رحلة سليم إلى القدس | سلسلة حكايات فلسطين

شوق في القلب إلى القدس

في طرف القرية الهادئة، كان يقف بيت الجدة مثل شاهدٍ على الزمن، مبنيًّا من حجارة بيضاء قديمة نحتتها الشمس والرياح عبر السنين، سقفه مغطّى ببلاطٍ أحمر لامع، يزداد بريقه كلما داعبه ضوء الغروب الذهبي. أمام البيت، تمتد حديقة صغيرة تحمل رائحة الحياة: شجرة ليمون متدلية الثمار، شجرة رمان حمراء كحبات الياقوت، وآنية فخّار قديمة زرعت فيها الجدة نعناعًا يفوح عطْره في الأرجاء كلما هبّت نسمة عليلة. بجانب الباب الخشبي العريض المزوّد بمقبض نحاسي لامع، علّقت الجدة قفّة من القشّ فيها خبز الطابون الساخن يبرد ببطء، ناشرًا رائحة تملأ المكان دفئًا وطمأنينة.

جلس سليم في الفناء الواسع، يراقب أرضيته المرصوفة بحجارة ملساء رتبتها الجدة بعناية لتبقى صلبة رغم مرور الأعوام. في الزاوية بئر ماء قديمة معطًّى بغطاء خشبي، تحيط به نباتات بريّة صارت جزءًا من ذاكرة المكان. كان كل ركن من البيت يحكي قصة، والجدة تحرص أن يبقى كل شيء كما تركه الأجداد، كأنها تخاف أن تنطفئ الحكاية إذا تغيّر شكل الحجر أو رائحة التراب.

نظرت الجدة إلى حفيدها، وقالت بصوتٍ حنون، كأنها تكرّر درسًا يعرفه قلبها قبل لسانها:
– “في القدس مسجد مبارك اسمه المسجد الأقصى، باركه الله وجعله مكانًا عزيزًا على قلوب المؤمنين.”

رفع سليم رأسه بسرعة، وعيناه تتألقان بفضولٍ لا ينطفئ، وقال بشغف:
– “يا جدّتي، هل سنذهب يومًا لرؤيته؟”

ابتسمت الجدة، وتجاعيد وجهها ازدادت إشراقًا، وقالت:
– “بإذن الله يا بني. القدس مثل جوهرة محفوظة في قلب الزمان، كل من يراها يزداد حبًّا لها. ولا بد أن يأتي اليوم الذي تنعم فيه عيناك برؤيتها.”

ظلّ كلام الجدة يتردّد في أذن سليم كأنشودة. جلس صامتًا، لكن قلبه كان معلّقًا هناك، بالمسجد الأقصى. أخذ يتخيّل القباب اللامعة تعكس نور الشمس، والأسوار القديمة التي تحرس المدينة منذ قرون، والأبواب الضخمة التي تنفتح على طرقات ضيّقة مليئة بالحياة. تخيّل نفسه يمشي في تلك الأزقّة، يلمس حجارتها، يسمع دعاء المصلّين يتردّد بين المآذن، ويشم رائحة الخبز الطازج الذي تحبّه جدته.

وفي تلك الليلة، وهو يتهيّأ للنوم، رفع كفّيه الصغيرتين ودعا الله أن يحقق أمنيته، ثم غفا سريعًا. وفي حلمه، وجد نفسه في قلب القدس، يسير بخطوات واثقة، كأن المدينة فتحت له ذراعيها لتقول: “مرحبًا بك يا سليم، كنت في قلبي منذ زمن”

بداية الرحلة

في صباحٍ من الصباحات تحقق الحلم! استيقظ سليم على صوت والده وهو يقول:

– “استعد يا سليم، اليوم سنزور القدس.”

قفز سليم من فراشه ووجهه يضيء فرحًا. غسل وجهه بسرعة وارتدى أجمل ما في خزانته. حمل حقيبته الصغيرة، وفيها دفتر رسم وألوان، فقد قرّر أن يرسم كل ما يراه في رحلته.

جلس في السيارة إلى جانب والده، وبدأت الطريق تمتد أمامهما. على الجانبين صفوف طويلة من أشجار الزيتون، جذوعها قوية كأنها تحرس الأرض منذ مئات السنين، وقطرات الندى تلمع على أوراقها الخضراء، والعصافير تطير بين الأغصان وتغرد بمرح.

نظر سليم من النافذة بعينين لامعتين وقال:
– “كم هي مباركة أرضنا يا أبي!”
ابتسم الأب وأجاب:
– “نعم يا بني، هذه الأرض تشهد على قصص الأنبياء، وتحمل في ترابها حضارة عريقة.”

مرّا بقرى هادئة بيوتها من الحجر الأبيض، وأسقفها مقوّسة بلون الطين، وأمامها أحواض زهور ملونة. في الطرقات كان الأطفال يركضون بمرح، بعضهم يحمل كعكًا بالسمسم، وآخرون يلوّنون السماء بطائرات ورقية صغيرة.

فتح سليم دفتره وبدأ يرسم بسرعة: شجرة زيتون نضرة، بيتٌ قديمٌ بباب خشبي، بئر ماء بجانب حديقة صغيرة، وتلّة خضراء تمتد نحو الأفق. كان يشعر أن الطريق نفسه يحكي له قصة طويلة قبل أن يصل إلى القدس.

أغمض عينيه للحظة، وتخيّل أن الأشجار تلوّح له بيدها، وأن الحجارة تهمس له: “أهلاً بك يا سليم، ستزور اليوم مدينة لا تُنسى.”

أبواب القدس وأسواقها

بعد رحلة ممتعة، ظهرت أسوار القدس من بعيد، شامخة بلونها الحجري العتيق. اقتربت السيارة شيئًا فشيئًا حتى توقّفت عند أحد أبواب المدينة القديمة. كان الباب ضخمًا مقوّسًا مبنيًّا من حجارة داكنة صقلتْها أيدي الناس وملامح الزمن. مدّ سليم يده الصغيرة ولمس الجدار البارد، فشعر وكأنه يلمس صفحةً من كتابٍ قديمٍ يروي قصص الأبطال والتجّار والحجّاج الذين مرّوا من هنا.

دخل مع والده إلى البلدة القديمة، فانفتحت أمامهما أزقّة ضيقة مرصوفة بالحجارة. البيوت متلاصقة، شبابيكها صغيرة مزيّنة بأصص الريحان، ومن فوقها تدلّت أقواسٌ بيضاء تحمي الطريق من الشمس، وتزيد المكان سحرًا ودفئًا.

امتلأت أذنا سليم بأصوات الباعة:
– “خبز طازج بالسمسم!”
– “زيت وزيتون مبارك!”
– “بهارات من أرض فلسطين!”

وتداخلت الأصوات مع الروائح الزكية: رائحة الخبز الطازج، والزعتر المطحون، والقرفة التي تذكّره ببيت الجدة. وقف مدهوشًا أمام بائع يعرض أثوابًا مطرزة بخيوط حمراء وخضراء، فسأله والده:
– “هل ترى يا سليم؟ كل غرزة في هذه الثياب تحكي قصة من قرية أو مدينة.”

ابتسم سليم وهو يلمس القماش، ثم أسرع نحو محل آخر يبيع الفخار الأزرق المزين برسومات الطيور.

لكن وسط الزحام، لمح رجالًا بملامح عابسة، يرتدون ثياب العساكر، يتحركون بخشونة ويزاحمون الناس. شدّ سليم يد والده وقال بهمس:
– “أبي، أنا خائف…”
أجابه الأب بهدوء:
– “لا تخف من هؤلاء الجنود يا صغيري، ليسوا سوى لصوص يحاولون إزعاج الناس وسرقة أرضهم، لكن المدينة تعرف كيف تحافظ على تراثها وخيراتها، وهي أقوى من كل هذه المحاولات.”

شعر سليم بالراحة من كلام والده، وقرر أن يتابع تأمله، فتح دفتره ودوّن: “القدس مدينة تفوح رائحتها بالزعتر والخبز، وتلمع حجارتها كأنها تبتسم للزائرين.”

أول لقاء مع المسجد الأقصى

واصل سليم السير مع والده بين الأزقة حتى وصلا إلى ساحة واسعة يغمرها نور العصر. هناك، وقف سليم مبهورًا، وقد اتسعت عيناه دهشة، وأمامه استقرّ المسجد الأقصى بكلّ جماله.

كانت القبة الذهبية تتلألأ تحت صفحة السماء الزرقاء، في منظر بهيّ. وأحاطت بالمسجد أشجار نضرة تتمايل أوراقها بهدوء مع لنسيم العليل، فيما كان الحمام يرفرف في الأرجاء مطمئنًا، وكأنه يعرف أن هذه الأرض مباركة. ثمّ ارتفعت في الارجاء أصوات آذان العصر، فزادت المكان سحرًا وجماباً

اقتربا من المتوضأ، فغسلا وجهيهما ويديهما بماءٍ باردٍ رقراق، أحسّ سليم معه بصفاءٍ عجيبٍ يغمر قلبه. دخل مع والده المسجد الأقصى، فشعر كأنّه يدخل قلب التاريخ نفسه. كانت الأعمدة الرخامية البيضاء ترتفع عالية في السماء، مزخرفة بنقوشٍ هندسيةٍ دقيقةٍ تتشابك كأنّها نجمات صغيرة من الضوء. الزخارف الملوّنة تملأ الجدران، والخشب المنقوش في السقف يروي حكاياتٍ عن أيدٍ بارعةٍ صلّت وهي تبنيه.

وقف سليم بجانب والده في الصف، وصلّيا العصر مع جماعة المصلّين. كان صوت الإمام يملأ القاعة بخشوعٍ مهيب، والنسيم القادم من النوافذ العالية يحمل معه رائحة الطهر والسكينة. شعر سليم أن صلاته هنا تختلف عن أي صلاةٍ صلاّها من قبل… كأنّ السماء أقرب، وكأنّ الدعاء يصعد دون عناء.

بعد الصلاة، جلسا تحت شجرة زيتون معمّرة، جذعها العريض يشبه ذراعًا عظيمة تحضن المكان. أخرج سليم دفتره بسرعة، وبدأ يرسم القبة بخطوطٍ مرتعشة من شدّة الفرح. كان قلبه يخفق بقوة، وكأنه يكتب بيده ذكرى لا تُمحى.

اقترب والده منه وقال بلطف:
– “المسجد الأقصى أمانة غالية يا سليم. من يحبّه، يحميه بالدعاء، وبالعمل الصالح، وبالذكر الطيب.”

رفع سليم رأسه بحماس وقال بثقة:
– “سأحمله في قلبي دائمًا يا أبي… ولن أنساه أبدًا.”

حلّقت مجموعةٌ من الطيور البيضاء فوق الساحة، فرفع سليم بصره نحوها، يراقبها وهي تدور في سماء القدس بطمأنينة. شعر في تلك اللحظة أن حتى الطيور تصلي بطريقتها، وأن زيارته الأولى للأقصى لم تكن مجرد رحلة، بل عهدًا بينه وبين هذا المكان المبارك، سيحمله في قلبه ما عاش.

حكاياتٌ من الزمن

بعد أن فرغ سليم ووالده من جولتهما في الساحة، اتجها إلى السوق القريب من المسجد الأقصى ليستريحا. كان السوق نابضًا بالحياة: دكاكين صغيرة متلاصقة، بسطات مليئة بالفاكهة والبهارات، وباعة ينادون بمرح يجذب المارة. رائحة القهوة الطازجة امتزجت مع رائحة الخبز والكعك بالسمسم، فحاول أنف سليم التقاطها كلها بحماس!

جلس الأب وابنه عند دكّان يبيع الكتب والخرائط القديمة. كان صاحبه شيخًا مسنًّا، لحيته بيضاء وابتسامته هادئة، وعيناه تلمعان كأنهما تعرفان أسرار المكان. نظر إلى سليم وقال بلطف:
– “هذه أول زيارة لك يا صغيري، أليس كذلك؟”

أجاب سليم وهو يهز رأسه بحماس:
– “نعم يا عم، وقد شعرت أنني أعرف المدينة منذ زمن!”

ضحك الشيخ وقال:
– “هذا لأن القدس تسكن في قلب كل مؤمن قبل أن يراها. مرّ من هنا العلماء والرحّالة والتجّار، كل واحد منهم ترك أثرًا في حجارتها وأسواقها. إنها مدينة لا تنسى زائريها.”

أشار الشيخ إلى رفوف الكتب والبطاقات، ثم تابع:
– “كل حجر هنا يحكي قصة، وكل زقاق فيه ذكرى. حتى وإن جاء المحتلّون ليزعجوا الناس ويسرقوهم، تبقى القدس مثل شجرة زيتون، عميقة الجذور، لا تسقط أبدًا.”

جلس سليم مأخوذًا بكلامه، ثم فتح دفتره وكتب: “القدس مدينة تحفظ الحكايات، مثلما تحفظ الجدة قصص الأجداد.”

مرّ أمامهم طفل يحمل عربة صغيرة مليئة بالكعك الساخن، يوزعها مبتسمًا على الزبائن. ضحك الشيخ وقال:
– “حتى هذا الكعك له قصة هنا، فالقدس تحفظ طعمها ورائحتها كما تحفظ أبوابها وأسوارها.”

شعر سليم أن السوق ليس مكانًا للبيع والشراء فقط، بل كتابًا مفتوحًا للحكايات، كل شخص فيه سطر، وكل زائر كلمة جديدة. نظر إلى والده وقال:
– “أريد أن أحفظ هذه القصص كلها، لأرويها لأصدقائي.”
ربّت والده على كتفه بفخر، وقال:
– “وهكذا تصبح أنت جزءًا من الحكاية.”

وعدٌ لا يُنسى

مع اقتراب الغروب، عاد سليم مع والده إلى الساحة الواسعة أمام المسجد الأقصى. كانت السماء قد بدأت تتلوّن بخطوط حمراء وبرتقالية، والقبة الذهبية تعكس ضوء الشمس الأخير فتزداد جمالًا وبهاءً. جلسا قليلًا على طرف الدرج الحجري، والنسيم يحرّك أوراق الزيتون في هدوء.

وقف سليم يتأمل المشهد طويلًا، ثم التفت إلى والده وقال بصوتٍ مملوء بالعزم:
– “أبي، أعدك أنني سأعود إلى القدس مرات كثيرة. أريد أن أحفظ كل زاوية فيها، وأرسم كل شجرة وكل حجر.”

ابتسم والده ووضع يده على كتفه وقال:
– “ومن يحب القدس حقًّا، يحملها في قلبه حتى لو ابتعد عنها. وكلما حدثتَ أحدًا عن جمالها، تكون قد عدت إليها من جديد.”

أخرج سليم ورقة ملوّنة من حقيبته، ورسم عليها بسرعة قبة المسجد الأقصى، ثم كتب تحتها: “القدس في قلبي إلى الأبد.” رفع الورقة عاليًا وكأنه يرسل وعده مع نور الغروب.

في طريق العودة بالسيارة، ظل سليم ينظر من النافذة. رأى الأطفال يلعبون أمام بيوتهم، والباعة يغلقون دكاكينهم، والطيور تعود إلى أعشاشها. لكن قلبه ظل معلّقًا هناك، في الساحة الكبيرة حيث القبة المضيئة.

وعندما وصل إلى البيت، كانت جدته بانتظاره عند الباب. ركض إليها وهو يهتف:
– “يا جدتي! رأيت المسجد الأقصى بعيني… كان أجمل من كل ما حكيته لي!”

دمعت عيناها وهي تضمّه وتقول:
– “بارك الله فيك يا بني. لقد عدت ومعك نور من القدس.”

جلس سليم بجانبها يصف لها تفاصيل رحلته: الأزقة الضيقة، الأسواق المليئة بالبهارات، الأطفال الذين كانوا يلعبون، والحمام الذي يرفرف في ساحات المسجد. عرض عليها دفتره المليء بالرسوم، فابتسمت وقالت:
– “الآن صرتَ أنت من يحكي الحكاية، وسترويها يومًا لأطفالك كما رويتها لك.”

وفي تلك الليلة، نام سليم وهو يشعر أن قلبه كبر قليلًا. كان يعرف أن رحلته لم تنتهِ، بل بدأت، وأن الوعد الذي كتبه سيبقى معه دائمًا: أن القدس بيت له، وأن الأقصى سيظل في قلبه مهما طال الزمن.

هل أعجبتك هذه القصّة؟ اقرأ المزيد من قصص فلسطين للأطفال الآن على موقع حدّوتة

المهندسة نملة | قصة عن حياة النمل وتنظيمه

لنتعرّف على المهندسة نملة الصغيرة، لكنها ليست كأيّ نملة!
إنها مهندسة القرية التي تحبّ التفكير، والرسم، ووضع الخطط الدقيقة. عندما لاحظت أن بيوت النمل أصبحت ضيّقة بعد أن كبر عددهم، قرّرت أن تخترع تصميمًا جديدًا يجعل القرية أكثر اتساعًا وراحة.

تابعوا كيف تعاونت نَمْلة مع صديقاتها، وكيف تعلّمن أن كل فكرة عظيمة تبدأ بملاحظة صغيرة، وكل بناء قوي يبدأ بخطةٍ ذكية!

المهندسة نملة: اسمها نَمْلة… لكنها مهندسة!

في صباحٍ دافئٍ عند جذع شجرة الزيتون، خرجت نملة صغيرة بلون الشوكولاتة الداكنة. كان اسمها “نَمْلة” كما تناديها أمها، لكنها بين رفيقاتها تُعرف بالمهندسة، لأنها تحب الملاحظة والقياس، وتحب أكثر أن ترسم الخطط على الرمل بخطوط دقيقة.

وقفت نَمْلَة تتفقد الممر المؤدي إلى القرية، فلاحظت أنه صار ضيقًا بعدما ازداد عدد النملات. رفعت رأسها وقالت بهدوء:

“علينا أن نوسع البيوت، ونبني أنفاقًا للهواء، ومخازن تكفينا طوال الشتاء!”

اقتربت منها صديقتها “حَبّة”، وهي تحمل قشرة قمح تكاد تسقط من ثقلها، وقالت بحماس:
“فكرة رائعة! كيف نبدأ يا مهندسة نملة؟”

أشارت نَمْلَة إلى الشمس قائلة:

“أولًا، نرسم الاتجاهات، فالشمس دليلنا. ثم نضع علاماتٍ برائحةٍ خفيفةٍ على الطريق حتى لا تضلّ أخواتنا طريق العودة.”

وبينما كان الجميع يعمل بجد، أقبلت الملكة في جولةٍ تفقّدية، تحيط بها الحارسات. وقفت المهندسة نملة باحترام، فابتسمت الملكة وقالت بصوتٍ دافئ:

“التعاون قوتنا، والتفكير والتخطيط هما سرّ نجاحنا.”

فرحت النملات الصغيرات بكلمات ملكتهن التشجيعية، وانطلقت فرقة الاستطلاع بقيادة المهندسة نملة، التي تحمل شعيرة سوداء تستعملها كمسطرة. كانت تقيس المسافات بين جذور الشجرة، وتضع نقاطًا صغيرة على الرمل وهي تقول:

“هنا سيكون المدخل، وهنا غرفة البيض، وهناك المخزن الجاف.”

ثم وقفت أمام الجميع وقالت بحزمٍ وفرح:

“لنبدأ اليوم! فبيوت النمل تُبنى بالصبر، والحُب، والنظام.”

تذكّرت نملة حين كانت صغيرة تضيع بين الحبوب، لولا العلامة التي تركتها أمها لتدلّها على الطريق. منذ ذلك اليوم، وهي تؤمن أن العلامات الصغيرة تصنع فرقًا كبيرًا.

رفعت حفنة من التراب وقالت مبتسمة:

“كل حبة هنا لها مكانها، وكل فكرة تبدأ بسؤال… ثم خطوة، ثم خطوة أخرى!”

خريطةٌ على بقعة رمل

جمعت المهندسة نملة مجلسًا صغيرًا في ظل ورقةٍ خضراء كبيرة، وجلست مع صديقاتها حول بقعة صغيرة من الرمل فرشتها كأنها لوح رسم. بأطرافها الدقيقة بدأت ترسم خرائط مصغّرة لقرية النمل: المدخل، نفق الهواء، قاعة الأمهات، مخزن الحبوب، غرفة المطر، وممر الطوارئ.

قالت وهي تشير إلى الرسوم الصغيرة على الرمل:

“المدخلُ سيكون مائلًا ليمنع السيول من الدخول. نفقُ الهواء يصعد للأعلى ليدفع الحرّ إلى الخارج. قاعة الأمهات يجب أن تكون هادئةً وبعيدةً عن الضجيج. والمخزن سنغطيه بألياف العشب ليبقى جافًا. أما غرفة المطر، فنضع فيها التراب المبلل بعيدًا عن الحبوب، وممر الطوارئ سنستخدمه إذا أغلق المدخل يومًا ما.”

لمعت عينا نَمْلة وهي تلمس الجدار بقرون استشعارها وقالت:

“تخيّلي يا حَبّة، نحن لا نملك عيونًا مثل البشر، لكن عندنا لغةٌ خاصة من الروائح! عندما أمشي أترك أثرًا خفيفًا من رائحةٍ مميزة، فإذا مرّت أختي بعدي عرفت الطريق الصحيح. كأننا نكتب على الجدران، لكن بالحبر السريّ الذي لا يقرأه إلا النمل!”

ضحكت “حَبّة” وقالت بدهشة:

“يعني جدران بيوتنا مليئة بالقصص واللافتات، لكنها مكتوبة بروائح لا يراها أحد؟”

أجابت المهندسة نملة بفخر:

“بالضبط! وهكذا لا نضيع أبدًا، حتى في أحلك الظلام.”

في تلك اللحظة اقتربت مجموعة من جنود النمل الأقوياء الذين يحرسون المداخل. قالت لهم نملة بثقة:

“ستقف مجموعة هنا ومجموعة هناك. نحن لا نؤذي أحدًا، لكن نحمي بيتنا بكل حبٍّ ونظام.”

ثم بدأت توزّع الأدوار: عاملات للحفر، وأخريات لنقل التراب، وفريق يجمع قطع القشّ، وآخر يحمل قطرات الماء على ظهره الصغير. ارتفعت أصوات النملات الصغيرات بفرحٍ وهمة:

“معًا… معًا! نعمل بجدّ بلا تعب!”

ولكي لا يتعب أحد، علّمتهم المهندسة نَمْلة إيقاع العمل: دقيقتان للحفر، ثم تبديل المواقع، ثم راحة قصيرة قبل العودة من جديد. كان العمل يشبه أغنيةً جماعيةً متناغمة، تُغنّيها النملات وهنّ يبنين بيوتهن بحماس.

ثم أخرجت نَمْلة قطعة قشر صغيرة صنعتها كبابٍ للتجربة، فتحته وأغلقته لتُريَ الصغيرات كيف تعمل العتبة. جرّبن المشي فوق ممرٍّ ضيّق دون أن يصطدمن، ثم شرحن لبعضهن ما تعلّمنه. ابتسمت نملة وقالت بلطف:

“من تفهم الفكرة تستطيع أن تُعلّم غيرها، وهكذا نبني بيتًا… وعقلًا أيضًا!”

أنفاق تتنفس بالحياة

بدأت المعاول الصغيرة تعمل في صمتٍ جميل؛ أسنانٌ دقيقة تقطع التراب، وأرجلٌ نشيطة تنقله في سلالٍ من الحبيبات. كانت المهندسة نملة تراقب بعين الخبيرة كل زاوية وتقول برفق:

“لا نحفر بشكلٍ مستقيم تمامًا، فالانحناء يجعل السقف أقوى!”

كانت العاملات يشكّلن قبابًا صغيرة من الداخل، فابتسمت نَمْلة وقالت:

“السقف يجب أن يكون نصف دائري، حتى يتوزّع عليه الوزن فلا ينهار بسهولة.”

ثم جاءت نملة أخرى تحمل أعواد عشبٍ رقيقة لتثبّتها في الجدران، فهزّت نملة رأسها إعجابًا وقالت:

“رائع! هذه الأعواد مثل الدعامات، لكنها يجب أن تبقى قليلة حتى لا تمنع الهواء من المرور.”

وفي أعلى النفق حفرت نَمْلة فتحةً صغيرة وهي تشرح بحماس:

“وهذه مدخنة الهواء! عندما تشتدّ الحرارة، يخرج الهواء الساخن من هنا، ويدخل البارد من الممر السفلي.”

ثم رسمت بقدمها دائرةً صغيرة في زاوية قريبة وقالت:

“هنا سنبني غرفة التجفيف، نضع فيها الحبوب إذا أصابتها الرطوبة، ونقلبها من وقتٍ لآخر حتى لا تتعفن.”

بينما كنّ يعملن، تسللت إلى الأنفاق رائحةُ الليمون القادمة من حديقة الجيران، فقالت نَمْلة بابتسامةٍ ذكية:

“الروائح تحمل لنا أخبار الطقس! فعندما تشتدّ رائحة التراب نعرف أن المطر قريب.”

وفي أثناء جولتها، ظهرت الملكة بين الحارسات، فسارعت نَمْلة لتطمئنها قائلة:

“الأساس ثابت يا مولاتي، والممرات بعيدة عن بعضها حتى لا تلتقي في نقطةٍ واحدة.”

ابتسمت الملكة برضا وقالت:

“بارك الله في فِكركِ يا صغيرة، لقد جعلتِ الأنفاق تنبض بالحياة!”

ارتفعت أصوات الفرح، وواصلت النملات العمل في نظامٍ وانسجام. كل واحدة تعرف دورها، وكل خطوة محسوبة بدقة.

وقبل أن تنهي جولتها، وضعت المهندسة نملة علاماتٍ صغيرة لتدلّ الطريق: رائحة الليمون للمخزن، النعناع لغرفة التجفيف، والتراب الرطب لقسم المطر.

ثم مرّت بأطرافها على السقف تتحسّسه بحذر، فإذا وجدت حبةً رخوة بدّلتها بأخرى أشدّ صلابة، وهي تقول بسرور:

“هكذا فقط… تتنفس أنفاقنا بالحياة!”

اقرأ أيضًا: رحلة إلى مملكة النحل | مغامرة خياليّة حول صناعة العسل

المخازن المليئة بالكنوز

بعد أن اكتملت الأنفاق الكبرى، قادت المهندسة نملة فريق التموين بحماس وقالت بصوتٍ مفعمٍ بالفخر:

“البيت من دون مخزن… مثل أغنيةٍ بلا لحن!”

انطلقت العاملات في صفوفٍ منظمة تشبه خيوطًا من الحياة تتحرك فوق التراب. خطٌّ يجمع القمح الذهبي، وآخر يجلب بذور الكزبرة واليانسون، وثالث يلتقط فتات التمر الحلو.

وكانت كل مجموعة تترك خلفها رائحةً مميزة لتعرف النملات بداية الطريق ونهايته، كأن الأرض نفسها تكتب خريطة عطِرة لرحلتهن.

عند مدخل القرية وقفت نَمْلة تراقب بعينٍ خبيرة وقالت:

“الحبّة الخفيفة نأكلها أولًا، والثقيلة نخزّنها للمستقبل. أمّا المبلّلة فنرسلها إلى غرفة التجفيف فورًا.”

بدأت الصغيرات بترتيب الحبوب على شكل أكوام صغيرة، وفي وسط كل كومة حجرٌ أملس للعدّ.

وشرحت المهندسة نَمْلة لرفيقاتها:

“بين كل كومة وأخرى ممرّ يسع نملتين فقط، حتى لا نصطدم ببعضنا. النظام يجعل العمل أسرع وأجمل!”

ثم أشارت إلى أوعية الماء الصغيرة وقالت:

“لا نشرب من بركةٍ واحدة، بل نوزّع الماء في أكوابٍ من أوراق الشجر، ونبدّلها عند الغروب حتى تبقى نظيفة.”

ولأجل النظافة، خصصت نَمْلة غرفةً صغيرة للنفايات المؤقتة، تُنقل كل مساء بعيدًا عن القرية مع فريقٍ خاص.

وقبل أن تغيب الشمس، اجتمعت النملات يتأملن المخازن الجديدة وهي تلمع كأنها كنوزٌ من ذهبٍ.

سألت “حَبّة” بنبرة قلقة:

“هل تكفينا هذه الحبوب حتى الربيع يا نَمْلة؟”

أجابت المهندسة بثقةٍ وهدوء:

“إذا حافظنا على النظام، فسيبقى مخزننا آمنًا مليئًا مهما طال الجفاف.”

ولأن الحذر واجب، أضافت نَمْلة بحكمة:

“الفئران والطيور قد تسرق الحبوب، لذا سنجعل حارساتٍ يتفقدن المكان كل ساعة، ومن تتغيب تُعوّضها أختها.”

ثم نظرت إلى الجميع بابتسامةٍ دافئة وقالت:

“لا نريد تعبًا بلا ابتسامة… فبالنظام، والحب، والتعاون، نحافظ على كنوزنا الصغيرة!”

الليلة الماطرة

في ليلةٍ شتوية باردة، سمعت نَمْلة هدير المطر الخافت فوق الأرض. تحسّست الهواء، فاستنشقت رائحة التراب القويّة… كانت السماء على وشك البكاء. صفّرت بإشارات الأرجل، فاستجابت القرية كلها كأنها قلب واحد ينبض بالحركة.

أومأت إلى فريق الأبواب قائلة:

“أغلقوا المدخل الأول، وضعوا العتبة المائلة!”

ثم أشارت إلى فريق الطوارئ:

“افتحوا الممر الجانبي وارفعوا جدار الوقاية بسرعة!”

بدأت قطرات الماء تتسلل إلى الأنفاق، فتوجهت نَمْلة إلى غرفة المطر:

“انقلوا التراب المبلل إلى هنا، ولا تقربوا المخزن أبدًا!”

كانت بعض الصغيرات خائفات، فاقتربت منهن بلطف وقالت:

“لا تخفنّ… الخطة معنا، والخوف يتلاشى عندما نعمل معًا.”

اشتدّ المطر فجأة، وتحركت السحب لتزيد تدفّق المطر قوةً. صاحت نَمْلة بسرعة:

“نفّذوا تبديل المواقع الآن!”

تحركت العاملات بتناغمٍ تام، كأنهن يرقصن رقصةً محفوظة منذ القدم. بقيت الممرات جافة، فالهواء الساخن صعد من المدخنة ودفع الرطوبة خارج الأنفاق.

من بعيد، كانت الملكة تراقب بطمأنينة، بينما عملت النملات بلا كلل. مرّت الساعات، وهدأ كل شيء أخيرًا. تفقدت المهندسة نَمْلة الجدران بقرون استشعارها، فوجدتها صلبة وثابتة. فتحت العتبة قليلًا، فدخل نسيمٌ خفيف يحمل معه رائحة المطر المنعشة.

صفّق الجميع بأرجلهم الصغيرة اللامعة، همست “حَبّة”:

“لولا الخريطة وممر الطوارئ…”

ابتسمت نَمْلة وقالت:

“التنظيم يساعدنا على مواجهة المشاكل قبل أن تحدث. وعندما ارتفع غناء صرصور الليل، علمت أنّ الرياح ستغير اتجاهها. همست لنفسها: إذا انعطف الهواء، يجب أن أفتح ثقب التهوية الثاني قرب الجذر!

رفعت بإبرة صنوبرية قليلًا من التراب، فدخل الهواء إلى القنوات بسلاسة، وعاد كل شيء إلى ما كان عليه من الهدوء والنظام، بينما كانت القرية بأمان تحت سقفها الصغير، تشعر بالفخر والاطمئنان.

افتتاحُ البيت

طلعت الشمس بعد الليلة الماطرة، وكان التراب يلمع كأنه خبزٌ طازج خرج للتو من التنّور! عند مدخل البيت، وضعت نملةٌ لوحةً من قشرة شجرة مكتوب عليها:

“بيت النمل الجديد… مرحبًا!”

دعت الملكة الجميع لحفل افتتاح بسيط، مررن جميع النمل عبر الممر المائل دون أن تبتلّ أقدامهن، واستنشَقْن نسمةً باردة صاعدة من نفق الهواء. رأينَ قاعة الأمهات هادئةً ودافئة، والمخازن مرتّبةً كأنها أساور جميلة، وفي غرفة التجفيف قلبن الحبوب وغنّين معًا: “نظام… عمل… أمان”.

وقفت نملة لتخبر الصغيرات: “لكل واحدةٍ منا مهمة: حراسة، قياس، حمل، وترتيب. الروائح هي رسائلنا السرية، والسقف نصف الدائري يجعل البيت أقوى، والمطر… لا يخيف بيتًا خطط لمستقبله”.

رفعت “حَبّة” قشّةً مثل العلم وقالت: “إلى العمل… فالموسم طويل!”، وضحكت نملة صغيرة: “والبيت واسع… يتسع لكل الأحلام!”

في المساء، عندما سكنت الحديقة، صعدت نملة إلى أعلى التلة، تنظر إلى القرية من بعيد. كان بإمكانها رؤية الأنفاق كخيوط من نور تحت الأرض، همست لنفسها: “الهندسة ليست مجرد حجارة وتراب… بل رحمة نتشاركها، ونظام يجعل القلوب آمنة”. ثم عادت تجري، وفي رأسها تدور لفكرةٍ جديدة.

بعد الافتتاح، خُصِّصَت ساعة للزيارة التعليمية، وجاء النمل من القرى المجاورة. شرحت لهم المهندسة نَمْلَة كل شيء وقالت: “العلم إذا سافر… أزهر!”، ثمّ كتبت أسماء الفرق وأفضل فكرةٍ في اليوم في سجلٍ صغير برائحة العسل، لتبقى الحكايات وقودًا للعمل حين يتعب الجسد.

أسئلة حول القصّة

1- لماذا تسمى النملة “مهندسة”؟ ماذا تحب أن تفعل؟

2- ماذا فعلت النملة لتصبح بيوتهن آمنة وجافة أثناء المطر؟

3- كيف تعرف النملات الطريق داخل الأنفاق؟

4- لماذا تعاون النملات مهم لبناء القرية؟

5- إذا كنتِ نملة مهندسة، ماذا ستضيفين لبيتك الجديد؟

هل أعجبتك هذه القصة؟ اقرأ المزيد من القصص التعليمية على حدّوتة.

قصص أطفال ذات عبرة.

ليلى وزيتونة الجدّة | سلسلة حكايات فلسطين

هل تحبّون القصص التي تتحدّث عن الأبطال؟ إن كانت إجابتكم بـ “نعم”، فهذه القصّة لكم. لكنها عن بطلة مميزة… في الواقع لا يرتدي كلّ الأبطال بزّات خارقة، ولا يطير كلّهم في السماء بأجنحة قويّة أو قدرات خارقة، بعض الأبطال، يقفون ثابتين في الأرض، يمدّون جذورًا قويّة لا يمكن استئصالها.

هذه حكاية ليلى، الطفلة الفلسطينية الصغيرة، وصديقتها الشجرة العجيبة التي علّمتها معنى الحب، والصمود، وأنّ للأرض أيضًا حكايات تُروى وتستحقُّ ان تُسمع!

زيتونة في القلب

في قرية جميلة من قرى فلسطين، كان بيتُ الصغيرة ليلى يستقرّ بين التلال الخضراء، ويطلّ على حديقة واسعة. تتوسّطها شجرة زيتون ضخمة، ضخمة جدًا!

جذعها سميك عريض، وأغصانها ممتدة كأذرع أمٍّ حنون تريد ضمّ كلّ من حولها. أوراقها خضراء لامعة، وعندما تداعبها الشمس، تبدو وكأنها قطع صغيرة من الفضة.

كانت ليلى تحب أن تجلس تحت الشجرة لساعات طويلة، تلعب بين جذورها، وتستمع إلى نسيم الهواء العليل يتخلّل أوراقها كهمسٍ جميل.

في يوم من الأيام، جلست الجدّة الحكيمة بجانب ليلى على صخرة قريبة تحت الشجرة، وسألتها:

“هل تعرفين لماذا نحب هذه الزيتونة كثيرًا يا ليلى؟”

هزّت ليلى رأسها وقالت:

“لأنها تعطينا الزيتون اللذيذ لنأكله!”

ابتسمت الجدة بحب وردّت:

“صحيح، لكن، هناك سبب آخر، يا ابنتي. هذه الزيتونة هي مثل قلب فلسطين. جذورها عميقة جدًا في الأرض، مثل جذورنا نحن. وكلّما حاول الأشرار أن يقتلعوها، تمسّكت أكثر وأكثر بالتراب. هي تقول بصوت عالٍ: ‘هذه أرضي ولن أرحل أبدًا’.”

وضعت ليلى كفّها الصغير على الجذع الخشن، وأحسّت بدفئه. همست:

“كأنّها مقاتل شجاع يقف ثابتًا يحرس الأرض ويحمي الوطن”

ضحكت الجدة وقالت: “نعم، إنها تراقب كلّ شيء. عاشت هنا مئات السنين. شاهدت أجدادنا وهم يزرعون، ويحصدون، ويغنون في أفراحهم، ويبكون في أيام الحزن.”

رفعت ليلى بصرها إلى الأعلى، ورأت عش عصافير صغيرًا بين الأغصان. قالت بدهشة:

“انظري يا جدتي، حتى الطيور اختارتها لتكون بيتًا آمنًا!”

أجابت الجدّة بحنان:

“لأن الزيتونة مثل الأم الكبيرة، تحتضن الجميع وتجعلهم يشعرون بالأمان. لهذا يا ليلى، عندما ترين شجرة زيتون، تذكري: إنها ليست شجرة عادية، إنها فلسطين واقفة أمامك.”

شعرت ليلى بالفخر، وأخذت تدور حول الشجرة بسرور وهي تغني بصوت خافت: “يا زيتونتنا، يا حكايتنا!”

الحصاد الأول

حلّ موسم قطف الزيتون، استيقظت القرية كلّها مع أولى بشائر الصبح. كان الهواء منعشًا تفوح منه رائحة التراب النديّ، وحقول الزيتون كانت تلمع بحبات خضراء وسوداء.

خرجت ليلى مع عائلتها، تحمل سلّة صغيرة من القش. وسمعت الجدّة تقول:

“اليوم ستصبحين جزءًا من فرحتنا الكبيرة. اليوم ستقطفين أولى زيتوناتك!”

اقتربت ليلى من الشجرة الكبيرة، ومدّت يدها برفق وقطفت حبة زيتون خضراء. شعرت ببرودتها وابتسمت. لكن عندما حاولت قطف المزيد، سقط بعضها على الأرض. ضحكت ليلى وقالت:

“إنه يهرب مني يا جدتي!”

ضحكت الجدّة وقالت: “إنه يختبر صبرك يا حبيبتي! الزيتون لا يعطي خيره إلّا لمن يحبّه ويهتمُّ به.”

من بعيد، بدأت ترتفع أصوات الأغاني الجميلة. رجال يهزّون الأغصان بعصي طويلة لإنزال الثمار، ونساءٌ يلتقطن الزيتون المتساقط ويجمعنه في سلال كبيرة، وأطفال يركضون بسعادة بين الأشجار. كان اليوم كله احتفالًا كبيرًا في الطبيعة.

سألت ليلى: “لماذا نجتمع كلنا يا جدتي عند قطف الزيتون؟”

أجابت الجدة وهي تساعدها في جمع حبات الزيتون:

“لأن الزيتون يحبُّ أن نعمل معًا. كما أنّ أغصانه تتشابكُ لتحمي بعضها البعض، نحن أيضًا نتكاتف ونتحد. هكذا نكون أقوياء أمام أي شخص يحاول أن يسرق أرضنا.”

نظرت ليلى حولها، ورأت السلال تزداد امتلاءً. أحسّت أن كل أهل القرية صاروا عائلة واحدة كبيرة، وكل شجرة زيتون تشهد على هذا الحب والاتحاد.

رفعت ليلى حبة زيتون صغيرة نحو الشمس وهمست:

“لن يأخذها أحد… هذه الثمرة من أرض فلسطين!”

معصرة الزيتون

مع غروب الشمس، امتلأت أزقة القرية بأصوات الخطوات. العائلات تحمل سلال الزيتون، تتجه جميعها نحو المعصرة القديمة، كأنّها رحلة مقدسة تتكرر كل عام.

كانت تلك المرّة الأولى التي تدخل فيها ليلى معصرة الزيتون، فدُهشت أيّما دهشة أمام المنظر أمامها. رأت حجارة دائرية ضخمة تدور ببطء، وتطحن حبات الزيتون بقوّة، فيما غمرت رائحة الزيتون الطازج المكان.

اقتربت ليلى من حوض حجري كبير، ورأت الزيت الذهبي يسيل في الأواني الفخارية. كان يلمع تحت المصابيح الصغيرة في منظر ساحر خلاّب:

“جدتي! إنه مثل الذهب السائل!”

ضحكت الجدة وربتت على كتفها:
“هو أغلى من الذهب يا ليلى. إنه زيت الزيتون… به نضيء بيوتنا في العتمة، ونعالج جراحنا إذا تألمنا، ونطهو طعامنا الذي يجمع العائلة حول مائدة واحدة.”

اقترب رجل مسنّ من أهل القرية، وعلى محيّاة ترتسم ابتسامة حنونة. ناول ليلى رغيفَ خبزٍ طازجًا مغموسًا في الزيت الجديد وقال:

“تذوّقي طعم الأرض!”

وضعت ليلى اللقمة في فمها، فأحسّت بدفء يملأ قلبها، هتفت قائلة:

“طعمه حارق وشهيّ جدًا!”

وضحك الجميع مسرورين عند كلماتها تلك.

فجأة، دوّى صوت انفجار من بعيد، بدا كطلقة نار أو انفجار قنبلة. ارتجفت ليلى خوفًا، والتصقت بجدّتها التي احتضنتها بقوّة. قالت الجدّة مطمئنة حفيدتها:

“لا تخافي يا حبيبتي. لطالما حاول المحتلّون إخافتنا وسرقة زيتوننا، لكنّنا أقوى منهم. ما دام الزيت ينساب من معاصرنا، فلن ينحمي تاريخنا، ولن تضعُف إرادتنا…”

وقال رجل آخر من أهل القرية محاولاً بحماس:

“باقون ما بقي الزعتر والزيتون!”

نظرت ليلى إلى الزيت المتلألئ من جديد، فرأت انعكاس وجهها فيه. عندها همست في سرّها:

“هذا تراثنا، ونورنا…وأنا سأحميه.”

الزيتونة رمز الصمود

وعاد أهل القرية مع نهاية النهاء إلى منازلهم، يحملون غلّتهم من الزيت الطازج الشهي. كانت ليلى مرهقة من العمل في الحقل مع جدّتها طوال النهار، فتناولت عشاءها، وذهبت إلى النوم مباشرة، وفي منامها، رأت حلمًا جميلاً.

وجدت نفسها في الحقل مرّة أخرى، وكان الوقت ليلاً، تزيّنت فيه السماء بمصابيح صغيرة من النجوم يتوسّطها البدر، مضيئًا مشرقًا، ويلقي بنوره على أوراق شجرة الزيتون فتلتمع كأنها الماس.

اقتربت ليلى من الشجرة العملاقة، وشعرت أن شيئًا غريبًا يحدث. فجأة، سمعت صوتًا حنونًا ودافئًا، مزيجًا من حفيف أوراق الشجر وتمايل الأغصان، وصوت آخر عذب قادم من بعيد:

“صغيرتي ليلى…”

نظرت ليلى حولها بدهشة. لم يكن هناك أحد! ثم أدركت أن الصوت يأتي من الشجرة نفسها!

همست الزيتونة:

“لا تخافي يا حبيبتي. أنا أراكِ وأعرف كم تحبينني. جذوري عميقة جدًا، تمتدّ تحت الأرض لتتذكّر كلّ من عاش هنا. أنا أقفُ هنا منذ زمن طويل، لا يهزّني ريح ولا تُخيفني عاصفة. أنا أقف لأجلكم، حتى أقول للعالم: هذه الأرض لا يمكن أن تضيع.

شعرت ليلى بالدفء يغمر قلبها وهي تستمع إلى حديث الشجرة. اقتربت أكثر وضعت يدها على الجذع وقالت:

“صديقتي الشجرة، وزيتونتي الغالية أنا أيضًا سأكون مثلكِ! قوية وثابتة!”

ثمّ واصلت:

“أعدكِ يا زيتونتنا! إذا حاول الأشرار أن يقتربوا، سأقف أمامهم ثابتة لا أرحل. سأكبر وأعود إليكِ، وسيأتي أولادي وأحفادي، وكلّهم سيجدونكِ واقفة هنا، تحكين لهم قصة الصمود.”

وسمعت ليلى صوت الشجرة يقول:

“وأنا هنا باقية، لن أخلف لك وعدي.”

ثمّ بدأ ضوء القمر يزداد قوّة، حتى ما عادت ليلى قادرة على إبقاء عينيها مفتوحتين، ثمّ وجدت نفسها فجأة في غرفتها من جديد.

استيقظت ليلى في سريرها مع أول خيوط الفجر. تذكّرت الحلم الساحر الذي رأته. فقفزت من سريرها على الفور، وركضت إلى النافذة، رأت شجرة الزيتون واقفة شامخة كما كانت دائمًا.

ابتسمت ليلى وقالت بصوت خافت مليء بالثقة والشجاعة:

“الزيتونة هي فلسطين… وفلسطين هي أنا، وها هو وعدي لم ينكسر!”

اقرأ المزيد من قصص الأطفال قبل النوم

قصص للأطفال: قصة وعبرة

طيور عكا لا تغادر البحر | سلسلة حكايات فلسطين

في أحد الصباحات الصافية، جلسَت ليان على صخرةٍ قريبة من ميناء عكّا بعد طريق سفر متعب، تُراقب صفحة المياه المياه تتلألأ تحت أشعّة الشمس، وتستمتع بالأمواج الخفيفة تتكسّر على رصيف الميناء. كانت النوارس تحلّق قريبة من سطح الماء، ثم تطلق جناحيها، وترتفع مبتعدة مصدرة صياحًا حادًّا يبدو كصرخات فرحة مستمتعة بالحريّة.

“أبي! لماذا تحلّق النوارس دومًا بالقرب من البحر؟”

ابتسم الأب وقال: “ربّما لأن الشاطئ هو بيتها، ومسكنها. وعلى أيّة حال، فطيور عكّا لا تغادر البحر…إنها باقية هنا، متمسّكة بمنازلها.”

“مضى وقت طويل منذ أن أتينا إلى عكّا، إنها مدينة جميلة للغاية، يا أبي…”

“بالطبع يا صغيرتي، عكّا مدينة لا تُشبِه أي مدينة، فهي بوابة فلسطين على البحر، تحكي منذ مئات السنين قصص الشجاعة والصمود.”

وبينما هما يتأملان البحر، مرّ رجل يحمل شبكة على كتفه، يخطو بخطواتٍ واثقة وكأنه يعرف كلّ حجر في الميناء. نظر إليه الأب مليًّا كما لو أنّه يحاول تذكّر ملامحه، ثمّ ناداه فجأة حينما تعرّف عليه “أبو زيد؟» توقّف الرجل والتفت نحو مصدر الصوت، مستغربًا:

“نعم، أنا هو” أجاب.

صافحه الأب بحرارة وقال معرّفًا عن نفسه: “أنا ابن الحاج يوسف… وهذه ابنتي ليان.”

أشرق وجه أبي زيد وقال: “يا سلام! مرّت سنوات طويلة، وها أنتم تعودون إلى عكّا، أهلا بجيراننا الطيبين.”

رفعت ليان رأسها نحوه بفضول، فسألها بلطف: “تحبّين البحر يا صغيرة؟”

أجابت بخجل: “نعم كثيرًا، وأحبّ بحر عكّا أكثر من كلّ البحار في العالم.”

ضحك أبو زيد وقال: “تشتهر مدينة عكّا بجمال ساحلها، ويحكي موج البحر للزائرين قصصًا شيّقة من غابر الزمان عن المدينة وأهلها، كلّ ما عليكِ فعله، هو السير على الشاطئ بهدوء والإنصات!”

“حقاً؟! أريد أن أعرف كلّ قصص وحكايا المدينة!” هتفت ليان وعيناها تلمعان فضولاً وحماسة.

وضحك كلّ من الأب وأبا زيد، ثمّ أردف هذا الأخير قائلا:

“أنا أتجوّل كلّ يوم بين الميناء والسوق والسور بحكم عملي، فما رأيكِ أن ترافقيني يوم الغد، لأقصّ عليكِ حكايات المدينة؟”

تحمّست ليان للفكرة، والتفتت لأبيها ترجوه الموافقة على أن ترافق هي العمّ أبا زيد في جولته اليومية:

“لا مانع لديّ، ولكن بشرط واحد، أن تُحسني التصرّف، ولا تشغلي العمّ عن أعماله وأشغاله!”

“أعدك بذلك يا أبي!” هتفت ليان مجدّدًا بسعادة.

هزّ أبو زيد رأسه موافقًا: “غدًا نبدأ… فكل زاوية هنا تحمل حكاية، وعكّا تعرف كيف ترويها لمن يصغي.”

سوق عكّا… رائحة الأرض والبحر

في ظهيرة اليوم التالي، وبينما كانت الشمس تنسج خيوطها الذهبية على جدران المدينة العتيقة، اصطحب العمّ أبو زيد ليان إلى السوق القريب من الميناء. كانت أزقّة السوق بمثابة ممرات للزمن، ضيّقة لكنّها تعجّ بالحياة والنور، يتسلل الضوء إليها خجولاً من بين الأبنية المعمّرة، تلك الشواهد الصامتة المشيّدة من حجارة تحمل بين طيّاتها عبق القرون الغابرة. شعرت ليان وكأنّ كلّ خطوة تخطوها على تلك الأرض هي مصافحة للأجداد الذين زرعوا الحياة هنا وعمّروا المدينة.

سارت ليان بين دكاكين البهارات التي تفوح منها رائحة الأرض: الزعتر الممزوج بالذاكرة، والسماق الحامض كالحنين، والكمّون الذي يدفئ القلب. لم تكن مجرّد روائح، بل كانت هويّة الأرض التي تُنادي؛ شعرت أن كلّ حبّة زعتر تشبه ورقة من كتاب فلسطين المفتوح، فصارت تتنشّق الروائح بعمق وشغف، وكأنها ترتوي من بئر عذب.

ابتسم أبو زيد بحبّ وأشار إلى بوابة حجرية عالية تلامس السماء:

“هذا هو خان العمدان، يا ليان. هنا كانت ترسو أحلام التجّار القادمين بالسفن، تبادلوا البضائع والأسرار، ورووا قصص السفر. وما زال المكان شاهدًا حيًّا على زمنٍ لم يرحل، بل تحوّل إلى ذكرى متمسّكة بالبقاء.”

مرّا بجانب نحّاسٍ يدقّ أوانيه النحاسية بصبر وحكمة، وخبّازٍ يخرج الفرن فطائر ساخنة تفوح منها رائحة الزعتر الشهية، وصبيّ يبيع أصدافًا لامعة جمعها من الشاطئ، وكأنها حبات لؤلؤ مكنونة.

في زاوية من السوق، جلس حكواتيّ ذو لحية بيضاء اشتعل فيها الشيب، يحمل دفترًا قديمًا ممزّق الأطراف يقول:

“من يريد حكاية من حكايات فلسطين التي لا تنتهي؟”

رفعت ليان يدها الصغيرة بسرعة وحماس. ابتسم الحكواتيّ وقال بصوت عميق يهزّ الروح:

“عكّا يا صغيرتي مدينة عريقة، والسوق هو قلبها النابض وشريانها الذي لا يجفّ. فيه يجتمع الناس، يتبادلون الرزق والضحكات، وفيه يثبتون أن عكّا، رغم كلّ ما مرّت به من عواصف وقهر، ما زالت عامرة بأهلها، فلسطينيةً بروحها وتراثها، لا يكسرها غياب، ولا ينهيها احتلال.”

نظرت ليان حولها بدهشة الطفل الذي يرى العالم للمرّة الأولى، ورأت كيف يلتقي في السوق عبق البحر بعبق الأرض، وكيف تحوّلت الدكاكين إلى صفحات من ذاكرة حيّة، تحفظ قصص فلسطين كما تحفظ الأمّ أطفالها، تحتضنهم ولا تفرّط فيهم أبدًا.

السور الذي لا ينحني

ما إن بدأت الشمس تميل نحو الغروب، حتّى قاد العمّ أبو زيد ليان ووالدها نحو سورضخم جدًا يحيط بالمدينة: إنه سور عكّا العظيم! كان السور يلتف حول عكّا مثل ذراعَي بطل عملاق يحتضنها ويحميها من أي خطر. مدّت ليان يدها ولمست الحجارة الكبيرة والقديمة، شعرت بدفء غريب، وكأنّ هذه الحجارة خزّنت كلّ حرارة الشمس التي أشرقت عليها منذ مئات السنين إلى يومنا هذا. همست لنفسها:

“نحن هنا منذ القدم…وسنبقى إلى الأبد…لن نرحل ولن نغادر أبدًا.

قال العمّ أبو زيد بحماس: “

هذا السور يا ليان ليس مجرد حجارة ضخمة! إنه صديق عكّا القديم، وشاهد على كلّ شيء حدث فيها. حاول الكثيرون أن يهدموه، لكنّه ظلّ واقفًا كالجبل، يخبر الجميع أن عكّا مدينة قوية جدًا ولا يمكن أن تنحني!”

ساروا على طول السور بالقرب من البحر. كانت الأمواج تتلاحق بسرعة ثم تضرب السور بقوة، ثم تعود بهدوء، كما لو أنّها تصافح السور وتحيّيه على شجاعته. سألت ليان بفضول:

“من الذي بنى هذا السور يا عمّ؟”

أجابها:

“بناه أناس كثيرون عبر العصور، وكلّ حجر وُضع هنا كان بمثابة وعد بحماية فلسطين. ولهذا السبب، لا يُشبه سور عكّا أي سور آخر في العالم، إنه حامي المدينة الذي يقف شامخًا بقوة وثبات!”

وصلوا إلى فتحة صغيرة في السور تُطلّ على الميناء. أغمضت ليان عينيها وبدأت تتخيّل: رأت بحّارة شجعانًا يعودون من السفر، يرفعون رايات ملوّنة ويغنّون أغاني الفرح! في تلك اللحظة، قال العمّ أبو زيد وهو ينظر إلى البحر: “حتى النوارس والطيور تعرف هذا السور! إنها تعود كلّ مساء إليه وتهمس له: “هذه مدينتنا، عكّا… مكاننا الجميل الذي لا يغادر القلب!”

المسجد الأخضر… قلب المدينة الهادئ

بالقرب من الميناء، وقف بناء عظيم وجميل جدًا: إنه مسجد الجزار! كانت مآذنه ترتفع نحو السماء وقبّته الخضراء تلمع تحت أشعة الشمس. دخلت ليان مع والدها والعمّ أبا زيد إلى ساحة المسجد الهادئة.

ما أجمل هذا المشهد! كانت حمامات بيضاء جميلة تطير فوق الأقواس الحجرية العالية، والبلاط في أرضية الساحة كان نظيفًا لامعًا.

همس والد ليان بهدوء: “هذا المكان يا ليان، يصلّي فيه الناس منذ مئات السنين. وهنا كانوا يدعون الله أن يحمي البحّارة والمسافرين ويعيدهم سالمين. المسجد ليس فقط مكانًا للعبادة، بل هو بيت كبير يجمع قلوب أهل فلسطين، يحفظ هويتهم وطيبتهم مثلما يحفظ البحر ملوحته دائمًا.”

سألت ليان بفضول الأطفالِ: “هل للمسجد حكايات مثل حكايات السور القوي؟”

ابتسم العمّ الطيب بحبّ قائلاً: “بالتأكيد يا صغيرتي! لكلّ قوس في هذا المسجد حكاية، ولكلّ نافذة قصّة ولكلّ مئذنة رواية، وجميعها تشهد أنّ هذه الأرض المباركة أرضنا.”

جلست ليان تحت ظلّ شجرة كبيرة في ساحة المسجد. أغمضت عينيها وتخيّلت البحّارة سدخلون الجامع بعد أن يعودوا من رحلة طويلة في البحر، يصلّون ويحمدون الله على نعمه الوافرة، ثم ينتشرون في المدينة يملأ السلام يملأ أرواحهم. قالت ليان بصوت حالم:

“المسجد مثل حضن دافئ وكبير يحتضن كلّ الناس.”

ردّ العمّ أبو زيد وهو يبتسم لها: “صحيح يا ليان، حضن الإيمان والهوية! ومن يحتمي بهذين الأمرين، يبقى قويًا جدًا ولا تهزّه أي عواصف أو صعاب في الحياة.”

النوارس وحكاية العودة

عندما حلّ المساء الجميل، وجلسوا عند طرف الميناء الهادئ. اشتعل ضوء المنارة البعيدة، وبدت وكأنها عين عملاقة ساهرة تحرس الطريق البحري وتدلّ السفن. هدأت النوارس البيضاء الصغيرة فوق الأعمدة الخشبية، وصار صوت البحر أعمق وأكثر هدوءًا.

قال أبو زيد بصوت حنون: “الليلة يا ليان، سيخبرنا البحر سرّ طيور عكّا العجيبة.”

أغمضت ليان عينيها بتركيز، وبدأت تُصغي وتتخيّل. تخيّلت بحّارًا قديمًا جدًا، ذو وجه سمح، ينبثق من بين الأمواج ويرفع صوته الوقور قائلًا:

«يا أهل عكّا، يا أحبّاء البحر…هذه النوارس ليست طيورًا عادية، وإنمّا هي صديقات عكّا الوفيّات! في كلّ صباح، تحلّق فوق البحر، تصطاد الأسماك، وتلاعب الأمواج. لكن عندما يأتي المساء، تعود جميعها لتقف على سور عكّا ومينائها. لماذا؟ لأنّها تعرف أنّ عكّا هي بيتها الجميل ومكانها الأوّل الذي تحبّه. علّمتنا النوارس أن نتمسّك ببيوتنا وألا نتركها أبدًا. إنها تحفظ خريطة المدينة في قلوبها الصغيرة، مثلما يحفظ الأطفال قصصهم المفضّلة ولا ينسونها أبدًا.”

فتحت ليان عينيها اللامعتين وقالت وعلى محيّاها ترتسم ابتسامة دافئة: “لقد فهمت الآن يا عمّ أبا زيد… طيور عكّا لا تغادر البحر، لأنها تعرف أن فلسطين هي البيت الدافئ، والميناء هو قلبها الذي لا يتوقف عن النبض أبدًا!

وصيّة البحر لأطفال فلسطين

مع ظهور أول خيوط الفجر، عاد الثلاثة إلى الميناء. كان الهواء نقيًا باردًا منعشًا، وراح الصيّادون يجهّزون شباكهم لرحلة جديدة. فيما حلّقت الطيور من فوقهم بهدوء، كأنها تقول لهم: “صباح الخير، نتمنى لكم صيدًا مباركًا.”

أخرج العمّ أبو زيد من جيبه صَدَفة بيضاء كبيرة لامعة قدّمها إلى ليان:

“هذه هدية من البحر خصيصًا لكِ. كلما وضعتِها على أذنكِ، ستسمعين صوت الموج يقول: هنا عكّا الجميلة… هنا فلسطين الحبيبة.” ضمّت ليان الصدفة إلى قلبها سعيدة بهذا الكنز الثمين.

ثمّ وقفت بجانب المنارة العالية ولوّحت للنوارس: «أعدكِ أيّتها النوارس! حتى وإن سافرتُ يومًا، سأعود إلى عكّا تمامًا مثلما تعودين كلّ مساء. لأنّ عكّا وفلسطين باقيتان في القلب إلى الأبد.”

رفرفت الطيور عالياً وصفّقت بأجنحتها، وكأنها فهمت الوعد الذي قطعته ليان.

أشرقت الشمس، واصطبغ البحر بلون ذهبيٍ لامع، فبدا كلوحة فنيّة رسمتها فرشاة فنّان ماهر. همست ليان محدّثة نفسها:

“سأروي هذه الحكاية لكلّ أصدقائي. سأقول لهم إنّ عكّا مدينة فلسطينية تحبّ البحر، وإنّ ميناءها قلبٌ كبير ودافئ، وطيورها تعلّمنا أن نعود دائمًا إلى أرضنا.”

اقرأ المزيد من قصص المغامرات على حدّوتة.

أحلام ياسمين الصغيرة | قصة عن الثقة بالنفس للأطفال

أحلام ياسمين الصغيرة هي قصّة قصيرة تشجّع كلّ طفل وطفلة على الوثوق بقدراته أيّا كانت، وتحفّزه للتغلّب على الخجل، والتعبير عن نفسه دون خوف أو تردّد. فلنقرأها معًا، ونكتشف كيف تغلّبت صديقتنا على خوفها، لتصبح شاعرة صغيرة واثقة.

في بيتٍ صغيرٍ تحيطه حديقة جميلة، كانت تعيش ياسمين، ياسمين فتاة رقيقة تحبّ الألوان والكلمات، وتحب أشياءها وتحافظ عليها، وتحب بشكل خاص دفترها الملوّنَ بغطاء أزرق الذي تتوسطه صورة فراشة زاهية! بالنسبة لها، لم يكن ذلك مجرّد دفتر، بل عالمًا سريًّا تخبّئ فيه أحلامها! كانت تكتب فيه قصائد صغيرة عن الفراشات التي تحلّق في الحديقة، وعن الغيوم التي تشبه قطنًا أبيض، وعن أحلامها التي تكبر في قلبها.

كل مساء تجلس قرب النافذة، تراقب السماء وتكتب:
أيّها الطير، خذ قلبي معك، علّمه كيف يحلّق.”
كانت كلماتها بريئة، مليئة بالصور الجميلة، لكنها بقيت حبيسة الورق، لا يسمعها أحد سوى القمر والنجوم.

في الصف، وفي حصة التعبير المفضلة عند ياسمين، تسأل معلّمة اللغة العربيّة: “من يودّ أن يقرأ لنا ما كتب؟” تشعر ياسمين أن قلبها يخفق بقوة، كطبولٍ في احتفال! وتريد بشدة أن ترفع يدها، لكن وجهها يحمرّ كحبّة بندوة، وصوتها يختفي كما لو أنّها تعاني من زكام قويّ، ويلتصق جسدها بمقعدها دون حراك.

تحدّث نفسها:  “ماذا لو لم يعجبهم شِعري؟ ماذا لو ضحكوا عليّ؟”
وأحيانًا تتخيل أن أصوات الضحك تتعالى في الصف، حتى قبل أن تبدأ بالقراءة! هذا الخيال وحده كان كفيلاً بجعلها تصمت، كانت تبتسم حين يصفّق الجميع لزميلتها مريم التي تلقي قصائدها بثقة، لكنها في الداخل تشعر بوخزٍ صغير، كإبرة تقول لها: “أنتِ أيضًا لديك كلمات تستحق أن تُسمع.”

وفي كل مرة تعود إلى بيتها، تفتح دفترها، تنظر إلى القصائد، وتهمس:
“سامحيني يا كلماتي… أنا لست شجاعة بما فيه الكفاية.”

أحلام ياسمين الكبيرة

في صباحٍ ربيعي مشرق، اجتمع الطلاب في ساحة المدرسة ليستمعوا إلى إعلان مهم من إدارة المدرسة، كانت العصافير تزقزق من فوق الأشجار، والهواء يحمل رائحة زهور البرتقال. وقفت المديرة على المنصّة بابتسامة وقالت:
 _ “لدينا مسابقة لإلقاء الشعر الأسبوع القادم. سيقف الطلاب على المسرح أمام الجميع، وسنكرّم صاحب أفضل قصيدة وأفضل إلقاء.”

امتلأت الساحة بالهمسات والأسئلة، بعض الطلاب بدأ يخطّ كلمات في دفاتره بسرعة، وآخرون تخيّلوا أنفسهم واقفين تحت الأضواء، ارتفعت أصوات الحماس، وبدت العيون تلمع بشغف التجربة.

أما ياسمين، فجلست صامتة، تحدّق في دفترها الذي كان بين يديها. شعرت أن الإعلان وُجّه إليها مباشرة، قلبها يهمس: هذه فرصتك” لكن خوفها أسرع في الرد: سترتجفين أمام الجميع… ستخطئين… سيضحكون.”

اقتربت منها صديقتها مريم وقالت بحماس:
 “-ياسمين، أنتِ شاعرة رائعة! قصائدك التي تقرئينها لي أحيانًا أجمل بكثير مما أكتب، يجب أن تشاركي في المسابقة.”
أطرقت ياسمين رأسها وهمست بخجل:
– “أكتب نعم… لكن الوقوف على المسرح؟ شيء مخيف جدًّا، أفضّل أن أبقى مستمعة.”

ضحكت مريم وربّتت على كتف صديقتها:
 _”لو جربتِ مرة واحدة، ستكتشفين أن الأمر ليس صعبًا كما تظنين.”

في تلك الليلة، جلست ياسمين قرب نافذتها، تتأمّل القمر مضيئًا في صفحة السماء لامعًا واثقًا. كتبت في دفترها: “أتمنى أن أشارك، لكني أخاف أن أرتجف أمام الجميع” ثمّ رفعت عينيها نحو القمر وهمست:
_”أيها القمر المنير، كيف يمكنك أن تضيئ السماء بلا خوف أو خجل؟ كيف يمكنني أنا أيضًا أن أضي بكلماتي وشِعري؟”
وأغلقت دفترها بشيء من الحزن، متمنية لو كان القمر يستطيع أن يرد عليها أو يرسل إليها نجمةً صغيرة تهمس لها بالشجاعة.

اقرأ أيضًا: قصة عن أهمية التفكير الإيجابي: كيف غيّرت أفكاري عالمي الصغير

سرّ الخوف

في المساء، جلست ياسمين مع أمها في المطبخ، بينما كانت رائحة الكعك بالزبيب تنتشر في المكان. كانت الأم ترتّب الصينية في الفرن، وياسمين تتأمل بخجل أطراف ثوبها. بعد لحظات صمت قالت:
– “أمي… لماذا أشعر أنني أعجز عن الكلام أمام الناس؟”

جلست الأم قربها، ابتسمت وربّتت على كتفها وقالت:
– “يا صغيرتي، الخوف شعور طبيعي. كل إنسان يشعر به، حتى الكبار. لكنّك تفكّرين كثيرًا بما قد يحدث، تقولين في نفسك: ماذا لو أخطأت؟ ماذا لو لم يعجبهم كلامي؟ وهذه الأفكار مثل سلاسل تقيّدُكِ وتمنعك من الحركة.”

أصغت ياسمين بانتباه، وعيناها تلمعان بالدموع.
أضافت الأم:
– “لكن تذكّري، لا أحد كامل. حتى الشُعراء الكبار أخطؤوا قبل أن ينجحوا. الشجاعة ليست انعدام الخوف، بل المحاولة رغم الخوف. إذا أخطأتِ مرة، ستتعلمين، وإذا جربتِ مرتين، ستزدادين قوة! ومع كلّ محاولة، سيصبح صوتك أوضح.”

أطرقت ياسمين رأسها وقالت بصوت خافت:
– “لكن يا أمي، ماذا لو سخروا مني؟”
ابتسمت الأم وربّتت على يدها:
– “من يسخر لا يعرف قيمة الكلمة. والناس دائمًا يحترمون القوي الذي يحاول.”

فكّرت ياسمين طويلًا بكلام أمها، أدركت أن مشكلتها لم تكن في شِعرها، بل في الأفكار التي كانت تكبّلها. ابتسمت ابتسامة صغيرة، وكأن نورًا جديدًا أضاء داخلها، ووعدت نفسها أن تخوض تجربة صغيرة، حتى لو ارتجفت قدماها.

أولى الخطوات نحو الثقة بالنفس

في اليوم التالي، قررت ياسمين أن تبدأ بخطوة صغيرة. جلست أمام أخيها الصغير سامر، الذي كان يلعب بسيارته الحمراء على الأرض، وقالت له بخجل:
“هل تسمع قصيدتي الجديدة؟”
رفع سامر رأسه وضحك وقال: “طبعًا! لكن اقرئيها بصوتٍ عالٍ وببطء كي أسمع جيدًا.”

ترددت لحظة، ثم فتحت دفترها وبدأت تلقي أبياتها. كان صوتها يرتجف، لكن الكلمات خرجت رغم ذلك. عندما انتهت، صفق سامر بيديه الصغيرتين وقال:
– “واو! إلقاؤك جميل جدًّا! أنت رائعة.”

شعرت ياسمين بالدفء يسري في قلبها… جرّبت مساءً أن تقرأ لوالدها وهو يطالع جريدته. ابتسم وقال:
“-أنت شجاعة يا ياسمين. تذكّري أن الثقة بالنفس مثل الزهرة. تحتاج إلى رعاية كي تنمو.”

وفي اليوم التالي، جمعت شجاعتها وقرأت لصديقتها مريم تحت ظل شجرة المدرسة. عندما أنهت قصيدتها، صاحت مريم:
 “-أنتِ شجاعة أكثر مما تظنين. لو ألقيتِ هذا على المسرح لصفق لك الجميع!”

ومع كلّ مرّة، كان قلبها يخفق بقوة، لكن صوتها يزداد وضوحًا، بدأت تشعر أن خوفها لم يعد جبلًا ضخمًا كما كان، بل قد أصبح حجرًا صغيرًا يمكن أن تتخطّاه. كانت ابتسامتها تتسع أكثر فأكثر، كزهرة تتفتح مع كل صباح. وفي سرّها قالت: “ربما أستطيع… ربما أنجح.”

يوم الوقوف على المسرح

وأخيرًا جاء اليوم المنتظر! تزيّن المسرح بستائر زرقاء، والمقاعد امتلأت بالطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، كانت القاعة تشعّ بالحماس، والكلّ يترقّب أسماء المشاركين. خلف الستار، كانت ياسمين تمسك دفترها بقوة، ويداها تتعرّقان، وقلبها يخفق كالطبول من جديد.

سمعت صوت المنادي: “والآن مع الطالبة ياسمين!”
شعرت أنّ قدميها ثقيلتان كصخرتين، لكنها تذكّرت كلمات أمها وأبيها، وتصفيق سامر، وتشجيع مريم. رفعت رأسها وقالت في سرّها: أنا أستطيع.”

تقدّمت بخطوات بطيئة نحو المسرح. الأضواء بدت قوية، والوجوه الكثيرة أمامها جعلت قلبها يسرع أكثر… للحظة، كادت أن تهرب، لكنها تنفّست بعمق، ثم بدأت تقرأ:

“أحلامُ قلبيَ تكبُرُ
كالنور يغفو ويَنشُرُ
أحيا بفرحةِ وردةٍ
للصُّبحِ دوما أُقبل

أرنو لبيتٍ هادئٍ
فيه المحبةُ تُزهِرُ
وأصيرُ يوما ناجحةً
أرعى الضعيفَ وأشكُرُ

اللهُ يراني دائما
بالخيرِ نفسيَ تُبصِرُ
أطوي السماءَ بلُعبي
ونحو الغدِ الجميل أُبحر

في البداية كان صوتها خافتًا مثل همسة، لكن شيئًا في داخلها اشتعل! شعرت أنها ليست وحدها، بل كل من تحبهم يقفون معها. تذكّرت القمر الذي كان يصغي إليها دائمًا، وتخيّلت أنه يبتسم لها من النافذة العالية. صار صوتها أعلى وأوضح ومليئًا بالثقة.

وعندما انتهت، دوّى التصفيق في القاعة… وقفت ياسمين مذهولة للحظة، ثم ابتسمت، وامتلأ قلبها فرحًا. حتى المعلّمة التي لطالما انتظرت أن تسمع صوتها، ابتسمت بفخر وكأنها تقول: “لقد فعلتها يا ياسمين.”

الثقة بالنفس تضيء الطريق

بعد أن نزلت عن المسرح، أحاط بها أصدقاؤها يهنئونها، وقالت لها مريم:
 _ “رأيتِ؟ كنتِ رائعة! لم أتخيل أن صوتك سيصدح بهذه الثقة.”

قال سامر الذي حضر مع والدته:
 _ “أختي أفضل شاعرة في العالم!”

شعرت ياسمين أن قلبها صار خفيفًا كالهواء. لم يختفِ خوفها تمامًا، لكنه صار أصغر بكثير، مثل ظلّ بعيد لا يمنعها من التقدّم. ابتسمت لنفسها وقالت:
– “الثقة بالنفس لا تعني أن لا نخاف، بل أن نجرؤ على مواجهة خوفنا.”

منذ ذلك اليوم تغيّرت ياسمين. صارت ترفع يدها في الصف لتشارك بلا تردد، وتكتب قصائدها بفخر، وتقرأ ما تكتبه لأصدقائها بابتسامة. صارت تضحك أكثر، تحلم أكثر، وتثق أن صوتها يستحق أن يسمع.

وذات مساء، جلست قرب نافذتها كعادتها، وفتحت دفترها. كتبت:

أحلامي الصغيرة قد كبُرتْ…
ولم تعد تخافُ من الخطرِ…
فتحت أجنحتها، عزمتْ…
وحلّقت بعيدًا مع الفجر…”

رفعت رأسها إلى القمر، وقالت:
– “شكرًا لك يا صديقي، لم أعد أخجل من ضوئي! سأضيء مثلما تفعل دائمًا.”

وهكذا، تحوّلت “أحلام ياسمين الصغيرة” إلى نورٍ يضيء قلبها، ويعلّم كل طفلٍ أنّ الشجاعة تبدأ بخطوة صغيرة، وأنّ الثقة بالنفس تجعل الحياة أجمل وأبهى. ومنذ ذلك اليوم، صارت ياسمين تذكّر كل من يسمع قصائدها أن صوته أيضًا يستحق أن يرى النور.

اقرأ المزيد من القصص القصيرة الملهمة.

ماذا يوجد خارج كوكب الأرض؟! | قصة تعليمية عن كواكب المجموعة الشمسية

في إحدى الليالي الصافية، جلس الطفل سامر ينظر من نافذة غرفته إلى السماء المرصّعة بالنجوم، كانت النجوم تلمع كأنها عيون صغيرة تراقبه من بعيد. سأل سامر نفسه: “تُرى، ماذا يوجد خارج كوكب الأرض؟ هل هناك أطفال مثلنا يعيشون هناك؟”

دخلت أخته ليلى الغرفة، ورأت سامر شارد الذهن. قالت بابتسامة: “تتأمل السماء من جديد؟”

هزّ رأسه قائلاً: “أريد أن أعرف عن الكواكب. أريد أن أزورها بنفسي!”

ضحكت ليلى وقالت: “يمكن أن نحلم برحلة معاً. ربما في الحلم نمتلك مركبة فضائية سريعة!”

أغمضا أعينهما، وفجأة وجدا نفسيهما داخل مركبة لامعة بأزرار مضيئة، ظهر أمامهما روبوت صغير اسمه “نوفو”، وقال بصوت لطيف: “مرحباً أيها المغامران! أنا دليلكما إلى كواكب المجموعة الشمسية. هل أنتما مستعدّان للرحلة؟”

صاح الطفلان بحماس: “جاهزان!”

بدأت المركبة تهتز وانطلقت بسرعة كبيرة، إلى أن تجاوزت الغلاف الجوي للأرض. شاهد الطفلان كوكبنا الأزرق يبتعد شيئاً فشيئاً، حتى بدا مثل كرة صغيرة تسبح في الظلام!

قال سامر بدهشة: “يا إلهي! لم أتصوّر أن الأرض تبدو هكذا من الفضاء!”

ابتسم نوفو وقال: “هذه مجرد بداية. هيا نكتشف ماذا يوجد خارج كوكب الأرض!”

ثم أضاف: “رحلتنا اليوم ستكون لزيارة كواكب المجموعة الشمسية القريبة، ستتعلّمان الكثير عن هذه الكواكب”

الكوكب الأحمر

قال نوفو: “أول محطة ستكون كوكب المريخ.”

اقتربت المركبة من كوكب أحمر اللون، يحيط به الغبار والعواصف. كانت الجبال هناك شاهقة، وأكبر بركان في النظام الشمسي يقف شامخًا وكأنه قلعة ضخمة.

هتفت ليلى: “إنه يبدو مخيفاً قليلاً!”

أجابها نوفو: “لكن العلماء يحبون المريخ كثيراً، فهم يظنون أنه قد يكون صالحًا للعيش في المستقبل. هناك جليد تحت سطحه، وربما ماء أيضاً.”

هبطت المركبة برفق، ونزل الصغيران يرتديان بدلات فضائية صغيرة. أخذ سامر حفنة من التراب الأحمر وقال: “كم هو مختلف عن تراب الأرض!”

ضحك نوفو وقال: “ولهذا يسمّونه الكوكب الأحمر.”

بينما كان الثلاثة يتجولون، ظهرت أمامهم آثار قديمة تشبه الأنهار اليابسة. قالت ليلى: “هل كانت هناك حياة هنا؟”

رد نوفو: “لا نعرف بعد، لكن العلماء يبحثون دائماً عن أدلة.”

سمع الأطفال صوت صفير، وفجأة بدأت عاصفة ترابية تقترب. أسرعوا عائدين إلى المركبة، وأُغلقت الأبواب بإحكام.

قال سامر وهو يلهث: “يا لها من مغامرة! المريخ جميل، لكنه مليء بالمفاجآت.”

ابتسم نوفو: “هيا نكمل رحلتنا، فما زال أمامنا العديد من الكواكب الأخرى لاكتشافها!”

ثم أضاف مبتسمًا: “تخيلوا لو كان لدينا بيوت زجاجية كبيرة هنا، يمكننا أن نزرع فيها البطاطا والطماطم ونعيش كروّاد فضاء حقيقيين!” ضحك الطفلان بحماس، وراحا يتخيّلان مزرعة خضراء وسط الصحراء الحمراء.

العملاق الغازي

قال نوفو: “تمسكّا جيداً، نحن الآن في طريقنا إلى كوكب آخر من كواكب المجموعة الشمسية، المشتري!”

بدأ الكوكب يقترب، وكان ضخماً جدّاً حتى بدت المركبة كذرة صغيرة بجانبه! لفتت انتباه الأطفال بقعة حمراء هائلة تدور في الكوكب.

قال سامر بدهشة: “ما هذه البقعة الكبيرة؟”

أجاب نوفو: “هذه عاصفة عملاقة تدور منذ مئات السنين، أكبر من حجم الأرض نفسها!”

اقتربوا أكثر، فرأوا أقمارًا كثيرة تدور حول المشتري. أشار نوفو إلى أحدها وقال: “هذا قمر أوروبا، يعتقد العلماء أن تحته محيطًا ضخمًا قد يحتوي على حياة.”

قالت ليلى: “تخيّل لو وجدنا أسماكاً فضائية هناك!” وضحكوا جميعًا.

لكن المشتري لم يكن مكاناً يمكنهم الهبوط فيه، لأنه كوكب غازي، ولا سطح صلب يهبطون عليه. اكتفى الأطفال بمشاهدة ألوانه الزاهية تدور وتتماوج كأنها لوحة فنية ضخمة.

قال نوفو: “المشتري هو الحامي لكواكب المجموعة الشمسية، فجاذبيته القوية تجذب الكثير من الصخور والمذنبات وتحمي الأرض من الاصطدامات والنيازك.”

شعر الأطفال بالفخر وقالوا: “إذن علينا أن نشكره!”

ابتسم نوفو: “هيا نكمل رحلتنا نحو الكوكب التالي!”

ثم همس: “لولا المشتري لما كانت الأرض آمنة كما هي الآن. إنّه صديقنا الضخم، وحامينا الكبير على الرغم أنه لا يملك سطحًا صلبًا كالأرض.”

حلقات ساحرة

قال نوفو بحماس: “الآن ستشاهدون أجمل كواكب المجموعة الشمسية، زُحَل!”

ظهر الكوكب الأصفر الذهبي تحيط به حلقات واسعة لامعة… لم يتمالك سامر نفسه وصرخ: “إنه أجمل مما تخيّلت!”

اقتربت المركبة من الحلقات، وكانت مكوّنة من ملايين الصخور والثلوج الصغيرة التي تدور بسرعة حول الكوكب.

قالت ليلى: “إنها تشبه عقداً ضخماً يزين الكوكب!”

أجاب نوفو: “صحيح. وزحل لديه أكثر من 80 قمرًا، بعضها غريب مثل قمر تيتان الذي يملك بحيرات من غاز الميثان السائل.”

كلّ شيء كان لامعًا مضيئًا، وحينما قرّروا المرور بين حلقات زحل، رأوا صخوره تلمع كالألماس.

وفجأة ارتطمت قطعة صغيرة بالمركبة وأصدرت صوتاً عالياً. ارتجف سامر وقال: “هل سنسقط؟”

طمأنهم نوفو: “لا تقلقا، مركبتنا قوية ضدّ الصدمات الفضائية!”

قالت ليلى: “أريد أن أبقي هذه الصورة في قلبي للأبد.”

رد نوفو: “كل ما تريانه اليوم سيبقى في ذاكرتكما ما دمتما تحبّان المعرفة.”

ثم فتح شاشة صغيرة أمامهم، عرضت صورة لحلقات زحل كما يراها التلسكوب من الأرض. قال نوفو: “يمكننا رؤية حلقات زحل من كوكب الأرض أيضًا، باستخدام التليسكوب. إنّها من أجمل ما يشاهده علماء الفلك.” عندها شعرت ليلى وكأنها أصبحت عالمة فضاء صغيرة، وقالت بحماس: “سأرسمها في دفتري غداً!”

أبعد مما نتخيل

قال نوفو: “الآن سنذهب إلى أبعد كواكب المجموعة الشمسية: نبتون.”

اقتربوا من كوكب أزرق صغير نسبيًا، وكانت رياحه قوية وسريعة جدّاً، أسرع من أي ريح على الأرض.

قال سامر بدهشة: “إنه أزرق جميل، كأنه محيط ضخم.”

أجاب نوفو: “نبتون بارد جدّاً، لكنه مليء بالعواصف، وله أقمار أيضاً، أشهرها تريتون.”

اقتربوا قليلاً، ورأوا غيوماً بيضاء تتحرك بسرعة جنونية. قالت ليلى: “لا أعتقد أنني أستطيع العيش هنا!”

ضحك نوفو: “لا أحد يستطيع العيش هنا، لكنه كوكب رائع للدراسة والمشاهدة.”

بينما كانوا ينظرون، لمحوا من بعيد ضوء مذنب يعبر السماء. قال سامر: “إنه كألعاب نارية فضائية!”

رد نوفو: “الفضاء مليء بالمفاجآت، وكلما ابتعدنا أكثر زاد الغموض.”

تنهدت ليلى: “لكنني بدأت أشتاق إلى كوكبنا الصغير.”

ابتسم نوفو: “رحلتنا لم تنتهِ بعد، لأن أهم محطة ستكون العودة إلى الأرض.”

وأضاف: “تخيلوا يا أصدقائي أن نبتون يحتاج أكثر من 160 سنة أرضية ليكمل دورة واحدة حول الشمس! أي أن السنة هنا أطول من عمر الإنسان!”

كواكب أخرى بانتظار الاكتشاف

_ “هذه إذن هي كواكب المجموعة الشمسية التي نسمع عنها في البرامج الوثائقية!”

قالت ليلى مستدركة، وأضاف الروبوت الصغير نوفو حينها:

_”نعم، لكنّها ليست الوحيدة. في الواقع تضمّ المجموعة الشمسية تسعة كواكب، تدور جميعها حول الشمس…أوّلها كوكب عطارد، إنّه كوكب حارّ جدًا بسبب قربه الشديد من الشمس.”

_ “أشدّ حرًّا من الصيف في صحراء الأرض؟!” سأل سامر.

_ “أجل، بملايين المرّات!”

_ “لا يبدو كوكبًا مناسبًا للزيارة!”

ضحك كلّ من نوفو وليلى موافقين، ثمّ واصل نوفو:

_”يليه كوكب الزهرة، كوكب حارّ أيضًا بسبب قربه من الشمس، وبعده كوكب الأرض، وطننا الحبيب، ثمّ المريخ، والمشتري، وبعدهما زحل، ويليه أورانوس، ونبتون وأخيرًا بلوتو.”

_” تسعة كواكب جميلة تدور كلها حول شمس واحدة، كصغار تلتفُّ حول امّها!” قالت ليلى.

_”ههههه، صحيح، لكن…قرّر العلماء قبل بضعة سنوات إقصاء كوكب بلوتو من المجموعة الشمسية، لأنه صغير جدًّا، وبعيد جدًّا.”

_”مسكين، كوكب بلوتو…” قال سامر في حزن.

_”سأعتبره كوكبًا من كواكب المجموعة الشمسية برغم كلّ شيء!” قالت ليلى وضحك نوفو.

_ “لستِ الوحيدة، ما زال البعض يعتبره من كواكب المجموعة الشمسية أيضًا.”

العودة إلى البيت الأزرق

قال نوفو: “الآن حان وقت العودة إلى موطنكم.”

بدأت المركبة تتحرّك بسرعة نحو كوكب الأرض، ومع اقترابهم، شاهدوا الكرة الزرقاء تلمع وسط السواد. كان المشهد مهيباً لدرجة جعلتهم يصمتون لحظة.

قال سامر: “بعد كل ما رأيناه، أدركت أن الأرض جميلة جدّاً، وهي المكان الأنسب للحياة.”

أضافت ليلى: “نعم، كل الكواكب رائعة وغامضة، لكنها ليست مثل بيتنا.”

ابتسم نوفو وقال: “لهذا يجب أن تحافظوا على كوكبكم، فهو أغلى من كل كواكب المجموعة الشمسية الأخرى.”

هبطت المركبة بلطف في حديقة المنزل، وعاد الطفلان إلى غرفتهما. فتحا أعينهما ليجدا نفسيهما في سريريهما، وكأن الرحلة كانت مجرد حلم.

لكن عندما نظر سامر إلى النافذة مرة أخرى، رأى نجمة تلمع بشكل مختلف، وكأنها إشارة سرية من نوفو. ابتسم وقال: “ربما لم يكن حلمًا بعد كل شيء.”

ضحكت ليلى وقالت: “سواء كان حلماً أو حقيقة، المهم أننا تعلّمنا أن الفضاء مليء بالأسرار، وأن الأرض هي أغلى كنز.”

ثم احتضنت أخاها قائلة: “من الآن فصاعداً، لن ننظر إلى السماء كأنها مجرد نجوم، بل كأصدقاء يدعوننا لاكتشاف المزيد.”

اقرأ المزيد من القصص التعليمية الممتعة على حدّوتة.

رحلة إلى مملكة النحل | مغامرة خياليّة حول صناعة العسل

كان صباحًا دافئًا والنسيم يتسلل عبر نافذة المطبخ، جلست ليان وأخوها آدم مع أمّهما إلى مائدة الإفطار. وضعت الأمّ أمامهما طبقًا صغيرًا من العسل الذهبي اللامع، يلمع كأنه ذهب سائل. غمست ليان قطعة من الخبز في العسل وتذوّقت الطعم الحلو وقالت وهي تضحك:

– “ممم… ما أطيبه! يا أمّي، من أين يأتي العسل؟”
ابتسمت الأم وقالت:

– “العسل هدية من النحل الصغير، الذي يجمع الرحيق من الأزهار ليحوّله إلى طعام لذيذ ومفيد.”

توقّف آدم عن الأكل وحدّق في العسل بتردّد، ثم قال:

– “النحل؟! أنا لا أحب النحل، إنه يلسع الناس. ماذا لو اقترب منّي؟”

ردّت ليان:

– “لكن يا آدم، تخيّل حياتنا من دون عسل… أو من دون زهور وأشجار مثمرة!”

فكّر آدم قليلًا ثم قال:

– “لكن كيف يمكن لهذه المخلوقات الصغيرة أن تصنع شيئًا بهذا الطعم الرائع؟”

ابتسمت الأم وقالت:

– “هذا سرّ عجيب، لن تكتشفوه إلا إذا رافقتم نحلة في رحلتها.”

وفجأة، سمعوا طنينًا خفيفًا عند النافذة. اقتربوا بحذر، فإذا بنحلة صغيرة تقف هناك. رفرفت بجناحيها، وكأنها تقول: “أنا هنا لأجيب عن أسئلتكم، فقط استمعوا لي.”

صداقة مع نحلة اسمها نورا

فتح آدم النافذة قليلًا، فدخلت النحلة وجلست على حافة الكوب. ارتبك وقال بصوت مرتجف:

– “إنها قريبة جدًّا! ماذا لو لسعتني؟”

فجأة، سمعوا صوتًا رقيقًا يشبه همس الريح:

– “لا تخف يا آدم، أنا نحلة طيبة. اسمي نورا، جئت لأكون صديقتكما.”

شهقت ليان بدهشة:

– “هل… هل تتحدثين؟!”

ضحكت النحلة:

– “اليوم فقط تستطيعان سماعي، لأن قلوبكما مليئة بالفضول لمعرفة قصتي.”

اقترب آدم ببطء وقال:

– “لكن… لماذا تلسع النحل أحيانًا الناس؟”

أجابت نورا:

– “نلسع فقط إذا شعرنا بخطر كبير يهدّدنا أو يهدّد مملكتنا. نحن لا نحب الأذى، مهمتنا أن نحمي الأزهار وأن نصنع العسل.”

رفرفت بجناحيها وأضافت:

– “هل تودّان زيارة مملكتي لتشاهدا بأعينكما كيف نصنع العسل؟ ستريان أشياء مذهلة لم يسبق لكما رؤيتها من قبل.”

قفزت ليان بحماس:

– “نعم، نعم! أريد أن أرى كل شيء.”

أما آدم فبقي متردّدًا، لكنه قال أخيرًا:

– “حسنًا… لكن إذا كانت الملكة غاضبة، سأهرب فورًا!”

ابتسمت النحلة وقالت:

– “لا تقلق، الملكة حكيمة وطيبة، ستفرح بزيارتكما. ستكتشفان أن النحل أصدقاء حقيقيون للإنسان.”

ثمّ رفرت بجناحيها فتطاير غبار لامع في الأجواء، ولامس جسد كلّ من لسان وآدم، فراح حجمهما يتقلّص شيئًا فشيئًا حتى أصبحا في حجم نحلة صغيرة. صرخا بدهشة، لكنهما شعرا بخفة غريبة جعلتهما يضحكان في النهاية.

الدخول إلى مملكة النحل

طار الثلاثة معًا فوق الحديقة، وكل شيء بدا ضخمًا أمام الطفلين بحجمهما الجديد. بدت لهما الزهور كغابات ملوّنة، والندى على أوراقها لآلئ ضخمة، وأصوات الطيور صارت كالرعد. كان الطيران ممتعًا جدّا، والهواء يحملهما بخفّة فيزيد إحساسهما بالفرح والمتعة.

وما هي إلاّ بضع دقائق، حتّى وصلوا جميعًا إلى خلية كبيرة معلّقة بين أغصان شجرة. كانت الخلية من الخارج تشبه قصرًا ذهبيًّا له أبواب سداسية لامعة.

قالت نورا بفخر:

– “مرحبًا بكم في مملكة النحل، حيث النظام والعمل هما سرّ الحياة.”

دخلوا الخلية، وإذا بعالم عجيب أمامهم: آلاف النحلات تتحرّك في انسجام تام، كأنها جيش منظّم. بعض النحل يجمع الرحيق، وبعضه ينظّف الخلية، وآخرون يعتنون باليرقات الصغيرة.

قالت ليان بدهشة:

– “كل نحلة تعرف عملها! هذا مذهل حقًّا.”

وأضاف آدم:

– “هذه النحلات أكثر التزامًا بالنظام من الطلاّب في مدرستنا!”

ابتسمت نورا وأشارت إلى قاعة كبيرة في وسط الخلية وقالت:

– “هناك تسكن الملكة، تعاليا معي لتتعرّفا إليها. إنها قلب المملكة وروحها.”

ودخلوا القاعة، فرأوا الملكة أكبر حجمًا من باقي النحل، جناحاها يلمعان كالحرير، تحيط بها الحارسات. كانت جميلة ومهيبة، تتحرك ببطء لكن بثقة.

قالت الملكة بصوت هادئ كالموسيقى:

– “مرحبًا بكما أيها الصغيران. سمعنا أنكما تريدان معرفة سرّ العسل.”

انحنت ليان احترامًا وقالت:

– “نعم يا جلالة الملكة.”

أما آدم فابتلع ريقه وقال:

– “من فضلك… لا تجعلي نحلة تلسعني.”

ضحكت الملكة وقالت:

– “أنت في أمان هنا. نورا ستأخذكما في جولة لتريكما خطوات صنع العسل من البداية حتى النهاية.”

كيف نصنع العسل؟

قادَتْهم نورا إلى الحديقة أولًا، حيث الأزهار تتفتح بألوانها الزاهية، وقفت على زهرة حمراء وقالت:

– “الخطوة الأولى: نجمع الرحيق. الرحيق هو سائل حلو داخل الزهرة، نحبه كثيرًا.”

مدّت لسانها الطويل مثل أنبوب صغير وامتصّت بعض الرحيق. قالت:

– “نخزنه في بطوننا في مكان خاص يُسمّى معدة العسل، وهناك يبدأ بالتغيّر بفضل الإنزيمات.”

سألت ليان:

– “وكيف تعرفن الزهرة المفضلة؟”

أجابت نورا:

– “نحن نحب الأزهار المليئة بالرحيق، ونرشد بعضنا بعضًا برائحة خاصة نتركها على الطريق، حتى تتبعنا أخواتنا العاملات.”

عادوا إلى الخلية ومعهم الرحيق. هناك رأوا النحل يمرّر الرحيق من نحلة لأخرى. كل نحلة تمضغه قليلًا وتضيف إنزيمات خاصة، فيتحوّل الرحيق شيئًا فشيئًا إلى عسل.

سأل آدم بدهشة:

– “كأنكم طهاة صغار تعملون في مطبخ كبير لإعداد طعام لذيذ!”

ضحكت نورا وقالت:

– “صحيح، الخطوة التالية هي تجفيف العسل.”

أشارت إلى مجموعة نحلات يرفرن بأجنحتهنّ بقوة، مولّدات تيّارًا هوائيًا خفيفًا.

قالت:

– “تتولّى مجموعة النحلات العاملات هذه مهمّة تجفيف العسل بأجنحتهنّ، حتى يتبخّر الماء منه، فيصبح سميكًا وذهبيًّا.”

_ “منظره مدهش حقًا! يشبه الذهب الخالص!” هتفت ليان.

فابتسمت نورا فخوة بعمل زميلاتها، وقالت:

_ “هيا اتبعاني! لم ننتهي بعد!”

وطارت بخفّة نحو جدران الخليّة، فلحق بها آدم وليان، ليجدا نفسيهما أمام بيوتٍ صغيرة سداسية الشكل، لامعة مشرقة، وسأل آدم مستفسرًا:

_ “ما هذه؟”

أجابت نورا:

– “هنا نخزّن العسل. عندما نملأ العين السداسية، نغلقها بغطاء شمع أبيض حتى يبقى محفوظًا لأطول وقت ممكن دون أن يفسد أو يتخيّر طعمه.”

قالت ليان بإعجاب:

– “إنها تشبه قوارير صغيرة مرتّبة بدقّة!”

وأضاف آدم:

– “أعترف أنكم تعملون بجدّ أكثر منا نحن البشر، ولا تتذمرون أبدًا.”

ابتسمت نورا وقالت:

– “العمل الجماعي هو سرّ قوتنا. كل نحلة تعرف مهمتها، فلا أحد يتكاسل أو يتأخر. كلنا نعمل لأجل مملكتنا.”

السرّ الأخير

جلس الصغيران بعد انتهاء رحلتهما مع نورا في وسط الخلية، حيثُ قدّمت لهما العاملات كؤوسًا صغيرة من الشمع مليئة بالعسل الطازج السائل، وراحت الملكة تراقبهما برفق من بعيد.

قالت نورا:

– “ما يزال هناك سرّ آخر لا تعرفانه عن النحل: نحن لا نصنع العسل فقط، بل نساعد النباتات أيضًا على صنع الثمار!”

سألت ليان:

– “كيف ذلك؟”

أجابت نورا:

– “عندما نزور الأزهار، ننقلُ غبار الطلع من زهرة لأخرى، وهذا يساعد النباتات على إنتاج الثمار. من دون النحل، ستختفي الكثير من الفواكه والخضار، وسيجوع العالم.”

اتسعت عينا آدم من الدهشة وقال:

– “إذن فأنتنّ لا تصنعن العسل اللذيذ وحسب، بل تساعدن الأرض كلّها على الحياة!”

أومأت نورا برأسها وقالت:

_ “هذا صحيح! لقد سخّرنا الله لإعمار الأرض ومساعدة النباتات على إنتاج الثمار، وجعل في العسل الذي نصنعه دواءً وشفاء. على الرغم من صغر حجمنا، لكنّ أثرنا كبير.”

_ “صدقتِ يا نورا…”

اقتربت الملكة وقالت بحكمة:

_ “ولأننّا نعمل بجدّ، فنحن نحبُّ مساعدتكم لنا أيّها البشر، من خلال الحفاظ على الأزهار، وحماية البيئة، وتجنّب أذية بيوتنا… فنحنُ جميعًا شركاء في الحفاظ على الأرض والطبيعة.”

ابتسمت ليان وقالت:

– “سأزرع أزهارًا في حديقتنا من أجلكم كل ربيع.”

وأضاف آدم:

– “وأنا لن أخاف من النحل بعد اليوم، بل سأحميه وأشرح لأصدقائي أهميته.”

ابتسمت نورا، ورفرفت بجناحيها:

_ “هيّا يا صغار! لقد حان وقت العودة!” فطار الثلاثة عائدين، وما إن وقفوا عند نافذة المنزل حتّى عاد جسد كلّ من آدم وليان إلى طبيعتهما، ودّعتهما نورا، ولوّحا لها فيما كانت تحلّق من جديد باتجاه خليّة النحل.

نظر آدم إلى طبق العسل وقال:

– “الآن أعرف كم هو ثمين، ليس بسبب طعمه اللذيذ فقط بل بسبب القصة الرائعة التي تكمنُ خلف صنعه.”

قالت ليان:

– “العسل ليس مجرد طعام، إنه درس في التعاون والحياة والعطاء.”

ضحكت الأم وقالت:

– “يسعدني أنّكما قد تعلّمتما قصّة النحل، واحتفالاً بهذا الإنجاز، سأعدّ لكما غدًا فطيرة العسل!”

_ “يا سلام! فطيرة لذيذة شهيّة مليئة بالفوائد، ستمنحنا القوّة والطاقة!”

هتف آدم فرحًا مسرورًا.

ومنذ ذلك اليوم، لم يعد آدم يخاف من النحل، بل صار ينظر إليها بعين المحبّة والاحترام. ولا يحاول إخافتها أو إشعارها بالخطر حينما يراها. أمّا ليان، فقد واظبت على زراعة الأزهار في حديقة المنزل حتى تساعد النحلات على صناعة المزيد من العسل.

اقرأ المزيد من القصص التعليمية المفيدة على حدوّتة.

قصة إدريس عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

قصّة اليوم عن النبي إدريس عليه السلام. وهو ثالث الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لدعوة الناس وهدايتهم إلى الإيمان. فلنقرأها معًا، ولنتعلّم منها العبرة والفائدة.

نسب إدريس عليه السلام ونشأته

منذ أن نزل آدم عليه السلام إلى الأرض، بدأت ذريته تكبر وتنتشر، وصار للناس بيوت وقرى وأعمال، فصار فيهم من يعبد الله ويشكره ويذكره في كل حين، وفيهم من يغفل عن ذكره وينشغل بالدنيا ونعيمها.
 ومن نسل آدم، وبالتحديد من ذرية ابنه شيث، وُلد غلام مبارك اسمه إدريس، وقد كان يُسمّى في بعض الكتب القديمة أخنوخ، وهو جَدٌّ من أجداد النبي نوح عليه السلام، أي أنه عاش قبل زمن الطوفان بسنوات طويلة.

كان النبيّ إدريس الحفيد الخامس للنبي “شيث” وهو ثاني الأنبياء بعد آدم عليه السلام. ولأن الناس كانوا يعيشون لسنوات طويلة جدًّا في ذلك الزمن، فقد التقى النبي إدريس عليه السلام بآدم وعاصره.

النبيّ إدريس المعلم

لم يكن إدريس نبيًا يذكّر الناس فقط بعبادة الله، بل كان أيضًا معلّمًا لهم في حياتهم اليومية؛ فقد علّمه الله أشياء لم يعرفها الناس من قبل، وجعله سببًا في نشر العلم بينهم.

كان أول ما عُرف به أنه أول من خطّ بالقلم، فلم يكن أحد في ذلك الزمان يعرف الكتابة، وكان الناس يحفظون الأخبار في صدورهم؛ فإذا مات رجل، ضاع ما عنده من علم، لكن الله علّم إدريس كيف يكتب الحروف والكلمات، وكيف يرسمها على ألواح من الخشب أو الجلد.

بدأ الناس يتعلمون الكتابة شيئًا فشيئًا، حتى صارت عادة بينهم، وهكذا كان إدريس أول من نشر نور الكتابة، وجعل العلم محفوظًا لا يضيع.

ولم يتوقف عند الكتابة فقط، فقد كان إدريس أيضًا أول من علّم الناس الخياطة، فقد كان الناس يلبسون جلود الحيوانات كما هي، ثقيلة وخشنة، لكن إدريس أراهم كيف يغزلون الخيوط من الصوف والكتان، وكيف يخيطونها معًا حتى تصبح ثوبًا مريحًا يستر أجسادهم.

وتروي الكتب أن أول من لبس الثوب المَخِيط كان إدريس نفسه، وعندما رآه الناس بثوبه الجديد، فرحوا وقلّدوه… صاروا يحضرون الصوف والكتان، ويغزلون الخيوط، ويخيطونها كما علّمهم، حتى أصبح عندهم لباس جميل وأنيق، بدل الجلود الثقيلة. هكذا صار إدريس نبيًّا ومعلّمًا في الوقت نفسه، كان يعلّمهم دينهم ليعبدوا الله، ويعلّمهم ما ينفعهم في دنياهم ليعيشوا براحة… أحبّ الناس نبيهم أكثر، لأنهم وجدوا عنده الدين والعلم والعمل معًا.

إدريس عليه السلام والعبادة

عاش إدريس عليه السلام يعلّم الناس أركان الشريعة، ويحثّهم على عبادة الله تعالى وطاعته. وقد أقام سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه في مصر وكانت مدة إقامته في الأرض اثنتين ووثمانين سنة.

وفي يوم من الأيام، أكرم الله إدريس تكريمًا عظيمًا، لم ينله أحد من قومه؛ فقد رفعه إلى مكان عالٍ، مكان لا يصل إليه الناس العاديون، وهذا يعني أن الله أعطاه منزلة رفيعة، وجعله في مقام كريم عنده.

وقد روي أن النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين عُرج به إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، رأى إدريس في السماء الرابعة، وهذا يدل على أن إدريس في مكانة عالية بين الأنبياء.

اقرأ أيضًا: قصّة النبي آدم عليه السلام.

العبرة

بعد أن رفع الله إدريس إلى السماء الرابعة، عاد مجدّدًا إلى الأرض، وعاش فيها حتّى انتهت أيامه في الدنيا، وتوفّاه الله لكن أثره لم ينتهِ قطُّ، لقد ترك وراءه علمًا عظيمًا نافعًا، إذ علّم قومه الكتابة فحُفظ العلم بعده، وعلّمهم الخياطة فصاروا يلبسون ثيابًا جميلة مريحة، وكان أوّل من اهتدى بالنجوم في السماء ليعرف طريقه أثناء السفر.

قصة إدريس قصة بسيطة، لكنها تذكّرنا أن الإنسان إذا عاش صادقًا، وصبر على الخير، وسعى لنفع الناس، فإن الله لا يضيّع تعبه، بل يرفع مكانته.

يا أحبتي الصغار، إذا أردتم أن تنالوا الأجز العظيم والمكانة الرفيعة عند الله، فكونوا صادقين في كلامكم وأفعالكم، اصبروا على طاعة الله، وابحثوا دائمًا عن العلم الذي ينفعكم وينفع الناس من حولكم.

وهكذا، تبقى قصة إدريس عليه السلام من أجمل قصص الأنبياء التي تضيء قلوبنا وتزرع فيها حب الطاعة والصدق، وتعلّمنا أن الله يحب عباده الصالحين، ويرفعهم درجات إذا أطاعوه وثبتوا على الحق.

تصفّح المزيد من القصص الدينية المفيدة للأطفال على حدّوتة

اقرأ أيضًا: قصص أطفال قبل النوم

قصة آدم عليه السلام | سلسلة قصص الأنبياء للأطفال

مرحبًا يا أصدقاء في سلسلة قصص الأنبياء، والتي سنبدأها بقصّة النبي آدم عليه السلام. أول من خُلق من البشر. قصّته تخبرنا كيف بدأ الإنسان، وكيف علّمه الله كل شيء، وكيف أحبّه وكرّمه. استعد لرحلة ممتعة نكتشف فيها بداية الحكاية التي تخصّنا جميعًا.

آدم عليه السلام في الجنة

في قديم الزمان، قبل أن توجد الجبال العالية والأنهار الجارية كما نعرفها اليوم، شاء الله تعالى أن يكرّم هذا الكون بمخلوقٍ جديد يعبده ويعمر الأرض بالخير. خلق الله آدم عليه السلام من طينٍ لطيفٍ نديّ، ثم نفخ فيه من روحه، فصار آدم إنسانًا كاملًا يسمع ويرى ويتفكّر، وفتح آدم عليه السلام عينيه على رحمة الله، ووجد نفسه في جنّةٍ جميلة فيها أشجارٌ مثمرة، وأنهارٌ صافية، وأزهارٌ عطرة، وطيورٌ تغرّد بألحانٍ مبهجة.

كان آدم عليه السلام ذا قلبٍ طيبٍ ولسانٍ شاكر، وعلّمه الله أسماء الأشياء من حوله حتى يعرفها ويستخدمها، فصار يتعرّف إلى النعَم ويشكر الله عليها… ثم أمر الله الملائكة أن يسجدوا سجود تكريمٍ واحترام لآدم، فسجدوا جميعًا امتثالًا لأمر الله، لكنّ إبليس الشيطان تكبّر ورفض، فاستحقّ غضب الله، وصار عدوًّا للإنسان يوسوس له ليصرفه عن الخير!

وصارت غاية خلق آدم عليه السلام أن يعرف ربّه ويشكره ويحافظ على الطاعة.

اقرأ أيضًا: قصّة الهدهد والنبي سليمان عليه السلام

آدم وحوّاء

شاء الله تعالى فيما بعد أن يجعل لآدم عليه السلام صحبةً طيبة تؤنسه وتعاونه، فخلق له زوجته حوّاء. فرح آدم بها، وفرحت هي به، وصارا يتجولان في الجنة معًا، يقطفان من ثمارها ويستمتعان بظلالها الباردة ومياهها العذبة. لم يكن في الجنة تعبٌ ولا حزن، بل راحةٌ وطمأنينة، وكلّ شيء يذكّر بالمنعم الكريم.

أمر الله تعالى آدم وحوّاء أن يسكنا الجنّة، يجولان ويطوفان فيها، يأكلان من خيراتها وينعمان بما فيها من مناظر خلاّبة ساحرة. ونهاهما عن الاقتراب من شجرة واحدة في الجنة. فهي ممنوعة عليهما. كان الأمر واضحًا وسهلًا؛ في الجنة من الخيرات ما يغنيهما، فلا حاجة للاقتراب مما نُهيَا عنه.

قال تعالى:

“وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” – البقرة 36

كان آدم عليه السلام وزوجته يعلمان أن الطاعة تحفظ النعمة، وأن شكر الله يديمها، وقد كان لديهما من النعم ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر من القصور والفواكه الحلوة والذهب والأنهار الصافية من اللبن والعسل والسكينة التي تملأ القلوب.

وسوسة العدو

لكنّ العدوّ القديم، إبليس، لم ينسَ حقده. أخذ يوسوس سرًّا: “اقتربا من تلك الشجرة، فيها سرٌّ كبير… إن أكلتما منها ستصيران أعظم!” وحاول أن يُلبِس الباطل ثوبَ الخير، وأن يخلط الأكاذيب بالوعود المزيّفة.

في لحظة ضعفٍ ونسيان، اقترب آدم عليه السلام وحوّاء، فأكلا من الشجرة الممنوعة! ما إن فعلا ذلك حتى شعرا بالحزن في قلبيهما، فقد خالفا أمر الله، وعرفا أنّ طمأنينة الجنة لا تُحفظ إلا بالطاعة، وأن وسوسة إبليس كانت فخًّا.

لم يبرّرا خطأهما، ولم يقولا: “لم نقصد!” بل أسرعا إلى التوبة… ردّد آدم عليه السلام كلمات علّمه الله إيّاها يدعو بها:

“قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” – الأعراف 23

لرحمة الله بعباده قبل توبتهما لكنه قضى أن ينزلا إلى الأرض وتبدأ رحلتهما الجديدة: رحلةُ تعمير الأرض بالعمل الصالح، لكي يتعلّم أبناء آدم عليه السلام أنّ الطاعة طريق النجاة، وأن الخطأ إذا لحقته توبةٌ نصوح، يزيد القلوب قربًا من الله.

بداية الحياة على الأرض

هبط آدم عليه السلام وحوّاء إلى الأرض، فاستقبلتهما طبيعةٌ واسعة: سماءٌ زرقاء، جبالٌ شامخة، سهولٌ خضراء، وبحارٌ رحبة. على الأرض تعبٌ وشمسٌ وليلٌ ونهار، فيها جهدٌ وتعلّم وتجربة. لكن الله لم يتركهما وحدهما؛ أنزل عليهما الهداية، وعرّفهما كيف يعيشان ويعبدان ويعلّمان أبناءهما الخير.

على الأرض وُجد التنوع: ألوانٌ كثيرة من الطيور والنباتات والحيوانات، وكلّها تذكّر بالخالق العظيم، ومع كل صعوبةٍ واجهتهما، كان آدم وحوّاء يتذكران أنّ الله يحب الصابرين، وأن الطريق الصحيح يبدأ بالصدق في القول والعمل.

عهدٌ للأرض ورسالةٌ للأجيال

كبرت أسرة آدم عليه السلام، وصار له أبناءٌ وبنات، لكلٍّ منهم طبعه وميوله. علّمهم أن العبادة لا تقتصر على الصلاة والدعاء فقط، بل تشمل الصدق في الكلام، والعدل بين الإخوة، ومساعدة الضعيف، وشكر النعمة. فالله يرانا في كل حين فلنكن له طائعين، وللناس نافعين.

مضت السنوات، واشتعل رأس آدم عليه السلام شيبًا، وقد أدّى أمانته: عبد ربّه، وتاب حين أخطأ، وبنى أسرةً تعلّمت معنى الطاعة والمحبة. وكان آدم عليه السلام نبيًّا مكلَّمًا، أنزل الله إليه الوحي، يعلّم أبناءه وأحفاده عبادة الله وحده ويحذّرهم من عداوة الشيطان، ليعرفوا أن السعادة في طاعة الله، وأن التوبة باب مفتوح لمن أخطأ.

إن الأرض أمانة من الله لا بد أن نغرس فيها الخير، ونصدق ونخلص في العمل، وأن العلم نور في الدنيا والآخرة، وعمار الأرض لا يكون إلا بالعدل، فالعدل ميزان الله، ثم بالإحسان إلى الآخرين وطاعة الله وحده قبل كل شيء.

ثم حان الوداع وتوفي آدم عليه السلام، ليخلّد الله ذكره في قلوب المؤمنين، نبيًّا كريمًا وأبًا رحيمًا. ومن بعده، حمل الناس الرسالة جيلًا بعد جيل: الشكر يحفظ النعمة، والاستغفار يمسح العثرة، والطاعة طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

العبرة

يا أحبّتي، نتعلّم من قصّة آدم عليه السلام أن نكون شاكرين لله على كل نعمة بين أيدينا، وأن نسرع إلى التوبة إذا أخطأنا مثلما تاب هو وحوّاء. فقد عاش آدم في الجنة بسعادة، لكن حين نسي أمر الله نزل إلى الأرض، ومع ذلك لم ييأس، بل رجع إلى ربّه فغفر له ليذكرنا دائمًا أنّ باب التوبة مفتوح، وأن الشيطان يحاول أن يوسوس لنا كما فعل مع آدم عليه السلام، لكننا نستطيع أن نغلبه إذا تمسّكنا بالطاعة.

إذا حفظنا هذه العبرة في قلوبنا، عشنا على الأرض بسلام، وزرعنا الخير أينما كنّا، وتطلّعت قلوبنا إلى جنّة عرضها السماوات والأرض، حيث يرضى الله عن عباده المحسنين.

اقرأ المزيد من قصص الأنبياء على حدّوتة.

قصص دينية: مغامرات الصغير الصائم

الصغير الصائم، قصّة قصيرة للأطفال تدرّب الصغار على الصيام والاستعداد لشهر رمضان المبارك، بأسلوب ممتع جذّاب يحبّب الأطفال في الشهر الفضيل وعبادة الصوم العظيمة.

القرار

إنّها ليلة الأخيرة من شهر شعبان، وفي الغد سيكون أوّل أيام شهر رمضان الكريم، كانت المدينة تتلألأ بزينة رمضان، الأطفال يلعبون في الخارج مع أصدقائهم حاملين فوانيسهم سعداء بقدوم هذا الضيف العزيز الذي طال غيابه عنّا.

دخل عمرُ الصغير ذو الأعوام السبعة على والديه في غرفة الجلوس حاملاً فانوسه الجديد، وقال بفرح:

“أريد أن أصوم معكم غدًا، فأنا كبير الآن!”

ابتسمت الأم، ومسحت على رأسه بلطف قائلة:
“الصوم عبادة عظيمة يا عمر، ويحتاج نية صافية وقوّة، واستعداد أيضًا. سأوقظك قبل الفجر لتناول السحور معنا، ففي السحور بركة، وهي فرصة للذكر وقراءة القرآن، والدعاء.”

“حسنًا!” قال عمر سعيدًا، ثمّ ذهب إلى النوم باكرًا حتى يستطيع الاستيقاظ للسحور.

استيقظ عمر على صوت والده وهو يهمس في أذنه برفق:
“هيا يا بطل، لقد حان وقت السحور.”

فتح عمر عينَيه بتثاقل، ثم ما لبث أن نهض بسرعة متذكّرًا أنّ هذا أوّل يومٍ له في رمضان. جلس إلى المائدة مع والديه، فرأى أصنافًا بسيطة من الطعام: تمر، وحليب، وخبز، وجبنة.

قال الأب مبتسمًا وهو يضع بعض التمر في طبق عمر:
“يا عمر، في السحور بركة، والنبي ﷺ أوصانا به. فهو يُقوّي الجسد على الصيام، ويُذكّرنا أن نبدأ يومنا بذكر الله.”

سأل عمر وهو يأخذ رشفة من الحليب:
“هل يكفيني أن آكل فقط يا أبي؟”

أجاب الأب:
“الأكل مهم، لكن الأهم أن تذكر الله، وأن تنوي الصيام بقلبٍ صادق. وبعد أن نفرغ من السحور، سنصلّي الفجر معًا، فهي صلاة عظيمة، وفي رمضان لها طعم خاص. من يصلّي الفجر كأنما بدأ يومه بنورٍ وبركة.”

أحسّ عمر بالفرح وهو يسمع كلمات أبيه، وقال بحماس:
“أريد أن أجرّب قراءة الأذكار أيضًا بعد الصلاة!”

ضحكت الأم وقالت:
“هكذا يكون الصائم الصغير المجتهد. بالصيام، والصلاة، والذكر، يُصبح قلبك أنقى، وروحك أقرب إلى الله.”

ثمّ نهض الجميع فتوضؤوا، ووقف عمر إلى جوار أبيه في صلاة الفجر، قلبه يخفق بالسعادة لأنه بدأ رحلته الأولى مع الصيام في شهر رمضان المبارك.

بعد أن صلّى عمر الفجر مع والده وقرأ بعض الأذكار، عاد إلى فراشه ليستريح قليلًا. وما إن أشرقت الشمس حتى أيقظته أمّه برفق لتجهيزه للمدرسة. فتح عينيه مبتسمًا، فقد كان يشعر بالفخر أنه صائم مثل الكبار. نهض بحيوية، غسل وجهه، وارتدى ملابسه المدرسية وهو يردّد في نفسه:
“اليوم سأصمد وأُثبت أنني قادر على الصيام!”

ثم تناول حقيبته التي أعدّها ليلًا، وخرج مع والده نحو المدرسة، وفي قلبه بهجة كبيرة لأنه يعيش أوّل تجربة رمضانية حقيقية في حياته.

كان يسير في طريقه وهو يشعر أن قدميه أخفّ من العادة، وأن في صدره طبلة صغيرة تدق بحماس. كانت الشمس دافئة، والهواء مليئًا برائحة الخبز الطازج من المخبز القريب. عندها همس في نفسه بسؤال:
“هل سأتمكّن من الصمود حتى المغرب؟”

ثم ابتسم وقال:
“أنا الصغير الصائم… وسأحاول بكل قوتي.”

أول مواجهة مع وحش الجوع

ما إن رنّ جرس الحصّة الثانية حتى بدأ بطن عمر يُصدر أصواتًا غريبة، كأنه يقرع طبولًا بعيدة. ابتسم بخجل، ثم تخيّل أن في بطنه غابةً صغيرة تسكنها كائنات مضحكة اسمها وحوش الجوع.

ظهر أولهم قصيرًا مستديرًا يقرع الطبول واسمه جائع، والثاني طويل نحيف يمسك شوكة كبيرة اسمه نَهِم، أما الثالث فيلوّح بملعقة لامعة اسمه لُقمة. وراحوا جميعًا يهتفون:
“نريد الطعام! نريد الطعام!”

رفع عمر يده فوق الطاولة مثل قائد شجاع وقال في نفسه:
“لن تهزموني… سلاحي هو الإرادة!”

أغمض عينيه قليلًا، ووضع يده على بطنه وهمس:
“اللهم قوّني.”

فشعر أن الوحوش تتباطأ وتتراجع. فتح عينيه فوجد قلبه أكثر هدوءًا. حاول التركيز مع المعلمة وهو يكتب الإملاء، لكن الطبول عادت تقرع. عندها بدأ يعدّ أنفاسه ببطء:
شهيق… زفير… كأنه ينفخ سحابة صغيرة تطفئ نار الجوع.

نظر إلى الساعة ورأى أن الوقت يمضي، فابتسم وقال:
“كل دقيقة تمرّ خطوة جديدة نحو النصر.”

تفرقت الوحوش قليلًا، وقال جائع وهو يقرع طبلته: “سأعود بعد الاستراحة!” أما نَهِم ولُقمة فجلسا يراقبان هذا الصغير الذي لم يستسلم لهما بسهولة.

مغريات الحلوى في المدرسة

في وقت الاستراحة، فتحت لمى علبة مليئة بالحلوى، ألوانها تلمع مثل قوس قزح. واقترب حسان وهو يلوّح بقطعة شوكولاتة قائلًا:
“خذ نصفها يا عمر!”

ابتلع عمر ريقه بصعوبة، وكأن رائحة الحلوى تهب عليه مثل عاصفة من كل اتجاه. شعر كأن مغريات الحلوى تدور حوله وتدعوه:
“جرّب طعم الفراولة! فقط لقمة صغيرة! لن يلاحظ أحد!”

لكن عمر تذكّر وعده لنفسه. تنفّس بعمق وابتسم بلطف قائلًا:
“شكرًا لكما، لكن اليوم صائمٌ. ادعوا لي أن أستمر.”

قالت لمى بإعجاب: “أنت شجاع حقًّا، أنا لم أستطع صوم يومٍ كامل بعد، أرجو لك التوفيق”
وأضاف حسان وهو يعيد الشوكولاتة: “إن صبرت اليوم، غدًا لك قطعتان!”

ضحكوا جميعًا، فتراجعت تلك المغريات بعيدًا. حاول جائع أن يقرع طبلته في بطن عمر من جديد، وأشار نَهِم بالشوكة، ولوّح لُقمة بملعقته، لكنهم لم ينجحوا؛ فقد كان في قلب عمر نور صغير يزداد قوة كلما قال لنفسه: “أنا أستطيع.”

سلاح الإرادة والخطط الذكية

عاد عمر إلى الصف وهو يشعر ببعض التعب، فتذكّر خطته التي سماها سُلّم الإرادة. كان يتخيّل هذا السلم كدرجات يصعدها كلما شعر بالضعف؛ في الدرجة الأولى يجدّد النية، وفي الثانية يتصور نفسه عند المغرب يبتسم وهو منتصر، وفي الثالثة يقوم بعمل صالح صغير، أما الدرجة الأخيرة فهي أن يغيّر المشهد إذا استطاع.

بدأ بالدرجة الثالثة مباشرة، فرفع يده واستأذن المعلمة أن يرتب مكتبة الصف. وبينما كان يعيد الكتب إلى أماكنها، كان يقرأ العناوين ويبتسم، كأن كل كتاب يقول له: “أنت تستطيع”.

وفي الاستراحة القصيرة، أدّى صلاة الظهر في مصلّى المدرسة مع زملائه، وخرج بعدها إلى الساحة يتمشّى قليلاً، فرأى صديقه ياسين حزينًا لأنه أخطأ في مسألة حسابية. جلس بجانبه وقال: “دعنا نحاول معًا.” جلسا على المقعد الخشبي وشرح له الخطوات حتى قال ياسين بفرح: “فهمت!” عندها شعر عمر بخفة عجيبة، كأن قطعة من السعادة ذابت في قلبه فأشبعت روحه.

وحين عادت وحوش الجوع لتقرع طبولها، وجدها أضعف من قبل، فقد امتلأ قلبه بفرح المساعدة. قال نَهِم بدهشة: “كيف يشبع من غير طعام؟” فردّ لُقمة وهو يحك رأسه: “ربما تشبعه النية والعمل الطيب.”

وهنا أدرك عمر أن سلاحه الحقيقي ليس أن يرفض الطعام فقط، بل أن يشغل نفسه بما ينفعه ويملأ قلبه بالسرور.

طريق العودة إلى البيت

مع انتهاء الدوام المدرسي، خرج عمر من بوابة المدرسة بخطوات بطيئة، فقد بدأ يشعر بجوعٍ أكبر من ذي قبل. وفي الطريق إلى البيت، مرّ بالسوق القريب، حيث كانت المحالّ تزدحم بالناس استعدادًا للإفطار. وقف قليلًا يتأمل الألوان الزاهية للحلويات الرمضانية؛ الكنافة المزيّنة بالفستق، والقطايف المحشوة بالقشطة والجوز، وصواني البقلاوة اللامعة بالعسل. وعلى الجهة الأخرى، رأى الباعة يرفعون أباريق عصائر قمر الدين والتمر الهندي، فتطايرت الروائح العذبة التي أيقظت جوعه أكثر.

توقّف عمر، وشعر أن معدته تصرخ: “أريد فقط لقمة صغيرة!” لكنه تذكّر سُلّم الإرادة الذي بناه في عقله، وأغمض عينيه متخيّلًا نفسه عند المغرب، يبتسم وهو يجلس مع عائلته على المائدة، يفطر بتمرة وكوب ماء بارد. عندها ابتسم وقال لنفسه:
“لن أسمح لهذه الروائح أن تُسقطني. سأصبر، والنصر قريب.”

ومضى في طريقه بخطوات أقوى، كأن صبره غلب الجوع، وحوّل ضعفه إلى قوة.

في البيت وأجواء رمضانية دافئة

ما إن وصل عمر إلى البيت، حتى استقبلته أمّه بابتسامة واسعة، وقالت وهي تفتح له الباب:
“مرحبًا بالصائم الصغير، كيف كان يومك؟”

خلع عمر حقيبته وجلس قليلًا ليستريح، ثم أخذ يحكي لها بحماس عن سلّم الإرادة، وكيف ساعد صديقه ياسين، وكيف قاوم روائح الحلويات في الطريق. استمعت إليه أمّه بفخر وربّتت على كتفه قائلة:
“هكذا يكون الصائم حقًا، صبر وعمل صالح.”

في تلك الأثناء، كانت رائحة الكنافة الساخنة تعبق في أرجاء البيت، وصوت أباريق العصائر ينسكب في الأكواب: قمر الدين، تمر هندي، وليمون بالنعناع. وعلى المائدة بدأت تظهر أطباق الشوربة، والسلطة، والسمبوسك. نظر عمر إليها بعينين تلمعان، ثم ابتسم وهو يقول:
“سأصبر قليلًا بعد، حتى نسمع الأذان.”

ساعة العصر والاختبارات

حين حلّت ساعة العصر، شعر عمر أن عقارب الساعة تمشي ببطء شديد، كأنها لا تريد الوصول إلى المغرب أبدًا. ومن بيت الجيران تسلّلت رائحة طعام شهيّة، فبدت له مثل لحن طويل يزداد إغراءً كل دقيقة. عندها تخيّل أصدقاءه في عقله: جائع يقرع طبله بقوة، ونَهِم يلوّح براية كتب عليها “استسلام”، بينما لُقمة يرفع ملعقته الفضية متحديًا.

كاد قلب عمر يستسلم، وشعر بعينيه تلمعان من التعب، لكنه تذكّر الدرجة الأخيرة من سلّم الإرادة: غيّر المشهد. فاستأذن أمّه وخرج مع أبيه إلى الحديقة القريبة. هناك جلسا يلعبان لعبة “عدّ الغيمات”. ابتسم الأب وقال:
“كل غيمة تمرّ فوقنا تعني أن الأذان صار أقرب.”

ضحك عمر، وشعر أن معدته تهدأ شيئًا فشيئًا. وفي طريق العودة، مرّا بمركز خيري صغير، فدخل عمر مع أبيه ليساعد المتطوعين في ترتيب صناديق الطعام التي ستوزّع عند المغرب. حينها أحسّ أن الجوع يذوب، وأن قلبه امتلأ بالطمأنينة.

قال نَهِم بدهشة في خياله: “إنه يساعد في إطعام الآخرين… فيشبع هو!”

وعلى الطريق، مرّا بجانب بائع يترنّم بلحن شعبي، فأخذ عمر يردّد معه ببساطة. وكل نغمة كان يغنيها تُبعد عنه التعب وتقرّبه من لحظة النصر.

عاد عمر إلى البيت أكثر صبرًا، كأن على كتفيه جناحين صغيرين من العزيمة.


اقرأ أيضًا: قصص الحيوان في القرآن الكريم: الهدهد والنبي سليمان

أذان المغرب والنصر الصغير

تلوّنت السماء بدرجات الغروب؛ برتقالي يذوب في زرقة المساء، والبيت يملؤه دفء وانتظار. جلست الأم تُرتّب المائدة بحب، فوضعت التمر والماء أولًا، ثم أطباق الشوربة والسمبوسك، وكوب اللبن الأبيض يلمع كهدية صغيرة. التفّت الأسرة حول الطاولة، وكل واحد منهم يهمس في قلبه بدعاء وذكر.

كان قلب عمر يخفق مثل طبلة فرح، ومع ذلك بقي هادئًا متماسكًا. وفجأة دوّى صوت الأذان من المئذنة القريبة، فأحسّ وكأن نافذة نور فُتحت في صدره.

أغمض عينيه، رفع دعاءً قصيرًا، ثم شرب أول رشفة ماء ببطء، كأن جدولًا باردًا يجري في عروقه. أخذ تمرتين كما علّمه والده، وأتبعها بدعاء لأسرته وأصدقائه. ابتسم وقال بصوت واثق:
“لقد تغلّبت اليوم على وحوش الجوع ومغريات الطريق.”

صفق أخوه الصغير بحماس وصاح: “عمر بطل رمضان!”، فضحك الأب وقال:
“هذا هو النصر الحقيقي يا عمر: أن تختار الصبر وتثبت عليه.”

أضافت الأم بعينين تلمعان بالفخر:
“والأجمل أنك لم تصبر وحدك؛ بل استعنت بالذكر، والعمل الطيب، ومساعدة الآخرين.”

وفي خيال عمر، رأى جائع يطوي طبلته مطأطئ الرأس، ونَهِم يلوّح براية بيضاء مستسلمًا، أما لُقمة فوضع ملعقته جانبًا مبتسمًا:
“نعرف الآن أن قلبك أقوى… لكننا سنجرب حظنا غدًا.”

رفع عمر نظره إلى السماء فرأى النجمة الأولى تشرق في الأفق، فابتسم ووعد نفسه أن يجعل من كل يوم في رمضان مغامرة جديدة وانتصارًا صغيرًا، يقرّبه أكثر من سرّ الصيام: الصبر، والشكر، ونشر الخير بين الناس.

الأمسية الرمضانية الأولى

بعد أن انتهت الأسرة من الإفطار وجلست قليلًا تتبادل الضحكات والحديث، نهض الأب قائلًا:
“هيا يا أحبّتي، لنستعد لصلاة التراويح.”

ارتدى عمر ثوبه الصغير ومشى بجانب والده إلى المسجد، حيث كانت أصوات التكبير والقرآن تملأ المكان بهدوء مهيب. وقف عمر بين الصفوف، يستمع إلى الإمام وهو يتلو آياتٍ عذبة، فأحسّ كأن الكلمات تنير قلبه مثل الفوانيس المضيئة في الشارع.

وبعد الصلاة، جلس مع والده يرددان الأذكار، ثم عادا إلى البيت فوجد الأم تقرأ في المصحف، فأخذ عمر مصحفه الصغير وجلس بجانبها يقلّدها، يمرّر إصبعه على السطور ويحاول قراءة بعض الآيات التي يحفظها.

وفي تلك اللحظة، شعر أن قلبه ممتلئ بالسكينة، وأن تعبه طوال النهار تحوّل إلى طمأنينة جميلة. ابتسم وقال لنفسه:
“أريد أن أصوم غدًا أيضًا… وأكمل مغامرتي مع رمضان.”

وهكذا، انتهت أمسيته الرمضانية الأولى، لكنه كان يعلم أن كلّ يوم جديد سيحمل له دروسًا صغيرة، وانتصارات أكبر، وقربًا أعمق من الله.

استمع الآن إلى مجموعة من الأغاني الرمضانية المميزة للأطفال.

قصة الوضوء للأطفال: هيّا نتوضأ!

لنقرأ معًا قصة الوضوء للأطفال! هي قصّة قصيرة هادفة تعلّم صغارنا كيفية أداء الوضوء بصورة صحيحة، وكذلك أهميته وموجباته ومبطلاته، بأسلوب سهل مبسّط وممتع أيضًا!

صوت الأذان…

ارتفع صوت المؤذّن الجميل: “الله أكبر”، فالتفتت مريم إلى أخيها سليم وهما في ساحة المدرسة ينتظران صلاة الظهر.
قالت مريم: “سليم، أريد أن أصلّي معك في المصلى، لكن لا أعرف كيف أتوضأ بطريقة صحيحة.”
ابتسم سليم وقال: “فكرة رائعة يا مريم! الوضوء مثل المفتاح، ومن لا يملك المفتاح لا يستطيع أن يفتح باب الصلاة.”

سمعت المعلّمة آية كلامهما، فاقتربت قائلة: “تعالوا معي إلى ركن الماء في المصلى، سأقصّ عليكما حكاية صغيرة في كل خطوة، لتتذكّروها دائمًا.”

مشى سليم ومريم بجانب المعلمة، قالت المعلمة: “تخيّلوا أن قلوبنا مثل حديقة جميلة، والوضوء مثل المطر الذي يغسل أوراقها من الغبار، فيجعلها خضراء وزاهية في الصلاة.”

سألت مريم بفضول: “وهل الوضوء عبادة بحدّ ذاته؟”
أجابت المعلمة: “نعم، هو عبادة وطهارة، ومن ينوي الوضوء لله يكون له نورًا يوم القيامة.”

قال سليم بحماس: “إذن فلنبدأ الآن، خطوة خطوة!”

النيّة والبسملة… وترشيد الماء

وقفوا عند المغسلة، فقالت المعلمة آية:
“أول خطوة في الوضوء هي النية: أن أنوي في قلبي أن أتوضأ للصلاة طاعة لله. النية مكانها في القلب ولا داعي لأن نقولها بصوت عالٍ. وبعدها نقول: بسم الله، ثم نفتح الماء قليلًا فقط. فالمؤمن يقدّر النعمة ويحافظ عليها.”

أدار سليم المقبض بهدوء، فخرج خيط صغير من الماء. ابتسمت المعلمة وقالت:
“هذا يكفي. قبل أن نبدأ، سنتأكد أن المكان نظيف، وأننا سنتبع الترتيب الصحيح؛ فالوضوء مثل الحروف، إذا تغيّر ترتيبها في الكلمة تغير معنى الكلمة كاملًا!”

سألت مريم: “هل أقول بسم الله كل مرة؟”
أجابت المعلمة: “نعم، ونقول الحمد لله في النهاية أيضًا. الوضوء ليس ماءً فقط، بل أدب وهدوء. لا نلعب، لا نرشّ الآخرين، ولا نضيّع الماء.”

قال سليم بحماس: “أعدك أننا سنحافظ على الماء!”
وأضافت المعلمة: “وإذا طال الوقوف، نغلق الصنبور حتى لا يُهدَر الماء. وإذا سقطت قطرات على الأرض، نمسحها، لأن النظافة تجعل العبادة أجمل وتزيد الخشوع.”

اليدان والفم والأنف والوجه

قالت المعلّمة آية:
“نبدأ بغسل الكفّين ثلاث مرات، فهما مفتاح بقية الأعضاء.”

غسل سليم يديه، وحرّك أصابعه بين الماء حتى وصل الماء لكل جزء. ثم قالت المعلمة:
“الآن نتمضمض ثلاث مرات، نحرك الماء في الفم ثم نبصقه برفق. وبعدها نستـنشق الماء قليلًا بالأنف ونخرجه ثلاث مرات.”

ضحكت مريم وهي تشعر ببرودة الماء في أنفها، فقالت المعلمة مبتسمة:
“هذه البرودة توقظنا للصلاة!”

ثم أضافت:
“بعد ذلك نغسل الوجه من منابت الشعر حتى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن، ثلاث مرات. لا تنسوا الشفتين وأطراف الخدّين، لكن دون إسراف في الماء.”

نظرت مريم إلى المرآة فوق الحوض، فرأت قطرات تلمع على وجنتيها. فسألت:
“هل يكفي أن أمسح وجهي فقط؟”

ابتسمت المعلمة وأجابت:
“لا يا مريم، الوجه لا يكفي فيه المسح، بل يجب غسله بالماء. وتذكروا دائمًا: الرفق في الحركة، والترتيب في العد، والتأكد أن الماء يصل لكل مكان.”

ثم قالت:
“ومن الجميل أن نستعمل السواك أو نغسل الأسنان قبل الصلاة، فهذا يجعل الفم طيبًا، فيجتمع جمال الشكل والقلب، وتصبح الابتسامة نفسها عبادة”

وبينما كانوا يعدّون المرّات همسًا، صار العد مثل نشيد صغير يعلّمهم الصبر، ويجمع بين النظافة والابتسامة، ويهيّئ القلوب للخشوع في الصلاة.

اليدان إلى المِرفقين ومسح الرأس والأذنين

قالت المعلّمة آية:
“نغسل اليد اليمنى حتى المرفق ثلاث مرات، ثم نغسل اليسرى مثلها، ولا ننسى أن نبدأ دائمًا باليمين وأن نمرر الماء بين الأصابع”

راقبت مريم الماء وهو يصل حتى مرفقها، وتأكدت أن كل جزء قد ابتلّ. ثم تابعت المعلمة:
“بعدها نمسح الرأس مرة واحدة: نبلل اليدين قليلًا، ونمررهما من مقدمة الرأس إلى الخلف ثم نعود بهما للأمام، دون إكثار في الماء.”

رفع سليم يده وسأل: “وماذا عن الأذنين؟”
ابتسمت المعلمة وقالت: “الأذنان من الرأس. نمسحهما برفق: نُدخل السبابتين في داخل الأذن، ونمسح ظاهرها بالإبهامين.”

ضحكت مريم قائلة: “كأن أذني تسمع صوت الماء!”
فأجابت المعلمة: “الأهم أن نفعل كما علّمنا النبي ﷺ، بإتقان وخشوع. الوضوء يدرّبنا على الانتباه: نغسل اليد كلّها، ونمسح الرأس كلّه أيضًا.”

وفي النهاية اتفقوا أن يراقب كل واحد صاحبه بلطف، فإذا رأى مكانًا لم يصله الماء ذكّره بخير، حتى يكتمل الوضوء وتصبح هذه العادة الجميلة خلقًا دائمًا.

القدمان… وخطوات إلى النور

قالت المعلمة آية:
“الآن نغسل القدمين مع الكعبين ثلاث مرات. تأكدوا أن الماء دخل بين الأصابع، ويمكن أن نرفع القدم قليلًا ليصل الماء إلى أسفلها.”

رفع سليم قدمه على حافة المغسلة بحذر، فقالت المعلمة:
“أحسنت يا سليم، لكن بهدوء حتى لا ينزلق أحد.”

ثم تابعت:
“تذكروا الترتيب: أولًا الكفّان، ثم الفم والأنف، ثم الوجه، وبعدها اليدان إلى المرفقين، ثم الرأس والأذنان، وأخيرًا القدمان. هذا الترتيب مثل طريق مستقيم، وإذا خلطناه ضاعت منا الخطوات.”

سألت مريم: “وماذا نقول بعد أن ننتهي؟”
ابتسمت المعلمة وأجابت:
“نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.

شعر الأطفال براحة وهدوء في قلوبهم. فقالت المعلمة:
“الوضوء يجعل وجوهنا وأيدينا وأقدامنا منيرة يوم نلقى الله. ومع كل قطرة ماء تخرج الخطايا، وإذا أخلصنا النية زاد الأجر، وصارت خطواتنا إلى الصلاة خفيفة ومطمئنة.”

ومعًا خطوا جميعًا نحو المصلى بفرح، وكأن الطريق مفروش بضوء ناعم يذكّرهم أن الطهارة تصلح القلب والجسد، وتفتح باب الخشوع بسهولة.

اقرأ الآن: قصة للأطفال عن العناية بالأسنان | نورة والأسنان السعيدة

لماذا نتوضأ؟ وما الذي يبطل الوضوء؟

جلست المعلّمة آية مع مريم وسليم على سجادة المصلى وقالت:
“الوضوء ليس غسلًا بالماء فقط، بل هو تجهيز القلب والجسم للصلاة. عندما نغسل أيدينا نتذكر أن نعمل بها الخير، وعندما نغسل وجوهنا ننوي أن ننظر للشيء الطيّب فقط، وعندما نمسح رؤوسنا نطلب من الله أن يعطينا الحكمة، وعندما نغسل أقدامنا نعاهد أنفسنا أن نمشي في طريق يرضيه.”

قالت مريم وهي تبتسم: “أشعر أن همومي راحت مع قطرات الماء.”

أكملت المعلّمة:
“انتبهوا يا أحبّتي، هناك أمور تُبطل الوضوء: مثل أن يخرج شيء من مكان قضاء الحاجة، أو أن ينام الإنسان نومًا عميقًا لا يشعر فيه بنفسه. وعندما يحدث ذلك، نعيد الوضوء بهدوء ورضا، لأنه فرصة جديدة لنكون أنقى.”

رفع سليم يده بحماس وقال: “سأعلّم أخي الصغير خطوات الوضوء!”
ابتسمت المعلمة: “بارك الله فيك، علّموها للآخرين بلطف، وابدؤوا دائمًا بقول: بسم الله، واختموا بقول: الحمد لله.”

بعدها اصطفّ الأطفال للصلاة، ووجوههم تضيء من أثر الماء والذكر. وقالت المعلمة:
“الوضوء يطرد الكسل ويجعل القلب يقظًا لذكر الله. وإذا أخطأ أحدكم فليتُب ويتوضأ من جديد، لتعود روحه نقية ووجهه مبتسمًا.”

شاهد الآن: فيديو قصير لتعليم الوضوء للأطفال

اقرأ المزيد من القصص الدينية الهادفة للأطفال

قصص دينية للأطفال: يوم في الجنة

في مساءٍ هادئ، جلست «ليان» عند نافذة غرفتها تنظر إلى النجوم. كان يومها مليئًا بالخير؛ ساعدت أمها في ترتيب البيت، وأخرجت من حصّالتها صدقةً وضعتها في صندوق المدرسة، وابتسمت لصديقتها التي كانت حزينة.

قبل أن تنام، همست بصوتٍ خافت: «اللهمّ ارزقني الجنة، وأعِذْني من النار»، ثم غفت وقلبها مليء بالطمأنينة.

رأت في حلمها عصفورًا أبيض صغيرًا، يطير حولها ويغرّد بلحنٍ رقيقٍ كأنه يقول: «تعالي معي». تبعته، فإذا بساحة واسعة لامعة كأنها من اللؤلؤ، وعلى طرفها باب كبير يضيء بنورٍ لطيف لا يؤذي العين، وفوقه مكتوب «سلام». اقتربت ليان بخطوات مترددة، فإذا بروائح طيبة مثل رائحة الياسمين تملأ المكان وتغمر قلبها براحةٍ لم تعرفها من قبل.

سمعت صوتًا هادئًا يشبه حفيف الأشجار يقول: «سلامٌ عليكم…». لم ترَ أحدًا… التفتت لترى خلف الباب حدائق بلا نهاية، وأنهارًا صافية تجري بهدوء، وأشجارًا خضراء مليئة بالثمار كأنها تبتسم لها. قال العصفور: «هذا المكان له مفتاحان: توحيد الله، والعمل الصالح». ابتسم قلبها فرحًا، وتذكرت مساعدتها لصديقتها وصدقتها الصغيرة، فعرفت أن كل عملٍ تفعله إرضاءً لله يقرّبها من هذا الباب.

مدّت يدها لتلمس أزهارًا تضيء مثل المصابيح، سألت العصفور: «هل يمكنني الدخول؟» فغرّد: «باب الجنة يُفتح لمن أحب الله وأحسن للناس. ادخلي بسلامٍ آمنة». أخذت نفسًا عميقًا، وشعرت أن العالم كله يبتسم لها وهي تخطو أول خطوة…

أنهارٌ من نور

ما إن خطت ليان أول خطوة حتى انكشفت أمامها سهولٌ خضراء واسعة، وفي وسطها أنهار كأنها خيوط من نور تجري بهدوء. نهرٌ ماؤه صافٍ أحلى من العسل، وآخر أبيض مثل الحليب، وثالث يجري بعصير من أنواع فاكهة لم ترَها من قبل، لكن رائحتها تملأ القلب فرحًا. اقتربت ليان ومدّت كفها في النهر الصافي، فشعرت ببرودةٍ جميلة وانتعاش لطيف.

قال العصفور الأبيض الذي كان يرافقها: «هذه عطايا الله لعباده الذين أحبوه وأطاعوه». سألت ليان: «هل يمكن لأهل الجنة أن يشربوا منه متى أرادوا؟» غرّد العصفور: «هنا لا عطش ولا قلق؛ كل ما تتمنينه يتحقق». جلست ليان على العشب الأخضر، أغمضت عينيها قليلًا وهي تتذكر دعاءها قبل النوم، ثم فتحت عينيها وعزم جديد يضيء قلبها: حين أعود، سأزيد من طاعة الله.

اقرأ المزيد من القصص الدينية الهادفة للأطفال

ثمار القلوب

سارت ليان في ممرٍ ذهبي تحيط به الأزهار، حتى وصلت إلى شجرة أوراقها لامعة وثمارها على شكل قلوب صغيرة تضيء مثل المصابيح. أشارت إلى ثمرة قريبة منها، فقال العصفور: «هذه ثمار تنبتها الأعمال الصالحة. كل قلب هنا هو عمل صالح لك في الدنيا».

مدّت يدها ولمست ثمرة، فوجدت طعمها حلوًا وتذكرت ابتسامة أعطتها لصديقة حزينة، واليوم الذي ساعدت فيه أمها. قالت ليان بدهشة: «إذن لا يضيع أي خير؟» رد العصفور: «عند الله لا يضيع شيء. الكلمة الطيبة، والصدقة، وبرّ الوالدين؛ كلها تتحول هنا إلى خير كبير».

قطفت ثمرة أخرى، فشعرت بقلبها خفيفًا كأن جناح طائر يلمسه. همست: «ما أجمل أن يثمر الحب!» ثم وعدت نفسها أن تزرع قلوبًا أكثر حين تستيقظ.

بيوتٌ من سلام

على بعد خطوات، ظهرت بيوت بيضاء كأنها من لؤلؤ، نوافذها مفتوحة يدخل منها النور، وعلى أبوابها لافتات مكتوب عليها «سلام». اقتربت ليان، فسمعت أصواتًا رقيقة تملأ قلبها بالطمأنينة: «سلامٌ عليكم بما صبرتم».

دخلت بيتًا، فرأت غرفًا مضيئة بلا مصابيح، وسجادًا ناعمًا كالغيم يتحرك مع خطواتها، وأكوابًا موضوعة على موائد من نور. جلست على أريكة دافئة وخفيفة، فقال العصفور: «هذه البيوت لأهل الإحسان، يزور بعضهم بعضًا بلا تعب ولا ملل».

تخيّلت ليان أصدقاءها، وتمنت أن يجلسوا هنا معها. ثم رأت في زاوية البيت مرآة تشبه صفحة ماء هادئة، وحين نظرت فيها تذكرت كل مرة صبرت فيها على الغضب أو سامحت من أخطأ، عندها امتلأ قلبها بفخر هادئ، لأنها أدركت أن الصبر والرضا سلام في الدنيا والآخرة.

مجلس الأناشيد والذكر

أخذها العصفور إلى بستان واسع، أشجاره متشابكة، وفي وسطه منصة من نور يجتمع حولها الأطفال. لا أحد يرفع صوته؛ المكان كله هادئ لكنه مبهج… تتعالى فيه أنغام جميلة، ليست عالية ولا خافتة، كلها شكر لله وحمد على نعمه.

كان كل طفل يجلس ومعه «سجل الأعمال الحسنة»؛ كل صفحة فيه تلخص عملًا صالحًا فعله في الدنيا. فتحت ليان سجلها، فرأت حروفًا مضيئة: «صدقة صغيرة، مساعدة صديقة، استئذان مؤدب، استغفار».

همست لها طفلة قريبة: «هنا يذكّرنا كلّ واحد بقصة لخير فعله في الدنيا». ابتسمت ليان وقالت: «سأجمع قصصًا أكثر بكثير». وفي تلك اللحظة ارتفع في البستان نشيد لطيف: «السلام لأهل الإحسان»، فازدادت الأشجار نضارة واخضرارًا.

رحلة على أجنحة الطيور

رأت ليان طيورًا بيضاء كبيرة الأجنحة، تشبه سفنًا خفيفة تطير ببطء… اقترب أحدها منها، وانحنى بجناحه كأنه يدعوها للركوب. جلست ليان فوق ظهر الطائر، وما إن أمسكت بريشه حتى شعرت بخفة غريبة؛ ارتفعت عاليًا فوق الحدائق، فرأت الأنهار تتلألأ كالشرائط، والثمار تلمع مثل نجوم صغيرة، والبيوت البيضاء كأنها لآلئ فوق بساط أخضر.

قال العصفور الصغير وهو يطير بجانبها: «في الجنة لا خوف من السقوط». أخذ الطائر يحلق فوق «سوق الهدايا»، حيث يتبادل أهل الجنة العطايا بلا بيع ولا ثمن.

تمنّت ليان كتابًا من نور يحكي قصص الأنبياء والصالحين من غير صور، فصار الكتاب بين يديها. ضمته إلى صدرها وقالت بسعادة: «الحمد لله».

حديقة البذور الصغيرة

هبطت ليان في حديقة مشرقة، وفيها أحواض مرتبة بعناية، كل حوض منها يحمل اسم خُلُق جميل: «رحمة، أمانة، صدق، برّ». وبجانب كل حوض جَرّة ماء مكتوب عليها «بسم الله». قال العصفور: «هذه البذور هي الأعمال التي ينوي العبد فعلها، فإذا سقاها بالدعاء والعمل كبرت».

أخذت ليان الماء وسقت «الصدق» و«البرّ»، فإذا بالأزهار تنبت بألوان زاهية فورًا. همست: «أريد أن أزرع عادة الاستئذان دائمًا، وأن أنهي واجباتي قبل اللعب». وما إن نوت ذلك حتى ظهرت زهرتان جديدتان تتفتحان أمامها، فعرفت أن النية باب عظيم.

ثم كتبت على لوحة صغيرة: «لن يمرّ يوم بلا ذكر أو مساعدة لأحد». فجاءت نسمة طيبة رفعت اللوحة إلى قوس من نور، فثبتت فيه كأنها وعد محفوظ.

الجسر الذي يعيدنا إلى البيت

اقترب المساء في الجنة، لكنه مساء بلا ظلام، بل نور دافئ يملأ القلب بالسكينة. ظهرت أمام ليان قنطرة رقيقة تمتد فوق جدول صغير، وعلى حافتها لافتة مكتوب عليها: «جسر الدعاء». قال العصفور: «من هنا تعودين إلى عالمك، ومعك هدايا لا تُرى: عزيمة، وطمأنينة، وحب للخير».

مشت ليان على الجسر، فسمعت أصواتًا تعرفها: دعاء أمها لها، وابتسامة أبيها حين يراها تحسن إلى الآخرين، وكلمة «جزاكِ الله خيرًا» التي قالتها معلمتها يومًا.

وقفت في منتصف الجسر، وشكرت ربها على النعم، ووعدت نفسها أن تجعل من كل يوم طريقًا للجنة: صلاة بخشوع، برّ بالوالدين، صدقة ولو قليلة، وابتسامة ترفع الحزن. ثم سألت العصفور: «هل أراك من جديد؟» فأجاب بصوت كأغنية لطيفة: «أنا معك في كل عمل صالح تفعلينه».

أغمضت ليان عينيها… واستيقظت على نور الفجر.

وعدُ ليان

فتحت ليان نافذتها فرأت الهلال يلمع في السماء، فابتسمت وقالت: «يا رب، اجعلني من أهل الجنة». أخذت حصالتها وأخرجت منها نقودًا لتضعها في صندوق الصدقة، وساعدت أمها قبل أن تذهب إلى المدرسة، ووعدت نفسها ألا يمر يوم بلا طاعة.

كلما تذكرت ثمار القلوب وأنهار النور، ازداد شوقها لتكون من الذاهبين إلى الجنة. وهكذا صار حلمها الذي رأته عن الجنّة بداية لأيام مليئة بالطاعات في الدنيا… وطريقًا إلى نعيم لا ينتهي.

استمع الآن إلى نشيد “أن تدخلني ربي الجنة” للأطفال.

Exit mobile version