يُعدّ النوم المبكر للأطفال من أهمّ العادات التي يجب أن يكتسبها أطفالنا، فهو لبنة أساسية التي تُبنى عليها صحّة الطفل ونموّه. وفي الوقت الذي ننظر إليه كوقت للراحة والسكون، ينطوي النوم على عملية معقّدة تحدث فيها الكثير من المعجزات الصغيرة. خلال النوم، يعمل الجسم على تجديد الخلايا وتقوية الجهاز المناعي وتثبيت المعلومات التي اكتسبها الطفل في النهار.
لكن ما الذي قد يحدث إن تجاهل الطفل أهميّة النوم؟! وأصرّ على السهر واللهو حتى وقتٍ متأخر في كلّ يوم؟ هذا ما سيُخبرنا به قنفوذ الصغير، في هذه القصّة الظريفة عن أهميّة النوم المبكّر للأطفال.
في غابة واسعة مليئة بالأشجار العالية والزهور الملونة، كانت الحيوانات تعيش بسلام ونظامٍ، تبدأ يومها مع بزوغ الفجر، تنشط وتلعب تحت أشعة الشمس، ثم تستعد للنوم عندما يحلّ المساء، ويغمرها هدوء النجوم…
كلّ شيء في الغابة يسير بانسجام؛ الطيور تستيقظ باكرًا لتغني، الأرانب تجري إلى المدرسة بنشاط، والدببة الصغار تنامُ بعد العشاء مباشرة وهي تعانق دُماها المفضّلة.
لكن كان هناك من لا يُشبههم تمامًا…
إنه قنفوذ الصغير، يعيش في بيت دافئ في قلب شجرة بلّوط قديمة، ذكي، محب للاستكشاف، وفضولي إلى حدٍّ كبير… لكنه لا يحب النوم أبدًا!
حين تنام الغابة، يبدأ يوم قنفوذ الحقيقي! فيتسلّل إلى قصصه السرية، يراقب القمر من نافذته الصغيرة، ويقول لنفسه كل ليلة:
“سأنام بعد دقيقة… فقط دقيقة واحدة أخرى!”
تمرّ الليالي وهو يسهر، يضحك، ويؤجل النوم ظنًّا منه أن النوم ممل، وأنّه يفوت عليه الكثير من المغامرات والأحداث، وأنّ المتعة لا تأتي إلا بعد أن ينام الجميع.
لكن…شيئًا فشيئًا، بدأت الغابة تتغير في عينيه… النهار صار متعبًا، اللعب صار مرهقًا، والمزاج صار غائمًا، وكأن السهر سرق منه شيئًا جميلًا لم يعرفه من قبل.
الفوضى الصباحية
لكنّه لم يكن يشعر بالراحة التي يشعر بها الجميع، كان يشعر بثقل في عينيه، وكسل في جسده الصغير.
ركض نحو نافذته لينظر إلى السماء الزرقاء، ثم نظر إلى ساعته الصغيرة.
يا للأسف! لقد تأخر كثيرًا!
حاول بسرعة ارتداء ملابسه، لكنّه وقع في فوضى: حذاؤه الأيسر غير موجود، وحقيبته ملقاة على الأرض.
ركض خارج البيت وهو يلهث.
تبعته الدبة الصغيرة “ماما توت” بابتسامة مُحِبّة لكنها قلقة:
“يا قنفوذ، هل نمت جيدًا الليلة؟ أنت تبدو متعبًا جدًّا.”
لم يرد قنفوذ، ركض نحو الحافلة التي بدأت تتحرك.
حاول اللحاق بها لكن قدمه انزلقت على حجر صغير، وسقط على ركبتيه، فأصاب يده بالوحل.
وقف، نظف يده بعجل، وأسرع للحاق بالحافلة، لكنه كان متأخرًا بالفعل.
شاهد الحافلة تبتعد أمامه، ووقف على الرصيف يشعر بالحزن.
وصل إلى المدرسة بعد قليل سيرًا على الأقدام، وجهه متعب، وملابسه متسخة قليلًا.
الحصة المتعبة
جلس قنفوذ في صفه، ورفع رأسه ببطء محاولًا التركيز، لكنّ عينيه كانتا ترفرفان من التعب.
كانت “بومة الحكيمة” تشرح درسًا عن الكواكب بنبرة هادئة وصوت شجي، يعانق كل كلمة فيه شغفًا وعلمًا.
لكنّ قنفوذ لم يكن يستمع؛كان يفكر في لعبته التي تركها في البيت، وفي قصته المفضلة التي لم يكملها، وفي حلمه بأن يسهر أكثر.
حين سألته المعلمة فجأة عن أكبر كوكب في المجموعة الشمسية، لم يستطع الرد بسرعة، فقال بحيرة:
“ممم… كوكب العسل؟”
ضحك الطلاب جميعًا، واحمرّ هو خجلًا.
اقترب منه الأرنب رعد وهمس له:
“قنفوذ، النوم مهم يا صاحبي! لا يمكنك أن تنجح إن كنت تشعر بالنعاس في الصف طوال الوقت!”
تمنّى قنفوذ لو استطاع أن ينام جيدًا، لكنه لم يعرف كيف يغيّر عادته.
نسيان وغضب
في وقت توزيع الواجبات، جاء دور قنفوذ ليُسلّم ورقته.
بحث في حقيبته، لكنه لم يجدها! قلب حقيبته مرارًا، وأدرك أنه نسيها في البيت.
تملّكه الغضب والخجل، فصرخ:
“لا أحتاج مساعدتكم! أستطيع حلها وحدي!”
تفاجأ الأصدقاء من تصرفه، وابتعدوا عنه بهدوء.
جلست بجانبه السلحفاة روان، التي تعرف أن التعب يؤثر على المزاج، وقالت له بلطف:
“قنفوذ، أنت تعبان جدًّا. عندما لا ننام كفاية، نصبح سريعي الغضب وننسى الأشياء بسهولة.”
نظر قنفوذ إلى الأرض، وشعر بالحزن. كان يريد أن يكون كائنًا سعيدًا وهادئًا كما كان قبل فترة.
حديث المساء
عاد قنفوذ إلى بيته الصغير تحت شجرة البلوط.
كان المنزل دافئًا وهادئًا، مع نوافذ صغيرة تفتح على الغابة المظلمة.
في زاوية البيت، جلست جدته “ميمو” تنتظره، تحمل كوبًا دافئًا من الحليب بالعسل.
قالت له بابتسامة دافئة:
“يا قنفوذ، الجسم يحتاج للراحة كي يكبر ويكون قويًّا. النوم هو وقت العلاج والتعافي.”
جلس قنفوذ بجانبها، وأخذ رشفة من الحليب الدافئ، وأغمض عينيه للحظة.
قال بصوت خافت:
“أنا أشعر بالتعب، ولا أستطيع التركيز… ماذا أفعل يا جدتي؟”
ابتسمت جدته وقالت:
“جرب أن تنام مبكرًا الليلة. أجربها معك، وسنرى كيف ستشعر في الصباح.”
التجربة الجديدة
في تلك الليلة، أطفأ قنفوذ ألعابه، وغسل أسنانه، واستلقى على سريره المصنوع من أوراق البلوط الناعمة.
الهدوء كان يعم الغرفة، والنجوم تلمع كحبات الماس من نافذته.
تنفس بعمق، وغلق عينيه.
بدأ يحلم بأماكن جميلة، حيث كان يركض ويلعب بسعادة دون تعب أو غضب.
صباح المفاجأة
في الصباح التالي، استيقظ قنفوذ مبكرًا قبل أن تشرق الشمس بقليل.
شعر بنشاط لم يشعر به منذ زمن بعيد، وأصبح كل شيء يبدو أجمل وأوضح.
تناول فطوره بسرعة، وحزم حقيبته بكل حماس، ووصل إلى المدرسة قبل أصدقائه.
في الصف، أجاب عن الأسئلة بسهولة، وتذكر كل شيء تعلّمه... وفي وقت اللعب ركض بسعادة مع الجميع، وابتسامته تملأ وجهه.
قالت المعلمة بومة الحكيمة بسعادة:
“يا له من تغيير رائع! يبدو أن النوم الجيد يفعل العجائب.”
ابتسم قنفوذ وقال بفخر:
“النوم المبكر هو سر الطاقة والسعادة!”
الخاتمة
منذ ذلك اليوم، تغير قنفوذ كثيرًا، وصار ينام باكرًا كل ليلة، لا يؤجل النوم كما كان يفعل من قبل. أصبح يستيقظ مع شروق الشمس، مليئًا بالنشاط والطاقة، جاهزًا ليوم جديد من المغامرات واللعب والتعلم.
في المدرسة، لاحظ الجميع الفرق الكبير في قنفوذ. لم يعد يتأخر أو ينسى واجباته، بل صار من أكثر الأطفال انتباهًا واجتهادًا. كان يرفع يده ليجيب على الأسئلة بحماس، ويشارك في الأنشطة بابتسامة مشرقة لا تفارقه.
وفي وقت اللعب، أصبح قنفوذ سريع الحركة، يلعب مع أصدقائه بفرح، ويضحك من قلبه. حتى أنه أصبح يساعد من كانوا يعانون مثله سابقًا، يُخبرهم بقصة نومه الجديدة، ويشجعهم على النوم مبكرًا ليشعروا بسعادة ونشاط مثله.
ذات يوم، اجتمعت حيوانات الغابة الصغيرة في حفلة مسائية، وطلبوا من قنفوذ أن يخبرهم بسرّ نشاطه الجديد. وقف قنفوذ أمام الجميع، وابتسم قائلًا:
“السرّ هو النوم المبكر يا أصدقائي! النوم ليس فقط للراحة، بل هو وقت ينمو فيه جسدكم، ويزداد فيه ذكاؤكم، ويهدأ فيه قلبكم.”
ابتسم الجميع، وقرروا أن يجعلوا النوم عادة جميلة في حياتهم.
عاد قنفوذ إلى بيته الصغير تحت شجرة البلوط، فتح نافذته لينظر إلى النجوم المتلألئة، وقال لنفسه وهو سعيد:
“النوم صديقي الجديد، وشريك كل مغامراتي القادمة.”
وهكذا، عاش قنفوذ سعيدًا ونشيطًا، وكل ليلة ينام باكرًا ليستيقظ بطل الغابة الصغير مستعدًا لتحقيق أحلامه الكبيرة.
نصيحة من قنفوذ
لا تؤجل النوم من أجل اللعب أو القصص أو الأجهزة.
عقلك يحتاج النوم لينمو، وقلبك يحتاج الراحة ليكون مطمئنًا،
وجسمك يحتاج الليل كي يستعد ليوم جديد ومليء بالمغامرات.
في عمر 6 سنوات، يبدأ الأطفال في تطوير مهاراتهم اللغوية، مما يجعل هذا الوقت مناسبًا لتعزيز تلك المهارات، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال استخدام القصص الممتعة.
جمعنا لكم اليوم قائمة بقصص قبل النوم للأطفال، حيث تُعدّ القصص وسيلة فعالة لتطوير مهارات الأطفال وتنمية خيالهم وإبداعهم. ليس هذا فحسب، بل فيها فرصة لغرس القيم والأخلاق في نفوس الأطفال وتعويدهم عليها منذ الصغر، بالإضافة إلى تهذيب سلوكهم بطريقة هادفة وممتعة.
في هذا المقال، نقدّم لكم أفضل قصص الأطفال لعمر 6 سنوات، وقد تمّ اختيارها بعناية، واستخدمنا كلمات بسيطة تتناسب مع مستوى فهم الأطفال وتتلائم قدراتهم المعرفية.
قصص قبل النوم: قصة عازف مزمار هاملين
أحداث القصة
في قديم الزمان، عاش سكان مدينة هاملين حياة هانئة على ضفاف النهر. لكن في أحد الأيام، امتلأت شوارع المدينة بالفئران مسببة مشاكل عديدة في كلّ مكان. لم تترك الفئران مكانًا في المدينة إلا دخلته وقضت على الطعام وأزعجت السكان. حاول أهل المدينة التخلص منها بكل الطرق، لكن دون جدوى.
في صباح أحد الأيام، ظهر رجل غريب يرتدي ملابس زاهية الالوان وقبعة تزينها ريشة حمراء، ويحمل في يديه مزمارًا. لم يكن يشبه أهل المدينة وكانت ألحانه جميلة لدرجة أن الطيور كانت تقف بجانبه لتستمع إلى موسيقاه. وقف عازف المزمار في وسط الساحة، فتجمّع حوله السكان مندهشين من مظهره. وعرض عليهم مساعدتهم في التخلّص من الفئران.
قال العازف: “أستطيع مساعدتكم في التخلّص من الفئران بسهولة، لكن يجب أن تعطوني أجرًا مقابل ذلك”.
نظر إليه السكان بدهشة، ثم وافقوا على طلبه. فقد كانوا يريدون التخلّص من الفئران التي أفسدت طعامهم ونشرت الأمراض في البيوت وأصواتهم المزعجة بأيّ ثمن. رفع العازف مزماره إلى فمه وبدأ يعزف لحنًا غريبًا تردّد صداه في الشوارع، كان لحنًا لم يسبق لسكّان المدينة أن سمعوه من قبل. ولم تمرّ سوى دقائق، حتى خرجت الفئران من كل زاوية وركن.
سارت الفئران خلف العازف في صفوف متوازية، وتبعته حتى وصل إلى النهر. وهناك، توقفت الموسيقى وجرفتهم مياه النهر بعيدًا عن المدينة. غمرت أصوات الفرحة المدينة، وامتلأت الشوارع بالتصفيق والتهليل، فرحين بتخلّصهم من الفئران إلى الأبد، وشكروا عازف المزمار على مساعدته العظيمة.
قال العازف: “لقد أنجزت مهمتي، أين أجري؟”
تهرّب الناس وبدأ يتهامسون: “إن المبلغ كبير، لم يفعل شيئًا يستحق هذا المبلغ، لم يفعل شيئًا سوى العزف”. ومع تذمّر أهل المدينة، استجاب لهم العمدة، وقال للعازف: “لم تكن المهمة تستحق هذا المبلغ. سأمنحك نصف المبلغ”.
شعر عازف المزمار بالغدر وارتسمت على وجهه علامات الغضب والخيبة. فقد أوفى بوعده وساعد أهل المدينة بإخلاص، لكنهم أخلفوا وعدهم. لم يقل شيئًا وتراجع خطوة إلى الخلف، ثم رفع مزماره مرة أخرى، ولكن هذه المرة عزف لحنًا حزينًا ملأ صداه أجواء المدينة. تعجّب السكان من عزفه، ثم فجأة خرج الأطفال من منازلهم واحدًا تلو الآخر، وساروا خلف العازف كأنهم تحت تأثير تعويذة سحرية.
صاح الآباء والأمهات، وركضوا خلفهم محاولين إيقافهم، لكن دون جودى. واصل العازف السير خارج المدينة، والأطفال خلفه، حتى اختفوا في الأفق لم يستطع أحد إيقافه أو إبطال مفعول السحر، فعمّ الحزن والندم. أدرك العمدة وأهل المدينة خطأهم، لكن بعد فوات الأوان.
العبرة من القصة
من القصص الكلاسيكية الجميلة التي يمكنك سردها ضمن مجموعة قصص قبل النوم، فهي تحمل في طياتها العديد من العبر والقيم النبيلة. إذ يتعلّم الأطفال من هذه القصة أهمية الوفاء بالوعود، وأن الجشع قد يؤدي إلى خسارة أشياء لا تقدَّر بثمن. كما تغرس فيهم قيمة احترام الآخرين وعدم الاستخفاف بجهودهم، فلكل عمل أهميته مهما كان بسيط، وكل إنسان يستحق التقدير.
قصة “القرد والتمساح” هي واحدة من القصص الت تُروى للأطفال ضمن مجموعة قصص قبل النوم، ومناسبة للأطفال في سن السادسة. وهي إحدى القصص المذكورة في كتاب كليلة ودمنة.
أحداث القصة
يُحكى في قديم الزمان، في غابة جميلة تحيط بها الأشجار الخضراء، عاش قرد طيب القلب على إحدى أغصان شجرة موز بالقرب من بحيرة كبيرة. وفي صباح مشمس، بينما كان القرد يستمتع بتناول حبات الموز اللذيذة، لاحظ تمساحًا منهكًا يستريح قرب الشجرة، ويبدو عليه آثار التعب والإرهاق. اقترب القرد منه، وقال: “تبدو متعبًا جدًا، ما الذي حدث لك؟”
ردّ التمساح وقال بصوت متعب: “حاولت اليوم صيد الأسماك، لكنني لم أنجح، أشعر بالجوع والإرهاق.”
أشفق القرد على التمساح الجائع، فقطف بعض حبات الموز وقدّمه للتمساح، وقال: ” تفضّل، هذه فاكة لذيذة”.
التهم التمساح الفاكهة بسرعة من شدة الجوع، وأعجب بطعمها الذيذ وطلب المزيد. فقطف القرد بضع حبات أخرى وأعطاها للتمساح بإبتسامة. شكر التمساح القرد، ومن هنا بدأت تنمو بينهما صداقة بينهما مع مرور الأيام. وأصبح التمساح يزور القرد يوميًا ليستمتع برفقة صديقه والفاكهة اللذيذة.
ذات يوم، عاد التمساح إلى منزله وأخبر زوجته وعائلته عن تلك الفاكهة الشهية. فطلبت الزوجة أن يحضر لهم بعضًا منها لتتذوقها. وفي اليوم التالي، زار التمساح القرد، وطلب منه أن يعطيه بعض الفاكهة الإضافية لعائلته. ولم يتردد القرد في تلبية طلبه، وقدّم له سلة مليئة بالموز.
تقاسم التمساح الفاكهة مع زوجته، التي استمتعت بتناولها، فهي لم يسبق لها أن تناولت شيئًا حلوًا كهذا. بعد أن تذوقت الفاكهة، امتلأ قلب الزوجة بالغيرة والطمع، وتخيّلت أن طعم القرد نفسه سيكون ألذ، لأنه يتغذى على الفواكه كل يوم.
ففكّرت في خطة لتحصل على القرد، وأخبرت زوجها أنها تعاني من مرض شديد، وأن الطبيب نصحها بتناول قلب قرد لتُشفى. وأصرّت عليه أن يحضر لها صديقه القرد لتأكله. صُدم التمساح من حديث زوجته، وقال: “ما … ماذا تقولين؟ كيف يمكنني أن أؤذي صديقي؟ أنه صديقي الوحيد”.
لم تستمع الزوجة الجشعة وألحّت عليه، مُدّعية تعبها الشّديد، لم يدْرِ التمساح المسكين ماذا يفعل، لم يكن يريد أن يؤذي صديقه، لكنه لم يستطع رفض طلبها. وفي اليوم التالي، زار التمساح صديقه، وقال بإبتسامة مخادعة: “مرحبًا يا صديقي العزيز، إن زوجتى تدعوك لتناول الغداء معنا اليوم لتشكرك على الفاكهة”.
تردّد القرد للحظة وقال: “أريد الذهاب، لكن كيف أعبر البحيرة؟ أنا لا أجيد السباحة، ومنزلك على الضفة الأخرى من البحيرة.”
ردّ التمساح: “لا تقلق، يا صديقي. لقد فكّرت في هذه المشكلة، ويمكنك الركوب على ظهري، سأوصلك بأمان”.
لم يشُكّ القرد في نوايا التمساح الخبيثة، وقال: “حسنًا، دعني أجمع بعض الفاكهة أولاً”.
حالما قطف القرد ما يكفي من الفاكهة لزوجة التمساح، صعد على ظهر التمساح، وانطلقا نحو البحيرة، حيث كانت المياه تتلألأ كمرآة تحت أشعة الشمس. عندما وصلا إلى منتصف البحيرة، توقف التمساح، وقال: “أنا آسف جدًا يا صديقي، لكن زوجتي مريضة جدًا، والطريقة الوحيدة لإنقاذها هو قلبك.”
عندما سمع القردد كلمات التمساح القاسية، تجمد في مكانه للحظة. لم يصدق أن صديقه الذي شاركه الفاكهة والحديث يمكن أن يطعنه في ظهره بهذا الشكل.
فكّر القرد سريعًا في طريقة لإنقاذه من هذه الورطة، ثم قال: “يا صديقي العزيز، يؤسفني جدًا سماع نبأ مرض زوجتك. أنا مستعد للمساعدة، لكنني نسيت قلبي في المنزل”.
صدّق التمساح كلام القرد، وصاح: “ماذا؟! يجب أن نعود فورًا لنحضر قلبك”.
سبح التمساح عائدًا للضفة. حالما وصلا، قفز القرد عن ظهره، وتسلق الشجرة سريعًا. ثم نظر إلى التمساح، وقال: “أيها الأحمق، ألا تعلم أن قلوبنا في أجسامنا؟ لن أثق بك مرة أخرى ولن أعطيك فاكهة بعد الآن”.
ثم أضاف: “لقد ظننتك صديقًا حقيقيًا، لكنك علمتني أن الثقة لا تُعطى إلا لمن يستحقها.”
شعر التمساح بالخجل وأدرك أنه فقد صديقه للأبد. أما القرد، فقد أنقذ نفسه بسرعة بديهته.
العبرة من القصة
تُعدّ قصة القرد والتمساح من أجمل قصص قبل النوم للأطفال. يتعلّم الأطفال من خلالها أهمية الذكاء والحكمة في التعامل مع المواقف الصعبة، كما تُحذر الأطفال من عواقب الخداع والطمع.
قصة “الأرنب والقنفذ” من القصص الشعبية المعروفة في التراث الأوروبي، وقد تناقلتها الأجيال، وتُرجمت إلى اللغة العربية وانتشرت بصيغ مختلفة لما تحمله من قيم وعِبر. هي قصة جميلة ومناسبة للأطفال في سن 6 سنوات، ويمكنك سردها لطفلك ضمن مجموعة قصص قبل النوم لما تحمله من دروس حول الغرور والتواضع.
أحداث القصة
في صباح يوم مشمس، كان القنفذ يسير ببطء على جانب الطريق مستمتعًا بالهواء النقي. فجأة صادف الأرنب المتكبّر، كان الأرنب معروفًا بين حيوانات الغابة بغروره وتباهيه بسرعته. لم يستطع الأرنب ترك هذه الفرصة الذّهبية لتنمّر على القنفذ. فاقترب منه، وقال: “مرحبًا يا صديقي، إلى أين أنت ذاهب هكذا؟”
ردّ القنفذ: “أنا فقد أتنزّه”.
قال الأرنب ساخرًا: “بهذه الأرجل القصيرة، يبدو أنّك ستعود إلى منزلك غدًا”.
شعر القنفذ بالإهانة من سخرية الأرنب، وقرّر أن يلقّنه درسًا قاسيًا. أجاب: “ما رأيك أن نتسابق عند الشجرة الكبيرة لنرَ من الأسرع بيننا؟ وإن فُزت، يجب أن تتوقّف عن السخرية من الآخرين”.
ضحك الأرنب بصوت عالٍ، وقال بثقة: “ماذا؟ أنت ستفوز، هذا مضحك للغاية، حسنًا أنا موافق”.
عاد القنفذ إلى منزله، وجلس يفكر في خطة لهزيمة الأرنب. أخبر القنفذ زوجته عن السباق، قلقت الزوجة وقالت:” كيف ستهزمه وهو أسرع حيوانات الغابة”.
وبينما كان يتحدّث مع زوجته، خَطرت له فكرةُ ذكية. كانت زوجة القنفذ تشبهه كثيرًا، فقال: “لا تقلقلي لديّ خطة جيدة. غدًا سنقُوم بخدعة بسيطة، أنتِ تشبهينني كثيرًا. يُمكننا الاستفادة من هذه الميزة ونخدع الأرنب المغرور. غدًا سأقف عند خط البداية، وأنتِ تنتظرين عند نهايته. وعندما يصل الأرنب إلى خط النهاية، تتظاهرين بأنكِ أنا”.
اتّفق الزوجان على الخطة. وفي صباح اليوم التالي، تجمّعت الحيوانات لمشاهدة السباق. وقف الأرنب عند خط البداية متباهيًا بسرعته، بينما وقف القنفذ صامتًا وواثقًا.
بدأ السباق، وانطلق الأرنب بأقصى سرعته، أما القنفذ فتظاهر بالجري بضع خطوات ثم اختفي بين الشجيرات. وعندما وصل الأرنب إلى خط النهاية، صُعق عندما وجد القنفذ واقفًا هناك.
قال الأرنب: “كـ.. كـ.. كيف حدث هذا؟ كيف وصلت إلى هنا بهذه السرعة؟”
ردّ القنفذ بهدوء: “أنا سريع مثلك تمامًا”.
لم يُصدّق الأرنب ما حدث، وظنّ أنّ القنفذ خدعه، فأصرّ على إعادة السباق. وافق القنفذ، وبدأ السباق وركض الأرنب أسرع من المرة السابقة. ولكن كما حدث في المرة الأولى، وجد القنفذ عند خط النهاية.
كرّر الأرنب السباق عدّة مراتٍ، وفي كل مرة كان الأرنب يجد القنفذ ينتظره عند خط النهاية. في النهاية، جلس الأرنب على الأرض واعترف بهزيمته. ابتسم القنفذ وقال: “لا يتعلّق الأمر بالسرعة، أحيانًا يكون الذكاء هو الحل.”
شعر الأرنب بالخجل واعتذر للقنفذ، ووعده ألّا يسخر من أحدٍ مرة أخرى. ومنذ ذلك اليوم تعلّم الأرنب أن كل مخلوق له صفاته الفريدة التي تستحق الاحترام.
العبرة من قصة الأرنب والقنفذ
لا تسخر من الآخرين، ولا تقلل من شأنهم، ولا تتنمر على أحد بسبب شكله أو شخصيته أو طريقة تحدثه أو حتى ملابسه. جميعنا متساوون وما يميزنا هو ما يحمله قلبنا من خير وحُب للآخرين. وتذكرّ دائمًا أن التواضع فضيلة والقوة لا تقاس بمظهر بل بقلبك وذكائك وطيبتك.
قصة جميلة من تراثنا العربي، وتنتمي إلى مجموعة قصص قبل النوم التي يمكنك سردها لطفلك قبل النوم لتغرس فيه القيم الجميلة بطريقة ممتعة.
أحداث القصة
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك ملكٌ ظالم يحكم إحدى البلاد، لا يهتمّ بشعبه ولا بأحوالهم، ويُثقل كاهلهم بفرض الضرائب، ساعيًا فقط وراءَ مصالحه الشخصية. وكان يحيط به مجموعة أشخاص فاسدين، لا همّ لهم إلا خِداعُه والثناء عليه مهما ارتكب من أخطاء. وفي نفس المدينة، عاش تاجر طيب القلب، عُرف بحكمتهِ وذكائه ورفضه لتصرّفات الملك الخاطئة وكُرهه لأولئك المنافقين المحيطين بالملك.
وذات يوم، دار نقاش في المحكمة بين التاجر وحاشية الملك. قال التاجر: “يمكن لأيّ شخص الخروج من أيّ مأزق إذا امتلك الذكاء، أما أنتم فمجرّد حمقى لا تستطيعون التصرّف ولا تصلُحون لحكم البلاد”. ثار حاشية الملك غضبًا، وحرّضوا الملك على معاقبة التاجر.
فأمر الملك بمعاقبة التاجر بسبب سلوكه الطائش وأخبر جنوده بوضعه في اسطبل الخيول، وقال مُتحدّيًا: “إن لم تخرج من هذا المكان بعد شهر، ومعك ألف عملة ذهبية، فسأسجنك للأبد”.
وافق التاجر على التحدي، وطلب أن يُسمح له بأخذ ميزان معه. تعجّب الجميع من طلبه الغريب، وافق الملك. وبمجرد دخوله الاسطبل، بدأ التاجر يزن الخيول. سأله أحد العمال بدهشة: “ما الذي تفعله؟”
ردّ التاجر: لقد وضعني الملك هنا لمراقبتكم، ولأتأكّد إن كنتم تطعمون الخيول جيدًا أم لا؟
صاح أحدهم: “كيف ستعرف هذا؟”
أجابه التاجر: “إذا كان وزن الروث أقل من الطبيعي، فهذا يعني أنّها لا تتغذّى جيدًا، وعندها سأُخبر الملك بسرقتكم للطعام”.
شعر العمال بالرّعب، فقد كانوا يبيعون طعام الخيول مقابل المال بدون علم الملك. توسّلوا إلى التاجر ألّا يفضح الملك، وعرضوا عليه المال والطعام، بل وحرصوا على إطعام الخيول كما ينبغي.
وبعد مرور شهر، خرج التاجر وأعطى الملك ألف قطعة ذهبية. غضب الملك، وقرر معاقبته مجددًا. هذه المرة، أرسله إلى نهر خارج المدينة، وأمره بالحصول على 2000 قطعة ذهبية خلال شهر واحد ليثبت أنه ذكيٌ حقًا.
طلب التاجر أن يأخذ معه الميزان مرة أخرى، فسمح له الملك. وعندما وصل إلى النهر، بدأ يزن الماء، رآه أحد البحارة، فتعجّب مما يفعله، وصاح: “ماذا تفعل أيها الرجل”.
ردّ التاجر: “أنني أزن الماء، أمرني الملك بمعرفة من يأخذ ركابًا أكثر من العدد المسموح، ليتم معاقبته”.
خاف أصحاب القوارب وتوتروا، فقد كانوا يزيدون عدد الركاب ليكسبوا المزيد من المال مستغلّين إهمال الملك. توسّلوا إلى التاجر ليسامحهم وألّا يبلغ الملك، وفي المقابل، عرضوا عليه المال.
وبعد شهر، استدعي الملك التاجر إلى القصر، فحضر حاملاً ألفي عملة ذهبية. دُهش الملك من ذكائه، وقال: “كيف تمكّنت من فعل هذا؟”
فأجابه التاجر: “يا مولاي إنّ حاشيتك تخدعك. والرجل الحكيم يستطيع أن يتعامل مع أيّ ظروف تُواجهه”.
اقتنع الملك بكلامه، وأدرك أنّه أمام رجل ذكي يستطيع تدبير أموره تحت أي ظرف من الظروف، فعيّنه مستشارًا أول له في القصر، وبدأ يُصلح ما أفسده من ظلم وجور بمساعدة التاجر.
العبرة من القصة
من مثل هذه القصص قبل النوم، نتعلّم أن الذكاء والحكمة يمكن أن ينتصرا على الظلم والفساد، وأنهما من أقوى الأسلحة التي نمتلكها. وأن الشخص الذكيّ لا يستسلم للظروف، بل يحوّلها إلى فرص تُثبت مهاراته وقدرته على التصرف.
قدمنا لكم مجموعة من قصص قبل النوم المناسبة للأطفال في سن السادسة. يمكنكم اختيار القصة التي يفضلها طفلكم وسردها له قبل النوم. لن تقدم هذه القصص لحظات وذكريات ممتعة ولا تنسى فقط ، بل تحمل العديد من القيم والعِبر التي ينبغي غرسها في نفوس الأطفال منذ الصغر.
قيل قديمًا أن العقل كالحديقة، إن زرعت فيه أفكارًا إيجابية، ستحصد نتائج إيجابية، والعكس صحيح. تشير هذه المقولة الجميلة إلى أهمية التفكير الإيجابي والأفكار التي نغذّي بها عقولنا.
كلّ فكرة إيجابية هي شمعةٌ، تضيء طريقتك في مواجهة اليأس والخوف والفشل. وفي قصتنا اليوم، نقّدم قصة مؤثرة عن التفكير الإيجابي، ونحكي قصة الفتاة “أمل” وكيف تمكنّت بفكرة واحدة فقط أن تغيّر حياتها بأكملها.
قصة قصيرة عن أهمية التفكير الإيجابي
تبدأ أحداث قصتنا مع طفلة جميلة تُدعى أمل وتبلغ من العمر إحدى عشرة سنة. كانت أمل تحب الذهاب إلى المدرسة، لكنّ أكثر ما تحبه هو الرسم والتلوين. شاركت أمل في العديد من مسابقات الرسم، لكنّها لم تحصد أيّ نتائج مُرضية، وبالرغم من موهبتها المتميّزة، إلاّ أنّها لم تتمكّن من الفوز إطلاقًا في أيّ من هذه المسابقات، ممّا سبّب لها الحزن والإحباط، وبدأت الأفكار الرمادية المتشائمة تسيطر عليها.
وفي أحد الأيام، أعلنت المدرسة عن مسابقة جديدة للرسم، فقرّرت أمل الاشتراك فيها. وعند بداية المسابقة، حاولت أمل رسم لوحة، لكنها لم تتمكن من رسم ما تخيّلته في عقلها. جربت مرة، واثنتين، وثلاثًا، لكن بلا فائدة.
شعرت أمل بالإحباط، فتركت فرشاتها وانسحبت من المسابقة في النهاية، وقالت في لنفسها: “أنا سيئة في الرسم، ولا أملك المهارة الكافية لتحقيق الفوز”.
عادت أمل إلى منزلها واليأس يملأ قلبها، وكانت تفكّر في ترك الرسم وترى العالم حولها باهتًا بلا ألوان. عندما رأتها جدّتها، سألتها عن سبب حزنها. فردت أمل قائلة: “لم أتمكّن من إكمال لوحتى، إنني حزينة، وأريد ترك الرسم نهائيًا”.
احتضنت الجدة حفيدتها وابتسمت بلطف، ثم قالت: “يا ابنتي العزيزة إنكِ موهوبة ورسوماتك جميلة. لكنك دائمًا تفكرين بطريقة متشائمة، وهذا ما يجعلك في النهاية ترسمين بطريقة سيئة. ما رأيك أن تنظري إلى نفسك بطريقة مختلفة؟”
نظرت أمل إلى جدتها بدهشة وسألتها: “لكن، كيف يمكن لفكرة في عقلي أن تغيّر الواقع من حولي”.
ابتسمت الجدة وقالت: “سأحكي لكِ قصة قصيرة توضّح لكِ أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا، وكيف يمكن أن تؤثّر الأفكار على ما نقوم به، وعلى الأشياء من حولنا أيضًا”.
بدأت الجدة في سرد القصة قائلةً: “سأحكي لكِ يا أمل عن قصة فتى يُدعى باسم. كان يحب لعب كرة القدم كثيرًا، ويحلم بأن يصبح لاعبًا مشهورًا. وكان موهوبًا لدرجة أنّ كلّ من يراه يلعب يشعر وكأنه يشاهد لاعبًا كبيرًا في أحد الأندية العالمية.
في أحد الأيام، ذهب باسم إلى مدرسته، وعندما بدأ الفصل، سأل المعلم عن حلم كل طالب. رفع صديقة سامي يده وقال: “أريد أن أصبح طبيبًا ناجحًا مثل والدي.”
ثم قال أحمد: “أريد أن أصبح مهندسًا”.
وعندما جاء دور باسم، ابتسم وقال بكل ثقة: “أنا أحلم بأن ألعب كرة القدم مع فريقي المفضل”.
فجأة، عمت أصوات الضحك في الفصل وسخر الطلاب من حلمه، وقال أحدهم: “هل تمزح؟ كيف لفتى يعيش في قرية صغيرة أن يصبح لاعبًا في نادٍ عالمي؟”
حزن باسم من سخرية أصدقائه، وجلس طوال اليوم الدراسي يفكر في ما قاله أصدقائه، وبدأت الأفكار المتشائمة تتسلل إلى عقله ببطء. ومع انتهاء النهار، ذهب إلى تدريباته، لكنّه لم يستطع اللعب بمهاراة، فوبّخه مدرّبه. عندها شعر بأن أصدقائه على صواب.
حزن باسم بسبب سخرية أصدقائه، وبقي يفكّر في كلماتهم لعدّة أيام. بدأت الأفكار المتشائمة تتسلّل إلى عقله ببطء، حتى شعر بالضعف والحزن. وكان يذهب في كلّ يوم إلى تدريب كرة القدم حزينًا متشائمًا. فيما مضى، كان باسم يلعب بحماس ويركض ويصوّب بدقة. لكنّه الآن يسقط أكثر من مرة ويفقد الكرة بسهولة.
وبّخه المدرّب بحزم، وقال: “ما بك يا باسم؟ لماذا لا تلعب بمهارة مثل كلّ مرة؟”
طأطأ باسم رأسه حزينًا وقال: “ربّما لم أكن ماهرًا من البداية”.
توجّه باسم إلى منزله وهو يشعر بالإحباط، ويردّد في سرّه كلمات أصدقائه عن حلمه المستحيل. تعجّبت والدته من حديثه المتشائم، فسألته عن سبب هذا الكلام، أخبرها بما حدث معه في الفصل وكيف سخر أصدقائه من حلمه، وكيف وبخّه المدرب.
قاطعته والدته قائلة: “لقد أخطأت يا باسم، لا يجب أن تسمع لحديث المتشائم، ما رأيك إذا لبسنا النظارة السحرية”.
ردّ باسم: “النظارة السحرية”.
أجابت الأم: “نعم، ولكنها ليست نظارة حقيقية، بل هي نظارة التفكير الإيجابي، هي طريقة جديدة لرؤية العالم من حولنا”.
ثم تابعت حديثها: “يا بُنيّ، الأحلام هي أهداف مؤجلة تنتظر من يسعى لتحقيقها. يجب عليك أن تؤمن بحلمك وتسعى لتحقيقه مهما كانت الظروف. تحقيق الأحلام لن يكون سهلاً دائمًا، بل يتطلب مواجهة التحديات والقضاء عليها، والعزيمة، والصبر، والإصرار على النجاح”.
تأثّر باسم بكلام والدته، وصعد إلى غرفته. وظلّ يفكّر طوال الليل في نصائح والدته وفي أمر النظارة السحرية. وفي صباح اليوم التالي، أسرع إلى والدته وأخبرها بأنه سيكمل تدريباته وسيسعى لتحقيق حلمه ولن يلتفت إلى كلام أصدقائه. فرحت الأم بإصرار طفلها، ثم استأذنها للذهاب إلى النادي. أدّى باسم جميع تدريباته بنشاط وقوة.
كان باسم يحرص على الذهاب إلى التمرينات في مواعيدها، ويهتم بتناول طعام صحي، استعدادًا ليوم المنافسة الكبير. وعند عودته إلى المنزل، يُنهي واجباته المدرسية ويُراجع دروسه بانتظام، دون أن يُقصّر في أي جانب. مضت السنوات، وهو يحول كل موقف سيء إلى موقف إيجابي بنظارته السحرية. وفي أحد الأيام، أعلن النادي عن يوم مهم سيحضر مدربون من كافة الفرق، لاختيار أفضل اللاعبين لضمهم إلى فرقهم.
شعر باسم بأن هذا اليوم هو الفرصة التي انتظرها طويلًا، وقال لنفسه: “هذا هو اليوم الذي تدرّبتُ من أجله لسنوات. هذا هو اليوم الذي سأبدأ فيه تحقيق حلمي.”
وفي يوم المنافسة، حضر باسم برفقة والدته التي كانت تشجعه باستمرار وتسانده بكلماتها الإيجابية. نزل باسم إلى الملعب وتمكن من خطف أنظار كل المدربين بأدائه الرائع، وفي نهاية اليوم، تمكّن من الانضمام إلى المنتخب القومي لبلاده. شعر باسم بالسعادة والفرح الشديد لاقترابه من تحقيق حلمه، وأدرك أن الإصرار والتفكير الإيجابي كانا المفتاح الحقيقي لنجاحه.
أصبح باسم لاعبًا مشهورًا، وكان يصنع أهدافًا رائعة في كل مباراة، وبدأت شهرته تزداد يومًا بعد يوم. وفي أحد الأيام، أثناء ذهابه إلى التمرين، تفاجأ بأن مدرّب ناديه المفضل قد أرسل مندوبًا لمقابلته، ليقنعه بالانضمام إلى الفريق واللعب معهم. لم يصدق باسم نفسه، فقد كان هذا حلمه الكبير منذ الطفولة، والآن أصبح حقيقة بعد كل الجهد والتعب.
وبالفعل، سافر باسم إلى خارج البلاد، وبدأ تدريباته مع زملائه الجدد في الفريق. وقبل أول مباراة له مع ناديه المفضل، دعا والدته وكل أصدقائه لحضور المباراة، لرؤيتهه وهو يلعب مع ناديه المفضل.
وعندما انتهت المباراة، قال باسم بسعادة وهو يلوّح بيده للجمهور: “اليوم حققت حلمي الذي لم يصدّقه أحد، ووصلتُ لما حلمت به. أنصح كل من يسمعني أن يسعى وراء حلمه، ولا يستسلم أبدًا، ولا يلتفت إلى الكلمات المحبِطة. فالعمل الجاد والتفكير الإيجابي هما طريق تحقيق الأحلام”.
في نهاية القصة، سألت الجدة أمل: “هل تعرفين من هو باسم يا حفيدتي؟” هزّت أمل رأسها بالنفي، فأخرجت الجدة هاتفها، وعرضت عليها فيديو للاعب على الإنترنت، ثم أخبرتها: “هذا هو باسم، الذي أخبرتك عنه، هي قصة حقيقية”.
ذُهّلت أمل، وفهمت أخيرًا كيف يمكن للأفكار الإيجابية أن تؤثر على تصرفاتها وتساعدها على تحقيق أهدافها. وبعد تلك اللحظة، قرّرت أمل أن تلبس النظارة السحرية، وألا تترك مجالاً للأفكار المتشائمة لتتسلل إلى عقلها.
ذهبت أمل، وأحضرت أدواتها ولوحتها، وجلست بجانب جدتها ترسم لوحة جميلة للزهور. وفي صباح اليوم التالي، أخذت اللوحة إلى مدرستها لتُريها لمعلمتها، فاندهشت المعلمة من جمال اللوحة وتفاصيلها.
قالت المعلمة: “رسمتك جملية للغاية يا أمل. ستقيم المدرسة مسابقة للرسم، والفائز سيسافر إلى باريس لتعلّم الرسم خلال العطلة الصيفية. يجب أن تشتركي في هذه المسابقة”.
بدأت أمل في التدرّب على الرسم من جديد، وانضمت إلى نادي الرسم لتتعلم أكثر وتُطوّر مهاراتها استعدادًا للمسابقة. وفي يوم المسابقة، استيقظت أمل وجهزت أدواتها، لكن بدأ الخوف يتسلّل إلى عقلها وقلبها. لاحظت جدّتها ذلك، فاقتربت منها وقالت: “تذكّري يا أمل قصة باسم، وكيف حقق حلمه. فكّري بالأفكار الإيجايبة. أنا أثق بأنك ستفوزين بالمركز الأول”.
نظرت إلى جدّتها، وقالت: “لن أدع الأفكار المتشائمة تسيطر عليِّ، أنا أستطيع تحقيق الفوز اليوم، سأرسم لوحة جميلة تنبض بالحياة وتعجب كل من يراها”.
غادرت أمل المنزل، وهي عازمة على تحقيق المركز الأول. جلست في مكانها المخصص، وبدأت ترسم اللوحة بهدوء شديد، وهي تردد: “أنا أستطيع الفوز”.
وبعد عدة ساعات، انتهت أمل من لوحتها، وانتظرت رأي الحكّام. وبعد عدة مناقشات، صدرت نتائج المسابقة وحصلت أمل على المركز الأول. قفزت أمل من مكانها بسعادة، وركضت إلى جدتها التي كانت تنتظرها بفخر، وعانقتها بقوة. قالت الجدة بابتسامة: “ألم أقل لكِ إن التفكير الإيجابي يصنع المعجزات؟”
ذهبت أمل لتستلم جائزتها وسط تصفيق أصدقائها، اقترب منها أحد الحكام وسألها عن اسم لوحتها. نظرت أمل إلى لوحتها وقالت: “سأسمي لوحتي الفكرة المضيئة”. وأكملت حديثها قائلة: “كنت أرغب في رسم لوحة تعبّر عن أهمية التفكير الإيجابي في حياتنا. أردت أن يشعر كل من يراها بالقوة ويسعي لتحقيقه”.
عادت أمل إلى المنزل وهي تحمل الجائزة، تملأها السعادة، وشكرت جدتها وقالت: “شكرًا لك يا جدتي، اليوم تعلمت الدرس جيدًا، وفهمت كيف يمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مسار حياتنا. ومن اليوم فصاعدًا، سأحرص دائمًا على قول كل الكلمات والأفكار الإيجابية لنفسي وللآخرين”.
ابتسمت الجدة ورتبت على كتفها قائلة: “وهكذا تبدأ الفكرة المضيئة في الانتشار.”
وفي نهاية القصة، تعلمنا من أمل كيف يمكن أن يساعدنا التفكير الإيجابي على تغيير نظرتنا لأنفسنا، ويحفّزنا على السعي لتحقيق أهدافنا وأحلامنا. وكيف يمكن للأفكار السلبية التي نُصدّقها عن أنفسنا أن تؤثر على ثقتنا بأنفسنا وأحلامنا.
يساعدنا التفكير الإيجابي على تحويل الخوف واليأس إلى إصرار وتحدٍّ، يعقبه نجاح وتحقيق الأهداف. كما نتعلّم أيضًا كيف يمكننا أن نشجع الآخرين، تمامًا كما كانت الجدة تشجع أمل باستمرار.
وتذكّر يا طفلي العزيز، قد لا تنجح محاولتك الأولى، ولكن بالسعي والمحاولة يمكننك أن نصل إلى ما نحلم به. لا تُصدّق كل ما يُقال عنك، أنت لست ما يقوله الآخرون عنك، بل ما تؤمن به عن نفسك. لذا، ثق بنفسك وفكر بإيجابية. وتذكّر في النهاية أن التفكير الإيجابي هو مفتاح النجاح.
ماذا لو أخبرتك أن قوة وطيبة قلبك قد تحقق لك ما تريده في حياتك؟ في قصتنا اليوم، نتعرف على قصة الأميرة النائمة، التي كانت ضحية لعنة سحرية استمرت لمئة عام. لعنة بدت كأن لا أمل في زوالها، ولكن ما لم يكن يتوقعه أحد هو أن يأتي أمير شجاع وطيب القلب يتمكّن من إبطال مفعول اللعنة.
قصة الأميرة النائمة
في قديم الزمان، في أرض سحرية، عاش ملك وملكة في إحدى الممالك الجميلة، ينعمان بحياة سعيدة يملؤها الحب والطبية، ويحلمان أن يُرزقا بطفل صغير يمنحهما السعادة والفرح ويُنير حياتهما. مرت سنوات طويلة من الانتظار والدعاء، وفي أحد الأيام، تحقق حلمهما، ورزقهما الله بأميرة جميلة جدًا، شعرها ذهبي كأشعة الشمس وعيناها زرقاوان كصفاء السماء.
فرحَ الملك بقدوم الأميرة الصغيرة وسمّاها أورورا. وقرر الملك أن يقيم حفلاً كبيرًا للاحتفال بهذه المناسبة السعيدة، ودعا جميع أهل المملكة من دون استثناء.
وهنا، في يوم الاحتفال، تبدأ أحداث قصة الأميرة النائمة.
هبة الجنيّات ولعنة الساحرة
احتفلت المملكة كلّها باليوم السعيد، بميلاد أميرتهم الصغيرة. وحضر الحفل جميع الملوك والأمراء من الممالك المجاورة، وكانت البهجة تملأ القلوب وزُين القصر بالزهور والأنوار. وكان من عادات المملكة أن يُقدّم كل فرد حضر الحفل هدية إلى المولود الجديد. لذلك، سمح الملك للناس برؤية ابنته الصغيرة وتقديم الهدايا إليها. ثم حضرت الجنيات الثلاثة في المملكة وأحضرت كلّ واحدة منهن هدية سحرية للأميرة الصغيرة.
اقتربت الجنية الأولى من المهد وقالت: “أمنحكِ أيتها الاميرة هبة الجمال، فلتكوني جميلة مشرقة لا يضاهي جمالك أحد.” ثم تقدّمت الجنية الثانية وقالت: “أما أنا يا أميرتي الصغيرة أمنحكِ هبة الصوت العذب، فليكن صوتك رقيقًا رنّانًا عذبًا كشدو العصافير.”
عندما اقتربت الجنية الثالثة من الأميرة، وقبل أن تتكلم، دوّى صوت قوي في قاعة الاحتفال. ظهرت ساحرة شريرة لم تُدعَ إلى الحفل. غضبت بشدة من تجاهلهم لها، فصرخت بغضبٍ شديد، وألقت لعنة على الأميرة الصغيرة.
قالت الساحرة الشريرة بصوت غاضب: “ستموت الأميرة في عيد ميلادها السادس عشر، ستلمس مغزلًا وتموت!” ثم اختفت وسط دخان أسود كثيف، تاركة الجميع في القاعة في صدمة وذعر. شعر كل من حضر الحفل بالقلق والخوف الشديد على مستقبل أميرتهم الصغيرة.
عندها، صرخت الملكة والدموع تملأ عينيها: “لا يمكن أن يحدث هذا لابنتي!”. أمر الملك الجنود بمطاردة الساحرة، لكن دون جدوى، فقد اختفت الساحرة في لمح البصر، كأنها لم تكن موجودة أصلًا.
اقتربت إحدى الجنيات الطيبات من الملكة وقالت بهدوء: “لا تقلقي يا مولاتي، ما زال هناك هدية الجنية الثالثة.”
اقتربت الجنية الثالثة من مهد الأميرة، وحرّكت عصاها السحرية وهي تقول: “أميرتي الجميلة، إن كان قدرُكِ أن تلمسي مغزلًا في عيد ميلادك السادس عشر. فهبتي لكِ هي ألّا تموتي بل ستغرقين في نومٍ عميق، وتستيقظين بقبلةٍ صادقة من قلبٍ مُحب فيزول السحر”.
هدأ القصر قليلًا، لكن ظل القلق يحوم حول الملك والملكة. وفي اليوم التالي، أمر الملك بحرق جميع المغازل الموجودة في الممكلة حفاظًا على حياة الأميرة. وبالفعل، خرج الجنود إلى كل مكان، وجمعوا المغازل من البيوت والمحلات، وحرقوها، حتى لم يتبقَ مغزلٌ واحد في المملكة. فعلوا ما بوسعهم، لكن في أعماقهم، لا يزال الخوف يسكن قلوبهم.
تحقق اللعنة
ومرّت السنوات، وكبُرت الأميرة أورورا وازدات جمالًا يومًا بعد يوم. وأحبّها جميع من في المملكة بسبب طيبتها وتواضعها وتعاملها الحسن معهم. كانت جميلة قلبًا وقالبًا، تضحك مع الجميع، وتعلب مع الأطفال، وتنشر الفرح أينما ذهبت.
وفي عيد ميلادها السادس عشر، شعر الملك والملكة بخوفٍ شديد من أن يتحقق ما تنبأت به الساحرة الشريرة. لذلك، قرّر الملك أن يُقيم احتفال عيد ميلادها داخل القصر لحمايتها. كما أمر الجنيات بمراقبة ورعاية الأميرة أورورا في الجناح الملكي طوال اليوم.
وفي ذلك اليوم، بينما كانت الأميرة تلهو وتتجول في أروقة القصر، سمعت صوتًا غريبًا يناديها من أعلى البرج. دفعها فضولها لتتبع الصوت، فوجدت بابًا قديمًا لم تره من قبل، ففتحته وصعدت درجات سلّم يؤدي إلى غرفة صغيرة في أعلى البرج.
عندما فتحت الأميرة باب الغرفة، رأت امرأة عجوز تجلس أمام مغزل وتغزل الصوف لصنع عروسة صغيرة. تعجبت الأميرة من شكل الآلة، فهي لم ترَ مثلها من قبل.
اقتربت من العجوز وقالت بلطف: “مرحبًا سيدتي، ما هذا الشيء؟ لم أرّه من قبل.”
قالت العجوز بصوت ناعم: “تعالي يا عزيزتي، إنه مغزل، ما رأيك أن تجرّبيها بنفسك”.
مدّت الأميرة أورورا يدها بحذر، وما أن لمست المغزل، حتى وخز سنّه الحاد إصبعها. فسقطت على الأرض في الحال، وغرقت في نومٍ عميق.
بعد فترة، لاحظ الملك غياب ابنته، فشعر بالقلق، وأمر جميع الحرّاس والخدم بالبحث عنها في أنحاء القصر. وبعد بحث طويل، وجدها أحد الحراس نائمة على أرض الغرفة، بلا حراك. فحملها بسرعة، ووضعها في غرفتها، ثم نادى الملك والملكة.
أمر الملك باستدعاء أمهر أطباء المملكة، على أمل أن يتمكّن أحدهم من إيقاظ الأميرة من نومها العميق. ولكن باءت جميع المحاولات بالفشل، فالأميرة لم تستيقظ.
أصيب الملك والملكة بحزن شديد، وحضرت الجنيّات الثلاث على عجل إلى القصر، فوجدن الملك وحاشيته في حالة ذعر وحزن لا مثيل لها.
طلبت إحدى الجنيات أن يتمّ نقل الأميرة إلى غرفة خاصّة، وإعداد مكان نومها جيّدًا، ثم حرّكت عصاها السحرية وهي تقول:
“ستنام الأميرة لمئة عام، ومن المحزن أن تستيقظ فلا تجد عائلتها وأحبابها معها، لذا… فلتناموا جميعًا، ولتغرقوا في سبات عميق حتى تستيقظ الأميرة…”
وما إن تمتمت بتلك الكلمات، حتّى غطّ الجميع في النوم، كلّ على حاله…نام الملك على كرسيّ العرش، وغرقت الملكة في النوم وهي في غرفتها، وكذلك الحرس والطهاة والعاملون والعاملات، غرقوا جميعًا في النوم.
خرجت بعدها الجنية إلى حديقة القصة، وحرّكت عصاها مرّة أخرى، فنبتت من الأرض أشجار عملاقة ونباتات التوت ولفّت القصر بأكمله، لتحميه من دخول الغرباء وإزعاج الأميرة وحاشيتها في سباتهم.
انكسار اللعنة
مرّت العديد من السنوات، وما زالت الأميرة النائمة أورورا غارقة في سباتها العميق، محاطة بحراسة الجنيات. وفي أحد الأيام، مرّ أمير من إحدى الممالك المجاورة يتجول في الغابة. كان الأمير الشاب فضوليًا ويهوى استكشاف الأماكن الجديدة برفقة حرّاسه.
وبينما هو يتجوّل بين أجمات الأشجار، لاحظ فجأة القصر الغامض محاطًا بالأشجار والنباتات المتسلّقة، وسأل حرّاسه عن حكايته، فأخبره أحدهم قائلاً:
“إنّه قصر ملعون، يقال أنّه مليئ بالساحرات والجنيّات، ومن يقترب منه ستصيبه لعنة مميتة لا مجال للنجاة منها!”
فأردف آخر:
“إنّه قصر الأميرة النائمة، لقد سمعت أنّ أميرة فائقة الحسن والجمال تعيش فيه، ويقال أنّها أميرة وقعت عليها لعنة شريرة، فأغرقتها في نوم عميق لمئة عام.”
ازداد فضول الأمير حين سمع قصّة الأميرة النائمة وقرّر أن يستكشف حقيقة الأمر بنفسه. فاندفع نحو القصر على صهوة حصانه، وعبثًا حاول جنوده ثنيه عن ذلك، فلم يستطيعوا إقناعه بالعدول عن قراره.
وما إن اقترب الأمير من مدخل القصر المحاط بالنباتات والأشجار، حتّى بدأت هذه النباتات تتباعد وتتحرّك متيحة له المجال للمرور كما لو أنّها ترحّب به، وبمجرد أن سار من بينها حتى عاودت الانغلاق، مانعة بقية الجنود من التقدّم.
استغرب الأمير ما يحدث معه، ولكنّه واصل المسير على صهوة حصانه، متوغّلاً في حدائق القصر وجنائنه، وكما كان الحال في البداية، استمرّ على ذات المنوال، كانت النباتات والأشواك تتباعد كلّما اقترب، وتنغلق مجدّدًا بعد مروره.
استمرّ مسير الأمير لساعات في قلب حدائق القصير المهجور الغريب، إلى أنّ وصل أخيرًا إلى مدخل المبنى، ووجد عنده اثنان من الحرّاس يغطّان في نومٍ عميق وهما واقفان يحملان رماحهما. فازداد عجبه واستغرابه ممّا يحصل، ودخل إلى القصر، ليجد ما هو أعجب وأغرب… كان القصر مليئًا بالخدم والحاشية، والحيوانات الأليفة، والكلّ كان يغطّ في النوم، القطط والكلاب والعصافير كانت نائمة، وكذلك الطهاة، نائمون وهم يحرّكون طعامهم، والعاملات نائمات وهنّ يغسلن الثياب أو يرتبّن الأثاث!
أخيرًا وصل الأمير إلى غرفة الأميرة النائمة، وكانت مغلقة هي الأخرى، ففتحها وتقدّم بخطوات متردّدة نحو السرير، وهناك…وقعت عيناه على أجمل فتاة رآها في الكون… كانت الأميرة تغطّ في نوم عميق، شعرها الناعم الأشقر منسدل على كتفيها وبين يديها وردة حمراء تماثل في حمرتها شفتيها وخدّيها.
وقع الأمير في حبّ أورورا من النظرة الأولى، ودنا منها، وطبع على جبينها قبلة خفيفة. وحدث حينها ما لم يكن يتوقّعه أحد. بدأت الأمير تتحرّك، وفتحت عينيها تدريجيًا… لقد انكسرت اللعنة بعد مئة عام من وقوعها، وأنقذ حبّ الأمير النقي الأميرة من سباتها العميق الأبدي.
النهاية السعيدة
استغربت الأميرة ممّا يحدث وسألت:
“من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ ما الذي حصل لي؟”
شرح لها الأمير من يكون، وكيف عثر على القصر واكتشف وجوده، وكيف دخل إليه ووصل إليها. وعرّفها بنفسه، وعبّر لها عن إعجابه بها. أمّا الأميرة، فقد مال قلبها إلى الأمير، وأعجبت بحسن أخلاقه، وشجاعته وطيبة قلبه.
وبينما هما يتحادثان، بدأت الحياة تدبّ من جديد في القصر…استيقظ الخدم والجنود والعمال من نومهم الطويل، وأفاقت الحيوانات من سباتها، وكذلك الملك والملكة، حيث هرعا على الفور نحو غرفة ابنتهما بمجرّد ان استيقظا، فوجداها جالسة في سريرها تحادث الأمير، وتتبادل وإياه أطراف الحديث.
فرح الأبوان بعودة ابنتهما إليهما سالمة، وشكرا الأمير الشجاع لأنه أنقذهم جميعًا من هذه اللعنة الشريرة. واستأذن الأمير أن ترافقه أورورا إلى مملكته، لتكون زوجته وشريكة حياته، وملكة مملكته مستقبلاً، فوافق الملك والملكة على الفور، وباركا هذا الزواج. وابتهجت المملكة بالفرح وبالزفاف القريب.
وهكذا عاد الفرح والسرور إلى المملكة، وعاش الجميع بسعادة وهناء.
في نهاية قصتنا، نتعلم منها أن الحسد والكره من أبغض الصفات التي يجب أن تبعد عنها ليس لأنها تسبب الأذى فقط لمن حولك بل لك أيضًا. كما نتعلم أيضًا أن الحياة مليئة بالمخاطر والتحديات، لكن الإصرار على تحقيق الهدف هو الطريق الوحيد لتجاوز هذه الصعاب. النجاح لا يأتي بسهولة، بل يتطلب إصرار وعزيمة. مثلما فعل الأمير في قصة الأميرة النائمة، الذي لم ييأس من محاولاته رغم الفشل، واستمر في السعي ليحقق هدفه. وتذكر دائمًا، إذا أردت أن تكون شخصًا مميزًا، تذكر أن تتعامل بطيبة وتواضع مع الآخرين.
في قديم الزمان، عاشت فتاة جميلة تمتلك شعرًا ذهبيًا جميلاً وقدرة سحرية مذهلة في برج عالٍ وبعيد عن أهل المملكة بأكملها. لم تعرف الفتاة شيئًا عن الحياة خارج البرج، وفي يوم من الأيام تغيرت حياتها عندما تعرفت على أمير وسيم. ومن هنا تبدأ قصتنا عن رابونزل الفتاة الجميلة ذات الشعر السحري الذهبي.
ولادة رابونزل
في مملكة جميلة تقع على ضفاف النهر، عاش ملك وملكة لطيفان عادلان. وفي أحد الأيام، أعلن الملك قدوم أميرة، فابتهج الجميع وزُينت الشوارع احتفالًا بالخبر السعيد. لكن في الأشهر الأخيرة من الحمل، مرضت الملكة مرضًا شديدًا. شعر الملك بالحزن، لكنه لم يفقد الأمل، وأمر جنوده بالبحث عن زهرةٍ سحرية كانت الأسطورة تقول إنها قادرة على شفاء أي مرض.
بحث الجنود كثيرًا عن الزهرة. وبعد بحث طويل، وجدها أحد الحرّاس مخبأة تحت غطاء بين الأشجار، فاقتلعها من جذورها وقدّمها للملك، دون أن يدرك إحدى قدرات الزهرة السحرية المخفية. لم يكن أحد يعلّم أن الساحرة العجوز كانت تخفيها لتستخدمها في الحفاظ على شبابها.
شربت الملكة مستخلص الزهرة فتعافت في الحال، وولدت طفلة جميلة ذات شهر ذهبي لامع، وأطلقوا عليها اسم “رابونزل”. كانت الفتاة مميزة بجمالها وشعرها، لكن ما لم يكن أحد يعرفه، أن قوة الزهرة السحرية قد انتقلت إلى شعرها. راقبت الساحرة غوثل كل ما يحدث، وعندما علمت بأن الزهرة استُخدمت لشفاء الملكة وأن قوتها أصبحت في شعر الطفلة، اشتعل الغضب في قلبها. وقررت اقتحام القصر.
اختطاف رابونزل
وفي إحدى الليالي، تسللت الساحرة غوثل إلى القصر، وقصّت خصلة من شعر رابونزل، لكن ما إن قصتها حتى تحوّل لونها إلى البني واختفت قوتها. هنا، أدركت أن السحر لا يعمل إذا تم قص الشعر. عندها، عزمت العجوز على اختطافها. وقامت باخفائها في برج عالٍ في أعماق الغابة، لمنع أي شخص من العثور عليها. لم يكن للبرج أبواب أو سلالم، بل نافذةٌ واحدةٌ فقط في الأعلى.
كانت الساحرة غوثل تزور رابونزل بين الحين والآخر، فتقف أسفل البرج وتنادي: “رابونزل، أنزلي شعركِ”. فتُلقي شعرها الذهبي الطويل من النافذة، لتتسلّق عليه وتصل إلى أعلى البرج.
مرّت السنوات، وكبرت رابونزل في البرج، ولم تكن تعرف شيئًا عن العالم الحقيقي، ولم ترَ أحدًا سوى “غوثل”، التي أقنعتها بأنها والدتها، وأن البشر في الخارج مخيفون وسيئون. لذلك، لم تخرج الأميرة أبدًا من البرج، وقضت أيامها في الرسم، والقراءة، والغناء. ولم تمتلك أصدقاء سوى حيوانات الغابة التي تزورها باستمرار، مثل: الأرنب والعصفور والسنجاب.
زيارة الأمير
في أحد الأيام، زار المملكة أمير قادم من بلاد مجاورة، وبينما كان يتجوّل في أنحاء المملكة سمع إشاعة متداولة بين أهل المملكة، حول الأميرة الجميلة التي اختفطتها ساحرة شريرة عند ولادتها. والتي لم يعرف عنها أحد شيئًا منذ ذلك اليوم. انتاب الفضزل الأمير الشجاع، وقرّر أن يبحث عن الأميرة وينقذها، فانطلق على حصانه الأبيض نحو الغابة. وبعد بحثٍ طويل بين الأشجار، سمع صوت غناءٍ عذبٍ يأتي من بعيد. جذب جمال الصوت ونقائه انتباهه، فقرر تتبّعه لمعرفة مصدره.
تتبع الأمير الصوت حتى وصل إلى برجٍ عالٍ بين الأشجار. قال الأمير وهو ينظر حول قاعدة البرج: “هذا غريب! لا يوجد باب للدخول. ومع ذلك، هناك صوت غناء يأتي من أعلى البرج. كيف تدخل هذه الفتاة أو تخرج؟”
سحره الغناء، ووجد نفسه يعود إلى البرج كل يوم، يستمع للصوت الجميل ويتساءل: “من صاحبة هذا الصوت العذب؟ ولماذا تبقى وحدها في هذا البرج البعيد؟”
وفي أحد الأيام، بينما يقف الأمير كعادته بجانب البرج يستمع للغناء، رأى امرأة عجوزًا تقترب من البرج. فاختبأ بين الأشجار يراقبها لعله يعرف سرّ هذا البرج الغريب.
اقتربت العجوز من أسفل البرج، ونادت بصوت مرتفع: “رابونزل، أنزلي شعرك”. فوجئ الأمير عندما رأى فتاة تطل من النافذة وتلقي شعرها الذهبي الطويل. لقد كان شعرها طويلًا جدًا حتى لامس الأرض. تشبثت العجوز بالشعر وصعدت به إلى أعلى البرج. همس الأمير لنفسه: “آه! هذا هو السر”.
انتظر الأمير حتى نزلت العجوز وغادرت المكان واختفى أثرها تمامًا، ثم اقترب من البرج، وقلّد صوتها قائلًا: “رابونزل، أنزلي شعرك”.
وما هي إلاّ لحظات، حتّى تدلّى الشعر الذهبي مرة أخرى من النافذة. تسلّق الأمير جدار البرج مستعينًا بشعر رابونزل حتى وصل إلى النافذة. انبَهرت رابونزل عندما رأت الأمير، وازدات حماسًا، فهي لم يسبق لها أن تحدّثت أو رأت شخصًا آخر من قبل سوى الساحرة. كان الأمير وسيمًا ولطيفًا. شعرت بفرحةٍ غامرة وخوف في آن واحد، قالت بخوف: “من أنت؟”.
قدّم الأمير نفسه وقال بلُطف: “لا تقلقي، أنا صديق”.
نظرت إليه بتردّد وقالت: “لكنني لا أعرفك، فكيف تكون صديقي؟”
قال الأمير مبتسمًا: “أنا أعرفك، فقد كنت أسمع غناءك كلّ يوم. صوتك جميل جدًّا”. ثم سألها: “ماذا تفعلين هنا؟”
أجابت: “أنا أعيش في هذا البرج منذ زمن”. ثم قصّت عليه قصتها وشعرها السحري الذي يمتلك قدرة على شفاء أي مرض وعن أمها التي أجبرتها على البقاء في البرج لأن العالم مكان سيء وتحذيرها من طمع البشر في قوتها.
تعجّب الأمير، وقال: “لكن العالم ليس بهذا السوء”. وأخبرها عن الزهور والحدائق، والألعاب، والفواكه المختلفة، والملك والملكة في المملكة المجاورة له.
ضحكت رابونزل وهي تستمع لقصص الأمير، وتبادلا الحديث والقصص، حتى أصبحا صديقين مقرّبين. مرّت ساعات طويلة وهما يتحدثان معًا. ثم قالت له: “يجب أن تذهب الآن، أخشى أن تعود الساحرة في أي لحظة”.
قال: “حسنًا، لكنني سأعود غدًا”. ثم ألقت رابانزل شعرها من النافذة، ونزل الأمير من البرج.
رابونزل تكتشف العالم
في اليوم التالي، عاد الأمير ونادى عليها ، فتدلّى شعرها وصعد مجددًا إلى غرفتها. وقال: “لديّ مفاجأة صغيرة لك”. كانت مليئة بالفراولة الطازجة.
بينما تناولت رابونزل الفراولة، فكّرت فيما كانت تقوله لها الساحرة، وشعرت أنها قد تكون مخطئة. ثم قالت للأمير: “يجب أن أخرج من هذا البرج! ولكن كيف؟”
قال الأمير: “حسنًا، لنفكّر في خطة جديدة تُخرجك من هذا السجن.”
وبعد لحظات من التفكير، وبينما نظرت إلى قطعة الحرير التي أحضرها الأمير، خطرت لها فكرة وقالت: “هل تستطيع إحضار قطعة من الحرير في كل مرة تزورني فيها؟ أستطيع أن أَصنَعَ سُلّمًا من الحرير وأُخفيه عن أعين الساحرة. وعندما يصبح السُّلّم طويلاً بما يكفي، سأنزل من البرج”.
تطلّعت رابونزل إلى زياراته أكثر فأكثر. فقد كان الحديث معه أجمل ما في يومها. أما الأمير، فوقع في حبها. وفي كل زيارة، يُحضِر الأمير قطعةً من الحرير كما أخبرته، وتنسجها معًا حتى يكتمل السُّلّم وتتمكّن من الهروب.
في عيد ميلادها الثامن عشر، تحدَّثت إلى الساحرة وطلبت منها الخروج من البرج لتحتفل بعيد ميلادها. ولكن، كالمعتاد رفضت الساحرة طلبها، وقالت: “لقد تحدّثنا في هذا الأمر من قبل. لقد سئمتُ من هذا الحديث، لن تخرُجي من القصر أبدًا”.
غضبت رابونزل وقالت: “سأخرجُ مهما حدث”.
ومن شدّة غضبها، لَمَّحت لها عن الأمير. صُدمت الساحرة، وقالت: “ماذا تقولين، من كان معكِ هنا؟”.
قالت: ” لا أحد، لم أرَ أي شخصٍ غيركِ”.
لم تُصدّقها الساحرة، وبحثت في أرجاء الغرفة، حتى وجدت السلّم مخبأ في أحد الأدراج. وقالت بغضب: “ما هذا؟ من الذي أحضره لكِ”.
ردّت رابونزل: “لقد تعرّفتُ على أمير، وأحضر لي الحرير وصنعتُ السلّم”.
صرخت الساحرة :”لن تري هذا الأمير مرةً أخرى”.
اِستشاطت الساحرة غضبًا، ثم أحضرت سكِّينًا وقطعت الحرير، وربطت رابونزل بحبل. كانت الساحرة تعلم أنَّ الأمير سيأتي، فقررت أن تنتظره للانتقام منه.
وفي المساء، عندما وصل الأمير إلى البرج، ونادى على رابونزل، فأنزلت الساحرة شعرها. وعندما صعد، فوجِئ برؤية الساحرة ورابونزل مُقيّدة بحبل.
واجه الأمير الساحرة، وعلى حين غفلة منها، أمسك السكّين وقصّ شعر رابونزل وقال: “لن أدعك تستغلّين قدرتها”.
اشتعلت الساحرة غضبًا، لأنها خسرت المصدر الوحيد الذي يمنحها الشباب، وصرخت: “ماذا فعلتَ؟ سأنتقم منك ولن أدعك تراها مرةً أخرى”.
ثم دفعت الأمير من نافذة البرج، فسقط من أعلى البرج، ولكن لحسن الحظ، لم يفقد حياته، وتعرّض لجروح وكسور فقط.
تمالك الأمير نفسه واستجمع شجاعته، وعاد على الفور إلى مملكته، فجمع جيشًا كبيرًا، وعاد مجدّدًا إلى البرج حيث رابونزل، فهاجم جنوده الساحرة الشريرة وتمكّنوا من التغلب عليها. وهكذا تحرّرت رابونزل من أسرها. ووضّح لها الأمير حينها أنّ الساحرة الشريرة لم تكن أمها، وإنما ساحرة اختطفتها من والديها الملك والملكة.
فرحت رابونزل كثيرًا لذلك، وتمكّنت أخيرًا من الالتقاء بوالديها، حاكمي المملكة، واللذان فرحا بعوجة طفلتهما إليهما. وبعدها بأيام تقدّم الأمير طالبًا يد رابونزل للزواج، فوافقت على الفور، وأقيم حفل زفاف عظيم احتفل فيه جميع سكان المملكتين. وهكذا عاش الأمير ورابونزل بسعادة وهناء إلى الأبد.
قصة حورية البحر (The Little Mermaid) هي واحدة من أشهر القصص الخيالية في الأدب العالمي، كتبت القصة بواسطة المؤلف العالمي هانس كريستيان أندرسن في عام 1837. يبحر بنا هانس في أعماق البحر، حيث تعيش الأسماك والكائنات البحرية وحوريات البحر ذات الجمال الحسن. ومن هنا نتعرف على قصة آريل حورية البحر التي كانت تحب عالم البشر وتحلم بأن تزور اليابسة، ولكن والدها كان يخاف عليها ويمنعها من الصعود إلى السطح.
هل ستتمكن آريل من تحقيق حلمها ورؤية عالم البشر؟ ما الذي ستقابله وستكتشفه في هذه المغامرة الشيقة. لنقرأ القصة معًا.
أحداث قصة حورية البحر
في أعماق البحر، حيث المياه الصافية الزرقاء والأسماك المتنوعة، كان هناك ملك يحكم عالم البحار. وكانت قلعته تقع في أعمق نقطة في البحر. وكانت مصنوعة من المرجان الأزرق، تعلوها أصداف تفتح وتغلق عند مرور الماء من خلالها.
كان ملك البحر يعيش هناك مع والدته وبناته الأربع، وكانت أصغر الأميرات تُدعى آريل. كانت آريل حورية بحر لطيفة وجميلة، لها شعر طويل وصوت عذب يأسر القلوب. كانت آريل مميزة عن باقي الحوريات، لم تكن تحب الغناء والسباحة فقط، بل كانت تحلم بعالم البشر. وكانت تقضي معظم وقتها تسبح قرب السفن الغارقة في قاع البحر، تجمع الكنوز التي تسقط منها وتملأ ذراعيها بالمجوهرات، ثم ترتبها في مجموعات في كهفها وهي تغني بصوتها الجميل.
كان والدها قد وضع قانونًا يمنع حوريات البحر من الصعود إلى سطح البحر قبل بلوغهن سن الخامسة عشرة. وكانت آريل تحب الاستماع إلى قصص أخواتها عن حياة البشر، عن السفن والغابات والشمس الساطعة فوق سطح البحر، وكانت تتوق لرؤية كل ذلك بنفسها.
وعندما طلبت من والدها في أحد الأيام أن يسمح لها بالذهاب إلى سطح البحر، رفض بشدة، وحذرها من الصعود إلى سطح قبل بلوغ السن المسموح به.
حزنت آريل كثيرًا من رفض والدها، وكانت جدتها تخفف عنها بأن بحكايات عن الحياة على اليابسة، والمدن، وكل ما تعرفه عن البشر.
وأخيرًا، جاء اليوم المنتظر، اليوم الذي بلغت فيه حورية البحر آريل الخامسة عشرة. الآن، بات بإمكانها الصعود إلى السطح لترى العالم الذي طالما حلمت به.
عندما صعدت للسطح، رأت سفينة ضخمة تبحر فوق المياه، وكان البحارة يرقصون ويضحكون. وأثناء سباحتها حول السفينة، رأت أميرًا وسيمًا يقف عند الحافة يضحك ويعزف الموسيقى. اقتربت منه، وأخذت تراقبه بدهشة وإعجاب.
فجأة، هبت عاصفة قوية وارتفعت الأمواج وبدأت السفينة تتأرجح. بدأ البحارة ينزلون الأشرعة، كانت آريل تراقب الموقف بخوف من بعيد، وفجأة سمعت صرخة.
صاح أحد البحارة: ” لقد سقط الأمير إريك”.
من دون تردد، غاصت آريل بسرعة وأمسكت بالأمير من قميصه، فهي تعرف أن البشر لا يستطيعون التنفس تحت الماء، وسحبته إلى السطح. بقيا يطفوان معًا فوق الأمواج. بحلول صباح اليوم التالي، كانت العاصفة قد هدأت، سبحت آريل الأمير بصعوبة إلى الشاطئ، ثم جلست بجانبه تغني له أغنية حزينة. وفجأة، بدأ الأمير يتحرك.
سألت آريل بقلق: “أوه! هل أنت بخير؟”
لكن قبل أن يراها الأمير، رأت أريل أناسًا يقتربون، فأسرعت عائدة إلى البحر، واختبأت خلف صخرة كبيرة، تراقب الأمير.
سبحت آريل إلى أعماق البحر، وكانت حزينة، لأن الأمير لن يعرف أبدًا أنها من أنقذته. لم تستطع التوقف عن التفكير فيه، وكانت تحلم أن تكون معه. لكن كيف يحدث ذلك؟ هي تعرف أنها لا تستطيع الاجتماع معه في عالم واحد.
وعندما عادت إلى منزلها، أراد إخوتها معرفة كل شيء عن رحلتها، لكنها كانت حزينة جدًا لدرجة أنها لم تكن قادرة على قول أي شيء. ومرت الأيام والأسابيع، وظلت آريل حزينة تفكر في الأمير. قلقت أخواتها، وذهبن إلى جدتهن طلبًا للمساعدة.
أسرعت الجدة إلى آريل وسألتها: “ما الأمر يا صغيرتي؟”
قصّت حورية البحر عن مغامراتِها وإنقاذِها للأمير إريك، ثم قالت: “جدتي، أُريد أن أراه مرة أخرى، أريد أن تكون لي قدمان، لأصعد إلى اليابسة وأقابله ثانية.”
قالت الجدة: “يا صغيرتي، أنتِ تعلمين أن حوريات البحر لا يمتلكن قدمين. ساحرة البحر هي الوحيدة القادرة على ذلك، لكن الذهاب إليها خطير للغاية.”
رغم تحذير جدتها، إلا ان آريل أسرعت إلى ساحرة البحر وقصّت عليها قصتها وأخبرتها بأمنيتها.
قالت الساحرة: ” هذه ليست مشكلة. كل ما عليك فعله هو شرب هذا الشراب وستحصلين على ساقين.”
ثم تابعت الحديث: “ولكنني الأمر ليس مجانيًا، كما تعلمين”.
سألت حورية البحر الصغيرة، “حسنًا، ما هو ثمن الجرعة؟”
ردت الساحرة: “أوه، ليس كثيرًا. عليكِ التخلي عن صوتكِ من أجل الحصول على الجرعة.”
صُدمت آريل، وقالت: “صوتي؟”
قالت ساحرة البحر: “نعم، ولكن لا داعي لذلك، إذا كنت لا تريدين.” ترددت آريل، ولكنها في النهاية وافقت على شرط الساحرة.
تابعت الساحرة الحديث:” وهناك شرط أخر، يجب أن يتزوجك الأمير لتستعيدي صوتك، فإذا تزوج بأخرى حينها سيبقى صوتكِ معي للأبد. ولكن من يدري؟ قد يختارك الأمير.”
بالرغم من صعوبة الاختيار، إلا أن آريل وافقت على شرط الساحرة. وشربت حورية البحر الجرعة بسرعة. شعرت بألم شديد ودوار خفيف، ثم فقدت وعيها.
عندما استيقظت، وجدت نفسها على نفس الشاطئ الذي أنقذت فيه الأمير، وكان لها ساقان كالبشر. فرحت آريل وأدركت أنها ستتمكن من مقابلة الأمير.
في البداية، لم تستطع آريل الوقوف أو استخدام ساقيها الجديدتين، وظلّت تحاول الوقوف. عندها رآها الأمير، أسرع لمساعدتها.
سألها الأمير إريك: “هل أنتِ بخير؟”
حاولت حورية البحر آريل الإجابة، لكن دون جدوى.
سألها: “هل يمكنكِ التحدث؟”
هزّت رأسها نفيًا.
قال: “أوه! اسمحي لي أن آخذكِ إلى القلعة حتى تتمكني من تغيير ملابسكِ.”
كانت حورية البحر في غاية السعادة وهي ترى الأمير يمشي بجانبها. كانت تمشي على قدميها بصعوبة، لكنها سرعان ما تعلمت وأتقنت الأمر.
قضت أريل أيامها مع الأمير إريك، يتمشيان في الحدائق ويضحكان معًا. كان الأمير معجبًا بها، ولكنه كان يأمل بشدة في مقابلة الفتاة ذات الصوت الجميل التي أنقذته. كانت آريل تحاول أن توضح له أنها هي من أنقذته بمساعدة أصدقائها الطيور والكائنات البحرية، ولكن في كل مرة لم يتمكن الأمير من فهمها.
لم يكن يعلم أن الفتاة التي يبحث عنها هي نفسها التي بجانبه، لأنه لم يرَ وجهها بسبب العاصفة.
في أحد الأيام، استدعى الملك ابنه الأمير، وقال له: “يا بني، لقد اتفقنا أنا وأمك على تزويجك، وقد اخترنا لك عروسًا، وستأتي مع والديها الليلة، وسنتحدث عن خطط الزفاف.”
أُصيب الأمير بالذعر، لأنه يريد الزواج من الفتاة ذات الصوت الجميل. أما حورية البحر، فشعرت بالخوف، لأنها تعلم ما سيحدث لها عندما يتزوج الأمير من أخرى.
في الليل، جاءت الأميرة، وكانت مغرورة لا تفكر إلا في نفسها. وعندما تحدتث مع الامير كان صوتها يشبه صوت آريل. صُدم الأمير، ولم يصدق أنه وجد أخيرًا الفتاة التي يبحث عنها.
تعجبت آريل: كيف لهذه الأميرة أن تمتلك صوتها؟ ولم تكن تعلم أن ساحرة البحر الشريرة قد وضعت صوتها في هذه الأميرة.
في صباح اليوم التالي، ذهبت حورية البحر الصغيرة إلى الشاطئ، وأخبرت أخواتها بما حدث، وأن الأمير سيتزوج غدًا.
قلقت الأخوات، لكنهن أخبرنها ألا تقلق وأن تعود إلى القلعة. وعندما عادت الأميرات الثلاث إلى المنزل، فوجئن بوالدهن في انتظارهِن، وقد كان غاضبًا للغاية.
نظر إليهن بحدة، وسأل: “أين أختكن الصغيرة؟” تبادلن النظرات، ثم أخبرنه القصة كاملة، دون إخفاء شيء.
وأخيرًا، جاء يوم الزفاف. صعدت حورية البحر الصغيرة إلى سفينة الزفاف مع الضيوف الآخرين. أما ملك البحر، فقد هرع إلى رؤية ساحرة البحر، وسألها عن كيفية إنقاذ ابنته.
قالت: “هناك طريقة واحدة لإنقاذها من مصيرها، وهي أن تسلّمني الصولجان.”
كانت الساحرة تريد الصولجان لتتمكن من السيطرة على حكم مملكة عالم البحار. لم يكن أمام ملك البحر خيار آخر لإنقاذ ابنته، فسلمها الصولجان.
أخذت ساحرة البحر الصولجان وهرعت إلى سفينة الزفاف، وقد أصبحت وحشًا بحريًا ضخمًا. كانت مخالبها تتلوى كالأخطبوط. بدأ ضيوف السفينة يركضون خوفًا.
فكرت حورية البحر الصغيرة كيف تحمي الأمير حب حياتها، فأمسكت السكين. في تلك اللحظة، امتدت إحدى مجسات ساحرة البحر ورفعت حورية البحر الصغيرة عن السفينة.
صاحت الساحرة: “هذه نهايتك، سأقضي عليك الآن”
لكن الحورية الصغيرة، استخدمت السكين وغرستها في صدر الوحش.
ترنّحت ساحرة البحر من الألم، ثم سقطت في الماء. وبينما كانت تسقط، عاد صوت حورية البحر الصغيرة لها.
صاحت الأميرة التي كان سيتزوجها الأمير، بصوتٍ أجشّ: “يا لها من مملكةٍ بائسة! ما هذه الفوضى!”
وعندما سمع الأمير صوتها الحقيقي، أدرك أنها ليست كما ظن. ثم بدأت الحورية الصغيرة بالغناء. وعندما سمع الأمير صوتها، أدرك أنها هي من أنقذته.
قال: “كنت أبحث عنك، أنتِ منقذتي الحقيقية.”
فرحا فرحًا شديدًا، وسألها الأمير: “هل تتزوجينني؟”
شعرت الحورية الصغيرة وكأن المحيط كله يحتفل معها. وظهرت عائلتها من بين الأمواج، مبتهجين بسعادتها.
تزوج الأمير والحورية الصغيرة في حفلٍ جميل على متن السفينة. منذ ذلك اليوم، عاشت الحورية الصغيرة حياةً مليئةً بالحب. ووجدت طريقة للبقاء على اتصال بعائلتها في البحر، إذ بنت جسرًا بين الأرض والمحيط، مما سمح للعالمين بالعيش في وئام.
وفي النهاية، نتعلم من آريل الشجاعة والأمل والحب الحقيقي الذي يمنح لحياتنا معنى وقيمة تجعلنا نعيش كل يوم بأمل جديد، وأهمية التسامح والتفاهم بينا وبين الآخرين. حققت آريل حلمها وتمكنت من العيش كما تريد، لذلك لا تتردد في السعي وتحقيق حلمك في حياتك.
في إحدى أيّام الربيع الجميلة، خرجت أسرة مها وإيمان في نزهة إلى الحديقة على طرف المدينة، وذلك للاستمتاع بالجو الجميل، وقضاء الوقت بين أحضان الطبيعة حيث الهواء النقي، وأشعة الشمس الدافئة، والأزهار والطيور كلها تحتفل بقدوم فصل الربيع.
فرحت مها وإيمان كثيرًا بهذه النزهة، وبمجرّد أن وصلت العائلة إلى الحديقة، حتى انطلقت الفتاتان تركضان وتقفزان هنا وهناك، تلاحقان الفراشات، وتتأملان النملات الصغيرة، وتغنيان مع الطيور، لكنّهما سرعان ما شعرتا بالملل، وجلستا تحت ظلّ إحدى الأشجار تفكّران في أمر ممتع آخر للقيام به.
فجأة قالت مها لإيمان:
“ما رأيك أن نذهب إلى الغابة الكبيرة، ونستكشف ما فيها؟”
أجابت إيمان:
“ولكن، لا أعتقد أنا ماما ستسمح لنا بذلك…”
ردّت مها:
“لا تقلقي، سنذهب دون أن تلحظ هي أو بابا غيابنا، وسنعود بسرعة…اُنظري، تلك الغابة تبدو كعالم سحري مليئ بالطيور الجميلة والحيوانات الظريفة المتنوعة.”
تحمّسست إيمان، ووافقت على هذه الخطّة. وهكذا تسلّلت الفتاتان إلى الغابة بينما كانت أمهما منشغلة بإعداد وجبة خفيفة، وكان الأب يقرأ كتابًا تحت إحدى الأشجار.
بدأت مها وإيما تستكشفان المكان، ومع كلّ خطوة كانتا تخطوانها في الغابة كان حماسهما يزداد وفضولهما يشتدّ. نظرتا إلى الأشجار العالية الباسقة وأغصانها تعانق السماء، ورأتا أشجارًا أخرى تتشابك أغصانها معًا في منظر جميل ساحر.
وسارتا بين الحشائش الخضراء المنعشة، واستنشقتا عبير أزهار الأقحوان وشقائق النعمان بألوانها الجذابة المفرحة، بل وقطفتا باقات منها لتصنعا منها تاجًا جميلاً من الزهور الربيعية الفوّاحة.
قالت إيمان بفرح:
“المكان جميل للغاية، يبدو حقاً كعالم سحري!”
أجابت مها:
“نعم، فصل الربيع يزيد الغابة جمالاً، كما لو أنّ الطبيعة تحتفل بقدومه، وتعبّر عن سعادتها بعودة الدفء بعد أشهر الشتاء الباردة”.
وبينما كانت الفتاتان تتحدّثان، سمعتا فجأة صوت حفيف من خلف الشجيرات، فشعرتا بالخوف لأنهما اعتقدتا أنه حيوان مفترس، لكن خوفهما سرعان ما تلاشى عندما رأتا أرنبًا صغيرًا أبيض اللون يظهر من خلف الشجيرات، وينظر إليهما بعينيه البرّاقتان.
صاحت مها بفرح:
“اُنظري! يا له من أرنب ظريف!”
ردّت إيمان:
“ظريف جدًّا!”
وأضافت مها على الفور، بحماس:
“هيا لنمسك به ونلعب معه!”
لكن إيمان كانت متردّدة بعض الشيء، فقالت:
“لكنّه سريع للغاية، لن نتمكّن من إمساكه بسهولة!”
أجابت مها:
“سنحاول على أيّة حالّ”
ثم انطلقت نحو الأرنب الصغير تحاول الإمساك به، فقفز هذا الأخير، وهرب بعيدًا ولحقت به مها وعيناها تلمعان سرورًا وإثارة، ومن ورائها إيمان.
وأثناء لحاقهما بالأرنب، لم تلحظ الأختان أنّهما قد توغّلتا كثيرًا في الغابة، وابتعدتا عن الحديقة حيث أبواهما.
وبعد مطاردة لوقت طويل، شعرت الفتاتان بالتعب، واختفى الأرنب بين الشجيرات الكثيفة دون أثر. فتوقفت الفتاتان لبرهة، وانتبهتا حينها أنهما قد توغلتا في أعماق الغابة دون أن تشعرا بالوقت، وهما الآن لا تعرفان طريق العودة.
قالت إيمان بخوف:
“يا إلهي نحن ضائعتان الآن، كيف سنعود إلى الحديقة؟”
أجابت مها:
“لا تقلقي… سنجد حلاًّ!”
في حينها، ظهر لهما الأرنب من جديد، وكان يبدو عليه الخوف، وسمعتا مجدّدًا حفيفًا من أعلى الشجرة فنظرتا إلى الأعلى، ورأتا ثعبانًا طويلاً يتدلّى من إحدى الأغضان، ويتجه نحو الأرنب الصغير المسكين.
أصيبت الفتاتان بالذعر، لكن مها استجمعت قوّتها، ونظرت من حولها، فوجدت غصنًا كبيرًا، فحملته وركضت نحو الثعبان وضربته على رأسه بكامل قوّتها.
سقط الثعبان على الأرض من شدّة الضربة، وكان في حالة ذهول، فلم يعرف ما أصابه، ثمّ فرّ هاربًا.
قالت مها للأرنب الذي كان ما يزال في مكانه:
“أنت بأمان الآن!”
اقترب الأرنب بخطوات متردّدة من الفتاتين، فقد عرف أنّهما طيبتان ولا تريدان به سوءًا، وأمسكته إيمان أخيرًا وربّتت عليه، فبدا سعيدًا جدًّا، ثمّ قفز مجدّدًا على الأرض، وركض مبتعدًا، لكنه توقّف قبل أن يختفي عن الأنظار، والتفت نحو الفتاتان.
نظرت مها وإيمان إلى بعضهما البعض مستغربتين، ثمّ قالت مها:
“أظّنه يريدنا أن نلحق به…”
أجابت إيمان:
“لنفعل ذلك إذن”.
قالت مها:
“هيّا!”
وهكذا تبعت الاختان الأرنب الصغير، الذي راح يقفز ويركض هنا وهناك، ثمّ يتوقف لبضع لحظات حتى لا تضيّع الصغيرتان أثره. وبعد بعض الوقت بدأت ملامح الغابة تتلاشى، وظهرت الحديقة من بعيد.
“انظري يا مها!، إنّها الحديقة”
صاحت مها:
“لقد ساعدنا الأرنب على العثور على طريقنا إلى الحديقة”
قالت إيمان:
“أظن أنّه يريد أن يشكرنا لأننا أنقذناه من الثعبان”
“صحيح!”
قالت مها أخيرًا:
“لقد كانت مغامرة ممتعة، اليس كذلك!”
وأجابت إيمان:
“نعم! استمتعت كثيرًا بوقتي!”
وصلت الفتاتان أخيرًا إلى الحديقة حيث كان أبواهما يبحثان عنهما بعد أن لاحظا غيابهما. وجلست العائلة أخيرًا لتناول طعام العداء في الهواء الطلق، بينما راحت مها وإيمان تحكيان مغامرتهما في الغابة.
قالت الأمّ معاتبة:
“كيف ذهبتما إلى هناك دون إخبارنا؟ لا تفعلا هذا مجدّدًا!”
“حمدًا لله على سلامتكما، أنا فخور بشجاعتكما وروح المغامرة في قلبيكما! لكن في المرة المقبلة، أخبرانا عن مكانكما!”
ووعدت الفتاتان أبواهما بأنّهما لن تفعلا ذلك مجدّدًا، لكنهما كانتا سعيدتين جدّصا بمغامرتهما الصغيرة في الغابة، وعندما عادو جميعًا إلى المنزل في المساء، لبستا ثياب النوم، وخلدتا إلى النوم على الفور حيث حلمت كلّ منهما بمغامرات سحرية في الغابة مع الأرنب الظريف وأشجار الغابة الجميلة وزهورها الفوّاحة.
لنقرأ معًا قصّة “نانا” التي تريد تقديم العون ولكن لكونها صغيرة فهي لا تستطيع المساعدة في الكثير من الأعمال. قصة قصيرة مسلية وممتعة للأطفال من عمر سنة إلى 3 سنوات، مع أسئلة تفاعلية يمكن للأهل طرحها على الصغار بعد انتهاء القصّة.
نانا تريدُ تقديم يد العون
في كلّ مرّة ترغب فيها نانا بتقديم يد العون، يردّ عليها الجميع: “لا”!
أمسكت ماما فرشاة أسنان نانا.
“هل يمكنني أن أضع معجون الأسنان على الفرشاة؟” تسأل نانا.
لكن ماما تجيب:
لا، ما زلتِ صغيرة يا حبيبتي!
يبحث بابا عن مفاتيح سيارته.
“بابا، هل يمكنني قيادة سيارتك؟” تسأل نانا.
لكن بابا يجيب:
“كلاّ، ما زلتِ صغيرة يا عزيزتي!”
يُخرج الجدّ، دجاجاته إلى الباحة، وتسأل نانا:
“جدّي، هل يمكنني أن أطعم الدجاجات؟”
لكنّ الجدّ يجيب:
“لا يا حلوتي، مازلتِ صغيرة!”
تدخل نانا إلى المطبخ وتجد ماما هناك تعدّ الشاي.
تسأل نانا:
“هل يمكنني أن أغلي الماء للشاي؟”
لكن ماما تجيب:
لا يا طفلتي، ما زلتِ صغيرة!” خرجت نانا إلى الحديقة، ورأت البستاني يعتني بالأزهار.
تسأل نانا:
“عمي البستاني! هل يمكنني أن أسقي نباتات الحديقة؟”
لكن البستاني يجيب:
“كلاّ يا بنيّتي، مازلتِ صغيرة!”
دخلت نانا إلى المنزل، وأخذت كتابًا من فوق الطاولة.
تسأل نانا:
“ماما، هل يمكنني أن أقرأ كتابًا لدبدوبي؟”
وتجيب ماما:
“بالطبع يا حلوتي!”
أسئلة تفاعلية حول القصّة:
هل يمكنك التفكير بطرق أخرى تستطيع بها نانا تقديم المساعدة، ويقول لها والداها “نعم؟”
هل حاولت يومًا تقديم المساعدة، ولكن الأمر كان صعبًا؟ ماذا حدث وقتها؟
تستخدم مايا كرسيًا بعجلات، لذا فهي لا تستطيع اللعب في ساحة المدرسة. لكن أصدقاءها هنا لمساعدتها! ماذا سيفعلون يا ترى؟
تستخدم مايا كرسيًا متحركًا بعجلات.
“رجلاي لا تعملان!” هذا ما تقوله للآخرين عندما يسألونها.
مع ذلك، مايا تستطيع القيام بالكثير من الأشياء التي يقوم بها الآخرون…لكن، ليس كلّ شيء.
إنها تذهب إلى المدرسة، وتستطيع اللعب هناك…لكن، لا يمكنها لعب جميع الألعاب.
تذهب مايا للعب في الحديقة، إنها تلعب بالرمل، وتمسك بالطابة، لكنها بعد ذلك تجلس حزينة وهي ترى أصدقاءها يتأرجحون في الأرجوحة أو يتزحلقون على السحسيلة.
“لماذا لا يوجد ألعاب للأطفال على الكراسي المتحرّكة” سألت مايا أمها بحزن.
وسمعتها سيدة عجوز كانت تجلس بقرب أمها، فقالت: “ما هي الألعاب التي تريدينها يا صغيرتي؟”
أجابت مايا: “أرجوحات، وسحاسيل، وألعاب دوّارة…”
قالت السيّدة العجوز: “لكن، هنالك ألعاب دوّارة للأطفال على الكراسي المتحرّكة…”
ردّت مايا بحزن: “ليس في هذه الحديقة…”
وراحت السيدة تتحدّث مع والدة مايا، فتململت مايا وقالت لنفسها: “أحاديث الكبار…مملّة…” ثمّ واصلت بناء قلعتها الرملية، وما هيسوى لحظات حتى انضمّت إليها صديقتها زينة، وراحت تبني معها قلعة ثانية فثالثة حتى أصبح لديهما مدينة كاملة من القلاع!
في طريق العودة، تحدّثت والدة مايا عن السيدة العجوز قائلة: “تعتقد السيدة زهرة أنّ إحضار لعبة دوّارة مخصّصة للأطفال على الكراسي المتحرّكة، فكرة جميلة…لذا، سنحصل على واحدة في حديقة الحيّ!”
اندهشت مايا وقالت: “حقًا! هل سنحصل على واحدة؟!”
وهذا ما حصل بالفعل، شيئًا فشيئًا، تحقّق هذا الأمر. في البداية قال حارس الحديقة: “الأمر ممكن، ولكنّه يكلّف كثيرًا…” فقالت الأمهات في الحيّ: “لا بأس، سنطلب العون من سكّان الحيّ!”
تعاون الجميع، ورسمت مايا لوحة مع صديقتها زينة، كتبت عليها:”ساعدوا مايا للحصول على لعبة دوّارة لكرسيّها المتحرك! نحن بحاجة لعونكم وللمال حتى نشتري اللعبة…”
عثر والد زينة على دوّارة مخصّصة للأطفال على الكراسي المتحركة للبيع. لم تكن جديدة لكنها كانت بحال جيّدة.
وبعدها بأيام عثر أيضًا على معاونين ليساعدوه على حمل اللعبة الدوارة وإحضارها للحديقة.
أمّا السيدة زهرة فقد بدأت حملة لجمع التبرّعات من أجل شراء اللعبة.
“أوه… لا يمكنني أن أرفض الآن…” قال حارس الحديقة، ثمّ أضاف:
“إن تمكنّتم من جمع نصف ثمن اللعبة، واستطعتم العثور على مساعدين لتركيبها في الحديقة، فسوف تحصل مايا على لعبتها الدوارة الخاصّة!”
في الأسابيع التالية، بدأ سكّان الحيّ بتنظيم حفلات لجمع التبرعات، اطلقوا عليها اسم “حفلات اللعبة الدوّارة”!
في تلك الحفلات، كان هنالك أقسام لبيع البسكويت والعصير وجمع التبرعات من أجل لعبة مايا.
وفي هذه الأثناء تمكّن والد زينة من الحصول على سعر مخفّض للعبة، وأحضر أحد الجيران شاحنته لنقل اللبعة إلى الحديقة.
تحتاج اللعبة الدوارة الخاصّة بالكرسي المتحرّك إلى حفرة كبيرة ليتمّ تثبيتها فيها. وقام سكّان الحيّ بتنظيم حفل خيري أسموه: “حفلة الحفر!”
حضر جميع الجيران إلى الحديقة في ذلك اليوم، وبدأوا بالحفر والحفر حتى صنعوا حفرة كبيرة جدًا مناسبة لتثبيت اللعبة فيها.
شيئًا فشيئًا، أصبحت اللعبة جاهزة! لقد قام حارس الحديقة بالتعاون مع باقي رجال الحيّ بتثبيت اللعبة، وتمّ اختبارها للتأكّد من أنّها آمنة وثابتة جيّدًا، وحان أخيرًا موعد الحفلة الأكبر: حفلة اللعبة الدوّارة!
كانت حفلة جميلة وممتعة، تمّ فيها توزيع البسكويت والعصير مجانًا، وتمّ تعليق البالونات الملوّنة على اللعبة الدوارة، وامتلأت الحديقة بالأطفال الذي أتوا لمشاركة مايا فرحتها بلعبتها الخاصّة الجديدة.
“مايا، يجب أن تكوني أول من يجرّب اللعبة الدوّارة، فقد صُنعت خصّيصًا لكِ، لقد جرّبتها بالأمس، وكانت جيدة، لكن المهمّ هو رأيكِ أنتِ!”
قال حارس الحديقة مخاطبًا مايا.
وهكذا، دفعت مايا كرسيّها المتحرك نحو اللعبة الدوارة، وصعدت عليها، وصعد معها ثلاثة أطفال آخرين.
لكن…
نحتاج من يدفعها الدفعة الأولى لتبدأ بالدوران.
ضحك حارس الحديقة وقال:
“هذه مهمّتي! سأفعل أنا ذلك…”
كان رجلاً قويًا ذو عضلات مفتولة، فتمكّن بسهولة من دفع اللعبة الدوارة، وبدأت اخيرًا بالدوران.
دارت ودارت، وضحكت مايا سعيدة بلعبتها، وصفّق الجميع محتفلين بهذا الإنجاز الكبير…
“أنا سعيدة جدًا…أخيرًا لديّ لعبتي الدوّارة الخاصّة بي…لم أحلم في يوم من الأيام أن يكون لي واحدة!”
قالت مايا وهي تدور وتدور وتدور.
أخيرًا قالت والدة مايا:
“هايا يا مايا، يجب أن تتوقّفي قليلاً، وتدعي بقيّة الأطفال يجربون اللعبة، لقد تعاونوا جميعًا لإحضارها إلى هنا، ويجب أن يجرّبوها أيضًا!”
ضحكت مايا وقالت:
“نعم…صحيح، هذه اللعبة ليست لي وحدي، وإنّما لجميع أطفال الحيّ وكلّ الأطفال الذين يستخدمون كراسي متحرّكة!”
ابتسم حارس الحديقة وهمس لوالدة مايا:
“أعتقد أننا سنركّب أرجوحة للأطفال على الكراسي المتحرّكة أيضًا!…ولكن بعد أن نرتاح قليلاً!…”
وهذه قصّة لوقت لاحق!
أسئلة تفاعلية للأهالي والأطفال حول قصة مايا والكرسي المتحرك
كيف ساعد سكّان الحيّ مايا للحصول على لعبتها الدوّارة؟
هل تظنّ أنّه كان بإمكان شخصٍ واحد فقط أن يحضر اللعبة الدوارة لمايا ويركّبها في الحديقة بمفرده؟
مرحبًا يا أصدقاء! اسمي ناشا، أنا بومة ظريفة وحكيمة كما ترون. أجلس عاليًا على قمم الأشجار الباسقة حيث لا يراني أحد، وحيث أستطيع أن أرى الجميع.
مرحبًا بكم معي، وأهلاً بكم…أنا سعيدة لأنكم هنا قد أتيتم لسماع القصّة التي سأرويها لكم اليوم… وهي قصّة أحد أصدقائي…فلنقرأها معًا.
مغامرة دودي الكبيرة
كان صباحًا باردًا من صباحات بدايات الربيع في الحقل، وبينما أنا جالسة أعلى قمّة الشجرة، رأيتُ الدودة دودي…
كان دودي دودة عادية، يعيش حياة عادية، ويقوم بامور عاديّة كلّ يوم..
لكنّه اليوم، كان يتحرّك ويسير بطريقة لا تبدو عادية!
يبدو وكأنّه ضائع…
في الواقع، كان دودي يبحث عن أحد يتحدّث إليه ويلعب معه. لكنّه لم يجد أحدًا من حيوانات الحقل الأخرى ليتحدّث معها أو يلعب برفقتها….
لم يجد دودة أخرى، ولا خنافس ولا دعسوقة ولا حتّى قطّ!!
وهنا قرّر دودي القيام بأمر غير عادّي على الإطلاق! لقد قرّر الذهاب إلى الحقل المجاور ليعثر على صديق هناك ويتحدّث إليه ويلعب معه!
كان يبدو متأكدًّا أنّه سيعثر على رفيق في الحقل المجاور، وهكذا… انطلق في مغامرته الكبيرة.
كما تعلمون، دودي كان مجرّد دودة صغيرة عادية، ولم يكن سريعًا جدًا في الزحف…لكن…بالنسبة لدودة، لم يكن بطيئًا أيضًا. وهكذا، زحف وزحف باتجاه الحقل المجاور.
ومع مسيره، بدأت الشمس تطلع، وتغمر الأرجاء بنورها ودفئها. وهنا قرّر دودي اخذ قسط من الراحة تحت إحدى أوراق الشجر الكبيرة.
فجأة سمع صوتًا يقول:
“أين تذهب يا دودي؟!”
نظر دودي إلى الأعلى ورأى يرقة جميلة على ورقة الشجر، فابتسم وأجاب:
“أنا ذاهب إلى الحقل المجاور لأعثر على صديق جديد أتحدّث إليه وألعب معه!”
وقالت اليرقة:
” هذا أمر جميل، أتمنى أن تعثر على الكثير من الأصدقاء هناك…كن حذرًا!”
ابتسم دودي لليرقة، وواصل المسير.
كما سبق أن قلت، لم يكن دودي سريعًا جدًا، لكنه كان يحرز تقدّمًا لا بأس به، وكان مركّزًا جدًا لدرجة أنّه ومن شدّة تركيزه على السير نحو الحقل، فقد اصطدم فجأة بالنملة لولي.
“آآآخ” قالت لولي: “انتبه إلى أين تمشي!”
قال دودي:
“أووه انا آسف، لقد كنتُ في طريقي للبحث عن أصدقاء في الحقل المجاور.”
وأجابت لولي:
“حسنًا يا صديقي، ان استمررت في المسير في هذا الاتجاه، فستعثر على الكثير منهم!”
ابتسم دودي، وواصل المسير.
بدأت السماء تتلبّد بالغيوم، وتحوّل لونها الأزرق الجميل إلى الرمادي الغامق…. وبدأت الرياح تشتدّ شيئًا فشيئًا، فقرّر دودي أنّه من الأفضل أن يختبئ تحت إحدى الأشجار ويحتمي بأوراقها من المطر. وكذلك فعل!
فجأة سمع صوتًا يقول:
“المعذرة!”
نظر دودي من حوله ولم يرَ أحدًا، فقال الصوت من جديد:
“المعذرة يا صديقي!”
وهنا رأى دودي تحته عينان برّاقتان! لقد اختبأ من غير قصد فوق جناح فراشة معتقدًا أنّها ورقة شجر.
“أووبس…أنا آسف!”
كانت الفراشة رفيف طيبة القلب، فلم توبّخ دودي، وابتسمت له قائلة:
“لا عليك يا عزيزي!”
قال دودي:
“أنا في طريقي لأعثر على أصدقاء أتحدّث إليهم في الحقل المجاور!”
ضحكت رفيف وأجابت:
“أمر رائع!” وتحدّثت مع دودي اكثر عن الجوّ والمطر.
بعد بعض الوقت، توقّف المطر، وأشرقت الشمس من جديد. وقرّر دودي أنّه قد حان الوقت للرحيل، فودّع رفيف الفراشة، وانطلق من جديد نحو الحقل.
بينما هو يسير في طريقه، ظهرت أمامه فجأة كرة غريبة. ابتعد عنها يمينًا فتدحرجت الكرة يمينًا، فابتعد عنها إلى اليسار فتدحرجت إلى اليسار أيضًا!
تنهّد دودي، وعندها انفتحت الكرة وتحوّلت إلى بيلو، قملة الغابة.
سأل بيلو:
“إلى أين تذهب؟”
أجاب دودي:
“لأعثر على أصدقاء أتحدّث إليهم في الحقل المجاور!”
قال بيلو بصوت خشن ولكن طيّب:
“جميل، جميل… حظّا موفقًا!… لا تسبّب المتاعب!”
ابتسم دودي وردّ قائلاً:
“حسنًا!…إلى اللقاء!”
وانطلق مجدّدًا في طريقه إلى الحقل.
شعر دودي بالسعادة وهو في طريقه إلى الحقل، ووصل أخيرًا إلى طريق ترابي مليء بالحفر السوداء العميقة والضحلة التي تسبّبت بها الشاحنات الكبيرة التي تعبر من الطريق.
فجأة سمع صوتًا يقول:
“مكانك! لا تتحرّك!”
قال القنفذ شوكي فجأة.
لحسن الحظ أنّ دودي أنصت إلى شوكي، ولم يتحرّك خطوة إضافية، فقد نظر أمامه ورأى حفرة كبيرة مليئة بالماء والزيت. كانت لامعة وتبدو كما لو أنّها بقعة من العشب.
قال دودي:
“شكرًا جزيلاً!”
سأل شوكي:
“إلى أين تذهب؟”
وأجاب دودي:
“إلى الحقل المجاور كي أبحث عن أصدقاء أتحدّث إليهم.”
قال شوكي مجدّدًا:
“يمكننا أن نصبح أصدقاء إن شئت!”
وقبل أن يجيب دودي، ظهر فجأة من خلف الأشجار كلب ضخم أبيض اللون، ونظر إلى دودي وشوكي.
خاف الإثنان كثيرًا، وتجمّدا في مكانهما، لكن الكلب قال:
“مرحبًا! كيف حالكما؟ هل تريدان أن نصبح أصدقاء؟!”
كان صوت الكلب لطيفًا هادئًا، فعرف دودي وشوكي أنّه طيّب القلب ولا ينوي إيذاءهما.
“نعم! بالطبع!”
أجاب الإثنان، وأضاف دودي:
“يمكنك أن تأتي معنا إلى الحقل إن شئت؟!”
الآن أصبح هناك دودي، وشوكي والكلب بوبي، يسيرون معًا نحو الحقل المجاور!
حطّ عصفور ملوّن صغير على سياج الحقل، وقال للأصدقاء الثلاثة الذين كانوا يقفون هناك:
شعر دودي بالحيرة للحظة، فلم يعرف الجواب على شوكي، لكنّه وحينما فكّر قليلاً وجد أنّه قد عثر على أصدقاء بالفعل، وهاهم جميعًا في الحقل يلعبون ويتحدّثون معًا… وقد عثر عليهم في طريقه إلى الحقل!
يُحكى أنّه عاش في إحدى الغابات البعيدة الجميلة أرنبٌ مغرور يُدعى “برق”. كان برق سريعًا جدًّا ودائما يفتخر بسرعته الفائقة ويسخر من الحيوانات الأخرى التي لا يمكنها أن تجاري سرعته.
وفي أحد الأيام بينما كان برق ينطّ هنا وهناك في أرجاء الغابة، لمح سلحفاة صغيرة تمشي ببطء شديد نحو إحدى أوراق الأشجار لتأكل منها. فراح يضحك ساخرًا منها وهو يقول:
– يا لك من سلحفاة بطيئة جدًّا، سيحلّ الليل قبل أن تتمكّني من الوصول إلى طعامك…هههههه.
كانت السلحفاة صبورة ومثابرة، وعلى الرغم من مضايقات برق لها، فهي لم تستلم وواصلت المسير بثبات وجدّ، لكنّ برق استمرّ في السخرية منها والاستهزاء بخطواتها البطيئة.
أخيرًا قالت السلحفاة:
– قد تكون سريعًا يا برق، لكنّ السرعة والعجلة الدائمة ليست كلّ شيء. المثابرة أهمّ من كلّ شيء، وكذلك التواضع.
فأجابها الأرنب المغرور:
– تقولين هذا لأنك بطيئة ولا يمكنك تحقيق شيء بخطواتك الثقيلة هذه… لو أننّا تسابقنا، فسوف أفوز عليك، وأحقق النصر، وسنرى عندها ما أهمية السرعة.
استاءت السلحفاة من كلام الأرنب المغرور وقرّرت أن تعلمه درسًا، فقالت:
– حسنًا، انا أقبل التحدّي، فلنتسابق ولِنرى من سيفوز.
استغرب الأرنب من ثقتها، وفكّر مع نفسه أنّها بلا شكّ سلحفاة بلهاء، ولا تعرف ما تقول، لكنّه وافق على التحدّي وقال:
– حسنًا، وأنا قبلت التحدّي أيضًا، لنتسابق يوم الغد، وليكن خطّ النهاية هو شجرة السنديان الكبيرة عند البحيرة.
انتشر خبر السباق بين برق السريع والسلحفاة في الغابة، واجتمعت الحيوانات في اليوم التالي لتشاهد هذا التحدّي المثير للاهتمام. كان الجميع متأكدًا أنّ برق سيفوز، فهو سريع جدًّا ولا يمكن للسلحفاة أن تلحق به أبدًا.
وقف الأرنب والسلحفاة عند خطّ البداية، وقال برق ساخرًا:
– سأراكِ بعد أيّام عند خطّ النهاية، فأنا متأكد أنّك لن تصلي إلى هناك قبل عدّة أيام أو ربّما أسابيع…هههه.
لم تردّ السلحفاة على سخرية الأرنب، وبقيت صامتة، وتمّ الإعلان عن بداية السباق، فانطلقت بجدّ واجتهاد بخطوات بطيئة ولكن ثابتة باتجاه شجرة السنديان.
أمّا برق، فلم ينطلق، وجلس إلى ظلّ شجرة قريبة يأكل حبّة من الجزر.
استغرب الحيوانات ذلك، لكنّه قال لها:
– ما زال الوقت مبكرًّا، سآكل وجبة خفيفة وآخذ قيلولة صغيرة قبل أن أنطلق… فأنا برق السريع وسألحق بالسلحفاة البطيئة في وقت قليل.
وكذلك كان الحال. أكل الأرنب جزرته، وغطّ في النوم. أمّا السلحفاة فلم تتوقّف أبدًا، واستمرّت في السير نحو خطّ النهاية بثبات وإصرار.
مرّت عدّة ساعات، وغرق برق في نوم عميق، لكنه عندما استيقظ، أدرك أنّه قد نام لوقت طويل، وأنّه تأخر كثيرًا…أكثر ممّا كان يعتقد.
انطلق بأقصى سرعته نحو خطّ النهاية ليلحق بالسلحفاة، لكنه مع ذلك لم يكن سريعًا بما فيه الكفاية، وعبثًا حاول اللحاق بالسلحفاة والفوز عليها، لكنّها كانت قد اقتربت كثيرًا من خطّ النهاية، وكان هو لا يزال بعيدًا بسبب تهاونه واستخفافه بالسباق.
وهكذا وصلت السلحفاة إلى خطّ النهاية، وفازت بالسباق قبل أن يتمكّن برق من اللحاق بها.
هتفت جميع الحيوانات وصفّقت للسلحفاة الفائزة، التي علّمتهم وعلّمت الأرنب المغرور درسًا لا يُنسى، ألا وهو أن الغرور خلق سيء وقبيح يكلّف صاحبه كثيرًا، والسخرية من الآخرين تصرّف مُشين لا يجب أن يتحلّى به الطيبّون.
شعر برق بالخجل من نفسه، واعتذر للسلحفاة على سوء تصرّفه، ومنذ ذلك اليوم أصبح أكثر تواضعًا وتهذيبًا، وأصبح يستخدم سرعته الكبيرة في مساعدة غيره من الحيوانات الأبطأ، فصار محبوبًا بين جميع حيوانات الغابة، وعاش الجميع بسعادة وهناء.
كان يا مكان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، كانت تعيش ملكة جميلة طيبة القلب في إحدى الممالك البعيدة.
في إحدى أيام الشتاء قارسة البرودة، وبينما كان الثلج يهطل بغزارة في الخارج، جلست الملكة الطيبة عند حافة النافذة تطرّز على قماش من حرير، وبينما هي على تلك الحال، وخزت اصبعها فجأة بإبرة الخياطة، وسقطت بضع قطرات من الدم على الثلج الأبيض المتجمّع عند النافذة.
في تلك اللحظة، تمنّت الملكة أن يرزقها الله بمولود ذو بشرة بيضاء كالثلج، وفم أحمر كالدم، وشعر أسود كالأبانوس.
وما هي إلاّ بضعة أشهر حتى وضعت الملكة مولودها، وكان بنتًا جميلة تمامًا كما تمنّتها، ذات شعر أسود حالك كالأبانوس، وبشرة بيضاء ناصعة كالثلج، وفم أحمر كالدم القاني. وأسمتها الملكة سنو وايت أيّ: “بياض الثلج”.
وفرح الملك بمولودته الصغيرة، لكنّ فرحته لم تدم طويلاً، فقد مرضت الملكة بعد الولادة مرضًا شديدًا، وماتت بعد بضعة أيّام تاركة سنووايت يتيمة بلا أمّ.
سنووايت وزوجة الأب الجديدة
تزوّج الملك فيما بعد بامرأة أخرى، وكانت زوجته الجديد جميلة جدًا، لكنها لم تكن طيبة على الإطلاق كما كانت الملكة الراحلة. كما أنها كانت تغار كثيرًا ولا تحبّ أن يكون هناك من هو أجمل منها. بل كان لديها أيضًا مرآة سحرية، وكانت في كلّ صباح تنظر إلى المرآة وتقول:
– مرآتي يا مرآتي، أخبريني من هي أجمل فتاة في الأرض؟
فتجيب المرآة:
– مولاتي الملكة، أنتِ الأجمل في هذه الأرض، وليس هناك من يضاهي جمالك على الإطلاق.
فتضحك الملكة بسعادة، ويزداد غرورها وإعجابها بنفسها وجمالها.
ومرّت الأيام والسنوات، وكبرت سنو وايت، وازداد جمالها، كما أنها كانت ذات قلب طيب رقيق، تحبّ مساعدة الغير، ولا تبخل بتقديم العون على من يحتاج، ولاحظت الملكة المغرورة جمال سنو وايت، وبدأت تغار من حسن مظهرها ودماثة أخلاقها.
وفي أحد الأيام، استيقظت الملكة، وسألت مرآتها السحرية:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل فتاة على وجه الأرض؟
وأجابت المرآة:
– مولاتي الملكة، إنّ جمالك رائع لا مثيل له، ولكنّ هناك من هو أجمل منك…إنها سنو وايت.
غضبت الملكة غضبًا شديدًا حين سمعت هذه الجملة، واشتعلت نيران الغيرة في قلبها وتأجّجت، وقررت التخلص من سنو وايت. فنادت أحد حرّاسها المخلصين وقالت له:
– أريد أن تصطحب سنو وايت إلى الغابة، وتقتلها، وتحضر لي قلبها، حتى أتأكد أنها ماتت بالفعل.
فزع الحارس من طلب الملكة، لكن لم يستطع الرفض، وهكذا نفّذ أوامر الملكة، ورافق سنو وايت إلى الغابة.
كانت هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها سنو وايت من القصر، وكم كانت سعادتها عظيمة وهي ترى الغابة بحيواناتها الأليفة من أرانب وغزلان وعصافير، ونباتاتها وأزهارها البرية الساحرة، فراحت تقفز من مكان لآخر وهي تغنّي فرحًا وسعادة، بينما كان الحارس يتحيّن الفرصة للقضاء عليها وهي غافلة عنه وعن خطّته الماكرة.
لكن الحارس كان في أعماقه رجلاً طيبًا وفيًا للملك، ولم يستطع برغم كلّ محاولاته أن يقتل سنو وايت، فقال لها أخيرًا، وهو يصوّب قوسه نحوها:
– اهربي يا سنو وايت ولا تعودي إلى القصر، فزوجه أبيك الشريرة تريد القضاء عليك.
فزعت سنو وايت عندما رأت الحارس في تلك الحالة وسمعت ما قاله لها، فهربت بعيدًا عنه، وراحت تركض على غير هدى في الغابة باحثة عن ملجأ أو مأوى.
بيت الأقزام
حلّ الليل، وتحوّلت الغابة المشرقة إلى مكان مظلم مخيف، اختبأت الحيوانات الظريفة من أرانب وغزلان، وبدأت الحيوانات المفترسة التجوال باحثة عن عشائها. أمّا سنو وايت، فقد اختبأت في كهف بعيد، وقضت ليلتها الأولى في خوف شديد، فلم تستطع النوم حتى بدأت بشائر الصباح بالظهور.
استيقظت سنو وايت في اليوم التالي عند العصر، وخرجت من الكهف تبحث عن شيء تأكله، فقد كانت جائعة جدًا، وبينما كانت تبحث عن الطعام، لاح لها من بعيد كوخ صغير، ففرحت وابتهجت، وقرّرت الذهاب إليه وطلب العون من أهله، علّهم يقدّمون لها طعامًا تسدّ به جوعها.
وصلت سنو وايت إلى الكوخ الصغير، وطرق الباب عدّة مرّات، فلم تلقَ جوابًا، ثمّ دفعت الباب، فوجدته مفتوحًا فدخلت وأغلقت الباب من خلفها.
في داخل الكوخ، وجدت سنو وايت مائدة مستطيلة حولها سبعة كراسي، وعلى المائدة سبعة صحون من الحساء، وسبع ملاعق، وسبعة شوك وكذلك سبع أرغفة من الخبز، وسبعة أكواب من الماء.
ولأنها كانت جائعة جدًا، لم تستطع الانتظار حتى يأتي أهل البيت، فجلست على أحد الكراسي، وقد كان كرسيًا صغيرًا للغاية، وأخذت ملعقة وراحت تأكل بضع لقيمات من كلّ صحن، وتأخذ قطعة صغيرة من كلّ رغيف، ورشفة من كلّ كوب.
وعندما انتهت من تناول الطعام، صعدت إلى الطابق العلوي من الكوخ، ووجدت فيه سبعة أسرّة أيضًا، لكنّها كانت صغيرة جدًا وكأنها أسرّة أطفال، فاختارت أحدها واستلقت عليه، وما لبثت أن غطّت في نوم عميق.
ومع حلول المساء، عاد أهل البيت إلى كوخهم، وقد كانوا سبعة أقزام يعملون في التنجيم، وما إن دخلوا حتى لاحظوا أمرًا غريبًا في منزلهم لكنهم لم يستطيعوا معرفة ما هو.
وعندما جلسوا جميعًا إلى مائدة العشاء، قال أوّلهم:
– هنالك من جلس على كرسيّي!
وقال آخر:
– وهناك من أكل من طبقي…
وأضاف الثالث:
– ومن استخدم ملعقتي؟!
ثمّ أضاف الرابع:
– وهنالك من شرب من كأسي…
وقال الخامس:
– وأكل من رغيف الخبز الخاصّ بي!
قال السادس في غضب:
– واستخدم شوكتي أيضًا!
وهنا سمع الجميع صوت القزم السابع يقول وهو ينزل من الطابق العلوي:
– والآن هو ينام على سريري!
تفاجأ الأقزام كلّهم، وصعدوا على الفور إلى العليّة، فعثروا على سنووايت الجميلة نائمة بعمق، وأصابتهم الحيرة، وراحوا يفكّرون بأمرها:
– من تكون يا ترى؟
قال أحدهم.
– لا يبدو عليها أنّها شريرة.
أضاف الآخر، ووافقه البقية، وبينما هم في حيرتهم تلك، فتحت سنووايت عينيها أخيرًا واستيقظت من نومها، فتعجّبت ممّن حولها، واستغربت وخافت، لكنّ الأقزام قاموا بطمأنتها وأخبروها أنّهم لم يأذوها.
اعتذرت سنووايت لأنها دخلت البيت دون استئذان، وأخبرت الأقزام بقصّتها وحدّثتهم عن زوجة أبيها الشريرة القاسية، فحزن الأقزام على حالها.
– يمكنك أن تعيشي معنا في هذا الكوخ، وسنحميك من زوجة أبيك الماكرة.
قال كبير الأقزام أخيرًا، ووافقه البقية. ففرحت سنووايت بذلك كثيرًا، وشكرت الأقزام على طيبتهم وحسن ضيافتهم.
وفي مكان آخر، كان الصيّاد قد عاد إلى القصر، وقد أحضر معه قلب أحد الحيوانات التي اصطادها، وأخبر الملك أنّ ذلك هو قلب سنووايت، ففرحت الملكة بهذا الخبر، وقهقهت بصوت عالٍ. لقد أصبحت مجدّدًا أجمل امرأة على وجه الأرض.
خطط الملكة الشريرة للقضاء على سنووايت
عاشت سنووايت مع الأقزام بسعادة، فكانت تفيق صباحًا وتعدّ لهم الطعام الشهي وتقوم بأعمال المنزل من تنظيف وترتيب، وكان الأقزام سعداء بوجودها أيضًا، فكانوا يقدّمون لها الهدايا، ويقصّون عليها الحكايات، ويعتنون بها أحسن عناية.
ومرّت الأيام والأسابيع على هذه الحال، وفي أحد الأيام، سألت الملكة مرآتها السحرية:
– مرآتي يا مرآتي…أخبريني من هي الأجمل في الأرض؟
وأجابت المرآة:
– مولاتي الملكة، إنّك بلا شكّ أجمل النساء في هذه القلعة، ولكن هناك في أعماق الغابة، تعيش فتاة رائعة الجمال، وهي أجمل الفتيات على الأرض…إنها سنووايت.
عند سماع هذه الكلمات، استشاطت الملكة غضبًا، وقالت:
– لا بدّ أن الصياد قد خدعني وكذب عليّ…لن أغفر له هذا الأمر، وسألقّنه درسًا لن ينساه. أمّا سنووايت…فسأتخلّص منها بيديّ هاتين.
في اليوم التالي، تنكّرت الملكة في شكل سيّدة في مقتبل العمر، وحملت معها حقيبة مليئة بالأشرطة والأحزمة القماشية، وذهبت بها إلى الغابة حيث تقطن سنوايت مع الأقزام السبعة.
في ذلك الوقت كانت سنووايت الأزهار في الحديقة، عندما رأت السيدة الغريبة تقترب منها، فحيّتها بأدب، وراحت تحادثها وتسألها عن أحوالها.
– صغيرتي الجميلة، أنا أبيع الأشرطة الحريرية والأحزمة القماشية للفتيات الجميلات أمثالك، وظنّي أنّ هذا الحزام سيلائم لون عينيك، فدعيني أجرّبه عليك.
– شكرًا لك يا خالة، ولكنّي لا أملك أيّ مال لأشتريه منك.
– لا عليك. قالت البائعة، ثمّ واصلت: فكلماتك الطيبة تكفي.
وهكذا أخرجت من سلّتها الشريط الحريري، ولفّته حول خصر سنووايت، وراحت تشدّه بقوّة، حتى ما عادت سنووايت قادرة على التنفس، وحاولت من دون جدوى أن تخبر السيدّة بأنّ الحزام يؤلمها، لكنّها فشلت، وأغمي عليها قبل أن تتمكّن من قول أيّ شيء.
وقعت سنووايت أرضًا، وراحت الملكة الشريرة المتنكّرة بثياب البائعة تضحك سعيدة بفعلتها، ثمّ غادرت عائدة إلى القلعة سعيدة لأنها أخيرًا تخلّصت من منافستها، وقد أصبحت الآن أجمل فتاة في الأرض.
ومع غروب الشمس، عاد الأقزام السبعة إلى الكوخ، وأصابتهم الصدمة عندما رأوا سنووايت ملقاة أرضًا بلا حراك. حاولوا إيقاظها، ولكن دون جدوى، إلى أن لاحظ أحد الأقزام الحزام الحريري ملتفًا حولها، وقال للبقية:
– انظروا! هذا الحزام ملتفّ بشدة حول خصرها، إنها غير قادرة على التنفّس بسببه… هيا أحضروا لي المقصّ!
وبسرعة جاء قزم آخر بالمقصّ، ومزّق الحزام، فبدأ اللون يعود تدريجيًا إلى وجه سنووايت وبدأت تتنفس من جديد، وما هي إلاّ لحظات، حتى فتحت عينيها وأفاقت من إغمائها.
فرح الأقزام كثيرًا، وقصّت عليهم سنووايت ما حصل معها، فعرفوا في الحال أنّ تلك السيدة ما هي إلاّ الملكة الشريرة نفسها، وحذّروا سنووايت من عودتها، وطلبوا إليها ألاّ تحادث الغرباء مجدّدًا وأن تتوخّى الحذر.
بعد مرور أيّام قليلة قضتها الملكة الشريرة في سعادة ترتّب الحفلات، والمآدب والعشاءات مع النبلاء والأمراء، توجّهت مرّة أخرى إلى مرآتها السحرية وسألتها:
– مرآتي يا مرآتي….من هي أجمل النساء على وجه الأرض؟
وردّت المرآة:
– إنك يا ملكتي أجمل النساء في القصر، ولكنّ ما تزال سنووايت أجمل منك، وهي أجمل من في الأرض.
استشاطت الملكة غضبًا، وكادت تكسر المرآة من شدّة غضبها، وصاحت بإنكار:
– هذا مستحيل! لقد تخلّصت منها بيديّ!
وأجابت المرآة:
– ما تزال سنووايت حيّة ترزق، فقد تمكّن الأقزام من إنقاذها، وهي تزداد جمالاً في كلّ يوم.
– ليس لوقت طويل!
قالت الملكة، ثمّ تنكّرت مرّة أخرى بزيّ بائعة لأدوات التجميل، وغيّرت شكلها ووجها حتى لا تتعرّف عليها سنووايت، وذهبت مجدّدًا إلى الكوخ.
في ذلك الوقت كانت، سنووايت جالسة عند المدخل تقرأ كتابًا قديمًا، وحولها بعض من حيوانات الغابة اللطيفة. اقتربت منها البائعة العجوز، وقالت لها بصوت لطيف:
– كيف حالك أيتها الفتاة الحسناء؟ هل ترغبين بشراء مشطٍ مميّز لتسريح شعرك الأسود الجميل.
تذكّرت سنووايت على الفور ما حدث في المرّة السابقة، وشعرت ببعض الخوف، لكنّ السيدة العجوز طمأنتها، وقالت:
– أعلم أنّ التحدث إلى الغرباء قد لا يكون آمنًا، لكنّي يا صغيرتي لا أنوي بك شرًّا. انظري، سأسرّح شعري بهذا المشط حتى تتأكدي أنّه سليم وليس فيه ما يخيف.
وأخرجت مشطًا، وبدأت بتسريح شعرها، فاطمأنت لها سنووايت، وقالت:
– هل يمكنني أن أجرب أنا أيضًا؟
أجابت البائعة:
– بالطبع يا صغيرتي! دعيني أسرّح شعرك أنا…
ومن دون أن تلاحظ سنووايت، أخرجت العجوز مشطًا آخر، وقد كان مسمومًا، وراحت تسرّح به شعر سنووايت الأسود الجميل، وفي غضون لحظات قليلة، بدأت سنووايت تشعر بالدوار، فقد بدأ السمّ يتسلل إلى جسمها تدريجيًا، وسقطت بعد دقائق أرضًا بلا حراك.
ضحكت الملكة سعيدة، وغادرت على الفور عائدة إلى قصرها وهي سعيدة لأنها تمكّنت من التخلص من سنووايت. أمّا الأقزام السبعة، فقد عادوا مساءًا ومرّة أخرى وجدوا سنووايت مغمىً عليها بلا حراك. بحثوا عن شريط حول خصرها لكنّهم لم يجدوا شيئًا، وبينما هم يحاولون إيقاظها، انتبه أحدهم فجأة إلى المشط المسموم مغروزًا في شعرها، فنزعه على الفور وألقاه بعيدًا، وبدأت سنووايت تستعيد عافيتها بعده، وأفاقت بعد عدّة دقائق.
مجدّدًا، قصّت هذه الأخيرة ما حصل معها، وعرف الأقزام أنّها محاولة أخرى من محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها. فحذّروا سنووايت وطلبوا منها ألاّ تخرج من الكوخ أبدًا وألا تفتح الباب لأحد من الآن فصاعدًا.
وهكذا مرّت الأيام، وسنووايت تعيش بأمان مع الأقزام، تقضي وقتها في داخل الكوخ، ولا تفتح لأحد الباب أيًّا كان. أما الملكة الشريرة، فقد انشغلت مجدّدًا بإقامة الولائم وحضور الحفلات في القصر، ولكنها بعد عدّة أسابيع، عادت إلى مرآتها وسألتها:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض.
وأجابت المرآة:
– أنتِ يا مولاتي من أجمل النساء، ولكنّ سنووايت كانت وستبقى هي الأجمل على الإطلاق.
كادت الملكة تفقد عقلها من شدّة الغضب والحنق، وقرّرت هذه المرّة أن تقضي على سنووايت تمامًا، فتنكّرت من جديد بهيئة امرأة طاعنة في السنّ، وحملت معها سلّة من التفاح الأحمر اللذيذ، وتوجّهت نحو الكوخ لتنفّذ خطّتها الشريرة.
لكن في هذه المرّة لم تكن سنووايت في الخارج، وكان باب الكوخ مغلقًا، فطرقت الباب، وجاءها صوت سنووايت من الداخل:
– من بالباب؟
– أنا سيّدة طاعنة أسكن في الجوار، وأحتاج لكوب من الماء من فضلك، إنني عطشى…
التزمت سنووايت بأوامر الأقزام، وقالت للعجوز:
– معذرة يا خالة، ولكني لا أستطيع أن أفتح لك الباب.
فأجابت السيدة العجوز:
– لا عليك يا صغيرتي، يمكنك أن تناوليني كوب الماء من النافذة إن شئتِ.
فكّرت سنووايت قليلاً، ورأت أنّه لا ضير في ذلك، ففتحت النافذة وقدّمت للعجوز كوب الماء، فشكرتها هذه الأخيرة، وشربت الماء، ثمّ قالت:
– لقد قطفت هذا التفاح قبل قليل من شجرة عند النهر، تذوّقيها، إنّها حلوة ولذيذة للغاية.
وعلى الرغم من تردّدها، لكن سنووايت لم تستطيع مقاومة تلك التفاحة التي بدت شهيّة للغاية، فأخذتها من العجوز، وقضمتها… وبمجرّد أن فعلت ذلك، حتى سقطت أرضًا مرّة أخرى مغمى عليها، فقد كانت التفاحة مسمومة، وكان السمّ فيها قويًا للغاية.
ضحكت الملكة الشريرة وهي تنظر إلى سنووايت الملقاة أرضًا وقالت:
– هذه المرّة لن تتمكّني من النجاة أبدًا! هاهاهاهاهاها…
ثمّ عادت إلى قصرها والسعادة بالانتصار تغمرها.
عاد الأقزام ليلاً، ووجدوا سنووايت ملقاة أرضًا، فحاولوا بشتّى الطرق إيقاظها، لكنهم فشلوا… لم يعثروا على حزام حول خصرها ولا مشط مسموم في شعرها، ولم يعرفوا كيف يمكنهم إنقاذها.
حاولوا وحاولوا، ولكن دون جدوى… هذه المرّة لم يكن بالإمكان إنقاذ سنووايت.
حزن الأقزام كثيرًا على صديقتهم المسكينة، فبنوا لها صندوقًا زجاجيًا ووضعوها فيها، ثمّ ذهبوا بها إلى الغابة، وجلسوا هناك حولها يبكون وينتحبون.
ومرّت الأيام على تلك الحال دون أن تستيقظ سنووايت أو تستعيد عافيتها. أمّا الملكة، فكانت تسأل مرآتها كلّ يوم عن أجمل امرأة في الأرض، وكانت المرآة تجيب:
– أنتِ يا مولاتي أجمل نساء الأرض الآن.
فكانت تضحك وتقهقه بسعادة وفرح، لأنّ سنووايت قد ماتت، ولم تعد حيّة بعد الآن.
النهاية السعيدة
وفي أحدّ الأيام، مرّ أمير من إحدى الممالك المجاورة بالغابة، فسمع صوت الأقزام وهم يبكون، واقترب من مصدر الصوت، حتى عثر على الأقزام وهم ملتفّون حول الصندوق الزجاجي.
استغرب وأصابته الدهشة، لكنه عندما اقترب أكثر من الصندوق، ورأى سنووايت الجميلة نائمة فيه، أعجب بها كلّ الإعجاب، وسأل الأقزام عنها، فأخبروه بحكايتها، وقصّوا عليه محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها، وكيف أنّها نجحت أخيرًا في تحقيق مرادها.
حزن الأمير أشدّ الحزن على سنووايت، وطلب من الأقزام أن يسمحوا له بأخذها معه إلى قصره، علّ الأطباء في مملكته يقدرون على علاجها.
وبعد مشاورات فيما بينهم، وافق الأقزام على طلب الأمير، وفتحوا الصندوق الزجاجي، فانحنى الأمير نحو سنووايت وحملها بين ذراعيه ليضعها على صهوة حصانه، فتدلّى رأسها، وانفتح فمها قليلاً فسقطت قطعة التفاح المسموم أرضًا، وما هي إلاّ لحظات حتى فتحت سنووايت عينيها وعاد إليها وعيها.
فرح الأقزام أشدّ الفرح بعودة صديقتهم، واستقبلوها بالأحضان والغناء، وأمّا الأمير، فقد انحنى نحوها، وأبدى احترامه وإعجابه الشديد بها، فقال:
– آنستي الجميلة، إني ومنذ رأيتك نائمة، قد وقعت في حبّك، وأرجوك أن تقبلي طلبي بمرافقتي إلى قصري لتكوني زوجتي وملكة مملكتي المستقبلية.
احمّرت وجنتا سنووايت خجلاً، ووافقت فورًا على طلب الأمير، فهتف الأقزام فرحًا وسعادة، وهلّلوا لهذا الخبر السعيد.
وركبت سنووايت ظهر الحصان مع الأمير، وساروا في الغابة يتبعهم الأقزام يغنون فرحًا، وشاركتهم حيوانات الغابة من أرانب وعصافير وغزلان هذا الفرح في موكب جميل بهيّ.
وأقيمت احتفالات عظيمة في المملكة المجاورة احتفاءً بالأمير وعروسه الجميلة، ووصلت أخبار هذا الزفاف المهيب إلى المملكة التي كانت تعيش فيها سنووايت سابقًا، فارتابت الملكة وتشكّكت، واتجهت إلى مرآتها لتسألها السؤال المعتاد:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض؟
– إنها يا مولاتي سنووايت…ملكة المملكة المجاورة المستقبلية وعروس الأمير الطيب الشجاع…سنووايت هي أجمل الفتيات في الأرض.
لم تستطع الملكة تحمّل الصدمة، وقذفت بتاجها على المرآة السحرية فتهشمّت إلى قطع صغيرة، واخترقت إحدى هذه القطع قلب الملكة فماتت على الفور. وهكذا نالت عقابها جزاء غرورها وحقدها الشديد على كلّ ما هو جميل.
أمّا سنووايت فعاشت بسعادة وهناء مع الأمير، وكانت تزور أصدقاءها الأقزام بين الحين والآخر لتلعب وتمرح معهم في الغابة.