قصة عن أهمية التفكير الإيجابي: كيف غيّرت أفكاري عالمي الصغير

قيل قديمًا أن العقل كالحديقة، إن زرعت فيه أفكارًا إيجابية، ستحصد نتائج إيجابية، والعكس صحيح. تشير هذه المقولة الجميلة إلى أهمية التفكير الإيجابي والأفكار التي نغذّي بها عقولنا.

كلّ فكرة إيجابية هي شمعةٌ، تضيء طريقتك في مواجهة اليأس والخوف والفشل. وفي قصتنا اليوم، نقّدم قصة مؤثرة عن التفكير الإيجابي، ونحكي قصة الفتاة “أمل” وكيف تمكنّت بفكرة واحدة فقط أن تغيّر حياتها بأكملها.

قصة قصيرة عن أهمية التفكير الإيجابي

تبدأ أحداث قصتنا مع طفلة جميلة تُدعى أمل وتبلغ من العمر إحدى عشرة سنة. كانت أمل تحب الذهاب إلى المدرسة، لكنّ أكثر ما تحبه هو الرسم والتلوين. شاركت أمل في العديد من مسابقات الرسم، لكنّها لم تحصد أيّ نتائج مُرضية، وبالرغم من موهبتها المتميّزة، إلاّ أنّها لم تتمكّن من الفوز إطلاقًا في أيّ من هذه المسابقات، ممّا سبّب لها الحزن والإحباط، وبدأت الأفكار الرمادية المتشائمة تسيطر عليها.

وفي أحد الأيام، أعلنت المدرسة عن مسابقة جديدة للرسم، فقرّرت أمل الاشتراك فيها. وعند بداية المسابقة، حاولت أمل رسم لوحة، لكنها لم تتمكن من رسم ما تخيّلته في عقلها. جربت مرة، واثنتين، وثلاثًا، لكن بلا فائدة.

شعرت أمل بالإحباط، فتركت فرشاتها وانسحبت من المسابقة في النهاية، وقالت في لنفسها: “أنا سيئة في الرسم، ولا أملك المهارة الكافية لتحقيق الفوز”.

عادت أمل إلى منزلها واليأس يملأ قلبها، وكانت تفكّر في ترك الرسم وترى العالم حولها باهتًا بلا ألوان. عندما رأتها جدّتها، سألتها عن سبب حزنها. فردت أمل قائلة: “لم أتمكّن من إكمال لوحتى، إنني حزينة، وأريد ترك الرسم نهائيًا”.

احتضنت الجدة حفيدتها وابتسمت بلطف، ثم قالت: “يا ابنتي العزيزة إنكِ موهوبة ورسوماتك جميلة. لكنك دائمًا تفكرين بطريقة متشائمة، وهذا ما يجعلك في النهاية ترسمين بطريقة سيئة. ما رأيك أن تنظري إلى نفسك بطريقة مختلفة؟”

نظرت أمل إلى جدتها بدهشة وسألتها: “لكن، كيف يمكن لفكرة في عقلي أن تغيّر الواقع من حولي”.

ابتسمت الجدة وقالت: “سأحكي لكِ قصة قصيرة توضّح لكِ أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا، وكيف يمكن أن تؤثّر الأفكار على ما نقوم به، وعلى الأشياء من حولنا أيضًا”.

بدأت الجدة في سرد القصة قائلةً: “سأحكي لكِ يا أمل عن قصة فتى يُدعى باسم. كان يحب لعب كرة القدم كثيرًا، ويحلم بأن يصبح لاعبًا مشهورًا. وكان موهوبًا لدرجة أنّ كلّ من يراه يلعب يشعر وكأنه يشاهد لاعبًا كبيرًا في أحد الأندية العالمية.

في أحد الأيام، ذهب باسم إلى مدرسته، وعندما بدأ الفصل، سأل المعلم عن حلم كل طالب. رفع صديقة سامي يده وقال: “أريد أن أصبح طبيبًا ناجحًا مثل والدي.”

ثم قال أحمد: “أريد أن أصبح مهندسًا”.

وعندما جاء دور باسم، ابتسم وقال بكل ثقة: “أنا أحلم بأن ألعب كرة القدم مع فريقي المفضل”.

فجأة، عمت أصوات الضحك في الفصل وسخر الطلاب من حلمه، وقال أحدهم: “هل تمزح؟ كيف لفتى يعيش في قرية صغيرة أن يصبح لاعبًا في نادٍ عالمي؟”

حزن باسم من سخرية أصدقائه، وجلس طوال اليوم الدراسي يفكر في ما قاله أصدقائه، وبدأت الأفكار المتشائمة تتسلل إلى عقله ببطء. ومع انتهاء النهار، ذهب إلى تدريباته، لكنّه لم يستطع اللعب بمهاراة، فوبّخه مدرّبه. عندها شعر بأن أصدقائه على صواب.

حزن باسم بسبب سخرية أصدقائه، وبقي يفكّر في كلماتهم لعدّة أيام. بدأت الأفكار المتشائمة تتسلّل إلى عقله ببطء، حتى شعر بالضعف والحزن. وكان يذهب في كلّ يوم إلى تدريب كرة القدم حزينًا متشائمًا. فيما مضى، كان باسم يلعب بحماس ويركض ويصوّب بدقة. لكنّه الآن يسقط أكثر من مرة ويفقد الكرة بسهولة.

وبّخه المدرّب بحزم، وقال: “ما بك يا باسم؟ لماذا لا تلعب بمهارة مثل كلّ مرة؟”

طأطأ باسم رأسه حزينًا وقال: “ربّما لم أكن ماهرًا من البداية”.

توجّه باسم إلى منزله وهو يشعر بالإحباط، ويردّد في سرّه كلمات أصدقائه عن حلمه المستحيل. تعجّبت والدته من حديثه المتشائم، فسألته عن سبب هذا الكلام، أخبرها بما حدث معه في الفصل وكيف سخر أصدقائه من حلمه، وكيف وبخّه المدرب.

قاطعته والدته قائلة: “لقد أخطأت يا باسم، لا يجب أن تسمع لحديث المتشائم، ما رأيك إذا لبسنا النظارة السحرية”.

ردّ باسم: “النظارة السحرية”.

أجابت الأم: “نعم، ولكنها ليست نظارة حقيقية، بل هي نظارة التفكير الإيجابي، هي طريقة جديدة لرؤية العالم من حولنا”.

ثم تابعت حديثها: “يا بُنيّ، الأحلام هي أهداف مؤجلة تنتظر من يسعى لتحقيقها. يجب عليك أن تؤمن بحلمك وتسعى لتحقيقه مهما كانت الظروف. تحقيق الأحلام لن يكون سهلاً دائمًا، بل يتطلب مواجهة التحديات والقضاء عليها، والعزيمة، والصبر، والإصرار على النجاح”.

تأثّر باسم بكلام والدته، وصعد إلى غرفته. وظلّ يفكّر طوال الليل في نصائح والدته وفي أمر النظارة السحرية. وفي صباح اليوم التالي، أسرع إلى والدته وأخبرها بأنه سيكمل تدريباته وسيسعى لتحقيق حلمه ولن يلتفت إلى كلام أصدقائه. فرحت الأم بإصرار طفلها، ثم استأذنها للذهاب إلى النادي. أدّى باسم جميع تدريباته بنشاط وقوة.

كان باسم يحرص على الذهاب إلى التمرينات في مواعيدها، ويهتم بتناول طعام صحي، استعدادًا ليوم المنافسة الكبير. وعند عودته إلى المنزل، يُنهي واجباته المدرسية ويُراجع دروسه بانتظام، دون أن يُقصّر في أي جانب. مضت السنوات، وهو يحول كل موقف سيء إلى موقف إيجابي بنظارته السحرية. وفي أحد الأيام، أعلن النادي عن يوم مهم سيحضر مدربون من كافة الفرق، لاختيار أفضل اللاعبين لضمهم إلى فرقهم.

شعر باسم بأن هذا اليوم هو الفرصة التي انتظرها طويلًا، وقال لنفسه: “هذا هو اليوم الذي تدرّبتُ من أجله لسنوات. هذا هو اليوم الذي سأبدأ فيه تحقيق حلمي.”

وفي يوم المنافسة، حضر باسم برفقة والدته التي كانت تشجعه باستمرار وتسانده بكلماتها الإيجابية. نزل باسم إلى الملعب وتمكن من خطف أنظار كل المدربين بأدائه الرائع، وفي نهاية اليوم، تمكّن من الانضمام إلى المنتخب القومي لبلاده. شعر باسم بالسعادة والفرح الشديد لاقترابه من تحقيق حلمه، وأدرك أن الإصرار والتفكير الإيجابي كانا المفتاح الحقيقي لنجاحه.

أصبح باسم لاعبًا مشهورًا، وكان يصنع أهدافًا رائعة في كل مباراة، وبدأت شهرته تزداد يومًا بعد يوم. وفي أحد الأيام، أثناء ذهابه إلى التمرين، تفاجأ بأن مدرّب ناديه المفضل قد أرسل مندوبًا لمقابلته، ليقنعه بالانضمام إلى الفريق واللعب معهم. لم يصدق باسم نفسه، فقد كان هذا حلمه الكبير منذ الطفولة، والآن أصبح حقيقة بعد كل الجهد والتعب.

وبالفعل، سافر باسم إلى خارج البلاد، وبدأ تدريباته مع زملائه الجدد في الفريق. وقبل أول مباراة له مع ناديه المفضل، دعا والدته وكل أصدقائه لحضور المباراة، لرؤيتهه وهو يلعب مع ناديه المفضل.

وعندما انتهت المباراة، قال باسم بسعادة وهو يلوّح بيده للجمهور: “اليوم حققت حلمي الذي لم يصدّقه أحد، ووصلتُ لما حلمت به. أنصح كل من يسمعني أن يسعى وراء حلمه، ولا يستسلم أبدًا، ولا يلتفت إلى الكلمات المحبِطة. فالعمل الجاد والتفكير الإيجابي هما طريق تحقيق الأحلام”.

في نهاية القصة، سألت الجدة أمل: “هل تعرفين من هو باسم يا حفيدتي؟” هزّت أمل رأسها بالنفي، فأخرجت الجدة هاتفها، وعرضت عليها فيديو للاعب على الإنترنت، ثم أخبرتها: “هذا هو باسم، الذي أخبرتك عنه، هي قصة حقيقية”.

ذُهّلت أمل، وفهمت أخيرًا كيف يمكن للأفكار الإيجابية أن تؤثر على تصرفاتها وتساعدها على تحقيق أهدافها. وبعد تلك اللحظة، قرّرت أمل أن تلبس النظارة السحرية، وألا تترك مجالاً للأفكار المتشائمة لتتسلل إلى عقلها.

قالت لنفسها: “أنا أمتلك موهبة الرسم، ويمكنني أن أرسم لوحات جميلة”.

ذهبت أمل، وأحضرت أدواتها ولوحتها، وجلست بجانب جدتها ترسم لوحة جميلة للزهور. وفي صباح اليوم التالي، أخذت اللوحة إلى مدرستها لتُريها لمعلمتها، فاندهشت المعلمة من جمال اللوحة وتفاصيلها.

قالت المعلمة: “رسمتك جملية للغاية يا أمل. ستقيم المدرسة مسابقة للرسم، والفائز سيسافر إلى باريس لتعلّم الرسم خلال العطلة الصيفية. يجب أن تشتركي في هذه المسابقة”.

بدأت أمل في التدرّب على الرسم من جديد، وانضمت إلى نادي الرسم لتتعلم أكثر وتُطوّر مهاراتها استعدادًا للمسابقة. وفي يوم المسابقة، استيقظت أمل وجهزت أدواتها، لكن بدأ الخوف يتسلّل إلى عقلها وقلبها. لاحظت جدّتها ذلك، فاقتربت منها وقالت: “تذكّري يا أمل قصة باسم، وكيف حقق حلمه. فكّري بالأفكار الإيجايبة. أنا أثق بأنك ستفوزين بالمركز الأول”.

نظرت إلى جدّتها، وقالت: “لن أدع الأفكار المتشائمة تسيطر عليِّ، أنا أستطيع تحقيق الفوز اليوم، سأرسم لوحة جميلة تنبض بالحياة وتعجب كل من يراها”.

غادرت أمل المنزل، وهي عازمة على تحقيق المركز الأول. جلست في مكانها المخصص، وبدأت ترسم اللوحة بهدوء شديد، وهي تردد: “أنا أستطيع الفوز”.

وبعد عدة ساعات، انتهت أمل من لوحتها، وانتظرت رأي الحكّام. وبعد عدة مناقشات، صدرت نتائج المسابقة وحصلت أمل على المركز الأول. قفزت أمل من مكانها بسعادة، وركضت إلى جدتها التي كانت تنتظرها بفخر، وعانقتها بقوة. قالت الجدة بابتسامة: “ألم أقل لكِ إن التفكير الإيجابي يصنع المعجزات؟”

ذهبت أمل لتستلم جائزتها وسط تصفيق أصدقائها، اقترب منها أحد الحكام وسألها عن اسم لوحتها. نظرت أمل إلى لوحتها وقالت: “سأسمي لوحتي الفكرة المضيئة”. وأكملت حديثها قائلة: “كنت أرغب في رسم لوحة تعبّر عن أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا. أردت أن يشعر كل من يراها بالقوة ويسعي لتحقيقه”.

عادت أمل إلى المنزل وهي تحمل الجائزة، تملأها السعادة، وشكرت جدتها وقالت: “شكرًا لك يا جدتي، اليوم تعلمت الدرس جيدًا، وفهمت كيف يمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مسار حياتنا. ومن اليوم فصاعدًا، سأحرص دائمًا على قول كل الكلمات والأفكار الإيجابية لنفسي وللآخرين”.

ابتسمت الجدة ورتبت على كتفها قائلة: “وهكذا تبدأ الفكرة المضيئة في الانتشار.”

اقرأ أيضًا: قصة للأطفال عن توفير المال: سامر والديناصور الأخضر

المغزى من القصة

وفي نهاية القصة، تعلمنا من أمل كيف يمكن أن يساعدنا التفكير الإيجابي على تغيير نظرتنا لأنفسنا، ويحفّزنا على السعي لتحقيق أهدافنا وأحلامنا. وكيف يمكن للأفكار السلبية التي نُصدّقها عن أنفسنا أن تؤثر على ثقتنا بأنفسنا وأحلامنا.

يساعدنا التفكير الإيجابي على تحويل الخوف واليأس إلى إصرار وتحدٍّ، يعقبه نجاح وتحقيق الأهداف. كما نتعلّم أيضًا كيف يمكننا أن نشجع الآخرين، تمامًا كما كانت الجدة تشجع أمل باستمرار.

وتذكّر يا طفلي العزيز، قد لا تنجح محاولتك الأولى، ولكن بالسعي والمحاولة يمكننك أن نصل إلى ما نحلم به. لا تُصدّق كل ما يُقال عنك، أنت لست ما يقوله الآخرون عنك، بل ما تؤمن به عن نفسك. لذا، ثق بنفسك وفكر بإيجابية. وتذكّر في النهاية أن التفكير الإيجابي هو مفتاح النجاح.

اقرأ أيضًا: مالك الغاضب!| قصة قصيرة حول السيطرة على الغضب

ماذا تعرف عن التفاؤل المزيّف؟ اقرأ المقال كاملاً الآن.

قصة قصيرة حول تقبل الآخرين| الثعلب واللقلق

خلقنا الله مختلفين في أشكالنا وصفاتنا، فكلٌّ منا يحمل جماله الخاص بطريقته الفريدة. وفي عالمنا الكبير، قد نصادف من لا يشبهنا، وهذا لا يعني أبدًا أن نسخر أو نتنمّر على غيرنا، بل هي فرصة رائعة لتعلّم كيفية تقبل الآخرين واحترام مشاعرهم.

وفي قصتنا اليوم، تعلّم الثعلب درسًا لا يُنسى، درسًا مهمًا عن أن الاختلاف ليس عيبًا، بل ميزة مهمّة تزهر بها حياتنا. فلنقرأ معًا قصة “الثعلب واللقلق” ونتعلّم منها الاحترام وتقبل اختلافات الآخرين.

قصة الثعلب واللقلق ودرس في تقبل الآخرين

في قديم الزمان، في غابة خضراء مليئة بالأشجار والحيوانات المختلفة، عاش ثعلب ذكي وماكر، وكان الثعلب يشتهر بدهاءه وسخريته من باقي الحيوانات. أما جاره، طائر اللقلق، فكان طيب القلب، ولا يؤذي أحدًا، ويكنّ الاحترام للآخرين ويتقبل اختلاف كل واحد منهم، ويرى أن اختلافهم هو سرّ جمال الغابة، على عكس طبيعة الثعلب المكار.

على الرغم من كونهما جارين لا يفصل بين منزليهما سوى خطوات معدودة، إلا أن الثعلب واللقلق لم تربطهما أيّة صداقة. فقد كان الثعلب يُحب مضايقة اللقلق كثيرًا، ويسخر من منقاره الطويل وشكله المختلف عن باقي الحيوانات. ولم يكتف بذلك فقط، بل ويتفنن في صنع المقالب واختيار كلمات تُضحك بقية الحيوانات على مظهره المختلف. لم يملك اللقلق المسكين سوى الصمت وتجنب السخرية الجارحة.

وفي إحدى الليالي، شعر الثعلب بالملل، فجلس يُفكّر مليًا في طريقة لكسر هذا الملل. وما لبث أن خطرت في ذهنه خطة ماكرة يتسلّى بها على حساب مشاعر اللقلق الطيب. وما إن أشرقت الشمس، حتى توجّه الثعلب مسرعًا إلى منزل جاره اللقلق وقال بإبتسامة ماكرة: “مرحبًا يا جاري، أودّ أن أدعوك لتناول العشاء في بيتي غدًا.”

فرح اللقلق كثيرًا بدعوة الثعلب على العشاء، فهو يُحب مشاركة الأصدقاء على العشاء وقضاء وقت ممتع معهم. ظنّ اللقلق أن الثعلب ربما يريد أن الاعتذار عن تصرفاته السابقة، ولم يكن يدرك نية الثعلب الحقيقية. فابتسم اللقلق وردّ قائلاً: “بالطبع سأحضر في الموعد أيها الثعلب، أتمنى أن نقضي وقتًا ممتعًا سويًا. أشكرك على هذه الدعوة اللطيفة”.

وفي صباح اليوم التالي، شرع الثعلب في تنفيذ خطته الماكرة. فقد قرر أن يُحرج اللقلق، لا أن يعتذر له كما ظنّ. بدأ بترتيب منزله وأعدّ العشاء. جهّز حساءً لذيذًا، ولكنه سكبه في طبقين مسطحين، وهو يتخيل منظر اللقلق المسكين وهو يحاول أن يأكل بمنقاره الطويل دون جدوى.

وصل اللقلق في الموعد المتفق عليه مبتسمًا، وأحضر معه هدية لطيفة ليُقّدمها للثعلب ليشكره على دعوته. دقّ اللقلق جرس الباب، وعندما فتح الثعلب الباب، قال اللقلق: “مساء الخير يا جاري، شكرًا لدعوتي إلى منزلك، وأرجو أن تقبل هذه الهدية مني”.

أجاب الثعلب بخبث: “تفضل يا صديقي، لنجلس ونتناول العشاء ونتسامر سويًا”.

ثم ذهب إلى المطبخ وأحضر الأطباق، وقال مبتسمًا: “تفضل هذا الحساء لقد أعددته خصيصًا لك”.

جلس الاثنان سويًا على طاولة العشاء، وتناول الثعلب الحساء بسرعة وراحة، بينما حاول اللقلق أن يتناول الحساء ولكنه لم يتمكّن من ذلك بسبب منقاره الطويل المدبب، سكت اللقلق ولم يرد أن يُحرج الثعلب وقال: “إنني لا أشعر بالجوع هذه الليلة”.

لم يبال الثعلب بما قاله اللقلق، ورد ساخرًا: ” لم آكل حساء بهذه اللذة منذ زمن، لقد استمتعت كثيرًا بهذه الوجبة المذهلة”.

شعر اللقلق بالاستياء من خدعة الثعلب المكّار، لكنه لم يظهر علامات للغضب أو الحزن، بل بقي هادئًا، وفهم أن الثعلب خطط لهذه المكيدة مسبقًا.

شكر اللقلق الثعلب على وجبة العشاء، وعاد إلى بيته حزينًا ومستاءً مما فعله الثعلب. فكر بهدوء وقال لنفسه: ” أحيانًا لا يفهم الآخرون أننا مختلفون عنهم. وربما يعتقدون أن السخرية على اختلافنا شيء ممتع. سأعلمك درسًا لن تنساه أيها الثعلب”.

وبعد أسبوع من تلك الليلة، تفاجأ الثعلب حين فتح الباب ووجد اللقلق واقفًا أمام منزله. استغرب الثعلب من وجود اللقلق، فهو لم يره منذ ذلك الليلة.

قال اللقلق: “مساء الخير يا صديقي العزيز، أريد دعوتك لتناول وجبة العشاء معي غدًا، هل ترغب بالقدوم؟”.

لم يشك الثعلب في سبب الدعوة، وقال في نفسه:” ربما يودّ أن يرد لي الوجبة التي أعددتها له سابقًا، يالها من طائر ساذج”.

قطع اللقلق تفكير الثعلب، وقال: “ما رأيك يا صديقي؟”.

وأجاب مبتسمًا: “حسنًا، سآتي أيها اللقلق، انتظرني غدًا”.

وفي اليوم التالي، توجّه الثعلب إلى منزل اللقلق فرحًا ومتشوقًا لتناول الوجبة. استقبله اللقلق بابتسامة رقيقة، وقال: “تفضل يا صديقي، أشكرك على تلبية دعوتي، هيا لنتناول العشاء، لقد أعددت لك أشهى الأطباق”.

عندما دخل الثعلب إلى المنزل، اندهش من طاولة الطعام الممتلئة بالأطباق اللذيذة والشهية، وجلس على كرسيه وبدأ ينظر إلى الطعام ويعلو على وجهه ابتسامة كبيرة. ثم استأذنه اللقلق ليحضر الطبق الرئيسي من المطبخ.

عاد اللقلق بعد لحظات حاملاً بين يديه طبقين، وصعق الثعلب ممّا رآه! لقد كان اللقلق يحمل جرّتين طويلتين فيهما سمك مشوي تفوح رائحته الرشهية في الأرجاء. ابتسم اللقلق وقال: “تفضل يا صديقي، لقد أعددت لك السمك الذي تحبه”.

حاول الثعلب التقاط الطعام، لكنه لم يستطع إدخال فمه داخل الجرة، لأنها كانت طويلة وضيقة جدًا على فمه القصير، بينما استمتع اللقلق بتناول السمك بسهولة.

شعر الثعلب بالحزن والإحراج، لأنه لم يتمكن من تناول الطعام الشهي اللذيذ. نظر إلى اللقلق وقال: “أعتقد أنني فهمت الآن ما تريد قوله.”

أنهى اللقلق طعامه وقال بهدوء: “لم أرد أن أؤذيك أو أغضبك في تلك الليلة، رغم أنك آذيت وجرحت مشاعري. ولكني اليوم أردتك أن تعرف ما شعرتُ به أنا في تلك الليلة. وأن تحسّ بما يحسّ به الآخرون عندما يكونون في مكان لا يقبل اختلافهم. أردتك يا صديقي أن تعرف أن اختلافنا لا يعني أن نسخر من بعضنا البعض، بل أن نحترم بعضنا.”

نظر الثعلب إليه بخجل وقال: “كنت أظن أن السخرية ممتعة، ولم أدرك أن ذلك يؤذي مشاعرك ويسبب لك الحزن”. وتابع كلامه قائلاً: “لقد تعلمت الدرس، فهمت أننا يجب أن نحترم اختلاف بعضنا ونتقبل الآخرين كما هم، ونفكر في طريقة تناسب الجميع لنحافظ على صداقتنا”.

اعتذر الثعلب، وعانق اللقلق، وقال:” أعتذر يا صديقي، أتمنى أن تسامحنى على ما فعلته بك، وأود أن تكوني صديقي على الرغم من اختلافتنا الخارجية”.

مدّ اللقلق جناحيه وضم الثعلب إليه، ثم قال مبتسمًا: “بالطبع يا صديقي، اختلافنا لا يُفرقنا، بل يجعل صداقتنا مميزة.”

وفي تلك اللحظة، نهض اللقلق، ودخل إلى المطبخ، وعاد وهو يحمل طبقًا مسطّحًا عليه السمك الذي يحبه الثعلب، وقال: “لقد أعددتُ هذا لك، لتأكله كما تحب.” ضحك الصديقان وتناولا الطعام وتحدثا معًا طوال الليل.

ومنذ ذلك اليوم، أصبح كلّ من الثعلب واللقلق صديقين مقرّبين، وأخذا يمضيان الوقت معًا، ويتحدثان ويتسامران معًا، ويلعبان الألعاب، ويُحضّران الوجبات معًا بطريقة تناسب كليهما.

اقرأ أيضًا: قصة عن الكذب للأطفال: الراعي والذئب

تعلّم الثعلب درسًا مهمًّا في تلك الليلة، وأدرك أهمية تقبل الآخرين، وأدرك أنّ اختلافهم عنه لا يُبرر السخرية منهم والتنمرّ عليهم، بل يجب عليه أن يتقبّل ويحترم اختلافهم، ويفكّر في طريقة تناسب الجميع، ليتمكن من الحفاظ على صداقته معهم. ومنذ ذلك اليوم، قرّر أن يتغير ويصاحب الجميع، مهما كان شكلهم أو صفاتهم.

وأنت يا صغيري، تذكّر دائمًا أن جميعنا مختلفون، لكل منا لونٌ وشكلٌ خاص به، هذا الاختلاف هو السر الذي يضيف جمالاً خاصًا إلى الحياة. تخيّل لو أنّنا جميعًا متشابهون! لن تكون الحياة حينها ممتعة أو مميزة، بل مملّة باهتة! لذلك، تعلّم من قصتنا أن تتقبل الآخرين كما هم، وألاّ تسخر من اختلافاتهم أو تتنمر عليهم. بدلاً من ذلك ساعدهم وكن لهم صديقًا وفيًا. فالأصدقاء الحقيقيون هم من يتقّبلون بعضهم البعض على الرغم من اختلافهم.

اقرأ المزيد من القصص الملهمة.

Exit mobile version