اقتربت من مدينة سليمان، رأت ما أدهشها: جيش ضخم مصطفّ في نظام عجيب، الطيور ترفرف فوق الرؤوس كأنها غيوم ملونة، والجنود يقفون بثبات. كل شيء يوحي بالهيبة والتنظيم.

قالت الجدة بابتسامة: “يا أحبتي، إن من يطلب الحق لا يخاف من الرحلة الطويلة، بل يسير بخطوات ثابتة حتى يصل إلى غايته.”

وحينما وصلت ورأت عرشها، ذُهلت وأصابتها دهشة عظيمة وتساءلت: “كيف جاء عرشي من سبأ في اليمن إلى فلسطين بهذه السرعة؟!”

امتحان الإيمان

دخلت الملكة بلقيس القصر، وكان قصرًا عظيمًا تلمع جدرانه كأنها مرصعة بالنجوم، وفي وسطه صرح مبني من أرضية زجاجية شفافة تجري تحتها المياه.

ظنّت الملكة أن الأرض ماء، فرفعت ثوبها لتخطو بحذر، فابتسم سليمان ووضّح لها أنّ الأرضية مصنوعة من زجاج تجري تحته المياه، فأدركت حينها أنّ ما تراه ليس خيالًا ولا سحرًا، بل صنعة متقنة علّمها الله لعبده ونبيّه. لقد عرفت وفهمت أنّ كلّ ما تراه ليس أمرًا عاديًا من صنع الإنسان فقط، وإنّها هو إعجاز من ربّ عظيم.

صمتت لبرهة تتفكّر وتتدبّر، ثمّ قالت أخيرًا بصوت يملؤه الخشوع:

لقد ظلمت نفسي وشعب مملكتي، والآن رأيت عظمة الخالق، لقد آمنت مع سليمان بربّ العالمين. (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين.) – سورة النمل

صفق يحيى بيديه فرحًا وقال: “إذن فقد آمنت الملكة بالله!”
ابتسمت الجدة وقالت: “نعم يا صغيري، لقد آمنت بلقيس، ملكة سبأ بالله عزّ وجلّ، وأصبحت بذلك قصّتها عبرة لكلّ من يبحث عن الحق، ويسعى للإيمان بالله وتوحيده.”

ثم أضافت بحكمة: “العبرة يا أحبتي أنّ الإيمان قد يأتي بعد رحلة طويلة من التساؤل، لكن من يخلص في البحث يهده الله إلى الصراط المستقيم، وقد كانت ملكة سبأ امرأة حكيمة تبحث عن الحق، فعلى الرغم من قوّتها وملكها، لكنها أدركت أنّ ملك الله أعظم، وآمنت به وأخلصت له إيمانها.”

أردفت سلمى: “وكلّ ذلك كان بفضل الهدهد، إنّه طائر حكيم فعلاً.”

“نعم يا صغيرتي، هذا صحيح. لقد كان لهذا الطائر شأن عظيم، وقصّته تعدّ من أجمل قصص الحيوان في القرآن الكريم.”

“سأكتب عن قصّة الهدهد في موضوع التعبير المقبل. شكرًا لك يا جدّتي على هذه القصّة الجميلة.” قال يحيى.

وهكذا قبّل الأطفال جدّتهم، وخلدوا إلى النوم، وهم يحلمون بعرش الملكة بلقيس، وقصّتها مع النبي سليمان وطائر الهدهد الفريد.

اقرأ المزيد من قصص الحيوانات الممتعة للأطفال.

شاهد قصّة الهدهد والنبي سليمان كاملة على يوتيوب.

قصص الحيوان في القرآن الكريم: قصة الفيل وأبرهة

كان سليم يبلغ من العمر 10 أعوام عندما ذهب وعائلته لأداء مناسك العمرة في مكّة المكرّمة. استعدّ هو وعائلته المكوّنة من أبيه وأمه وأخيه الأكبر أيمن، وأختيه الأصغر ليلى وراما، ورافقتهم في تلك الرحلة الكريمة الجدّة الطيبة، حيث كانت تعلّم سليم وإخوته شروط العمرة وكيفيتها، وتذكّرهم بالأدعية المستحبّ دعاؤها أثناء أداء هذه العبادة العظيمة. كما كانت الجدّة أيضًا تقصّ عليهم في كلّ ليلة قصّة من قصص القرآن.

لننضمّ اليوم إلى سليم وعائلته، ونتعرّف على قصّة الفيل وأبرهة الحبشي!

ليلةٌ في مكة

في الليلة الأولى لعائلة سليم في العمرة، وبعد أن أدّى الجميع العبادات المطلوبة من طواف وسعي، وصلاة، جلس سليم وإخوته مع الجدّة ف ساحة الحرم، يستشعرون روحانية المكان، ويدعون الله بما تتمنّى نفوسهم. ثمّ قالت ليلى مخاطبة الجدّة:

“احكِ لنا قصّة يا جدّتي!”

“ماذا تقولين يا ليلى؟! لا يجب أن نسمع الحكايات في الحرم! إنّنا نؤدّي مناسك العمرة الآن!” قال سليم معترضًا.

وضحكت الجدّة برفق، قائلة:

“لا عليك يا سليم، لديّ في الواقع حكاية مهمّة، يجب أن تُحكى في الحرم على وجه التحديد!”

“وما هي يا جدّتي؟” سأل سليم مستغربًا.

“سأحكي لكم يا صغاري، حكاية عظيمة، ذكرها الله في كتابه الكريم…إنّها قصة الفيل وأبرهة، الحبشي، قصّة عن اليوم الذي حفظَ الله فيه بيتَه الحرام من الهدم».

“كلّنا آذان صاغية يا جدّتي!” هتف الأطفال معًا، وأشارت الجدّة لأحفادها أن يقتربوا منها، وانضمّ إليهم بعض الأطفال الآخرين ممن سمعوا ما قالته الجدّة عن القصّة الجديدة.

بدأت الجدّة الطيبة برواية الحكاية:
كان أهل مكة يعيشون حول الكعبة، يجلّونها ويؤمّونها بالحج منذ زمنٍ بعيد. كانوا يفخرون بأنهم جيران البيت العتيق، وأن مكة بلدٌ آمن يخرج منه الناس ويدخلون في أمان. في تلك الأيام، كان العرب يزورون مكة في مواسم معروفة، يتزوّدون ويبيعون ويشترون، ويطوفون بالبيت، وكانت الكعبة قلبًا نابضًا في صحراء الجزيرة. لكن هناك رجل بعيد في اليمن اسمه أبرهة، أراد أن يغيّر مجرى القلوب عن الكعبة.

رفعت حفيدتها الصغيرة يدها:

لكن لماذا يا جدتي؟

ابتسمت الجدة:، وأحابت:

“لأنه ظنّ أن الناس إن وجدوا بيتًا آخر عظيمًا، سيتركون الكعبة ويأتون إليه، فأراد أن يبني لنفسه مجدًا.”

كنيسةٌ عالية وطموحٌ متكبر

بنى أبرهة في اليمن كنيسةً عالية السقف، مزدانة بالزينة، أراد أن يجعلها مقصدًا للناس كي يصرفهم عن بيت الله الحرام. ولكن القلوب لا تُصرف بالقوة، والقداسة لا تُنشأ بالطوب والحجارة. سمع أبرهة أن العرب لا يزالون يأتون الكعبة، فاشتعل في صدره الغرور والغضب، وقرّر أن يسير بجيشٍ كبير إلى مكة، ومعه فيلة ضخمة لم يرَ أهل الجزيرة مثلها من قبل، يتقدمها فيلٌ عظيم يقال له “محمود”. كان يظنّ أن قوة الحديد والفيلة ستُخضع أهل مكة وتُمكّنه من هدم الكعبة.

سأل أحد الأطفال بفضول كبير:

“وهل خاف أهل مكّة؟”

قالت الجدة:

“سيأتيك الجواب، ولكن اعلموا يا صغاري أنّ الله إذا أراد أن يحفظ شيئًا، حفظه بأهون الأسباب في أعين الناس، وأعجبها في قلوبهم”. ثمّ واصلت الحكاية:

“شاع خبر خروج أبرهة وتقدّمه نحو الكعبة بفيلته، فخاف أهل مكّة بالفعل، واختبؤوا في الجبال المحيطة بالكعبة خوفًا من أبرهة وجيشه العظيم.

طريق الصحراء ومهابَة الفيل

سارت الفيلة ببطءٍ وثبات، تُحدِثُ الأرض تحت أقدامها دمدمةً كأنها طبولٌ بعيدة. والجنودُ يتفاخرون بقوتهم، يحملون العُدد ويعدّون الساعات للوصول إلى مكة. كان بعض العرب في الطريق يحاولون صدَّ الجيش فلا يفلحون.

قالت الجدة:

“يا صغاري، إن القوة ليست في كِبَر الأجسام، بل في عدل المقصد. وكم من ضعيفٍ نصره الله حين صدق قلبه”.

اقترب الجيش من مكة، فأخذ الجنود إبلًا لأحد أسيادها، وهو عبد المطّلب، جدّ الرسول عليه السلام. فعندما علم هذا الأخير بما حدث لإبله، ذهب إلى قائد الجيش ليستعيدها، وهنا تعجب القائد وقال:

“جئتُ لهدم البيت وأنت تسألني عن الإبل؟” فأجابه عبد المطّلب بحكمةٍ مشهورةٍ عند العرب: “أنا ربُّ الإبل، أمّا البيت، فله ربٌّ يحميه”.

وبعد لقاء عبد المطلب بالقائد، عاد إلى أهله ثابتًا كالجبال. جمع الناس وذكّرهم بحُسن التوكل، وأمرهم بردّ المظالم فيما بينهم، فالقلوب النظيفة تستحق النصر. قال: إذا ضاع لكم حق، فاطلبوه بأدب، وإذا قدرتم فاعفوا؛ فالصفح يجمع الشمل ويجعل الدعاء أقرب استجابة.

ساعةُ القرار

لمّا أقبل الجيش على مكة، خرج أهل البلد إلى الجبال القريبة يتحصّنون هناك، يراقبون ما سيجري والقلوبُ معلّقةٌ بالدعاء. لا سيوف تكفي، ولا رماح تغني، فالقضية أكبر من قوة البشر.

أراد الجنود دفع الفيل العظيم نحو الكعبة، لكن الفيل امتنع. كانوا يوجّهونه صوبها فيستعصي، فإذا صرفوه عن جهة البيت، هرول… ضربوه وحاولوا إرهابه فلم ينهض إلى ما يريدون، بدا أن في قلب ذلك الحيوان خشيةً لا تُفسَّر.

العبرة تتشكل شيئًا فشيئًا: ليس كلُّ أمرٍ يُقاس بالعدد والعتاد؛ فالله إذا قال للشيء “كن” كان. والأعين في الجبال تترقب، والريح تحمل همسًا: “للبيت ربٌّ يحميه”.

وعندما رأى الناس امتناع الفيل، تعجبوا من رحمةٍ أودعها الله في قلب حيوانٍ عظيم. ربما لا يفهم الفيل لغتنا، لكنه أدرك قدسية المكان. تذكروا أن للقلوب بوصلاتٍ خفية؛ تهديها الفطرة إن صفَت، وتردعها إن تجاوزت. لذلك اسألوا قلوبكم قبل أقدامكم. فالنية مرساةٌ، والمرساة تحفظ السفينة من العواصف دومًا.

الطيرُ الأبابيل وحجارةٌ من سِجّيل

ثم جاء الفرج على هيئةٍ لم تخطر لأحد. رفعت الجدة يدها كما لو أنها تُشير إلى السماء وقالت:

فإذا بطيرٍ أبابيل، أسرابًا فوق أسراب، كالغيم المتماسك، يحمل كلُّ طيرٍ حجارةً صغيرةً من سِجّيل. كانت الحجارة تبدو بلا شأن، لكنها بأمر الله تصيبُ فتُهلِك. تساقطت الحجارة على جيش أبرهة، فتفرّقوا مذعورين، لا يدرون كيف يدفعون عن أنفسهم هذا البلاء. كلّما حاولوا التقدّم، ردّتهم الضربة، وكلما لجؤوا إلى الهرب، أدركتهم المصيبة.

وواصلت الجدّة القول:

“هكذا يحفظ الله بيته، وهكذا يُري البشر أن القوة ليست فيما نراه بأعيننا فقط. فهناك قوة الأمر الإلهي، الذي لا يُغلب”.

وانتهى أمرُ الجيش إلى هزيمةٍ نكراء، وعاد من نجا منهم بالخبر الخالد: أن الكعبة محفوظةٌ بحفظ الله، وأن أبرهة ومن معه كانوا كالعُصفور المأكول؛ كالتبن الممزّق تتلاعب به الرياح.

ورفعت الجدة صوتها بتلاوةٍ ندية تقرأ سورة الفيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلَمۡ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَٰبِ ٱلفِيلِ (1)  أَلَمۡ يَجعَل كَيدَهُمۡ فِي تَضلِيل (2)  وَأَرۡسَلَ عَلَيهِمۡ طَيرًا أَبَابِيلَ (3)  تَرۡمِيهِم بِحِجَارَة مِّن سِجِّيلٖ (4)  فَجَعَلَهُمۡ كَعَصفٖ مَأكُولِ (5)

سورة الفيل

ثم قالت أخيرًا: الدرس ليس في الحجارة وحدها، بل في طاعة المخلوقات لأمر ربها. فإذا التزم الصغير بما أمر الله، صار أقوى من جيشٍ كاملٍ أراد ظلمًا وعدوانًا. والعدل نور، ومن سار خلف النور لم يضل.

اقرأ المزيد من القصص الدينية للأطفال.

مكةُ آمنةٌ بفضل ربِّها

هدأ الغبار، وعاد أهل مكة من الجبال، ينظرون إلى الكعبة بعين الشكر. لم يُسجَّل نصرٌ لسيفٍ ولا لرمح، بل لقدرٍ جاء من السماء. تذكّروا، يا أحبتي:

  • أن الله يحفظ ما شاء، وكيف شاء.
  • وأن الغرور بابُ الخسارة، والتواضع طريقُ النجاة.

تألّقت عيون الصغار، وسأل أصغرهم: “يا جدتي، هل كانت الحجارة كبيرة؟” ضحكت: “لا يلزم أن تكون كبيرة لتكون قوية، المهم أنها جاءت بأمر الله. ولو شاء لجعلها نَسمةَ هواءٍ تهدم جبالًا”.

ثم أردفت تقول: “هذه سورة الفيل تُتلى إلى اليوم، تذكّرنا أن للبيت ربًّا يحميه، وأن من أراد الاعتداء على الحقّ خسر، ولو بدا قويًّا. فكونوا دائمًا مع الحق، وأحسنوا الظنّ بالله، واطلبوا العزّة في طاعته، تجدوا السلام في قلوبكم”.

الدرسُ الذي لا يشيخ

قالت الجدة في خاتمة حديثها:

“يا صغاري، لو جمع الناسُ أقوى الجيوش وأضخم الفيلة، فلن يستطيعوا أن ينالوا مما حفظه الله. القوة ليست عدوًّا، لكنها تصير شؤمًا إن حُمِلت على الظلم. أما إذا تسلّحت بالعدل والرحمة، صارت نعمةً وسلامًا”.

هزّ الأطفال رؤوسهم فهمًا، وأخذ كلٌّ منهم يعيد في قلبه مشهد الطير الأبابيل، والحجارة الصغيرة التي بدّدت جبروتًا كبيرًا. قالت الجدة: “

كلما سمعتم سورة الفيل، تذكّروا أن العبرة ليست في الحكاية وحدها، بل في الإيمان الذي يصنع في قلوبنا سكينةً وثقةً بربٍّ لا يخذل عباده”.

أطفأت الجدة قصّتها، وتفرّق الأطفال بين عائد إلى أهله، وآخر يتمشّى في أرضية الحرم المقدّسة، وبقي نور القصّة ساطعًا في أعماق كلّ منهم، يضيء لهم دربهم، ويرشدهم إلى سبل الخير.

استمع الآن إلى قصّة أصحاب الفيل على يوتيوب.

قصص دينية: مغامرات الصغير الصائم

الصغير الصائم، قصّة قصيرة للأطفال تدرّب الصغار على الصيام والاستعداد لشهر رمضان المبارك، بأسلوب ممتع جذّاب يحبّب الأطفال في الشهر الفضيل وعبادة الصوم العظيمة.

القرار

إنّها ليلة الأخيرة من شهر شعبان، وفي الغد سيكون أوّل أيام شهر رمضان الكريم، كانت المدينة تتلألأ بزينة رمضان، الأطفال يلعبون في الخارج مع أصدقائهم حاملين فوانيسهم سعداء بقدوم هذا الضيف العزيز الذي طال غيابه عنّا.

دخل عمرُ الصغير ذو الأعوام السبعة على والديه في غرفة الجلوس حاملاً فانوسه الجديد، وقال بفرح:

“أريد أن أصوم معكم غدًا، فأنا كبير الآن!”

ابتسمت الأم، ومسحت على رأسه بلطف قائلة:
“الصوم عبادة عظيمة يا عمر، ويحتاج نية صافية وقوّة، واستعداد أيضًا. سأوقظك قبل الفجر لتناول السحور معنا، ففي السحور بركة، وهي فرصة للذكر وقراءة القرآن، والدعاء.”

“حسنًا!” قال عمر سعيدًا، ثمّ ذهب إلى النوم باكرًا حتى يستطيع الاستيقاظ للسحور.

استيقظ عمر على صوت والده وهو يهمس في أذنه برفق:
“هيا يا بطل، لقد حان وقت السحور.”

فتح عمر عينَيه بتثاقل، ثم ما لبث أن نهض بسرعة متذكّرًا أنّ هذا أوّل يومٍ له في رمضان. جلس إلى المائدة مع والديه، فرأى أصنافًا بسيطة من الطعام: تمر، وحليب، وخبز، وجبنة.

قال الأب مبتسمًا وهو يضع بعض التمر في طبق عمر:
“يا عمر، في السحور بركة، والنبي ﷺ أوصانا به. فهو يُقوّي الجسد على الصيام، ويُذكّرنا أن نبدأ يومنا بذكر الله.”

سأل عمر وهو يأخذ رشفة من الحليب:
“هل يكفيني أن آكل فقط يا أبي؟”

أجاب الأب:
“الأكل مهم، لكن الأهم أن تذكر الله، وأن تنوي الصيام بقلبٍ صادق. وبعد أن نفرغ من السحور، سنصلّي الفجر معًا، فهي صلاة عظيمة، وفي رمضان لها طعم خاص. من يصلّي الفجر كأنما بدأ يومه بنورٍ وبركة.”

أحسّ عمر بالفرح وهو يسمع كلمات أبيه، وقال بحماس:
“أريد أن أجرّب قراءة الأذكار أيضًا بعد الصلاة!”

ضحكت الأم وقالت:
“هكذا يكون الصائم الصغير المجتهد. بالصيام، والصلاة، والذكر، يُصبح قلبك أنقى، وروحك أقرب إلى الله.”

ثمّ نهض الجميع فتوضؤوا، ووقف عمر إلى جوار أبيه في صلاة الفجر، قلبه يخفق بالسعادة لأنه بدأ رحلته الأولى مع الصيام في شهر رمضان المبارك.

بعد أن صلّى عمر الفجر مع والده وقرأ بعض الأذكار، عاد إلى فراشه ليستريح قليلًا. وما إن أشرقت الشمس حتى أيقظته أمّه برفق لتجهيزه للمدرسة. فتح عينيه مبتسمًا، فقد كان يشعر بالفخر أنه صائم مثل الكبار. نهض بحيوية، غسل وجهه، وارتدى ملابسه المدرسية وهو يردّد في نفسه:
“اليوم سأصمد وأُثبت أنني قادر على الصيام!”

ثم تناول حقيبته التي أعدّها ليلًا، وخرج مع والده نحو المدرسة، وفي قلبه بهجة كبيرة لأنه يعيش أوّل تجربة رمضانية حقيقية في حياته.

كان يسير في طريقه وهو يشعر أن قدميه أخفّ من العادة، وأن في صدره طبلة صغيرة تدق بحماس. كانت الشمس دافئة، والهواء مليئًا برائحة الخبز الطازج من المخبز القريب. عندها همس في نفسه بسؤال:
“هل سأتمكّن من الصمود حتى المغرب؟”

ثم ابتسم وقال:
“أنا الصغير الصائم… وسأحاول بكل قوتي.”

أول مواجهة مع وحش الجوع

ما إن رنّ جرس الحصّة الثانية حتى بدأ بطن عمر يُصدر أصواتًا غريبة، كأنه يقرع طبولًا بعيدة. ابتسم بخجل، ثم تخيّل أن في بطنه غابةً صغيرة تسكنها كائنات مضحكة اسمها وحوش الجوع.

ظهر أولهم قصيرًا مستديرًا يقرع الطبول واسمه جائع، والثاني طويل نحيف يمسك شوكة كبيرة اسمه نَهِم، أما الثالث فيلوّح بملعقة لامعة اسمه لُقمة. وراحوا جميعًا يهتفون:
“نريد الطعام! نريد الطعام!”

رفع عمر يده فوق الطاولة مثل قائد شجاع وقال في نفسه:
“لن تهزموني… سلاحي هو الإرادة!”

أغمض عينيه قليلًا، ووضع يده على بطنه وهمس:
“اللهم قوّني.”

فشعر أن الوحوش تتباطأ وتتراجع. فتح عينيه فوجد قلبه أكثر هدوءًا. حاول التركيز مع المعلمة وهو يكتب الإملاء، لكن الطبول عادت تقرع. عندها بدأ يعدّ أنفاسه ببطء:
شهيق… زفير… كأنه ينفخ سحابة صغيرة تطفئ نار الجوع.

نظر إلى الساعة ورأى أن الوقت يمضي، فابتسم وقال:
“كل دقيقة تمرّ خطوة جديدة نحو النصر.”

تفرقت الوحوش قليلًا، وقال جائع وهو يقرع طبلته: “سأعود بعد الاستراحة!” أما نَهِم ولُقمة فجلسا يراقبان هذا الصغير الذي لم يستسلم لهما بسهولة.

مغريات الحلوى في المدرسة

في وقت الاستراحة، فتحت لمى علبة مليئة بالحلوى، ألوانها تلمع مثل قوس قزح. واقترب حسان وهو يلوّح بقطعة شوكولاتة قائلًا:
“خذ نصفها يا عمر!”

ابتلع عمر ريقه بصعوبة، وكأن رائحة الحلوى تهب عليه مثل عاصفة من كل اتجاه. شعر كأن مغريات الحلوى تدور حوله وتدعوه:
“جرّب طعم الفراولة! فقط لقمة صغيرة! لن يلاحظ أحد!”

لكن عمر تذكّر وعده لنفسه. تنفّس بعمق وابتسم بلطف قائلًا:
“شكرًا لكما، لكن اليوم صائمٌ. ادعوا لي أن أستمر.”

قالت لمى بإعجاب: “أنت شجاع حقًّا، أنا لم أستطع صوم يومٍ كامل بعد، أرجو لك التوفيق”
وأضاف حسان وهو يعيد الشوكولاتة: “إن صبرت اليوم، غدًا لك قطعتان!”

ضحكوا جميعًا، فتراجعت تلك المغريات بعيدًا. حاول جائع أن يقرع طبلته في بطن عمر من جديد، وأشار نَهِم بالشوكة، ولوّح لُقمة بملعقته، لكنهم لم ينجحوا؛ فقد كان في قلب عمر نور صغير يزداد قوة كلما قال لنفسه: “أنا أستطيع.”

سلاح الإرادة والخطط الذكية

عاد عمر إلى الصف وهو يشعر ببعض التعب، فتذكّر خطته التي سماها سُلّم الإرادة. كان يتخيّل هذا السلم كدرجات يصعدها كلما شعر بالضعف؛ في الدرجة الأولى يجدّد النية، وفي الثانية يتصور نفسه عند المغرب يبتسم وهو منتصر، وفي الثالثة يقوم بعمل صالح صغير، أما الدرجة الأخيرة فهي أن يغيّر المشهد إذا استطاع.

بدأ بالدرجة الثالثة مباشرة، فرفع يده واستأذن المعلمة أن يرتب مكتبة الصف. وبينما كان يعيد الكتب إلى أماكنها، كان يقرأ العناوين ويبتسم، كأن كل كتاب يقول له: “أنت تستطيع”.

وفي الاستراحة القصيرة، أدّى صلاة الظهر في مصلّى المدرسة مع زملائه، وخرج بعدها إلى الساحة يتمشّى قليلاً، فرأى صديقه ياسين حزينًا لأنه أخطأ في مسألة حسابية. جلس بجانبه وقال: “دعنا نحاول معًا.” جلسا على المقعد الخشبي وشرح له الخطوات حتى قال ياسين بفرح: “فهمت!” عندها شعر عمر بخفة عجيبة، كأن قطعة من السعادة ذابت في قلبه فأشبعت روحه.

وحين عادت وحوش الجوع لتقرع طبولها، وجدها أضعف من قبل، فقد امتلأ قلبه بفرح المساعدة. قال نَهِم بدهشة: “كيف يشبع من غير طعام؟” فردّ لُقمة وهو يحك رأسه: “ربما تشبعه النية والعمل الطيب.”

وهنا أدرك عمر أن سلاحه الحقيقي ليس أن يرفض الطعام فقط، بل أن يشغل نفسه بما ينفعه ويملأ قلبه بالسرور.

طريق العودة إلى البيت

مع انتهاء الدوام المدرسي، خرج عمر من بوابة المدرسة بخطوات بطيئة، فقد بدأ يشعر بجوعٍ أكبر من ذي قبل. وفي الطريق إلى البيت، مرّ بالسوق القريب، حيث كانت المحالّ تزدحم بالناس استعدادًا للإفطار. وقف قليلًا يتأمل الألوان الزاهية للحلويات الرمضانية؛ الكنافة المزيّنة بالفستق، والقطايف المحشوة بالقشطة والجوز، وصواني البقلاوة اللامعة بالعسل. وعلى الجهة الأخرى، رأى الباعة يرفعون أباريق عصائر قمر الدين والتمر الهندي، فتطايرت الروائح العذبة التي أيقظت جوعه أكثر.

توقّف عمر، وشعر أن معدته تصرخ: “أريد فقط لقمة صغيرة!” لكنه تذكّر سُلّم الإرادة الذي بناه في عقله، وأغمض عينيه متخيّلًا نفسه عند المغرب، يبتسم وهو يجلس مع عائلته على المائدة، يفطر بتمرة وكوب ماء بارد. عندها ابتسم وقال لنفسه:
“لن أسمح لهذه الروائح أن تُسقطني. سأصبر، والنصر قريب.”

ومضى في طريقه بخطوات أقوى، كأن صبره غلب الجوع، وحوّل ضعفه إلى قوة.

في البيت وأجواء رمضانية دافئة

ما إن وصل عمر إلى البيت، حتى استقبلته أمّه بابتسامة واسعة، وقالت وهي تفتح له الباب:
“مرحبًا بالصائم الصغير، كيف كان يومك؟”

خلع عمر حقيبته وجلس قليلًا ليستريح، ثم أخذ يحكي لها بحماس عن سلّم الإرادة، وكيف ساعد صديقه ياسين، وكيف قاوم روائح الحلويات في الطريق. استمعت إليه أمّه بفخر وربّتت على كتفه قائلة:
“هكذا يكون الصائم حقًا، صبر وعمل صالح.”

في تلك الأثناء، كانت رائحة الكنافة الساخنة تعبق في أرجاء البيت، وصوت أباريق العصائر ينسكب في الأكواب: قمر الدين، تمر هندي، وليمون بالنعناع. وعلى المائدة بدأت تظهر أطباق الشوربة، والسلطة، والسمبوسك. نظر عمر إليها بعينين تلمعان، ثم ابتسم وهو يقول:
“سأصبر قليلًا بعد، حتى نسمع الأذان.”

ساعة العصر والاختبارات

حين حلّت ساعة العصر، شعر عمر أن عقارب الساعة تمشي ببطء شديد، كأنها لا تريد الوصول إلى المغرب أبدًا. ومن بيت الجيران تسلّلت رائحة طعام شهيّة، فبدت له مثل لحن طويل يزداد إغراءً كل دقيقة. عندها تخيّل أصدقاءه في عقله: جائع يقرع طبله بقوة، ونَهِم يلوّح براية كتب عليها “استسلام”، بينما لُقمة يرفع ملعقته الفضية متحديًا.

كاد قلب عمر يستسلم، وشعر بعينيه تلمعان من التعب، لكنه تذكّر الدرجة الأخيرة من سلّم الإرادة: غيّر المشهد. فاستأذن أمّه وخرج مع أبيه إلى الحديقة القريبة. هناك جلسا يلعبان لعبة “عدّ الغيمات”. ابتسم الأب وقال:
“كل غيمة تمرّ فوقنا تعني أن الأذان صار أقرب.”

ضحك عمر، وشعر أن معدته تهدأ شيئًا فشيئًا. وفي طريق العودة، مرّا بمركز خيري صغير، فدخل عمر مع أبيه ليساعد المتطوعين في ترتيب صناديق الطعام التي ستوزّع عند المغرب. حينها أحسّ أن الجوع يذوب، وأن قلبه امتلأ بالطمأنينة.

قال نَهِم بدهشة في خياله: “إنه يساعد في إطعام الآخرين… فيشبع هو!”

وعلى الطريق، مرّا بجانب بائع يترنّم بلحن شعبي، فأخذ عمر يردّد معه ببساطة. وكل نغمة كان يغنيها تُبعد عنه التعب وتقرّبه من لحظة النصر.

عاد عمر إلى البيت أكثر صبرًا، كأن على كتفيه جناحين صغيرين من العزيمة.


اقرأ أيضًا: قصص الحيوان في القرآن الكريم: الهدهد والنبي سليمان

أذان المغرب والنصر الصغير

تلوّنت السماء بدرجات الغروب؛ برتقالي يذوب في زرقة المساء، والبيت يملؤه دفء وانتظار. جلست الأم تُرتّب المائدة بحب، فوضعت التمر والماء أولًا، ثم أطباق الشوربة والسمبوسك، وكوب اللبن الأبيض يلمع كهدية صغيرة. التفّت الأسرة حول الطاولة، وكل واحد منهم يهمس في قلبه بدعاء وذكر.

كان قلب عمر يخفق مثل طبلة فرح، ومع ذلك بقي هادئًا متماسكًا. وفجأة دوّى صوت الأذان من المئذنة القريبة، فأحسّ وكأن نافذة نور فُتحت في صدره.

أغمض عينيه، رفع دعاءً قصيرًا، ثم شرب أول رشفة ماء ببطء، كأن جدولًا باردًا يجري في عروقه. أخذ تمرتين كما علّمه والده، وأتبعها بدعاء لأسرته وأصدقائه. ابتسم وقال بصوت واثق:
“لقد تغلّبت اليوم على وحوش الجوع ومغريات الطريق.”

صفق أخوه الصغير بحماس وصاح: “عمر بطل رمضان!”، فضحك الأب وقال:
“هذا هو النصر الحقيقي يا عمر: أن تختار الصبر وتثبت عليه.”

أضافت الأم بعينين تلمعان بالفخر:
“والأجمل أنك لم تصبر وحدك؛ بل استعنت بالذكر، والعمل الطيب، ومساعدة الآخرين.”

وفي خيال عمر، رأى جائع يطوي طبلته مطأطئ الرأس، ونَهِم يلوّح براية بيضاء مستسلمًا، أما لُقمة فوضع ملعقته جانبًا مبتسمًا:
“نعرف الآن أن قلبك أقوى… لكننا سنجرب حظنا غدًا.”

رفع عمر نظره إلى السماء فرأى النجمة الأولى تشرق في الأفق، فابتسم ووعد نفسه أن يجعل من كل يوم في رمضان مغامرة جديدة وانتصارًا صغيرًا، يقرّبه أكثر من سرّ الصيام: الصبر، والشكر، ونشر الخير بين الناس.

الأمسية الرمضانية الأولى

بعد أن انتهت الأسرة من الإفطار وجلست قليلًا تتبادل الضحكات والحديث، نهض الأب قائلًا:
“هيا يا أحبّتي، لنستعد لصلاة التراويح.”

ارتدى عمر ثوبه الصغير ومشى بجانب والده إلى المسجد، حيث كانت أصوات التكبير والقرآن تملأ المكان بهدوء مهيب. وقف عمر بين الصفوف، يستمع إلى الإمام وهو يتلو آياتٍ عذبة، فأحسّ كأن الكلمات تنير قلبه مثل الفوانيس المضيئة في الشارع.

وبعد الصلاة، جلس مع والده يرددان الأذكار، ثم عادا إلى البيت فوجد الأم تقرأ في المصحف، فأخذ عمر مصحفه الصغير وجلس بجانبها يقلّدها، يمرّر إصبعه على السطور ويحاول قراءة بعض الآيات التي يحفظها.

وفي تلك اللحظة، شعر أن قلبه ممتلئ بالسكينة، وأن تعبه طوال النهار تحوّل إلى طمأنينة جميلة. ابتسم وقال لنفسه:
“أريد أن أصوم غدًا أيضًا… وأكمل مغامرتي مع رمضان.”

وهكذا، انتهت أمسيته الرمضانية الأولى، لكنه كان يعلم أن كلّ يوم جديد سيحمل له دروسًا صغيرة، وانتصارات أكبر، وقربًا أعمق من الله.

استمع الآن إلى مجموعة من الأغاني الرمضانية المميزة للأطفال.

قصة الوضوء للأطفال: هيّا نتوضأ!

لنقرأ معًا قصة الوضوء للأطفال! هي قصّة قصيرة هادفة تعلّم صغارنا كيفية أداء الوضوء بصورة صحيحة، وكذلك أهميته وموجباته ومبطلاته، بأسلوب سهل مبسّط وممتع أيضًا!

صوت الأذان…

ارتفع صوت المؤذّن الجميل: “الله أكبر”، فالتفتت مريم إلى أخيها سليم وهما في ساحة المدرسة ينتظران صلاة الظهر.
قالت مريم: “سليم، أريد أن أصلّي معك في المصلى، لكن لا أعرف كيف أتوضأ بطريقة صحيحة.”
ابتسم سليم وقال: “فكرة رائعة يا مريم! الوضوء مثل المفتاح، ومن لا يملك المفتاح لا يستطيع أن يفتح باب الصلاة.”

سمعت المعلّمة آية كلامهما، فاقتربت قائلة: “تعالوا معي إلى ركن الماء في المصلى، سأقصّ عليكما حكاية صغيرة في كل خطوة، لتتذكّروها دائمًا.”

مشى سليم ومريم بجانب المعلمة، قالت المعلمة: “تخيّلوا أن قلوبنا مثل حديقة جميلة، والوضوء مثل المطر الذي يغسل أوراقها من الغبار، فيجعلها خضراء وزاهية في الصلاة.”

سألت مريم بفضول: “وهل الوضوء عبادة بحدّ ذاته؟”
أجابت المعلمة: “نعم، هو عبادة وطهارة، ومن ينوي الوضوء لله يكون له نورًا يوم القيامة.”

قال سليم بحماس: “إذن فلنبدأ الآن، خطوة خطوة!”

النيّة والبسملة… وترشيد الماء

وقفوا عند المغسلة، فقالت المعلمة آية:
“أول خطوة في الوضوء هي النية: أن أنوي في قلبي أن أتوضأ للصلاة طاعة لله. النية مكانها في القلب ولا داعي لأن نقولها بصوت عالٍ. وبعدها نقول: بسم الله، ثم نفتح الماء قليلًا فقط. فالمؤمن يقدّر النعمة ويحافظ عليها.”

أدار سليم المقبض بهدوء، فخرج خيط صغير من الماء. ابتسمت المعلمة وقالت:
“هذا يكفي. قبل أن نبدأ، سنتأكد أن المكان نظيف، وأننا سنتبع الترتيب الصحيح؛ فالوضوء مثل الحروف، إذا تغيّر ترتيبها في الكلمة تغير معنى الكلمة كاملًا!”

سألت مريم: “هل أقول بسم الله كل مرة؟”
أجابت المعلمة: “نعم، ونقول الحمد لله في النهاية أيضًا. الوضوء ليس ماءً فقط، بل أدب وهدوء. لا نلعب، لا نرشّ الآخرين، ولا نضيّع الماء.”

قال سليم بحماس: “أعدك أننا سنحافظ على الماء!”
وأضافت المعلمة: “وإذا طال الوقوف، نغلق الصنبور حتى لا يُهدَر الماء. وإذا سقطت قطرات على الأرض، نمسحها، لأن النظافة تجعل العبادة أجمل وتزيد الخشوع.”

اليدان والفم والأنف والوجه

قالت المعلّمة آية:
“نبدأ بغسل الكفّين ثلاث مرات، فهما مفتاح بقية الأعضاء.”

غسل سليم يديه، وحرّك أصابعه بين الماء حتى وصل الماء لكل جزء. ثم قالت المعلمة:
“الآن نتمضمض ثلاث مرات، نحرك الماء في الفم ثم نبصقه برفق. وبعدها نستـنشق الماء قليلًا بالأنف ونخرجه ثلاث مرات.”

ضحكت مريم وهي تشعر ببرودة الماء في أنفها، فقالت المعلمة مبتسمة:
“هذه البرودة توقظنا للصلاة!”

ثم أضافت:
“بعد ذلك نغسل الوجه من منابت الشعر حتى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن، ثلاث مرات. لا تنسوا الشفتين وأطراف الخدّين، لكن دون إسراف في الماء.”

نظرت مريم إلى المرآة فوق الحوض، فرأت قطرات تلمع على وجنتيها. فسألت:
“هل يكفي أن أمسح وجهي فقط؟”

ابتسمت المعلمة وأجابت:
“لا يا مريم، الوجه لا يكفي فيه المسح، بل يجب غسله بالماء. وتذكروا دائمًا: الرفق في الحركة، والترتيب في العد، والتأكد أن الماء يصل لكل مكان.”

ثم قالت:
“ومن الجميل أن نستعمل السواك أو نغسل الأسنان قبل الصلاة، فهذا يجعل الفم طيبًا، فيجتمع جمال الشكل والقلب، وتصبح الابتسامة نفسها عبادة”

وبينما كانوا يعدّون المرّات همسًا، صار العد مثل نشيد صغير يعلّمهم الصبر، ويجمع بين النظافة والابتسامة، ويهيّئ القلوب للخشوع في الصلاة.

اليدان إلى المِرفقين ومسح الرأس والأذنين

قالت المعلّمة آية:
“نغسل اليد اليمنى حتى المرفق ثلاث مرات، ثم نغسل اليسرى مثلها، ولا ننسى أن نبدأ دائمًا باليمين وأن نمرر الماء بين الأصابع”

راقبت مريم الماء وهو يصل حتى مرفقها، وتأكدت أن كل جزء قد ابتلّ. ثم تابعت المعلمة:
“بعدها نمسح الرأس مرة واحدة: نبلل اليدين قليلًا، ونمررهما من مقدمة الرأس إلى الخلف ثم نعود بهما للأمام، دون إكثار في الماء.”

رفع سليم يده وسأل: “وماذا عن الأذنين؟”
ابتسمت المعلمة وقالت: “الأذنان من الرأس. نمسحهما برفق: نُدخل السبابتين في داخل الأذن، ونمسح ظاهرها بالإبهامين.”

ضحكت مريم قائلة: “كأن أذني تسمع صوت الماء!”
فأجابت المعلمة: “الأهم أن نفعل كما علّمنا النبي ﷺ، بإتقان وخشوع. الوضوء يدرّبنا على الانتباه: نغسل اليد كلّها، ونمسح الرأس كلّه أيضًا.”

وفي النهاية اتفقوا أن يراقب كل واحد صاحبه بلطف، فإذا رأى مكانًا لم يصله الماء ذكّره بخير، حتى يكتمل الوضوء وتصبح هذه العادة الجميلة خلقًا دائمًا.

القدمان… وخطوات إلى النور

قالت المعلمة آية:
“الآن نغسل القدمين مع الكعبين ثلاث مرات. تأكدوا أن الماء دخل بين الأصابع، ويمكن أن نرفع القدم قليلًا ليصل الماء إلى أسفلها.”

رفع سليم قدمه على حافة المغسلة بحذر، فقالت المعلمة:
“أحسنت يا سليم، لكن بهدوء حتى لا ينزلق أحد.”

ثم تابعت:
“تذكروا الترتيب: أولًا الكفّان، ثم الفم والأنف، ثم الوجه، وبعدها اليدان إلى المرفقين، ثم الرأس والأذنان، وأخيرًا القدمان. هذا الترتيب مثل طريق مستقيم، وإذا خلطناه ضاعت منا الخطوات.”

سألت مريم: “وماذا نقول بعد أن ننتهي؟”
ابتسمت المعلمة وأجابت:
“نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.

شعر الأطفال براحة وهدوء في قلوبهم. فقالت المعلمة:
“الوضوء يجعل وجوهنا وأيدينا وأقدامنا منيرة يوم نلقى الله. ومع كل قطرة ماء تخرج الخطايا، وإذا أخلصنا النية زاد الأجر، وصارت خطواتنا إلى الصلاة خفيفة ومطمئنة.”

ومعًا خطوا جميعًا نحو المصلى بفرح، وكأن الطريق مفروش بضوء ناعم يذكّرهم أن الطهارة تصلح القلب والجسد، وتفتح باب الخشوع بسهولة.

اقرأ الآن: قصة للأطفال عن العناية بالأسنان | نورة والأسنان السعيدة

لماذا نتوضأ؟ وما الذي يبطل الوضوء؟

جلست المعلّمة آية مع مريم وسليم على سجادة المصلى وقالت:
“الوضوء ليس غسلًا بالماء فقط، بل هو تجهيز القلب والجسم للصلاة. عندما نغسل أيدينا نتذكر أن نعمل بها الخير، وعندما نغسل وجوهنا ننوي أن ننظر للشيء الطيّب فقط، وعندما نمسح رؤوسنا نطلب من الله أن يعطينا الحكمة، وعندما نغسل أقدامنا نعاهد أنفسنا أن نمشي في طريق يرضيه.”

قالت مريم وهي تبتسم: “أشعر أن همومي راحت مع قطرات الماء.”

أكملت المعلّمة:
“انتبهوا يا أحبّتي، هناك أمور تُبطل الوضوء: مثل أن يخرج شيء من مكان قضاء الحاجة، أو أن ينام الإنسان نومًا عميقًا لا يشعر فيه بنفسه. وعندما يحدث ذلك، نعيد الوضوء بهدوء ورضا، لأنه فرصة جديدة لنكون أنقى.”

رفع سليم يده بحماس وقال: “سأعلّم أخي الصغير خطوات الوضوء!”
ابتسمت المعلمة: “بارك الله فيك، علّموها للآخرين بلطف، وابدؤوا دائمًا بقول: بسم الله، واختموا بقول: الحمد لله.”

بعدها اصطفّ الأطفال للصلاة، ووجوههم تضيء من أثر الماء والذكر. وقالت المعلمة:
“الوضوء يطرد الكسل ويجعل القلب يقظًا لذكر الله. وإذا أخطأ أحدكم فليتُب ويتوضأ من جديد، لتعود روحه نقية ووجهه مبتسمًا.”

شاهد الآن: فيديو قصير لتعليم الوضوء للأطفال

اقرأ المزيد من القصص الدينية الهادفة للأطفال

قصص دينية للأطفال: يوم في الجنة

في مساءٍ هادئ، جلست «ليان» عند نافذة غرفتها تنظر إلى النجوم. كان يومها مليئًا بالخير؛ ساعدت أمها في ترتيب البيت، وأخرجت من حصّالتها صدقةً وضعتها في صندوق المدرسة، وابتسمت لصديقتها التي كانت حزينة.

قبل أن تنام، همست بصوتٍ خافت: «اللهمّ ارزقني الجنة، وأعِذْني من النار»، ثم غفت وقلبها مليء بالطمأنينة.

رأت في حلمها عصفورًا أبيض صغيرًا، يطير حولها ويغرّد بلحنٍ رقيقٍ كأنه يقول: «تعالي معي». تبعته، فإذا بساحة واسعة لامعة كأنها من اللؤلؤ، وعلى طرفها باب كبير يضيء بنورٍ لطيف لا يؤذي العين، وفوقه مكتوب «سلام». اقتربت ليان بخطوات مترددة، فإذا بروائح طيبة مثل رائحة الياسمين تملأ المكان وتغمر قلبها براحةٍ لم تعرفها من قبل.

سمعت صوتًا هادئًا يشبه حفيف الأشجار يقول: «سلامٌ عليكم…». لم ترَ أحدًا… التفتت لترى خلف الباب حدائق بلا نهاية، وأنهارًا صافية تجري بهدوء، وأشجارًا خضراء مليئة بالثمار كأنها تبتسم لها. قال العصفور: «هذا المكان له مفتاحان: توحيد الله، والعمل الصالح». ابتسم قلبها فرحًا، وتذكرت مساعدتها لصديقتها وصدقتها الصغيرة، فعرفت أن كل عملٍ تفعله إرضاءً لله يقرّبها من هذا الباب.

مدّت يدها لتلمس أزهارًا تضيء مثل المصابيح، سألت العصفور: «هل يمكنني الدخول؟» فغرّد: «باب الجنة يُفتح لمن أحب الله وأحسن للناس. ادخلي بسلامٍ آمنة». أخذت نفسًا عميقًا، وشعرت أن العالم كله يبتسم لها وهي تخطو أول خطوة…

أنهارٌ من نور

ما إن خطت ليان أول خطوة حتى انكشفت أمامها سهولٌ خضراء واسعة، وفي وسطها أنهار كأنها خيوط من نور تجري بهدوء. نهرٌ ماؤه صافٍ أحلى من العسل، وآخر أبيض مثل الحليب، وثالث يجري بعصير من أنواع فاكهة لم ترَها من قبل، لكن رائحتها تملأ القلب فرحًا. اقتربت ليان ومدّت كفها في النهر الصافي، فشعرت ببرودةٍ جميلة وانتعاش لطيف.

قال العصفور الأبيض الذي كان يرافقها: «هذه عطايا الله لعباده الذين أحبوه وأطاعوه». سألت ليان: «هل يمكن لأهل الجنة أن يشربوا منه متى أرادوا؟» غرّد العصفور: «هنا لا عطش ولا قلق؛ كل ما تتمنينه يتحقق». جلست ليان على العشب الأخضر، أغمضت عينيها قليلًا وهي تتذكر دعاءها قبل النوم، ثم فتحت عينيها وعزم جديد يضيء قلبها: حين أعود، سأزيد من طاعة الله.

اقرأ المزيد من القصص الدينية الهادفة للأطفال

ثمار القلوب

سارت ليان في ممرٍ ذهبي تحيط به الأزهار، حتى وصلت إلى شجرة أوراقها لامعة وثمارها على شكل قلوب صغيرة تضيء مثل المصابيح. أشارت إلى ثمرة قريبة منها، فقال العصفور: «هذه ثمار تنبتها الأعمال الصالحة. كل قلب هنا هو عمل صالح لك في الدنيا».

مدّت يدها ولمست ثمرة، فوجدت طعمها حلوًا وتذكرت ابتسامة أعطتها لصديقة حزينة، واليوم الذي ساعدت فيه أمها. قالت ليان بدهشة: «إذن لا يضيع أي خير؟» رد العصفور: «عند الله لا يضيع شيء. الكلمة الطيبة، والصدقة، وبرّ الوالدين؛ كلها تتحول هنا إلى خير كبير».

قطفت ثمرة أخرى، فشعرت بقلبها خفيفًا كأن جناح طائر يلمسه. همست: «ما أجمل أن يثمر الحب!» ثم وعدت نفسها أن تزرع قلوبًا أكثر حين تستيقظ.

بيوتٌ من سلام

على بعد خطوات، ظهرت بيوت بيضاء كأنها من لؤلؤ، نوافذها مفتوحة يدخل منها النور، وعلى أبوابها لافتات مكتوب عليها «سلام». اقتربت ليان، فسمعت أصواتًا رقيقة تملأ قلبها بالطمأنينة: «سلامٌ عليكم بما صبرتم».

دخلت بيتًا، فرأت غرفًا مضيئة بلا مصابيح، وسجادًا ناعمًا كالغيم يتحرك مع خطواتها، وأكوابًا موضوعة على موائد من نور. جلست على أريكة دافئة وخفيفة، فقال العصفور: «هذه البيوت لأهل الإحسان، يزور بعضهم بعضًا بلا تعب ولا ملل».

تخيّلت ليان أصدقاءها، وتمنت أن يجلسوا هنا معها. ثم رأت في زاوية البيت مرآة تشبه صفحة ماء هادئة، وحين نظرت فيها تذكرت كل مرة صبرت فيها على الغضب أو سامحت من أخطأ، عندها امتلأ قلبها بفخر هادئ، لأنها أدركت أن الصبر والرضا سلام في الدنيا والآخرة.

مجلس الأناشيد والذكر

أخذها العصفور إلى بستان واسع، أشجاره متشابكة، وفي وسطه منصة من نور يجتمع حولها الأطفال. لا أحد يرفع صوته؛ المكان كله هادئ لكنه مبهج… تتعالى فيه أنغام جميلة، ليست عالية ولا خافتة، كلها شكر لله وحمد على نعمه.

كان كل طفل يجلس ومعه «سجل الأعمال الحسنة»؛ كل صفحة فيه تلخص عملًا صالحًا فعله في الدنيا. فتحت ليان سجلها، فرأت حروفًا مضيئة: «صدقة صغيرة، مساعدة صديقة، استئذان مؤدب، استغفار».

همست لها طفلة قريبة: «هنا يذكّرنا كلّ واحد بقصة لخير فعله في الدنيا». ابتسمت ليان وقالت: «سأجمع قصصًا أكثر بكثير». وفي تلك اللحظة ارتفع في البستان نشيد لطيف: «السلام لأهل الإحسان»، فازدادت الأشجار نضارة واخضرارًا.

رحلة على أجنحة الطيور

رأت ليان طيورًا بيضاء كبيرة الأجنحة، تشبه سفنًا خفيفة تطير ببطء… اقترب أحدها منها، وانحنى بجناحه كأنه يدعوها للركوب. جلست ليان فوق ظهر الطائر، وما إن أمسكت بريشه حتى شعرت بخفة غريبة؛ ارتفعت عاليًا فوق الحدائق، فرأت الأنهار تتلألأ كالشرائط، والثمار تلمع مثل نجوم صغيرة، والبيوت البيضاء كأنها لآلئ فوق بساط أخضر.

قال العصفور الصغير وهو يطير بجانبها: «في الجنة لا خوف من السقوط». أخذ الطائر يحلق فوق «سوق الهدايا»، حيث يتبادل أهل الجنة العطايا بلا بيع ولا ثمن.

تمنّت ليان كتابًا من نور يحكي قصص الأنبياء والصالحين من غير صور، فصار الكتاب بين يديها. ضمته إلى صدرها وقالت بسعادة: «الحمد لله».

حديقة البذور الصغيرة

هبطت ليان في حديقة مشرقة، وفيها أحواض مرتبة بعناية، كل حوض منها يحمل اسم خُلُق جميل: «رحمة، أمانة، صدق، برّ». وبجانب كل حوض جَرّة ماء مكتوب عليها «بسم الله». قال العصفور: «هذه البذور هي الأعمال التي ينوي العبد فعلها، فإذا سقاها بالدعاء والعمل كبرت».

أخذت ليان الماء وسقت «الصدق» و«البرّ»، فإذا بالأزهار تنبت بألوان زاهية فورًا. همست: «أريد أن أزرع عادة الاستئذان دائمًا، وأن أنهي واجباتي قبل اللعب». وما إن نوت ذلك حتى ظهرت زهرتان جديدتان تتفتحان أمامها، فعرفت أن النية باب عظيم.

ثم كتبت على لوحة صغيرة: «لن يمرّ يوم بلا ذكر أو مساعدة لأحد». فجاءت نسمة طيبة رفعت اللوحة إلى قوس من نور، فثبتت فيه كأنها وعد محفوظ.

الجسر الذي يعيدنا إلى البيت

اقترب المساء في الجنة، لكنه مساء بلا ظلام، بل نور دافئ يملأ القلب بالسكينة. ظهرت أمام ليان قنطرة رقيقة تمتد فوق جدول صغير، وعلى حافتها لافتة مكتوب عليها: «جسر الدعاء». قال العصفور: «من هنا تعودين إلى عالمك، ومعك هدايا لا تُرى: عزيمة، وطمأنينة، وحب للخير».

مشت ليان على الجسر، فسمعت أصواتًا تعرفها: دعاء أمها لها، وابتسامة أبيها حين يراها تحسن إلى الآخرين، وكلمة «جزاكِ الله خيرًا» التي قالتها معلمتها يومًا.

وقفت في منتصف الجسر، وشكرت ربها على النعم، ووعدت نفسها أن تجعل من كل يوم طريقًا للجنة: صلاة بخشوع، برّ بالوالدين، صدقة ولو قليلة، وابتسامة ترفع الحزن. ثم سألت العصفور: «هل أراك من جديد؟» فأجاب بصوت كأغنية لطيفة: «أنا معك في كل عمل صالح تفعلينه».

أغمضت ليان عينيها… واستيقظت على نور الفجر.

وعدُ ليان

فتحت ليان نافذتها فرأت الهلال يلمع في السماء، فابتسمت وقالت: «يا رب، اجعلني من أهل الجنة». أخذت حصالتها وأخرجت منها نقودًا لتضعها في صندوق الصدقة، وساعدت أمها قبل أن تذهب إلى المدرسة، ووعدت نفسها ألا يمر يوم بلا طاعة.

كلما تذكرت ثمار القلوب وأنهار النور، ازداد شوقها لتكون من الذاهبين إلى الجنة. وهكذا صار حلمها الذي رأته عن الجنّة بداية لأيام مليئة بالطاعات في الدنيا… وطريقًا إلى نعيم لا ينتهي.

استمع الآن إلى نشيد “أن تدخلني ربي الجنة” للأطفال.

Exit mobile version