حكايات وقصص قصيرة للأطفال بعمر 4-5 سنوات، مليئة بالتشويق والإثارة والقيم الأخلاقية المهمّة للأطفال في هذه المرحلة العمرية، مناسبة لما قبل النوم أو في المدرسة لاكتساب المهارات.
قد لا يفهم الأطفال أهمية إدارة المال وقد يكون من الصعب عليهم استيعاب مفهوم الادخار وتوفير المال، كما قد يرى بعض الآباء أن هذا الموضوع غير مناسب لصغارهم. لكن الحقيقة أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي التي تُشكّل شخصيته وتُكوّن أفكاره، لذا فهي فرصة مثالية لغرس القيم والعادات الجيدة في نفوسهم. ومن أفضل الطرق لتحقيق ذلك هي باستخدام القصص التعليمية، إذ يمكنك تبسيط فكرة التوفير والادخار من خلال شخصيات كرتونية محببة لطفلك، مما يجعله يتفاعل معك بسهولة.
تبدأ أحداث قصتنا مع سامر عندما يلفت انتباهه ديناصور جديد في واجهة محلّ الألعاب، لينطلق في مغامرة شيقة يتعلّم خلالها كيفية جمع وتوفير المال من أجل الحصول على ما يرغب فيه.
قصة للأطفال حول توفير المال: سامر والديناصور الأخضر
في أحد الأيام، بينما كان سامر عائدًا من مدرسته، لفتت انتباهه لعبة جديدة على شكل ديناصورِ في المتجر القريب من منزله. توجَّه مسرعًا نحو المتجر ليُلقي نظرة عن قرب. بدت اللعبة جميلة بلونها الأخضر الزاهي وحجمها الكبير. خفق قلبه من السعادة فهو يُحبّ الألعاب كثيرًا، وخاصةً تلك التي تأتي على شكل ديناصورات. فهو يمتلك مجموعة كبيرة منها، ويسعى دومًا للحصول على المزيد منها بأشكال وأحجام مختلفة.
لم يكن اهتمام سامر بالديناصورات بهدف اللعب فقط، فلطالما حلم بأن يصبح عالم حفريات، ليكتشف ديناصورات أثرية جديدة. وازداد حماسه كثيرًا عندما اكتشف أن هذه اللعبة الجديدة مميزة، ولا تشبه أيًّا من الديناصورات الأخرى في مجموعته، فقرر شرائه على الفور. ولكن سرعان ما شعر بالإحباط وفقد حماسته عندما رأى بطاقة السعر الصغيرة المُثبّتة بجانب اللعبة. كان سعر اللعبة مرتفعًا للغاية. فتح سامر محفظته وعدّ النقود القليلة التي بحوزته، المبلغ لا يكفي لشرائها.
رغم سعرها المرتفع، إلا أن سامر لم يفقد الأمل وعقد العزم على شرائها بجهده الخاص، دون مساعدة من والدته أو والده. فهو يعلم أن والداه يدّخران المال لشراء أثاثٍ جديدٍ للمنزل، ولم يُرد أن يكون عبئًا إضافيًا عليهما بطلباته. مضى سامر عائدًا إلى البيت وهو يُفكّر طول الطريق، كيف يمكّنه الحصول على اللعبة الجديدة؟
فجأة تذّكر أن معلمته في المدرسة قد قرأت لهم قبل أسبوع قصة عن طفل تعلّم كيف يدّخر مصروفه ليشتري ما يحب، فقال في نفسه:” ماذا لو ادّخرتُ مصروفي أنا أيضًا؟ يمكنني أن أبدأ بتوفير المال كما فعل الطفل في القصة”.
توجّه إلى غرفته، وأخرج حصالته ذات الشكل الديناصوري أيضًا، ووضعها على مكتبه. ثم وضع فيها ما تبقي من مصروفه اليومي، وقال: “سأبدأ من اليوم في توفير المال حتى أتمكن من شراء الديناصور الجديد”.
في اليوم التالي، استيقظ سامر مبكرًا، وجهز حقيبته. وطلب من والدته إعداد شطيرتين بدلاً من واحدة ليأخذها معه إلى المدرسة. تفاجأت والدته من طلبه وسألته: “لماذا تريد شطيرة أخرى يا سامر؟”
فأجاب مبتسمًا: “لقد رأيت ديناصورًا جديدًا وأريد أن أدخّر المال لشرائه.”
تفجأت الأم من ابنها الصغير وأُعجبت بتفكيره، لكنها قالت: “يا بني، لديك الكثير من الديناصورات.”
ردّ سامر: “إنه ديناصور جديد لا أملك مثله في مجموعتي!”.
قالت الأم: “حسنًا، سأدعك تشتريه، لكن إذا كنت تريد شيئًا، عليك أن تعمل من أجل الحصول عليه” .
ثم واصلت القول: “ما رأيك أن تساعدني في بعض المهام المنزلية هذا الأسبوع؟ وسأمنحك مالاً إضافيًا مقابل مساعدتك”.
فكّر سامر في كلام والدته لبرهة وأجاب: “أنا موافق يا أمي، مالذي تريدين منّي فعله؟”
أجابته والدته: “يمكنك ترتيب غرفتك، وتنظيف الحديقة، وترتيب الأطباق وجمع الملابس. وكلّما عملت أكثر، كسبت المزيد من المال”.
قال سامر بحماس: “فكرة رائعة! سأبدأ بمساعدتك بعد عودتي من المدرسة”.
ذهب سامر إلى المدرسة وأكل الشطائر التي أعدّتها والدته وصرف نصف مصروفه فقط وادخّر الباقي ليضعه في حصالته. وعندما عاد إلى المنزل، أخرج حصالته ووضع باقي مصروفه بها. ثم بدأ بتنظيف غرفته أولًا، وقام بترتيب سريره، وجمع الألعاب المبعثرة ووضعها في أماكنها المخصصة. ثم انتقل إلى المطبخ وساعد والدته في تحضير الطعام. وفي المساء، خرج إلى حديقة المنزل وساعد والده في ريّ النباتات واقتلاع الأعشاب الضارّة.
مع نهاية اليوم، كان سامر قد أتمّ المهام التي طلبتها منه والدته، وفرحت هي كثيرًا بإصرار ابنها والتزامه لتحقيق هدفه وقالت بفخر: “أحسنت يا بني، لقد عملت اليوم بجد. إذا واصلت على هذا النحو، فستتمكّن من جمع المال اللازم لشراء اللعبة التي تحلم بها.”
بعد مرور الأسبوع الأول، لاحظ سامر المال يتضاعف في حصالته الصغيرة. في البداية كان لديه 3 جنيهات فقط، ولكن الآن أصبح يمتلك أكثر من 50 جنيهًا. بالرغم من أن المبلغ لم يكن يكفي، إلا أنه شعر بالفخر بإنجازه الصغير وقدرته على توفير المال. وفي بعض الأيام، كان يجد صعوبة في مقاومة شراء الحلوى، وخاصةً عندما يرى أصدقاءه يشترونها بكثرة، لكنه كان يذكّر نفسه دائمًا بالديناصور، ويقول لنفسه: “أنا أستطيع فعلها”.
ومع مرور الوقت، أصبح سامر يقاوم رغبته في شراء الحلوى أو الألعاب الأخرى. وفي كل مرّة يدّخر مصروفه أو يكسب المال من مساعدته لوالديه، يهرع إلى حصالته ليضع فيها النقود ويجري العمليات الحسابية ليعرف مقدار المال الذي ادخره. أُعجب الوالدان بإصرار سامر وشجّعاه على الاستمرار.
وفي إحدى الأيام، كان الأب يغسل سيارته، فأسرع سامر إليه وعرض عليه مساعدته في غسلها مقابل النقود. وافق الأب، وبدأ الاثنان تنظيفها وغسلها معًا. قضى سامر وقتًا لطيفًا مع والده، وفي النهاية، أعطى الأب النقود لابنه مقابل عمله الشاق. فهرع إلى حصالته ووضع ما جناه فيها.
مرّت الأيام وسامر يقترب من تحقيق هدفه أكثر فأكثر. وفي أحد الأيام، وبعد أن أضاف مكافأته الأخيرة إلى الحصالة، وأجرى العمليات الحسابية، اكتشف أنه قد جمع المبلغ المطلوب. فتح حصالته بعناية، وعدّ النقود، فوجد أن المبلغ أكثر من المبلغ المكتوب في الورقة. عدّ النقود مرة أخرى، وتساءل: “هل أخطأتُ في الحساب؟ إن النقود التي بداخل حصالتي أكبر بكثير من المبلغ المدوّن في دفتري!”.
وبينما يعيد العدّ، سقطت ورقة صغيرة مطوية. فتحها وقرأ ما كُتب بداخلها: “نحن فخوران بك يا سامر. لقد قررت أنا ووالدتك إضافة القليل لمساعدتك لأنك اجتهدت وتعلّمت قيمة الادّخار وتوفير المال”.
لم يتمالك نفسه من الفرح، وركض نحو والديه ليُعانقهما، ثم قال الأب: “هيا بنا يا سامر إلى المتجر لنشتري اللعبة الجديدة”.
توجه سامر برفقة والده إلى المتجر وكان يحمل النقود في محفظته. وعندما رأى اللعبة لا تزال في مكانها، غمرته السعادة. توجّه سامر نحو الديناصور وقال للبائع: “أريد شراء هذا الديناصور”.
قال البائع: “هل لديك المال يا بني؟”
أخرج سامر النقود ودفعها للبائع وأخذ الديناصور. عندما أمسك الديناصور بين يديه، شعر بسعادة ليس لها مثيل، فقد كانت أول لعبة يحصل عليها من ماله الخاص.
قال سامر: “لقد اشتريت الديناصور أخيرًا، لقد استغرق الأمر وقتًا ولكنه كان يستحق العناء!”.
أعطى الأب لابنه بعض الحلوى وقال: “أحسنت يا سامر، أنا فخور بك حقًا، وهذه الحلوى مكافأة لك على اجتهادك وصبرك”.
وفي اليوم التالي، بينما كان يلعب بديناصوره، نظر سامر إلى حصالته وقال: “سأستمر في توفير المال لأحقق المزيد من الأحلام”. ومنذ ذلك الحين، أصبح سامر يدّخر مصروفه. وتعلّم أن توفير المال والصبر يمكنهما مساعدته على الوصول إلى هدفه. كما تعلّم أن الحياة تحتاج إلى التخطيط الجيد.
قصة جميلة تعلّم الأطفال درسًا مفيدًا ومهمًا هو: أن توفير المال والعمل الجاد هما المفتاح لتحقيق الأحلام. يمكنك استخدام القصة لتعليم أطفالك أهمية الادّخار. إذا لم يكن الديناصور هو ما يحبه طفلك، يمكنه ببساطة تغيير الشخصية أو الشيء الذي يريد شرائه إلى أي شيء آخر يحبّه.
تعدّ القصص وسيلة فعّالة لتعليم المهارات المختلفة للأطفال، لأنها تطرح المعلومات بأسلوب ممتع ومرح باستخدام الشخصيات الكرتونية المحببة إليهم. كما تحفّز مهارة الخيال والتفكير الإبداعي، مما يسهّل على الأطفال فهم الدروس والعبر المستفادة منها.
قصتنا اليوم، تتضمن رسالة قيمة تُعلّم الأطفال كيفية السيطرة على الغضب، وهي واحدة من المهارات المهمة التي تساعدهم على التحكم في مشاعرهم والتعامل مع المواقف المختلفة بهدوء وحكمة.
قصة مالك والسيطرة على الغضب
في بلدة صغيرة، عاش صبي صغير يُدعى مالك، كان مالك فتى ذكيًّا، يحب اللعب مع أصدقائه في الحديقة، كما يستمتع بقراءة القصص والرسم. لكن، كانت هناك عقبة كبيرة تعكر صفو حياته، فقد كان سريع الإنفعال، ولا يستطيع كبح غضبه.
وكلّما سارت الأمور بطريقة لا تعجبه، كان ينفجر غضبًا كالبركان، ويصرخ بصوت عالٍ، ويقول كلمات جارحة دون تفكير، غير مبالٍ بما قد تسبّبه كلماته من ألم للآخرين. لم يقتصر غضب مالك على المدرسة والملعب فقط، بل امتدّ إلى المنزل أيضًا. فكان يستشيط غضبًا إذا عبثت أخته الصغيرة بألعابه، أو إذا رغب أخوه في لعبة لا يحبها.
أمّا والدة مالك فقد كانت تحزن لرؤية نوبات غضب ابنها المتكررة، وتبذل قصارى جهدها في التحدث معه وتعليمه فنّ إدارة الغضب والسيطرة عليه.
قالت الأم: “يا بُني، إنّ الغضب ليس حلاًّ للمشكلات، بل يؤذي الآخرين من حولك”.
ولكنّ، لم يتمكن مالك من فهم أمه أو السيطرة على الغضب. وفي أحد الأيام، ذهب إلى الحديقة مع صديقيه يوسف وخالد ليستمتعوا معًا باللعب بالأرجوحة أو ببناء قلاع رملية في ساحة الرمل المخصّصة للأطفال.
بنى الأصدقاء قلعة كبيرة من الرمل، واستغرقوا وقتًا طويلاً . ولكن لسوء الحظ، داس خالد عليها بالخطأ، فانهارت القلعة بالكامل.
شعر مالك بالغضب يتصاعد داخله، وانفجر بصوت عالٍ: “لماذا فعلت هذا؟ لقد تعبنا في بنائها، وحطّمتها بهذه السهولة”.
رد خالد قائلاً: “أنا آسف يا مالك، لم أقصد ذلك أبدًا”.
لكن مالك لم يهدأ، بل سيطر عليه الغضب تمامًا، فانفجر في وجه صديقيه بكلمات قاسية. حزن خالد ويوسف، وشعرا بالاستياء من ردّة فعل صديقهما، وتوقّفا عن اللعب معه.
شعر مالك بالخجل وأدرك عواقب أفعاله، فانسحب ليجلس وحيدًا على مقعد قريب. وعندما ابتعد عن أصدقائه قليلًا، بدأوا يلعبون معًا مرّة أخرى. جلس مالك يشاهدهم من بعيد، وعندما رأى أصدقاءه يلعبون بسعادة بدونه، شعر بالحزن لفقدانه السيطرة على مشاعره.
عاد مالك إلى المنزل. وفي تلك الليلة، ظل يتقلّب في فراشه، ولم يستطع النوم. وشعر بالذنب لأنه صرخ في وجه أصدقائه، لكنّه لم يعرف كيف يُصلح ما حدث. وبعد تفكير طويل، أدرك أنه بحاجة ماسة إلى للمساعدة.
في صباح اليوم التالي، جلس مالك مع والدته وأخبرها عما بدر منه في الملعب مع أصدقائه. وضعت يدها برفق على كتفه، وقالت: “يا بُني، الغضب شعور طبيعي، لكن يجب أن تتعلم كيف تتعامل معه بالطريقة الصحيحة. دعني أعلمك سرًا.”
قصّت الأم قصصًا عن معاناتها مع الغضب في صغرها، لتوضح له كيف أن السيطرة على الغضب رحلة ممكنة، وأنها مرّت بتلك الصعوبات أيضًا. ثم تابعت الأم حديثها: “لن يكون الأمر سهلاً في البداية، ولكن بالممارسة ستتمكّن من التحكّم في مشاعرك دون إيذاء الآخرين”.
سأل مالك: “ماذا يجب أن أفعل عندما أشعر بالغضب؟ أنا لا أستطيع السيطرة على نفسي”.
علّمت الأم مالك تقنية بسيطة لمساعدته، فقالت: “هناك ثلاث خطوات سحرية تساعدنا على التحكم بغضبنا والسيطرة عليه وهي: توقّف، ثم تنفّس، وأخيرًا فكر قبل القيام بأي تصرّف”.
ثم تابعت الأم حديثها: “أول شيء يجب أن تفعله عندما تشعر بالغضب هو أن تقف مكانك، وتتوقف عن الكلام أو الفعل، يمكنك مثلاً أن تعدّ إلى العشرة قبل القيام بأيّ شيء. ثم، خذ نفسًا عميقًا من أنفك، وازفره ببطء من فمك، وكرّر ذلك ثلاث مرات. فالتنفّس بعمق سيساعدك على تهدئة نبضات قلبك المتسارعة. كما شجّعته على أن يأخذ دقائق للتفكير قبل أن يتصرّف باندفاع.”
ثم قالت: “تذكر يا بُني، إن الغضب كالنار، يحرق كل شيء في طريقه. لكن إذا طبقنا هذه الخطوات السحرية، يمكننا إخماد تلك النار والسيطرة على مشاعرنا”.
صعد مالك إلى غرفته، وأخذ يفكّر في كلام والدته، ثم قرّر أن يبدأ في تنفيذ الخطوات السحرية.
في اليوم التالي، استيقظ مالك من النوم، وبينما كان يستعد للمدرسة، ذكّر نفسه بنصائح والدته، وقرّر أن يراعي مشاعر الآخرين قبل التعبير عن غضبه. وأثناء تناول الإفطار، سكبت أخته الصغيرة الحليب عن طريق الخطأ على قميصه المفضل. شعر مالك بموجة غضب شديدة، لكنه تذكّر نصائح والدته، فتوقف، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وراح يعدّ إلى العشرة في سرّه.
وكان كلّما عدّ أكثر، وتنفّس ببطء أثناء العدّ، يشعر أنّ غضبه يتلاشى ويهدأ، وهكذا حتى اختفى تدريجيًا. لقد أدرك حينها أنّ الصراخ والغضب لن يغيرا شيئًا، بل سيجعلان الأمور أسوأ.
وعندما فتح عينيه أخيرًا، رأى أخته تنظر إليه بقلق وخوف. فقال وابتسامة خفيفة ترتسم على محيّاه: “لا بأس، هيا ننظفها معًا”.
فرحت الأم عندما رأت مالك يطبق النصائح، وشجّعته على الاستمرار. في المدرسة، واجه مالك مواقف كثيرة كانت تُغضبه في السابق. في الفصل، اصطدم به أحد زملائه دون قصد، فتبعثرت كتبه على الأرض. شعر مالك بغضبٍ صغير يتسلل إليه، لكنه تذكّر ما تعلمه، ثم التقط كتبه بهدوء، وساعد زميله بابتسامة وهو يقول: “لا بأس”.
وفي وقت الفسحة، كان مالك يلعب الكرة مع أصدقائه في ساحة المدرسة. فجأة، ركل أحدهم الكرة بقوة، فاصطدمت بمالك وسقط أرضًا. شعر مالك بالغضب يتصاعد في صدره. اعتذر صديقه، وقال: “آسف يا مالك، لم أقصد ذلك”.
ابتسم مالك وردّ: “لا تقلق، أنا بخير، لكن يجب أن تنتبه أكثر”.
ضحك الجميع، وعادوا للعب بسعادة. بينما شعر مالك بالفخر. وتذكّر كيف كان في الماضي يغضب ويصرخ لأتفه الأسباب، وكم من الأصدقاء خسر بسبب عدم قدرته على التحكّم في أعصابه، أما الآن، فهو يشعر أنّه بطل، لأنه ينتصر على غضبه.
وفي المساء، ذهب مالك إلى الحديقة القريبة، رأى مالك صديقيه يوسف وخالد يجلسان معًا. وتذكّر ما فعله في اليوم السابق وما بدر منه. تردّد مالك قليلاً، وأخذ نفسًا عميقًا، وتقدّم نحوهما ببطء، ثمّ اعتذر لهما عمّا فعله بالأمس.
قال بصوت هادئ: ” أنا آسف لأني صرخت عليكما. لقد غضبت لأن القلعة تهدّمت، لكنني أعرف أنكما لم تقصدا ذلك. أنا أتعلّم الآن كيف أسيطر على غضبي”.
ابتسما صديقاه، وقالا: “نعلم أنّك لا تقصد ذلك”. ثم قال يوسف: “هل نعيد بنائها مرة أخرى؟”.
ضحك مالك وقال: حسنًا، لكن هذه المرة، إذا غضبت، سأعدّ للعشرة أولًا”.
ومع مرور الأيام، لاحظ المعلمون وأصدقاء مالك التغيير الكبير في شخصيته وقدرته الجديدة على السيطرة على غضبه ومشاعره. فقّدروا محاولاته، وبدأوا يساعدونه ويدعونه للمشاركة في أنشطة أكثر واللعب معهم. فرح مالك بتغير تعامل معلميه وأصدقائه معه، وقرّر منذ ذلك اليوم، استخدام الخطوات السحرية للتحكّم في غضبه.
مع مرور الأسابيع، استمر مالك في ممارسة الخطوات التي علمته إياها والدته. لم يكن الأمر سهلاً دائمًا، ولكنه كان يتحسن كثيرًا شعر مالك بالفخر لأنه أصبح قادرًا على التحكم في غضبه. وأصبح مثالًا يُحتذى به بين زملائه. بدأ الجميع يسأله سره. فكان يجيب مبتسمًا: “توقف، تنفّس، فكر، ثم تَصرف بهدوء”.
وفي نهاية العام الدراسي، قررت المدرسة تنظيم فعالية للصداقة. وقرّر مالك وأصدقائه أن يساعدوا في تنظيم هذا اليوم المميز. كانوا جميعًا متحمسين وتعاونوا معًا لإعداد العديد من الأنشطة الممتعة، مثل: لعبة البحث عن الكنز.
كانت المدرسة تعج بالحماس والتشجيع والضحكات العالية في هذا اليوم. وارتدى مالك شارة “الطالب اللطيف”، وشارك تجربته مع أصدقائه، وأخبرهم بالخطوات السحرية التي علمته إياها والدته ليتمكن من السيطرة على الغضب. ثم انضم الجميع إلى الحديث، وبدأ كل طالب ومعلّم يتحدث عن قصة ملهمة في حياته، وكيف ساعدته على التحكم في مشاعره في التعامل مع مواقف صعبة.
في نهاية اليوم، حصل مالك على ميدالية كُتب عليها: “هذه الميدالية قُدمت لك أيها البطل لأنك تمكنت من السيطرة على غضبك”. عاد مالك إلى منزله وهو يشعر بالفخر والسعادة، وقال لوالدته: ” الآن أشعر يا أمي أنني قوي وأفضل لأنني تعلمت كيف أسيطر على مشاعري”.
شجعته أمه وقالت: “هذه هي القوة الحقيقة يا مالك، ولقد تمكنت من تعلم الدرس جيدًا، أنا فخورة بك”.
ومع مرور الأيام، أصبح مالك صديقًا جيدًا لأصدقائه وعائلته، وتعلّم أن أول خطوة للتعامل مع المواقف جيدًا هو فهم مشاعرك في المواقف التي تتعرض لها يوميًا. وأدرك أن اللطف والرحمة من أقوى الصفات التي يجب على كل إنسان أن يتحلى بها.
الغضب شعور طبيعي يمكننا التحكم فيه إذا طبقنا خطوات بسيطة، مثل: التنفس العميق والتفكير قبل أي تصرف. إن تعلم السيطرة على الغضب ليس مقتصرًا على الأطفال فقط، بل هو مهارة حياتية للجميع. تساعدنا هذه المهارة على تحسين علاقاتنا الشخصية، وبناء علاقات قوية. كما تمنحنا القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بحكمة وهدوء.
من يكذب مرّة لا يصدقه الناس حتى عندما يقول الحقيقة، تعلّمنا هذه المقولة منذ صغرنا، فهي تبيّن لنا أهمية الصدق في حياتنا، وتحذرنا من الكذب الذي قد يؤثر سلبًا على حياتنا وأصدقائنا.
قصتنا اليوم تتحدث عن عاقبة الكذب، وتحكي عن راعٍ صغير في قديم الزمان، كان يرعى غنمه بين التلال الخضراء، ولكنه في أحد الأيام قرّر أن يكذب على أهل قريته، فماذا حدث له وكيف تصرّف أهل القرية معه؟ لنكتشف معًا في هذه القصة الممتعة.
قصة عن الكذب للأطفال: الراعي والذئب
في قديم الزمان، كانت هناك قرية صغيرة تحيط بها التلال والغابات والسهول الخضراء الجميلة. كان يعيش في القرية فتى صغير يدعى آدم.
كان أهل القرية يتخذون من تربية الأغنام مهنة لهم، فيستفيدون من صوفها ولحومها، لكنهم كانوا يعانون من شرّ يقبع في أعماق الغابة. إنّه الذئب الشرير!
لقد كان ذئبًا ضخمًا مخيفًا، اعتاد على مهاجمة أغنام القرويين وافتراسها، وكان الرعاة يخشونه كثيرًا، بل إنّه هاجم بعض الأغنام في الماضي، لكن القرويين كانوا دائمًا ينجحون في إبعاده على الفور. وذات يوم، وكّل أهل القرية إلى آدم مسؤولية حراسة أغنام القرية على تلة صغيرة قريبة من الغابة.
في الصباح، أخذ آدم قطيع الأغنام وذهب إلى التلّة القريبة من القرية، والتي كانت مشهورة بالعشب الأخضر اليانع الذي تحبّه الاغنام كثيرًا. وعندما وصل إلى التلّة ترك الأغنام ترعى، وجلس هو إلى صخرة كبيرة يراقبها ويتأملها.
لقد كان عمل آدم يقتضي حراسة الأغنام وحمايتها من الذئب الشرير إن ظهر، ومنعها من التفرّق أو الابتعاد والذهاب إلى أعماق الغابة. لكنه لم يكن سعيدًا بهذا العمل، كان يشعر بالملل الشديد، فلا يوجد أحد يلعب معه، ولا شيء يُثير حماسه، ولم يكن هناك شيء يفعله سوى مراقبة الأغنام وهي تأكل.
استمرّ الحال على هذا المنوال لعدّة أيام، كان يذهب كلّ يوم صباحًا إلى العمل ويتكئ على الصخرة الكبيرة لساعات طويلة، أحيانًا ينام، وأحيانًا ينظر إلى الغيوم ويتمنى لو يجد شيئًا يُكسر هذا الملل.
وذات مساء، بينما كان عائداً إلى القرية، سمع أحد المزارعين يتحدّث عن هجوم جديد للذئب على قطيع أغنام أحد الرعاة.
وفي صباح اليوم التالي، استيقظ آدم وذهب إلى العمل كالعادة، وعندما جلس إلى الصخرة، شعر بالملل الشديد، فتذكر كلام أهل القرية عن الذئب.
وخطرت له فكرة، قال في نفسه: “ماذا لو خدعت أهل القرية لأمرح قليلاً؟ سأصرخ أنّ الذئب جاء ليأكل أغنامي، سيركض الجميع لإنقاذي، سيكون الأمر مسليًا جدًا”.
ركض الصبي من مكانه نحو حافة التل، ثم فجأة صرخ بصوت عالٍ: “النجدة! النجدة! الذئب! الذئب يأكل أغنامي، ساعدوني!”
سمع أهل القرية في الحقول المجاورة صراخه العالي، فهرعوا بسرعة حاملين العصي والحجارة لمساعدته، وركضوا بأقصى ما لديهم من قوة لحمايته هو وقطيعه.
وبينما كانوا يقتربون منه، رأوه يضحك بصوت عالٍ، لأنه لم يكن هناك ذئب أصلاً. استمتع الصبي برؤية ملامح وجوه المزارعين.
قال لهم: “لقد كنت أمزح معكم! أردت أن أرى ماذا ستفعلون! ياله من موقف مضحك وممتع.”
غضب أهل القرية من سخرية الصبي. قال له أحد المزارعين: “الكذب خلقٌ سيّء يا آدم. لقد وثقنا بك وأسرعنا لحمايتك، وإن خدعتنا اليوم، من سيصدقك غدًا؟”
لكنه لم يهتم بكلامهم، بل وجد الأمر مسليًا، وقرّر إعادة هذه المزحة مرة أخرى. عاد آدم في اليوم التالي إلى التلال، وعندما شعر بالملل.
صرخ مجددًا: “الذئب! لقد جاء الذئب! ساعدوني، إنه يأكل أغنامي، أرجوكم ساعدوني، لا تدعوه يأكل أغنامي”.
وكما كان الحال في المرّة الأولى، ركض أهل القرية بأقصى سرعة لمساعدته، إلاّ أنهم وعندما وصلوا إليه اكتشفوا أنّه لا وجود لأيّ ذئب ولا أيّ خطر، وكانت الأغنام تأكل بهدوء.
ضحك آدم، وقال لهم: “لقد خدعتكم مرة أخرى، يا إلهي هذا مسلٍّ للغاية”.
انزعج المزارعون من تصرّف آدم، لكنهم عادوا إلى أعمالهم دون أن يقولوا شيئًا. استمر الصبي بخدعه لأيام، وكان ينفجر ضاحكًا عندما يرى سرعة استجابة المزارعين لمساعدته.
فقال له أحد الفلاحين غاضبًا: “هذه المرة الأخيرة يا آدم! لن نصدقك بعد اليوم، ولن نأتي أبدًا إذا صرخت طلبًا للمساعدة”.
ضحك آدم مجددًا، وقال في نفسه: “يالهم من مملين، لا أحد هنا يعرف كيف يمرح”.
بعد بضعة أيام، وفي صباح مشمس هادئ، بينما كان آدم يجلس على صخرته كالعادة يراقب الأغنام وهي تتجول على سفح التلّة، لاحظ حركةً في الشجيرات القريبة، ثم تناهى إليه صوت غريبٌ لم يسمعه من قبل.
خفق قلب آدم وتزايدت سرعة نبضاته. تساءل في نفسه: “ما هذا الصوت؟ هل هي الرياح؟”
لكن لا، لم تكن الرياح، بل كان هناك شيء ما يتحرك بخفة. حدّق نحو مصدر الصوت. وفجأة، رأى ذئبًا! تجمّد في مكانه، واتسعت عيناه رعبًا. قال: “لا يمكن أن يكون حقيقيًا! ماذا أفعل الآن؟!”
فجأة، انطلق الذئب وقفز باتجاه الأغنام. فزع آدم وبدأ يصرخ بأعلى صوته: “ذئب! ذئب! إنه حقيقي هذه المرة! النجدة! ساعدوني! أنا لا أكذب، ساعدوني!”
صرخ مرارًا وتكرارًا، لكن لم يأتِ أحد، ولم يركض أحد لمساعدته. كان المزارعون يسمعون صراخه، لكنهم ظنّوا أنه يمازحهم مرة أخرى. ابتسموا لبعضهم، وقال أحدهم: “هل يظن أننا سنُخدَع بهذه المزحة مرة أخرى؟”
واصل المزارعون عملهم في الحقل، غير مكترثين بصراخ الصبي المتكرر. وفي لحظات، هجم الذئب على القطيع وشتت الأغنام في كل اتجاه. حاول آدم إبعاده، لكنه لم يكن قويًا بما يكفي ليواجهه. جلس على الأرض يبكي بحرقة، ليس فقط لأنه خسر أغنامه، بل لأنه عرف الآن أن الكذب قد دمّر ثقة الناس به.
قال وهو يبكي: “أنا السبب، لقد ظننتها لعبة. لم أعتقد أنّ الأمر سيكون حقيقيًا يومًا ما.”
مع غروب الشمس، جمع المزارعون أدواتهم وانتظروا عودة الراعي. كان ينزل دائمًا مع الأغنام في وقت الغروب ويعود إلى منزله مع المزارعين. لكنّه لم يأتِ اليوم، قلق المزارعون عليه؛ كانوا أناسًا طيبين للغاية، فقرروا الصعود إلى التلة لإحضاره هو وأغنامه رغم تصرفاته المشاكسة.
عندما صعدوا، فوجئوا به حزينًا، وملابسه ممزقة، ودموعه لا تتوقف.
قال أحدهم: “يا بُني، ماذا حدث؟ لماذا تبكي؟”
أجاب الصبي باكياً: “لقد هجم الذئب على الأغنام. ناديتكم جميعاً، ولم يأتِ أحد لمساعدتي”.
شعر المزارعون بالأسف عليه، فقال أحد المزارعين: “لقد خدعتنا عدة مرات، ظننا أنك تحاول خداعنا مرة أخرى، لهذا السبب لم يأتِ أحد لمساعدتك”.
اقترب منه حكيم القرية العجوز، ووضع يده على كتفه، وقال بلطف: “يا بني، لقد حذرناك من الكذب، ولكنك لم تستمع إلينا، الآن، تعلمت الدرس، حينما يعتاد الناس منك الكذب، لن يصدقوك أبدًا حتى وإن كنت تقول الحقيقة”.
منذ ذلك اليوم، تعلّم الصبي درسًا لا يُنسى، من يكذب مرة لن يصدقه الناس مرة أخرى.
أصبح الصبي أكثر صدقًا، ولم يكذب بعدها أبدًا. واستعاد ثقة أهل القرية بمرور الوقت، بعد أن رأوا تغيّره وندمه الحقيقي.
نتعلم من قصة الراعي الكذّاب درسًا مهمًا عن أهمية الصدق، وهو أن من يعتاد على الكذب لن يصدّقه الآخرون أبدًا، حتى وإن كان يقول الحقيقة. كيف يمكن لكذبة صغيرة أن تتحوّل إلى مشكلة حقيقية، وذلك من خلال مغامرة الراعي الصغير الذي ظنّ أن الكذب مجرد لعبة ممتعة، ولكن عندما احتاج إلى المساعدة، لم يصدّقه أهل قريته.
لذلك، يجب أن نتحلى بالصدق دائمًا، حتى نحافظ على محبة الآخرين ونكسب احترامهم.
كانت هذه قصة عن الكذب للأطفال تشجّعهم على قول الحقيقة بطريقة ممتعة، من خلال استخدام الشخصيات الكرتونية، كما تُظهر أن الكذب حتى وإن كان بسيطًا، فقد يؤدي إلى خسائر كبيرة.
عالم الحكايات عالم واسع لا حدود له، فمنذ قديم الزمان، كان يتمّ تناقل الحكايات والقصص من جيل لآخر. وكانت تتنوّع وتتابين، فيأخذنا بعضها إلى ممالك خيالية، ويغوص بنا البعض الآخر إلى أعماق البحار، تروي بعضها حكايات أبطال شجعان، وتعلّمنا قصص أخرى دروسًا مفيدة على ألسنة حيوانات ناطقة أو مخلوقات أسطورية، وفي كلّ قصّة أو حكاية نستشعر بعضًا من ثقافة البلد الذي أتت منه.
في مقال اليوم، جمعنا لكم قائمة حكايات عالمية من مختلق بقاع الأرض، ستعلّم طفلك دروسًا مهمّة، وتسليّه وتمتّعه في الوقت ذاته. حيث يمكنك قراءة هذه القصص لطفلك قبل النوم، أو كجزء من درس تعليمي تربوي…والأجمل من ذلك أن تحاول تمثيل هذه القصص مع صغيرك لإضافة لمسة من المرح والمتعة لوقت القراءة!
حكايات عالمية من اليونان: قصة الأسد والفأر
قصة الأسد والفأر هي واحدة من أشهر الحكايات العالمية. تمّ تأليفها بواسطة إيسوب، وهو راوي قصص يوناني. حيث كتب هذا الأخير مجموعة من القصص تحت اسم “حكايات إيسوب”. تضمّ حكايات إيسوب العديد من العبر والدروس المفيدة والقيّمة للأطفال. ولعلّ هذا هو سبب انتشارها في كافة أنحاء العالم.
أحداث القصة
تحكي القصّة عن لقاء الأسد ملك الغابة القويّ والشجاع بفأر صغير. حيث كان الأسد يأخذ قيلولته اليومية عندما استيقظ فجأة على صوت فأر صغير يلعب بقربه ويُحدث ضجيجًا أزعجه وحرمه الاستمتاع بغفوته.
ولأن الأسد هو ملك الغابة ومن أقوى حيواناتها، فقد أغضبه تصرّف الفأر، الذي لم يحترم مكانته، وقرّر أن يأكله. لكن الفأر الصغير توسّل للأسد أن يعفو عنه ويغفر له خطأه، ووعده بأنه سيردّ له الجميل يومًا ما وينقذه إن وقع في مأزق.
سخر الأسد من الفأر، ومن ثقته العجيبة بنفسه، وتساءل، كيف يمكن لكائن صغير مثله أن يساعده هو؟ الأسد العظيم الذي تخشاه جميع حيوانات الغابة؟!
ومع ذلك، فقد صفح الأسد عن الفأر، وقرّر مسامحته شرط ألاّ يكرّر فعلته تلك مرّة أخرى.
وهكذا تمرّ الأيام والشهور، ويحدث أن يقع الأسد في أحد الأيام في مأزق عظيم. فهل سيتمكّن الفأر حقًا من ردّ الجميل إليه؟ والوفاء بوعده للأسد؟
قصة البطة القبيحة هي قصة من تأليف الكاتب الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسن، وتُعد واحدة من القصص العالمية الشهيرة التي لا يغفل عنها أحد حيث أصبحت واحدة من أشهر الحكايات العالمية التي تُروى للأطفال في كلّ بقاع الأرض، لما تحمله من قيم سامية ودروس مفيدة.
أحداث القصة
في مزرعة صغيرة، كانت البطة الأم تنتظر أن يفقس بيضها. كانت ترقد على البيض وتدفئه حتى يخرج منه صغارها. بدأ البيض يفقس واحدًا تلو الآخر، وكان يخرج بط صغير جميل، له ريش أصفر ذهبي. فرحت البطة الأم كثيرًا برؤية صغارها.
لكن البيضة الكبيرة لم تفقس بعد. خافت البطة الأم، ونادت زوجها لتسأله عن هذه البيضة الكبيرة.
اطمأنت البطة الأم، وكانت متحمسة جدًا للبيضة الكبيرة، فقد ظنت أن بداخلها أجمل بطة في المزرعة. قررت أن تواصل الجلوس عليها حتى تفقس بسرعة.
وبعد فترة، فقست البيضة أخيرًا، وخرجت منها بطة قبيحة، مغطاة بريش رمادي، وكان شكلها مختلفًا عن باقي البط. تعجبت الأم من شكلها، وحزنت لأنها لم تكن كما توقعت.
أصبحت البطة الصغيرة موضع سخرية من إخوتها وباقي حيوانات المزرعة، وأطلقوا عليها لقب “البطة القبيحة”. كانت تبكي دائمًا بسبب سخرية الحيوانات ولعدم حصولها على صديق يلعب معها. كان الجميع يرفضها ولا يتقبل شكلها.
حزنت البطة كثيرًا بسبب ما تتعرض له من مضايقات، وقررت أن تترك المزرعة وتذهب للعيش وحدها. وأثناء سيرها، وجدت بحيرة جميلة، وقررت أن تبقي بجوارها. لكن الطيور هناك لم تتقبلها، وعاملوها بطريقة سيئة، وطردوها من المكان.
تابعت البطة الصغيرة طريقها، وبعد فترة شعرت بالتعب، فجلست بجانب شجرة. فرآها مزارع طيب، وأخذها إلى مزرعته، لكنها واجهت نفس المعاملة من حيوانات المزرعة. لذلك، قررت الرحيل من جديد.
ذهبت البطة إلى الغابة، ولكن حيوانات الغابة لم ترحّب بها أيضًا، فقررت الاختباء بعيدًا عن أنظاؤ الجميع.
مرت الأيام، وكبرت البطة الصغيرة. ومع قدوم الربيع، ذهبت إلى البحيرة لتشرب الماء، فنظرت إلى انعكاس صورتها، وتفاجأت بما رأت! لقد تحولت إلى طائر جميل، له ريش أبيض ناعم، وأجنحة كبيرة، وعينان لامعتان.
فرحت البطة كثيرًا، وأدركت أنها لم تكن بطة قبيحة، وإنما من فصيلة البجع المشهورة بأجنحتها الكبيرة وقدرتها على الطيران والتحليق في عنان السماء.
العبرة من القصة:
لكلّ شخص جماله الخاصّ ومميزاته التي تجعله متفرّدًا عن الآخرين. الجمال الحقيقي هو جمال الروح وليس الشكل. لذا من المهمّ ألا نحكم على الآخرين من شكلهم فقط.
واحدة من أشهر وأقدم القصص العالمية التي تناقلتها الشعوب، دوّنها الأخوان غريم الألمانيان، وهي تحكي قصّة الطفلين هانسل وغريتل ومغامرتهما في الغابة.
أحداث القصة
في إحدى القرى البعيدة، كان يعيش توأمان جميلان يُدعيان هانسل وغريتل، مع والدهما الطيب. وبعد أن توفيت والدتهما، تزوج الأب من امرأة قاسية كانت دائمة الغضب من الطفلين، وترغب في التخلص منهما بأي شكل. كان الأب فقيرًا جدًا، والطعام في البيت قليل لا يكفي الجميع. وفي إحدى الليالي، همست زوجة الأب في أذنه قائلة: “اسمعنى جيدًا يجب أن نتخلص من الطفلين، وإلا سنموت جوعًا.”
ردّ الأب: “كيف تقولين هذا؟ أتريدين منّي أن أتخلصّ من طفليّ الوحيدين؟!”
ومع ذلك، فقد استمرّت الزوجة في إقناع زوجها بخطّتها للتخلّص من الطفلين وتركهما في الغابة، إلى أن اقتنع بكلامها مرغمًا. وقرّر أن يتخلّى عن ولديه.
أمّا الطفلان فقد سمعًا ما كان يدور من حديث بين الأب وزوجته، وشرعت غريتل بالبكاء، لكن أخاها قال لها:
“لا تخافي، فأنا لديّ خطّة ذكيّة”.
في الصباح، أيقظت زوجة الأب الطفلين كي يذهبا معها إلى الغابة بحجة إحضار الحطب. وأعطت زوجة الأب لكل واحد منهما رغيفا من الخبز وأخبرتهما ألا يأكله قبل موعد الغداء. وقبل أن يغادرا، جمع هانسل بعض الحصى ووضعها في جيبه خفية. وبينما كانوا يسيرون في الغابة، كان يُسقط الحجارة الصغيرة على الطريق دون أن يلاحظ أحد.
في الغابة، أوقد الأب نارًا لتدفئة صغيريه، وقال لهما: “ابقيا هنا، سنذهب لنجمع بعض الحطب، وسنعود بعد قليل.”
بقي الطفلان مكانهما، لكن الأب وزوجته لم يعودا، وكانت الطفلة تظن أن والدها يقطع الأشجار. لكن انتظارهما طال، ولم يعد الأبوان، وبدأ المكان يظلم، فقد حلّ المساء وغربت الشمس.
نام الطفلان في تلك الليلة في الغابة من شدّة التعب، وعندما استيقظا، بكت غريتل كثيرًا لأن والدهما قد تركهما وحدهما في الغابة، لكن هانسل قال:
“لقد أخبرتك بأنّ لدي خطّة، لا تخافي…سنعود إلى المنزل، فأنا أعرف طريق العودة!”
وهكذا تبع الطفلان الحجارة البيضاء حتى وصلا إلى منزلهما بعد بعض الوقت، ففرح الأبُ برجوع ولديه سالمين، أما زوجته فغضبت غضبًا شديدًا، وراحت تفكّر في طريقة جديدة للتخلّص منهما.
في صباح اليوم التالي، أيقظت زوجة الأب الشريرة الطفلين باكرًا، وأخذتها مرّة أخرى إلى الغابة دون أن تخبر والدهما بذلك، وكما في المرة السابقة، قدّمت لكلّ منهما رغيف خبز ليأكله على الغداء.
أدرك هانسل أنّ زوجة أبيه تودّ التخلّص منهما هذه المرّة أيضًا، لكنّه لم يملك الوقت الكافي لجمع الحجارة كما في المرّة السابقة، ولم يكن يملك سوى رغيف الخبز، فراح يقسمه إلى قطع صغيرة يرميها على الأرض ليتمكّن من تتبّعها في طريق العودة.
إلاّ أنّ طريقته هذه لم تنجح، فما لبثت العصافير تحطّ على الأرض وتأكل فتات الخبز الذي ألقى به هانسل، وهكذا لم يعد بإمكان الطفلان العثور على طريق العودة وتاها في الغابة. حلّ الليل، وبدأت حيوانات الغابة المفترسة تجول بين الأشجار، فخاف الصغيران، وراحا يركضان على غير هدىً، ومن شدّة خوفهما بدآ يتخيّلان الأمور على غير حقيقتها، فكانت أغصان الأشجار تبدو كالأشباح، والصخور كالوحوش، وجذور الأشجار الكبيرة البارزة من الأرض كالأفاعي.
حلّ الصباح أخيرًا، واختفت الأوهام التي كان الطفلان يريانها في الليل، فتنفّسا الصعداء، وشربا من مياه البحيرة القريبة ليرويا عطشهما. ثم واصلا المسير على غير هدىً بحثًا عن مخرج من الغابة. وبينما هما يمشيان، إذا بهما يريان بيتًا جميلاً غريبًا، فقد كان مصنوعًا كليًّا من الحلوى والكعك… الجدران والأبواب وحتى النوافذ، كانت كلّها مصنوعة من أنواع الحلوى والسكاكر.
فرح الأخوان كثيرًا بهذا البيت، ومن شدّة جوعهما، راحا يأكلان منه بنهم، وفجأة فُتح الباب وأطلّت منه امرأة عجوز، فخاف الصغيران منها وخشيا أن توبّخهما على أكلهما من بيتها، لكنّها قالت لهما:
“تعاليا يا صغيريّ، لا تخافا وادخلا إلى المنزل، فلديّ طعام كثير، ويمكنكما النوم في بيتي أيضًا!”
فرح الطفلان بذلك، ودخلا إلى البيت ظنًّا منهما أنّ العجوز امرأة طيبة تريد لهما الخير. لكن الأمر لم يكن كذلك إطلاقًا، فتلك العجوز كانت ساحرة شريرة، تحبس الأطفال الصغار، وتجبرهم على الأكل والنوم حتى يسمنوا ثم تأكلهم.
وفي الليل بينما كان الطفلان نائمين، أخذت العجوز هانسل وحبسته في قفص داخل المنزل، ثمّ أجبرت غريتل على الطبخ وتنظيف المنزل والقيام بكافة الأعمال المنزلية. وكانت في كلّ يوم تعدّ لهانسل وجبات دسمة وتحرص على أن يأكلها كلّها حتى يزداد وزنه ويكتنز باللحم ويصبح وجبة ملائمة.
مرّت الأيام، وبدأت العجوز تفقد صبرها، وقررت أن تأكل الطفل في صباح اليوم التالى. ارتعبت غريتل، لكنها تظاهرت بالهدوء، وبدأت تفكر في طريقة تنقذ بها أخاها المسكين.
وفي الصباح، طلبت الساحرة العجوز من غريتل أن تُشعل الفرن وتجهزّه لإعداد عشاء الليلة، فاقتربت غريتل من الفرن وتظاهرت بمحاولتها لإشعاله، ثمّ قالت بعد لحظات:
“يبدو أنّ هنالك مشكلة في الفرن، لا أستطيع إشعاله اليوم”.
غضبت العجوز من تقاعس غريتل، واتجهت إلى الفرن ثمّ انحنت إليه لتتفقّده، فانتهزت غريتل الفرصة ودفع بالعجوز إلى داخل الفرن ثمّ أغلقته على الفور.
وركضت بعدها بسرعة إلى حيث كان هانسل محبوسًا، فحرّرته من أسره على الفور. فرح هانسل بشجاعة أخته، وقبل أن يرحلا قررا أخذ مجوهرات الساحرة، فبحثا في أرجاء المنزل حتى وجدا صندوقًا مليئًا بالحُلي والذهب والفضّة، فملآ كيسًا كبيرًا بهذه المجوهرات وهربا بعدها من بيت الحلوى.
سار الأخوان لعدّة أيام، حتى عثرا على نهر صغير فاجتازاه إلى الضفّة الأخرى، وهناك لاح لهما بيتهما من بعيد. فرحا كثيرًا، وركضا إلى منزلهما بسعادة.
في ذلك الوقت، كان الأب يشعر بحزن شديد لفراق ولديه، والندم لأنه سمح لزوجته أن تتخلّص منهما. لكنه فجأة سمع صوتهما يناديانه من بعيد، فركض نحوهما واحتضنهما بكلّ حب وقد امتلأت عيناه بالدموع. أمّا زوجته فلم تكن في المنزل، لأن الأب طردها بعد أن اكتشف اختفاء ولديه.
وهكذا عاد الولدان إلى منزلهما وهما محمّلان بالكثير من الذهب والفضّة والجواهر التي قام الأب ببيعها وشراء طعام له ولطفليه، وعاشوا جميعًا بسعادة وهناء.
العبرة من القصة
إحدى القصص الجميلة التي تعلم الأطفال الشجاعة والذكاء وأهميتهما في مواجهة المخاطر. كما تبرز عدم الاعتماد على المظاهر في الحكم على الأشخاص.
قام الأخوان غريم بتوثيق مجموعة حكايات عالمية وقصص شعبية التي كانت تروى شفهيًا في ألمانيا في كتاب يدعى “حكايات الأخوان غريم”. وأضافا بعض التعديلات لتناسب الأطفال، فبعض هذه القصص كانت في الأصل تتضمّن مواضيع عنيفة ومخيفة لا تناسب الأطفال.
هي قصة شعبية مشهورة في الثقافات الآسيوية، وتحديدًا في كوريا الجنوبية، وقد أصبحت واحدة من أشهر الحكايات العالمية التي يتناقلها الأشخاص شفهيًا عبر الأجيال. تمّ توثيق هذه القصة ضمن كتب حكايات عالمية شعبية كورية.
أحداث القصة
يُحكى أنّه عاش في قديم الزمان أرنب ذكي في الغابة، وكان هناك نمرٌ قوي ومخيف يعيش في نفس الغابة. كان النمر يتجوّل بين الأشجار، يفتخر بقوته، ويأمر جميع الحيوانات بطاعته وإلاّ فقد كان يأكلها بلا رحمة.
ليس هذا وحسب، لقد كان النمر يقتل الحيوانات الصغيرة لمجرد التسلية. وفي أحد الأيام، بينما كان يتجوّل، رأى الأرنب، لكن الأرنب لم يُعره أيّ اهتمام لأنه كان يعلم شدّة غروره. قال الأرنب في نفسه: “هذا النمر مغرور جدًا! يحسب أنّ قوّته هي كلّ شيء. لقد حان الوقت لأعلمه درسًا لن ينساه.”
غضب النمر من تجاهل الأرنب له، وقال في نفسه أيضًا: “سأجعل هذا الأرنب الساذج يعرف من هو النمر”.
وقفز عليه ليأكله، لكن الأرنب قال بسرعة: “انتظر يا سيدي النمر المغوار، بدلاّ من أن تأكلني، ما رأيك أن أقدّم لك كعكة أرز لذيذة وشهية، فهي أفضل منّي حتمًا”.
كانت كعكة الأرز هي الوجبة المفضّلة للنمر. والذي أجاب على الفور: “أريد 10 كعكات وليس واحدة فقط، أحضرها لي، وإلاّ أكتلك!”.
أجاب الأرنب: “حسنًا، انتظر هنا وسأحضرها لك فورًا”.
أسرع الأرنب وأحضر الكعكات، لكنه خبّأ بداخلها حجارة صغيرة دون أن يراه النمر، ثم وضعها على النار. وعندما هم النمر بالأكل، قال له الأرنب: “عليك أن تنتظر قليلاً، عد حتى العشرة ثم كلها.”
كان النمر ضعيفًا في الحساب، فبقي يعد إلى العشرة عدة مرات. وكان الأرنب يراقبه خفية. أخيرًا، بعدما انتهى من العدّ، أكل النمر الكعكات، وفجأة شعر بحرارة شديدة في فمه، وتكسّرت أسنانه بسبب الحجارة. ولم يستطع أكل شيء طوال اليوم، tاطمأنت الحيوانات قليلاً، وارتاحت من شرّ النمر لبعض الوقت.
في صباح اليوم التالي، شُفي النمر، لكنه بقي بلا أسنان، وخرج غاضبًا يبحث عن الأرنب لينتقم منه. وعندما وجده قرب البحيرة، صرخ بأعلى صوته: “لقد خدعتني! واليوم سأنتقم منك وألقّنك درسًا لن تنساه!”.
ابتسم الأرنب، وقال متظاهرًا بالخوف والحزن: “أنا مستعد لملاقاة مصيري، ولكن أستميحك عذرًا، وأرجوك أن تسامحني على خطئي بالأمس، أنا لستُ سوى حيوانٍ صغير لا يسمن ولا يغني من جوع؟ ما رأيك أن تحصل على 1000 سمكة بدلاً منّي؟”
فكّر النمر قليلًا وقال في نفسه: “إذا ربطت الأرنب بالشجرة فلن يهرب، وإذا حصلت على 1000 سمكة فلن أجوع أبدًا”، ثمّ أجاب قائلا:
“حسنًا، علّمني إذن كيف أمسك ألف سمكة من البحيرة؟”
قال الأرنب: “ضع ذيلك في البحيرة وابقَ على هذه الحال حتى تلتصق به 1000 سمكة!”
ربط النمرُ الأرنبَ بالشجرة، ووضع ذيله في البحيرة كما طُلب منه، وظلّ ينتظر. كان ذلك اليوم من أبرد أيام السنة، وبدأت البحيرة تتجمّد شيئًا فشيئًا، والنمر لا يشعر بذلك. ظن النمر أن الأسماك تعلقت بذيله بسبب ثقله. وبقي جالسًا حتى الصباح، وغطى الثلج البحيرة بالكامل. أما ذيله، فقد تجمّد بالكامل داخل البحيرة.
قال الأرنب ساخرًا: “هيا اسحب ذيلك بقوة، ستحصل على 1000 سمكة”.
لكن النمر لم يستطع إخراج ذيله، وكلما حاول، ازداد ألمه. ضحك الأرنب وقال: “الآن حصلت على الأسماك، ابقَ في مكانك حتى يذوب الثلج أيها الذكي.”
ورحل الأرنب، وسادت الطمأنينة في الغابة.أمّا النمر، فمرّ به صياد، وصاده بعدما خارت قواه، وباعه إلى السيرك. وكان هذا مصير النمر المغرور والطمّاع.
العبرة من القصة
لا يجب أن نستهين بأحد بسبب حجمه أو شكله. والقوة الجسدية لا تساوي شيئًا من دون ذكاء واستخدام صحيح للعقل.
تُعدّ القصص واحدة من أفضل الطرق التعليمية للأطفال، فهي تساعد على تنمية خيالهم وتمكنهم من استيعاب القيم بطريقة سهلة وممتعة من خلال شخصياتهم المفضلة. وفي النهاية، قدمنا لك أفضل 4 حكايات عالمية تناسب أطفالك. تأكد من قراءة هذه القصص معهم، ومع نهاية كل قصة، يمكنك طرح بعض الأسئلة على أطفالك لمعرفة ما تعلموه من القصة.
في إحدى أيّام الربيع الجميلة، خرجت أسرة مها وإيمان في نزهة إلى الحديقة على طرف المدينة، وذلك للاستمتاع بالجو الجميل، وقضاء الوقت بين أحضان الطبيعة حيث الهواء النقي، وأشعة الشمس الدافئة، والأزهار والطيور كلها تحتفل بقدوم فصل الربيع.
فرحت مها وإيمان كثيرًا بهذه النزهة، وبمجرّد أن وصلت العائلة إلى الحديقة، حتى انطلقت الفتاتان تركضان وتقفزان هنا وهناك، تلاحقان الفراشات، وتتأملان النملات الصغيرة، وتغنيان مع الطيور، لكنّهما سرعان ما شعرتا بالملل، وجلستا تحت ظلّ إحدى الأشجار تفكّران في أمر ممتع آخر للقيام به.
فجأة قالت مها لإيمان:
“ما رأيك أن نذهب إلى الغابة الكبيرة، ونستكشف ما فيها؟”
أجابت إيمان:
“ولكن، لا أعتقد أنا ماما ستسمح لنا بذلك…”
ردّت مها:
“لا تقلقي، سنذهب دون أن تلحظ هي أو بابا غيابنا، وسنعود بسرعة…اُنظري، تلك الغابة تبدو كعالم سحري مليئ بالطيور الجميلة والحيوانات الظريفة المتنوعة.”
تحمّسست إيمان، ووافقت على هذه الخطّة. وهكذا تسلّلت الفتاتان إلى الغابة بينما كانت أمهما منشغلة بإعداد وجبة خفيفة، وكان الأب يقرأ كتابًا تحت إحدى الأشجار.
بدأت مها وإيما تستكشفان المكان، ومع كلّ خطوة كانتا تخطوانها في الغابة كان حماسهما يزداد وفضولهما يشتدّ. نظرتا إلى الأشجار العالية الباسقة وأغصانها تعانق السماء، ورأتا أشجارًا أخرى تتشابك أغصانها معًا في منظر جميل ساحر.
وسارتا بين الحشائش الخضراء المنعشة، واستنشقتا عبير أزهار الأقحوان وشقائق النعمان بألوانها الجذابة المفرحة، بل وقطفتا باقات منها لتصنعا منها تاجًا جميلاً من الزهور الربيعية الفوّاحة.
قالت إيمان بفرح:
“المكان جميل للغاية، يبدو حقاً كعالم سحري!”
أجابت مها:
“نعم، فصل الربيع يزيد الغابة جمالاً، كما لو أنّ الطبيعة تحتفل بقدومه، وتعبّر عن سعادتها بعودة الدفء بعد أشهر الشتاء الباردة”.
وبينما كانت الفتاتان تتحدّثان، سمعتا فجأة صوت حفيف من خلف الشجيرات، فشعرتا بالخوف لأنهما اعتقدتا أنه حيوان مفترس، لكن خوفهما سرعان ما تلاشى عندما رأتا أرنبًا صغيرًا أبيض اللون يظهر من خلف الشجيرات، وينظر إليهما بعينيه البرّاقتان.
صاحت مها بفرح:
“اُنظري! يا له من أرنب ظريف!”
ردّت إيمان:
“ظريف جدًّا!”
وأضافت مها على الفور، بحماس:
“هيا لنمسك به ونلعب معه!”
لكن إيمان كانت متردّدة بعض الشيء، فقالت:
“لكنّه سريع للغاية، لن نتمكّن من إمساكه بسهولة!”
أجابت مها:
“سنحاول على أيّة حالّ”
ثم انطلقت نحو الأرنب الصغير تحاول الإمساك به، فقفز هذا الأخير، وهرب بعيدًا ولحقت به مها وعيناها تلمعان سرورًا وإثارة، ومن ورائها إيمان.
وأثناء لحاقهما بالأرنب، لم تلحظ الأختان أنّهما قد توغّلتا كثيرًا في الغابة، وابتعدتا عن الحديقة حيث أبواهما.
وبعد مطاردة لوقت طويل، شعرت الفتاتان بالتعب، واختفى الأرنب بين الشجيرات الكثيفة دون أثر. فتوقفت الفتاتان لبرهة، وانتبهتا حينها أنهما قد توغلتا في أعماق الغابة دون أن تشعرا بالوقت، وهما الآن لا تعرفان طريق العودة.
قالت إيمان بخوف:
“يا إلهي نحن ضائعتان الآن، كيف سنعود إلى الحديقة؟”
أجابت مها:
“لا تقلقي… سنجد حلاًّ!”
في حينها، ظهر لهما الأرنب من جديد، وكان يبدو عليه الخوف، وسمعتا مجدّدًا حفيفًا من أعلى الشجرة فنظرتا إلى الأعلى، ورأتا ثعبانًا طويلاً يتدلّى من إحدى الأغضان، ويتجه نحو الأرنب الصغير المسكين.
أصيبت الفتاتان بالذعر، لكن مها استجمعت قوّتها، ونظرت من حولها، فوجدت غصنًا كبيرًا، فحملته وركضت نحو الثعبان وضربته على رأسه بكامل قوّتها.
سقط الثعبان على الأرض من شدّة الضربة، وكان في حالة ذهول، فلم يعرف ما أصابه، ثمّ فرّ هاربًا.
قالت مها للأرنب الذي كان ما يزال في مكانه:
“أنت بأمان الآن!”
اقترب الأرنب بخطوات متردّدة من الفتاتين، فقد عرف أنّهما طيبتان ولا تريدان به سوءًا، وأمسكته إيمان أخيرًا وربّتت عليه، فبدا سعيدًا جدًّا، ثمّ قفز مجدّدًا على الأرض، وركض مبتعدًا، لكنه توقّف قبل أن يختفي عن الأنظار، والتفت نحو الفتاتان.
نظرت مها وإيمان إلى بعضهما البعض مستغربتين، ثمّ قالت مها:
“أظّنه يريدنا أن نلحق به…”
أجابت إيمان:
“لنفعل ذلك إذن”.
قالت مها:
“هيّا!”
وهكذا تبعت الاختان الأرنب الصغير، الذي راح يقفز ويركض هنا وهناك، ثمّ يتوقف لبضع لحظات حتى لا تضيّع الصغيرتان أثره. وبعد بعض الوقت بدأت ملامح الغابة تتلاشى، وظهرت الحديقة من بعيد.
“انظري يا مها!، إنّها الحديقة”
صاحت مها:
“لقد ساعدنا الأرنب على العثور على طريقنا إلى الحديقة”
قالت إيمان:
“أظن أنّه يريد أن يشكرنا لأننا أنقذناه من الثعبان”
“صحيح!”
قالت مها أخيرًا:
“لقد كانت مغامرة ممتعة، اليس كذلك!”
وأجابت إيمان:
“نعم! استمتعت كثيرًا بوقتي!”
وصلت الفتاتان أخيرًا إلى الحديقة حيث كان أبواهما يبحثان عنهما بعد أن لاحظا غيابهما. وجلست العائلة أخيرًا لتناول طعام العداء في الهواء الطلق، بينما راحت مها وإيمان تحكيان مغامرتهما في الغابة.
قالت الأمّ معاتبة:
“كيف ذهبتما إلى هناك دون إخبارنا؟ لا تفعلا هذا مجدّدًا!”
“حمدًا لله على سلامتكما، أنا فخور بشجاعتكما وروح المغامرة في قلبيكما! لكن في المرة المقبلة، أخبرانا عن مكانكما!”
ووعدت الفتاتان أبواهما بأنّهما لن تفعلا ذلك مجدّدًا، لكنهما كانتا سعيدتين جدّصا بمغامرتهما الصغيرة في الغابة، وعندما عادو جميعًا إلى المنزل في المساء، لبستا ثياب النوم، وخلدتا إلى النوم على الفور حيث حلمت كلّ منهما بمغامرات سحرية في الغابة مع الأرنب الظريف وأشجار الغابة الجميلة وزهورها الفوّاحة.
في بيت صغير تحيط به حديقة مليئة بالأزهار الملونة، كان يعيش فتى يُدعى ياسر مع والديه. كان ياسر ولدًا نشيطًا ومحبًا للمغامرات، لكنه كان يجد صعوبة في الاعتراف بأخطائه، خوفًا من العواقب.
ذات يوم، بينما كانت أمه تُحضّر الغداء، نادته قائلة: “ياسر، هل يمكنك إحضار جرّة الماء من المطبخ؟”
أجاب ياسر بحماس: “طبعًا يا أمي!” وانطلق بسرعة نحو المطبخ، ولكن في حماسه، لم ينتبه إلى السجادة الصغيرة التي انزلقت تحت قدميه. تعثر وسقطت الجرّة من يده، فتحطمت إلى قطع متناثرة على الأرض!
وقف ياسر متجمّدًا، وهو يراقب شظايا الجرة التي كانت قبل لحظات ممتلئة بالماء البارد المنعش. تسارعت نبضات قلبه، وأخذ يفكر في ما سيقوله لأمه. وفجأة، لمح قطّتهم الصغيرة “لوزة” تجلس بالقرب من الحطام وهي تحدق فيه بعينيها الواسعتين.
فكر بسرعة وقال لنفسه: “ماذا لو ظنّت أمي أن القطة هي من كسرت الجرّة؟ هكذا لن تغضب مني!”
عندما دخلت أمه لترى ما حدث، نظر إليها ياسر وقال بسرعة: “أمي! القطة كسرت الجرّة! لقد قفزت عليها وأسقطتها!”
نظرت الأم إلى الجرّة المكسورة، ثم إلى القطة التي كانت تلعق مخلبها بهدوء، وكأنها لم تفهم ما يجري. رفعت حاجبها قليلاً، ثم ابتسمت بلطف وقالت: “يا ياسر، هل أنت متأكد؟”
تلعثم ياسر وقال: “أجل… أظن ذلك. ربما قفزت دون أن أنتبه.”
جلست الأم بجانبه وربتت على كتفه بحنان قائلة: “ياسر، هل تعلم أن النبي محمد ﷺ حثّنا على الصدق؟ فالإنسان الصادق يحبه الله والناس، والكذب قد يبعدنا عنهم. فكر جيدًا قبل أن تجيبني مرة أخرى.”
لكن هذه المرة، قررت الأم أن تعلّم ياسر درسًا عمليًا عن عواقب الكذب. عندما عاد الأب إلى المنزل، أخبرته الأم قائلة: “لقد كسرت لوزة الجرة اليوم، ويبدو أنها أصبحت مشاغبة أكثر من اللازم. ربما يجب أن تبقى خارج المنزل من الآن فصاعدًا.”
نظر الأب إلى القطة، ثم هز رأسه قائلاً: “إذا كانت تسبب الفوضى، فقد يكون من الأفضل أن تعيش في الحديقة بدلاً من الداخل.”
شعر ياسر وكأن قلبه سقط من مكانه! هل سيخسر قطته المحبوبة بسبب كذبته؟ نظر إلى “لوزة”، التي كانت تتمسح بقدميه، وكأنها ترجوه أن ينقذها.
تردد للحظة، لكنه لم يستطع تحمّل شعور الذنب أكثر. تنفس بعمق وقال بصوت مرتجف: “أبي، أمي… لوزة لم تكسر الجرة، أنا من فعل ذلك. كنت خائفًا من أن أعترف، فاختلقت هذه القصة.”
نظر إليه أبوه بهدوء، ثم ابتسم وقال: “أحسنت يا ياسر، الاعتراف بالحقيقة يتطلب شجاعة كبيرة. لكن تذكر أن الكذب يمكن أن يؤذي الآخرين، حتى لو لم تقصد ذلك.”
عانقته أمه وقالت: “أنا فخورة بك لأنك قلت الحقيقة، يا بني. كلنا نخطئ، لكن الشجاعة الحقيقية هي أن نعترف بأخطائنا ونتعلم منها.”
أحس ياسر براحة عجيبة، كأن حجراً ثقيلاً قد أُزيح عن قلبه. نظر إلى القطة “لوزة” وضحك قائلاً: “أظن أنها غاضبة مني لأنها كادت تُتَّهم بجريمة لم ترتكبها!”
ضحكت أمه وقالت: “يبدو ذلك! والآن، لننظف هذا المكان معًا، وسأعلمك كيف تحمل الجرّة بطريقة أكثر أمانًا في المرة القادمة.”
ومنذ ذلك اليوم، قرر ياسر أن يكون صادقًا دائمًا، لأنه أدرك أن الصدق يجعل القلب مطمئنًا، ويقرب الإنسان من الله ومن قلوب الناس.العبرة: الصدق فضيلة عظيمة، وهو طريق إلى الخير والجنة. علينا أن نتحلى به في كل المواقف، حتى عندما نرتكب الأخطاء.
تستخدم مايا كرسيًا بعجلات، لذا فهي لا تستطيع اللعب في ساحة المدرسة. لكن أصدقاءها هنا لمساعدتها! ماذا سيفعلون يا ترى؟
تستخدم مايا كرسيًا متحركًا بعجلات.
“رجلاي لا تعملان!” هذا ما تقوله للآخرين عندما يسألونها.
مع ذلك، مايا تستطيع القيام بالكثير من الأشياء التي يقوم بها الآخرون…لكن، ليس كلّ شيء.
إنها تذهب إلى المدرسة، وتستطيع اللعب هناك…لكن، لا يمكنها لعب جميع الألعاب.
تذهب مايا للعب في الحديقة، إنها تلعب بالرمل، وتمسك بالطابة، لكنها بعد ذلك تجلس حزينة وهي ترى أصدقاءها يتأرجحون في الأرجوحة أو يتزحلقون على السحسيلة.
“لماذا لا يوجد ألعاب للأطفال على الكراسي المتحرّكة” سألت مايا أمها بحزن.
وسمعتها سيدة عجوز كانت تجلس بقرب أمها، فقالت: “ما هي الألعاب التي تريدينها يا صغيرتي؟”
أجابت مايا: “أرجوحات، وسحاسيل، وألعاب دوّارة…”
قالت السيّدة العجوز: “لكن، هنالك ألعاب دوّارة للأطفال على الكراسي المتحرّكة…”
ردّت مايا بحزن: “ليس في هذه الحديقة…”
وراحت السيدة تتحدّث مع والدة مايا، فتململت مايا وقالت لنفسها: “أحاديث الكبار…مملّة…” ثمّ واصلت بناء قلعتها الرملية، وما هيسوى لحظات حتى انضمّت إليها صديقتها زينة، وراحت تبني معها قلعة ثانية فثالثة حتى أصبح لديهما مدينة كاملة من القلاع!
في طريق العودة، تحدّثت والدة مايا عن السيدة العجوز قائلة: “تعتقد السيدة زهرة أنّ إحضار لعبة دوّارة مخصّصة للأطفال على الكراسي المتحرّكة، فكرة جميلة…لذا، سنحصل على واحدة في حديقة الحيّ!”
اندهشت مايا وقالت: “حقًا! هل سنحصل على واحدة؟!”
وهذا ما حصل بالفعل، شيئًا فشيئًا، تحقّق هذا الأمر. في البداية قال حارس الحديقة: “الأمر ممكن، ولكنّه يكلّف كثيرًا…” فقالت الأمهات في الحيّ: “لا بأس، سنطلب العون من سكّان الحيّ!”
تعاون الجميع، ورسمت مايا لوحة مع صديقتها زينة، كتبت عليها:”ساعدوا مايا للحصول على لعبة دوّارة لكرسيّها المتحرك! نحن بحاجة لعونكم وللمال حتى نشتري اللعبة…”
عثر والد زينة على دوّارة مخصّصة للأطفال على الكراسي المتحركة للبيع. لم تكن جديدة لكنها كانت بحال جيّدة.
وبعدها بأيام عثر أيضًا على معاونين ليساعدوه على حمل اللعبة الدوارة وإحضارها للحديقة.
أمّا السيدة زهرة فقد بدأت حملة لجمع التبرّعات من أجل شراء اللعبة.
“أوه… لا يمكنني أن أرفض الآن…” قال حارس الحديقة، ثمّ أضاف:
“إن تمكنّتم من جمع نصف ثمن اللعبة، واستطعتم العثور على مساعدين لتركيبها في الحديقة، فسوف تحصل مايا على لعبتها الدوارة الخاصّة!”
في الأسابيع التالية، بدأ سكّان الحيّ بتنظيم حفلات لجمع التبرعات، اطلقوا عليها اسم “حفلات اللعبة الدوّارة”!
في تلك الحفلات، كان هنالك أقسام لبيع البسكويت والعصير وجمع التبرعات من أجل لعبة مايا.
وفي هذه الأثناء تمكّن والد زينة من الحصول على سعر مخفّض للعبة، وأحضر أحد الجيران شاحنته لنقل اللبعة إلى الحديقة.
تحتاج اللعبة الدوارة الخاصّة بالكرسي المتحرّك إلى حفرة كبيرة ليتمّ تثبيتها فيها. وقام سكّان الحيّ بتنظيم حفل خيري أسموه: “حفلة الحفر!”
حضر جميع الجيران إلى الحديقة في ذلك اليوم، وبدأوا بالحفر والحفر حتى صنعوا حفرة كبيرة جدًا مناسبة لتثبيت اللعبة فيها.
شيئًا فشيئًا، أصبحت اللعبة جاهزة! لقد قام حارس الحديقة بالتعاون مع باقي رجال الحيّ بتثبيت اللعبة، وتمّ اختبارها للتأكّد من أنّها آمنة وثابتة جيّدًا، وحان أخيرًا موعد الحفلة الأكبر: حفلة اللعبة الدوّارة!
كانت حفلة جميلة وممتعة، تمّ فيها توزيع البسكويت والعصير مجانًا، وتمّ تعليق البالونات الملوّنة على اللعبة الدوارة، وامتلأت الحديقة بالأطفال الذي أتوا لمشاركة مايا فرحتها بلعبتها الخاصّة الجديدة.
“مايا، يجب أن تكوني أول من يجرّب اللعبة الدوّارة، فقد صُنعت خصّيصًا لكِ، لقد جرّبتها بالأمس، وكانت جيدة، لكن المهمّ هو رأيكِ أنتِ!”
قال حارس الحديقة مخاطبًا مايا.
وهكذا، دفعت مايا كرسيّها المتحرك نحو اللعبة الدوارة، وصعدت عليها، وصعد معها ثلاثة أطفال آخرين.
لكن…
نحتاج من يدفعها الدفعة الأولى لتبدأ بالدوران.
ضحك حارس الحديقة وقال:
“هذه مهمّتي! سأفعل أنا ذلك…”
كان رجلاً قويًا ذو عضلات مفتولة، فتمكّن بسهولة من دفع اللعبة الدوارة، وبدأت اخيرًا بالدوران.
دارت ودارت، وضحكت مايا سعيدة بلعبتها، وصفّق الجميع محتفلين بهذا الإنجاز الكبير…
“أنا سعيدة جدًا…أخيرًا لديّ لعبتي الدوّارة الخاصّة بي…لم أحلم في يوم من الأيام أن يكون لي واحدة!”
قالت مايا وهي تدور وتدور وتدور.
أخيرًا قالت والدة مايا:
“هايا يا مايا، يجب أن تتوقّفي قليلاً، وتدعي بقيّة الأطفال يجربون اللعبة، لقد تعاونوا جميعًا لإحضارها إلى هنا، ويجب أن يجرّبوها أيضًا!”
ضحكت مايا وقالت:
“نعم…صحيح، هذه اللعبة ليست لي وحدي، وإنّما لجميع أطفال الحيّ وكلّ الأطفال الذين يستخدمون كراسي متحرّكة!”
ابتسم حارس الحديقة وهمس لوالدة مايا:
“أعتقد أننا سنركّب أرجوحة للأطفال على الكراسي المتحرّكة أيضًا!…ولكن بعد أن نرتاح قليلاً!…”
وهذه قصّة لوقت لاحق!
أسئلة تفاعلية للأهالي والأطفال حول قصة مايا والكرسي المتحرك
كيف ساعد سكّان الحيّ مايا للحصول على لعبتها الدوّارة؟
هل تظنّ أنّه كان بإمكان شخصٍ واحد فقط أن يحضر اللعبة الدوارة لمايا ويركّبها في الحديقة بمفرده؟
مرحبًا يا أصدقاء! اسمي ناشا، أنا بومة ظريفة وحكيمة كما ترون. أجلس عاليًا على قمم الأشجار الباسقة حيث لا يراني أحد، وحيث أستطيع أن أرى الجميع.
مرحبًا بكم معي، وأهلاً بكم…أنا سعيدة لأنكم هنا قد أتيتم لسماع القصّة التي سأرويها لكم اليوم… وهي قصّة أحد أصدقائي…فلنقرأها معًا.
مغامرة دودي الكبيرة
كان صباحًا باردًا من صباحات بدايات الربيع في الحقل، وبينما أنا جالسة أعلى قمّة الشجرة، رأيتُ الدودة دودي…
كان دودي دودة عادية، يعيش حياة عادية، ويقوم بامور عاديّة كلّ يوم..
لكنّه اليوم، كان يتحرّك ويسير بطريقة لا تبدو عادية!
يبدو وكأنّه ضائع…
في الواقع، كان دودي يبحث عن أحد يتحدّث إليه ويلعب معه. لكنّه لم يجد أحدًا من حيوانات الحقل الأخرى ليتحدّث معها أو يلعب برفقتها….
لم يجد دودة أخرى، ولا خنافس ولا دعسوقة ولا حتّى قطّ!!
وهنا قرّر دودي القيام بأمر غير عادّي على الإطلاق! لقد قرّر الذهاب إلى الحقل المجاور ليعثر على صديق هناك ويتحدّث إليه ويلعب معه!
كان يبدو متأكدًّا أنّه سيعثر على رفيق في الحقل المجاور، وهكذا… انطلق في مغامرته الكبيرة.
كما تعلمون، دودي كان مجرّد دودة صغيرة عادية، ولم يكن سريعًا جدًا في الزحف…لكن…بالنسبة لدودة، لم يكن بطيئًا أيضًا. وهكذا، زحف وزحف باتجاه الحقل المجاور.
ومع مسيره، بدأت الشمس تطلع، وتغمر الأرجاء بنورها ودفئها. وهنا قرّر دودي اخذ قسط من الراحة تحت إحدى أوراق الشجر الكبيرة.
فجأة سمع صوتًا يقول:
“أين تذهب يا دودي؟!”
نظر دودي إلى الأعلى ورأى يرقة جميلة على ورقة الشجر، فابتسم وأجاب:
“أنا ذاهب إلى الحقل المجاور لأعثر على صديق جديد أتحدّث إليه وألعب معه!”
وقالت اليرقة:
” هذا أمر جميل، أتمنى أن تعثر على الكثير من الأصدقاء هناك…كن حذرًا!”
ابتسم دودي لليرقة، وواصل المسير.
كما سبق أن قلت، لم يكن دودي سريعًا جدًا، لكنه كان يحرز تقدّمًا لا بأس به، وكان مركّزًا جدًا لدرجة أنّه ومن شدّة تركيزه على السير نحو الحقل، فقد اصطدم فجأة بالنملة لولي.
“آآآخ” قالت لولي: “انتبه إلى أين تمشي!”
قال دودي:
“أووه انا آسف، لقد كنتُ في طريقي للبحث عن أصدقاء في الحقل المجاور.”
وأجابت لولي:
“حسنًا يا صديقي، ان استمررت في المسير في هذا الاتجاه، فستعثر على الكثير منهم!”
ابتسم دودي، وواصل المسير.
بدأت السماء تتلبّد بالغيوم، وتحوّل لونها الأزرق الجميل إلى الرمادي الغامق…. وبدأت الرياح تشتدّ شيئًا فشيئًا، فقرّر دودي أنّه من الأفضل أن يختبئ تحت إحدى الأشجار ويحتمي بأوراقها من المطر. وكذلك فعل!
فجأة سمع صوتًا يقول:
“المعذرة!”
نظر دودي من حوله ولم يرَ أحدًا، فقال الصوت من جديد:
“المعذرة يا صديقي!”
وهنا رأى دودي تحته عينان برّاقتان! لقد اختبأ من غير قصد فوق جناح فراشة معتقدًا أنّها ورقة شجر.
“أووبس…أنا آسف!”
كانت الفراشة رفيف طيبة القلب، فلم توبّخ دودي، وابتسمت له قائلة:
“لا عليك يا عزيزي!”
قال دودي:
“أنا في طريقي لأعثر على أصدقاء أتحدّث إليهم في الحقل المجاور!”
ضحكت رفيف وأجابت:
“أمر رائع!” وتحدّثت مع دودي اكثر عن الجوّ والمطر.
بعد بعض الوقت، توقّف المطر، وأشرقت الشمس من جديد. وقرّر دودي أنّه قد حان الوقت للرحيل، فودّع رفيف الفراشة، وانطلق من جديد نحو الحقل.
بينما هو يسير في طريقه، ظهرت أمامه فجأة كرة غريبة. ابتعد عنها يمينًا فتدحرجت الكرة يمينًا، فابتعد عنها إلى اليسار فتدحرجت إلى اليسار أيضًا!
تنهّد دودي، وعندها انفتحت الكرة وتحوّلت إلى بيلو، قملة الغابة.
سأل بيلو:
“إلى أين تذهب؟”
أجاب دودي:
“لأعثر على أصدقاء أتحدّث إليهم في الحقل المجاور!”
قال بيلو بصوت خشن ولكن طيّب:
“جميل، جميل… حظّا موفقًا!… لا تسبّب المتاعب!”
ابتسم دودي وردّ قائلاً:
“حسنًا!…إلى اللقاء!”
وانطلق مجدّدًا في طريقه إلى الحقل.
شعر دودي بالسعادة وهو في طريقه إلى الحقل، ووصل أخيرًا إلى طريق ترابي مليء بالحفر السوداء العميقة والضحلة التي تسبّبت بها الشاحنات الكبيرة التي تعبر من الطريق.
فجأة سمع صوتًا يقول:
“مكانك! لا تتحرّك!”
قال القنفذ شوكي فجأة.
لحسن الحظ أنّ دودي أنصت إلى شوكي، ولم يتحرّك خطوة إضافية، فقد نظر أمامه ورأى حفرة كبيرة مليئة بالماء والزيت. كانت لامعة وتبدو كما لو أنّها بقعة من العشب.
قال دودي:
“شكرًا جزيلاً!”
سأل شوكي:
“إلى أين تذهب؟”
وأجاب دودي:
“إلى الحقل المجاور كي أبحث عن أصدقاء أتحدّث إليهم.”
قال شوكي مجدّدًا:
“يمكننا أن نصبح أصدقاء إن شئت!”
وقبل أن يجيب دودي، ظهر فجأة من خلف الأشجار كلب ضخم أبيض اللون، ونظر إلى دودي وشوكي.
خاف الإثنان كثيرًا، وتجمّدا في مكانهما، لكن الكلب قال:
“مرحبًا! كيف حالكما؟ هل تريدان أن نصبح أصدقاء؟!”
كان صوت الكلب لطيفًا هادئًا، فعرف دودي وشوكي أنّه طيّب القلب ولا ينوي إيذاءهما.
“نعم! بالطبع!”
أجاب الإثنان، وأضاف دودي:
“يمكنك أن تأتي معنا إلى الحقل إن شئت؟!”
الآن أصبح هناك دودي، وشوكي والكلب بوبي، يسيرون معًا نحو الحقل المجاور!
حطّ عصفور ملوّن صغير على سياج الحقل، وقال للأصدقاء الثلاثة الذين كانوا يقفون هناك:
شعر دودي بالحيرة للحظة، فلم يعرف الجواب على شوكي، لكنّه وحينما فكّر قليلاً وجد أنّه قد عثر على أصدقاء بالفعل، وهاهم جميعًا في الحقل يلعبون ويتحدّثون معًا… وقد عثر عليهم في طريقه إلى الحقل!
لنتعرّف على قصّة اكتشاف القهوة مع الجدّة وحفيدها الفضولي أمجد!
جلست الجدّة في إحدى الصباحات الرائقة على كرسيّها المفضّل تحتسي كوبًا من القهوة الساخنة، وتستمتع بمذاقها اللذيذ الشهي. كانت تبدو مستمتعة للغاية، فقد ارتسمت على محيّاها الطيب ابتسامة عريضة مستمتعة.
اقترب منها حفيدها أمجد، وسألها بفضول:
– جدّتي! هل مذاق القهوة لذيذ؟
ابتسمت الجدّة بلطف وقالت:
– نعم يا صغيري! إنها لذيذة جدًا، وتمنحني شعورًا بالنشاط والحيوية.
قال أمجد:
– آآه كم أرغب بشرب القهوة أنا أيضًا.
ضحكت الجدّة وأجابت:
– عندما تكبر قليلاً سيصبح بإمكانك شربها، والاستمتاع بمذاقها أيضًا. لكن ما رأيك أن أخبرك الآن عن قصة اكتشاف القهوة؟
ردّ أمجد على الفور:
– بالطبع… احكي لي القصّة كاملة من فضلك يا جدّتي.
ثمّ جلس ببجانب الجدّة وكلّه حماس لسماع القصّة.
قصّة كالدي والفاكهة العجيبة
تنحنحت الجدّة، وارتشفت بعضًا من قهوتها، ثمّ بدأت الحكاية:
في قديم الزمان، وفي أرضٍ بعيدة وجميلة جدّا تسمّى إثيوبيا، كان هنالك فتى في مقتبل العمر اسمه “كالدي”. كان كالدي يعمل راعيًا للماعز، ويقضي أيامه في الحبال يراقب ماعزه وهي ترعى بين الأشجار الخضراء.
وفي أحد الأيام، لاحظ كالدي شيئًا غريبًا! بدت الماعز فجأة أكثر نشاطًا ممّا اعتاد عليها. كانت تجري وتقفز هنا وهناك دون كلل أو ملل. بدا كما لو أنها أصبحت تمتلك طاقة سحرية.
تعجّب كالدي من حال الماعز، وتساءل:
– ما الذي أصابها يا ترى؟ لم هي نشيطة وسعيدة إلى هذا الحدّ؟
وقرّر اكتشاف السرّ وراء نشاط ماعزه الغريب غير المعهود. فتبعها عبر التلال والوديان، حتى وصل إلى منطقة لم يسبق له أن زارها قبلاً. هناك…رأى أشجارًا من نوع غريب خضراء، تحمّل ثمارًا على شكل حبّات صغيرة حمراء لامعة. ولاحظ أنّ الماعز كانت تأكل هذه الحبّات بشراهة كبيرة.
فكّر كالدي:
– هل يُعقل أن تكون هذه الحبّات هي ما يجعل ماعزي نشيطة هكذا؟
وحتى يتأكّد، جمع بعضًا من هذه الحبات، وعاد بها إلى قريته ليخبر الحكيم العجوز في القرية بما رآه. وكذلك كان الحال.
عندما سمع الحكيم القصّة، ورأى الحبّات الحمراء الصغيرة، قرّر أن يجربها هو أيضًا، فقام بغليها في الماء، وشرب بعدها ذلك السائل، فشعر بعد بضع لحظات بنشاط وحيوية كبيرين!
قال الحكيم:
– هذه الحبّات هي بلا شكّ السبب وراء نشاط ماعزك يا كالدي. وأعتقد أنني سأبدأ بتناولها بانتظام أنا أيضًا، فهي تمنحني الطاقة والنشاط والحيوية، وتجعلين أشعر وكأني أصغر سنًّا!
وهكذا، بدأ الناس في القرية يتعرّفون شيئًا فشيئًا على هذا المشروب الجديد، ويتناولونه للشعور بالنشاط، وليتزوّدوا بالطاقة، ثمّ أطلقوا عليه فيما بعد اسم القهوة، وسُميّت الحبات الحمراء الصغيرة “البُنّ”.
ومع مرور الوقت انتشرت أخبار القهوة في أرجاء العالم، وأصبحت مشروبًا محبوبًا يحتسيه الناس، ويستمتعون به. كما تطوّرت طريقة إعداد القهوة، وأصبحت تُحمّص وتُطحن لإعداد مسحوق القهوة، وأصبحت تُخلط أيضًا مع مكونات أخرى كالحليب مثلاً… لكن مهما تعدّدت طرق إعداد القهوة، فهي تبقى مشروبًا لذيذًا يمنحك النشاط والطاقة…
ولكن…لابدّ من شربها باعتدال، وإلاّ فسوف تسبّب لك الأرق، والتوتر.
أنصت أمجد لقصّة الجدّة باهتمام، وقال أخيرًا بعد أن أنهت القصّة:
– واو، لقد فهمت الآن لم تحبّين القهوة كثيرًا يا جدّتي! إنها تجعلك نشيطة وقوية لتلعبي معي وتحكي لي الحكايات على الدوام.
ضحكت الجدّة وأجابت:
– نعم يا صغيري! كما أنّها تذكّرني دومًا بكالدي وفضوله الذي مكّنه من اكتشاف هذا المشروب اللذيذ.
– عندما أكبر قليلاً سأبدأ بشرب القهوة معك يا جدّتي وسأنصت للمزيد من حكاياتك الممتعة، أمّا الآن، فسوف أكتفي بشرب الحليب الغني بالكالسيوم والفيتامينات المهمّة لنموّي.
وافقته الجدّة، وقالت بفخر:
– هذا هو صغيري الذكي! أحسنت يا أمجد!
ومنذ ذلك اليوم، أصبح أمجد يحضّر كوبًا من الحليب ويجلس مع جدّته وقت احتسائها لقهوتها ليستمع إلى المزيد من قصص الاكتشافات والمغامرات الممتعة والمثيرة.
يُحكى أنّه عاش في إحدى الغابات البعيدة الجميلة أرنبٌ مغرور يُدعى “برق”. كان برق سريعًا جدًّا ودائما يفتخر بسرعته الفائقة ويسخر من الحيوانات الأخرى التي لا يمكنها أن تجاري سرعته.
وفي أحد الأيام بينما كان برق ينطّ هنا وهناك في أرجاء الغابة، لمح سلحفاة صغيرة تمشي ببطء شديد نحو إحدى أوراق الأشجار لتأكل منها. فراح يضحك ساخرًا منها وهو يقول:
– يا لك من سلحفاة بطيئة جدًّا، سيحلّ الليل قبل أن تتمكّني من الوصول إلى طعامك…هههههه.
كانت السلحفاة صبورة ومثابرة، وعلى الرغم من مضايقات برق لها، فهي لم تستلم وواصلت المسير بثبات وجدّ، لكنّ برق استمرّ في السخرية منها والاستهزاء بخطواتها البطيئة.
أخيرًا قالت السلحفاة:
– قد تكون سريعًا يا برق، لكنّ السرعة والعجلة الدائمة ليست كلّ شيء. المثابرة أهمّ من كلّ شيء، وكذلك التواضع.
فأجابها الأرنب المغرور:
– تقولين هذا لأنك بطيئة ولا يمكنك تحقيق شيء بخطواتك الثقيلة هذه… لو أننّا تسابقنا، فسوف أفوز عليك، وأحقق النصر، وسنرى عندها ما أهمية السرعة.
استاءت السلحفاة من كلام الأرنب المغرور وقرّرت أن تعلمه درسًا، فقالت:
– حسنًا، انا أقبل التحدّي، فلنتسابق ولِنرى من سيفوز.
استغرب الأرنب من ثقتها، وفكّر مع نفسه أنّها بلا شكّ سلحفاة بلهاء، ولا تعرف ما تقول، لكنّه وافق على التحدّي وقال:
– حسنًا، وأنا قبلت التحدّي أيضًا، لنتسابق يوم الغد، وليكن خطّ النهاية هو شجرة السنديان الكبيرة عند البحيرة.
انتشر خبر السباق بين برق السريع والسلحفاة في الغابة، واجتمعت الحيوانات في اليوم التالي لتشاهد هذا التحدّي المثير للاهتمام. كان الجميع متأكدًا أنّ برق سيفوز، فهو سريع جدًّا ولا يمكن للسلحفاة أن تلحق به أبدًا.
وقف الأرنب والسلحفاة عند خطّ البداية، وقال برق ساخرًا:
– سأراكِ بعد أيّام عند خطّ النهاية، فأنا متأكد أنّك لن تصلي إلى هناك قبل عدّة أيام أو ربّما أسابيع…هههه.
لم تردّ السلحفاة على سخرية الأرنب، وبقيت صامتة، وتمّ الإعلان عن بداية السباق، فانطلقت بجدّ واجتهاد بخطوات بطيئة ولكن ثابتة باتجاه شجرة السنديان.
أمّا برق، فلم ينطلق، وجلس إلى ظلّ شجرة قريبة يأكل حبّة من الجزر.
استغرب الحيوانات ذلك، لكنّه قال لها:
– ما زال الوقت مبكرًّا، سآكل وجبة خفيفة وآخذ قيلولة صغيرة قبل أن أنطلق… فأنا برق السريع وسألحق بالسلحفاة البطيئة في وقت قليل.
وكذلك كان الحال. أكل الأرنب جزرته، وغطّ في النوم. أمّا السلحفاة فلم تتوقّف أبدًا، واستمرّت في السير نحو خطّ النهاية بثبات وإصرار.
مرّت عدّة ساعات، وغرق برق في نوم عميق، لكنه عندما استيقظ، أدرك أنّه قد نام لوقت طويل، وأنّه تأخر كثيرًا…أكثر ممّا كان يعتقد.
انطلق بأقصى سرعته نحو خطّ النهاية ليلحق بالسلحفاة، لكنه مع ذلك لم يكن سريعًا بما فيه الكفاية، وعبثًا حاول اللحاق بالسلحفاة والفوز عليها، لكنّها كانت قد اقتربت كثيرًا من خطّ النهاية، وكان هو لا يزال بعيدًا بسبب تهاونه واستخفافه بالسباق.
وهكذا وصلت السلحفاة إلى خطّ النهاية، وفازت بالسباق قبل أن يتمكّن برق من اللحاق بها.
هتفت جميع الحيوانات وصفّقت للسلحفاة الفائزة، التي علّمتهم وعلّمت الأرنب المغرور درسًا لا يُنسى، ألا وهو أن الغرور خلق سيء وقبيح يكلّف صاحبه كثيرًا، والسخرية من الآخرين تصرّف مُشين لا يجب أن يتحلّى به الطيبّون.
شعر برق بالخجل من نفسه، واعتذر للسلحفاة على سوء تصرّفه، ومنذ ذلك اليوم أصبح أكثر تواضعًا وتهذيبًا، وأصبح يستخدم سرعته الكبيرة في مساعدة غيره من الحيوانات الأبطأ، فصار محبوبًا بين جميع حيوانات الغابة، وعاش الجميع بسعادة وهناء.
في إحدى الغابات الجميلة الواسعة بعيدًا عن المدينة وضجيجها، عاش أسدٌ قويّ كان يحظى باحترام جميع الحيوانات لشجاعته وقوّته. لقد كان ملك الغابة، ودائمًا يتجوّل فيها بفخر وعزّة، وكانت جميع الحيوانات تخاف منه ولا تتجرّأ على الاقتراب منه.
في إحدى أيام الربيع الجميلة، قرّر الأسد أن يأخذ قيلولة تحت ظلّ شجرة كبيرة بعد يوم طويل من الصيد، والركض في الغابة. فغرق في النوم، وكان شخيره يتردّد في أرجاء الغابة.
فجأة مرّ فأر صغير بالقرب منه. كان هذا الفأر مشاغبًا وفضوليًا، وقرّر أن يتسلّق ظهر الأسد النائم. لقد أراد أن يرى كيف يبدو العالم من منظور الأسد، وأن يعرف شعوره وهو قريب إلى هذا الحدّ من ملك الغابة.
وهكذا صعد الفأر على ظهر الأسد، وراح يتحدرج ويقفز هنا وهناك، غير مدركٍ أنّ الأسد قد يستيقظ في أيّ لحظة. أمّا الأسد، فقد شعر بشيء يدغدغ ظهره، وراح يُبدي انزعاجه، ثمّ استيقظ من نومه بعد لحظات غاضبًا، فأمسك الفأر بين مخالبه وقال له مزمجرًا:
– كيف تجرؤ على إزعاج ملك الغابة، وإيقاظه من غفوته؟! هل تريد الموت؟
ارتعب الفأر المسكين من كلام الأسد، وأجاب مرتجفًا من الخوف:
– أرجوك سامحني أيّها الملك العظيم، لا تؤذني! فأنا مجرّد فأر صغير، ولن أفيدك بشيء. دعني أعيش وأعدك بأني سأردّ لك الجميل يومًا ما.
أشفق الأسد على الفأر الصغير الخائف، ثمّ ضحك قائلاً:
– وما الذي يمكن لفأر صغير أن يفعله ليردّ لي الجميل… إنّك مضحك حقًا… لكني سأسامحك هذه المرّة. هيا اذهب ولا تُعِد الكرّة.
شكر الفأر الصغير الأسد على رحمته، ثمّ هرب بعيدًا سعيدًا بنجاته.
مرّت الأيام والأسابيع، واستمرّ الأسد في حياته ملكًا للغابة قويًا، يخافه الجميع. وفي أحد الأيام، بينما كان يتجوّل في الغابة وقع في فخّ نصبه له الصيادون، وعلق في شبكة كبيرة من الحبال. فراح يتخبّط ويحاول أن يمزّق الشبكة بمخالبه لكن دون جدوى.
بدأ الأسد يصرخ ويزأر طالبًا العون، دون جدوى، فلم يسمعه أحد، ولم يأتِ لمساعدته أحد، لقد رأته بعض حيوانات الغابة، ولكنها كانت خائفة جدًا من الاقتراب منه، أو من الوقوع في الفخّ مثله.
وفجأة، ظهر الفأر الصغير من بين الأشجار، وركض مسرعًا نحو الأسد قائلاً:
– لا عليك يا صديقي، أنا هنا لأنقذك!
ثمّ راح يقضم حبال الشبكة بأسنانه الصغيرة الحادّة حتّى مزّقها كلّها وتمكّن من تخليص الأسد منها.
شكر الأسد الفأر كثيرًا على صنيعه وقال له:
– لقد علّمتني درسًا مهمًّا اليوم، فالقوّة ليست بالحجم، ولكلّ منّا قدراته الخاصّة التي لا يمتلكها الآخرون. لقد سخرتُ منك عندما قلت لي أنّك ستردّ لي الجميل، لكنّك بالفعل أنقذت حياتي اليوم. شكرًا لك.
ابتسم الفأر للأسد، وأصبح الاثنان من يومها صديقين حميمين. كان الأسد يحمي الفأر من الحيوانات المفترسة المخيفة، وكان الفأر يحذّر الأسد دومًا من الصيادين وفخاخهم، وهكذا عاش الصديقان سعيدين في الغابة الجميلة.
كان يا مكان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، كانت تعيش ملكة جميلة طيبة القلب في إحدى الممالك البعيدة.
في إحدى أيام الشتاء قارسة البرودة، وبينما كان الثلج يهطل بغزارة في الخارج، جلست الملكة الطيبة عند حافة النافذة تطرّز على قماش من حرير، وبينما هي على تلك الحال، وخزت اصبعها فجأة بإبرة الخياطة، وسقطت بضع قطرات من الدم على الثلج الأبيض المتجمّع عند النافذة.
في تلك اللحظة، تمنّت الملكة أن يرزقها الله بمولود ذو بشرة بيضاء كالثلج، وفم أحمر كالدم، وشعر أسود كالأبانوس.
وما هي إلاّ بضعة أشهر حتى وضعت الملكة مولودها، وكان بنتًا جميلة تمامًا كما تمنّتها، ذات شعر أسود حالك كالأبانوس، وبشرة بيضاء ناصعة كالثلج، وفم أحمر كالدم القاني. وأسمتها الملكة سنو وايت أيّ: “بياض الثلج”.
وفرح الملك بمولودته الصغيرة، لكنّ فرحته لم تدم طويلاً، فقد مرضت الملكة بعد الولادة مرضًا شديدًا، وماتت بعد بضعة أيّام تاركة سنووايت يتيمة بلا أمّ.
سنووايت وزوجة الأب الجديدة
تزوّج الملك فيما بعد بامرأة أخرى، وكانت زوجته الجديد جميلة جدًا، لكنها لم تكن طيبة على الإطلاق كما كانت الملكة الراحلة. كما أنها كانت تغار كثيرًا ولا تحبّ أن يكون هناك من هو أجمل منها. بل كان لديها أيضًا مرآة سحرية، وكانت في كلّ صباح تنظر إلى المرآة وتقول:
– مرآتي يا مرآتي، أخبريني من هي أجمل فتاة في الأرض؟
فتجيب المرآة:
– مولاتي الملكة، أنتِ الأجمل في هذه الأرض، وليس هناك من يضاهي جمالك على الإطلاق.
فتضحك الملكة بسعادة، ويزداد غرورها وإعجابها بنفسها وجمالها.
ومرّت الأيام والسنوات، وكبرت سنو وايت، وازداد جمالها، كما أنها كانت ذات قلب طيب رقيق، تحبّ مساعدة الغير، ولا تبخل بتقديم العون على من يحتاج، ولاحظت الملكة المغرورة جمال سنو وايت، وبدأت تغار من حسن مظهرها ودماثة أخلاقها.
وفي أحد الأيام، استيقظت الملكة، وسألت مرآتها السحرية:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل فتاة على وجه الأرض؟
وأجابت المرآة:
– مولاتي الملكة، إنّ جمالك رائع لا مثيل له، ولكنّ هناك من هو أجمل منك…إنها سنو وايت.
غضبت الملكة غضبًا شديدًا حين سمعت هذه الجملة، واشتعلت نيران الغيرة في قلبها وتأجّجت، وقررت التخلص من سنو وايت. فنادت أحد حرّاسها المخلصين وقالت له:
– أريد أن تصطحب سنو وايت إلى الغابة، وتقتلها، وتحضر لي قلبها، حتى أتأكد أنها ماتت بالفعل.
فزع الحارس من طلب الملكة، لكن لم يستطع الرفض، وهكذا نفّذ أوامر الملكة، ورافق سنو وايت إلى الغابة.
كانت هذه هي المرّة الأولى التي تخرج فيها سنو وايت من القصر، وكم كانت سعادتها عظيمة وهي ترى الغابة بحيواناتها الأليفة من أرانب وغزلان وعصافير، ونباتاتها وأزهارها البرية الساحرة، فراحت تقفز من مكان لآخر وهي تغنّي فرحًا وسعادة، بينما كان الحارس يتحيّن الفرصة للقضاء عليها وهي غافلة عنه وعن خطّته الماكرة.
لكن الحارس كان في أعماقه رجلاً طيبًا وفيًا للملك، ولم يستطع برغم كلّ محاولاته أن يقتل سنو وايت، فقال لها أخيرًا، وهو يصوّب قوسه نحوها:
– اهربي يا سنو وايت ولا تعودي إلى القصر، فزوجه أبيك الشريرة تريد القضاء عليك.
فزعت سنو وايت عندما رأت الحارس في تلك الحالة وسمعت ما قاله لها، فهربت بعيدًا عنه، وراحت تركض على غير هدى في الغابة باحثة عن ملجأ أو مأوى.
بيت الأقزام
حلّ الليل، وتحوّلت الغابة المشرقة إلى مكان مظلم مخيف، اختبأت الحيوانات الظريفة من أرانب وغزلان، وبدأت الحيوانات المفترسة التجوال باحثة عن عشائها. أمّا سنو وايت، فقد اختبأت في كهف بعيد، وقضت ليلتها الأولى في خوف شديد، فلم تستطع النوم حتى بدأت بشائر الصباح بالظهور.
استيقظت سنو وايت في اليوم التالي عند العصر، وخرجت من الكهف تبحث عن شيء تأكله، فقد كانت جائعة جدًا، وبينما كانت تبحث عن الطعام، لاح لها من بعيد كوخ صغير، ففرحت وابتهجت، وقرّرت الذهاب إليه وطلب العون من أهله، علّهم يقدّمون لها طعامًا تسدّ به جوعها.
وصلت سنو وايت إلى الكوخ الصغير، وطرق الباب عدّة مرّات، فلم تلقَ جوابًا، ثمّ دفعت الباب، فوجدته مفتوحًا فدخلت وأغلقت الباب من خلفها.
في داخل الكوخ، وجدت سنو وايت مائدة مستطيلة حولها سبعة كراسي، وعلى المائدة سبعة صحون من الحساء، وسبع ملاعق، وسبعة شوك وكذلك سبع أرغفة من الخبز، وسبعة أكواب من الماء.
ولأنها كانت جائعة جدًا، لم تستطع الانتظار حتى يأتي أهل البيت، فجلست على أحد الكراسي، وقد كان كرسيًا صغيرًا للغاية، وأخذت ملعقة وراحت تأكل بضع لقيمات من كلّ صحن، وتأخذ قطعة صغيرة من كلّ رغيف، ورشفة من كلّ كوب.
وعندما انتهت من تناول الطعام، صعدت إلى الطابق العلوي من الكوخ، ووجدت فيه سبعة أسرّة أيضًا، لكنّها كانت صغيرة جدًا وكأنها أسرّة أطفال، فاختارت أحدها واستلقت عليه، وما لبثت أن غطّت في نوم عميق.
ومع حلول المساء، عاد أهل البيت إلى كوخهم، وقد كانوا سبعة أقزام يعملون في التنجيم، وما إن دخلوا حتى لاحظوا أمرًا غريبًا في منزلهم لكنهم لم يستطيعوا معرفة ما هو.
وعندما جلسوا جميعًا إلى مائدة العشاء، قال أوّلهم:
– هنالك من جلس على كرسيّي!
وقال آخر:
– وهناك من أكل من طبقي…
وأضاف الثالث:
– ومن استخدم ملعقتي؟!
ثمّ أضاف الرابع:
– وهنالك من شرب من كأسي…
وقال الخامس:
– وأكل من رغيف الخبز الخاصّ بي!
قال السادس في غضب:
– واستخدم شوكتي أيضًا!
وهنا سمع الجميع صوت القزم السابع يقول وهو ينزل من الطابق العلوي:
– والآن هو ينام على سريري!
تفاجأ الأقزام كلّهم، وصعدوا على الفور إلى العليّة، فعثروا على سنووايت الجميلة نائمة بعمق، وأصابتهم الحيرة، وراحوا يفكّرون بأمرها:
– من تكون يا ترى؟
قال أحدهم.
– لا يبدو عليها أنّها شريرة.
أضاف الآخر، ووافقه البقية، وبينما هم في حيرتهم تلك، فتحت سنووايت عينيها أخيرًا واستيقظت من نومها، فتعجّبت ممّن حولها، واستغربت وخافت، لكنّ الأقزام قاموا بطمأنتها وأخبروها أنّهم لم يأذوها.
اعتذرت سنووايت لأنها دخلت البيت دون استئذان، وأخبرت الأقزام بقصّتها وحدّثتهم عن زوجة أبيها الشريرة القاسية، فحزن الأقزام على حالها.
– يمكنك أن تعيشي معنا في هذا الكوخ، وسنحميك من زوجة أبيك الماكرة.
قال كبير الأقزام أخيرًا، ووافقه البقية. ففرحت سنووايت بذلك كثيرًا، وشكرت الأقزام على طيبتهم وحسن ضيافتهم.
وفي مكان آخر، كان الصيّاد قد عاد إلى القصر، وقد أحضر معه قلب أحد الحيوانات التي اصطادها، وأخبر الملك أنّ ذلك هو قلب سنووايت، ففرحت الملكة بهذا الخبر، وقهقهت بصوت عالٍ. لقد أصبحت مجدّدًا أجمل امرأة على وجه الأرض.
خطط الملكة الشريرة للقضاء على سنووايت
عاشت سنووايت مع الأقزام بسعادة، فكانت تفيق صباحًا وتعدّ لهم الطعام الشهي وتقوم بأعمال المنزل من تنظيف وترتيب، وكان الأقزام سعداء بوجودها أيضًا، فكانوا يقدّمون لها الهدايا، ويقصّون عليها الحكايات، ويعتنون بها أحسن عناية.
ومرّت الأيام والأسابيع على هذه الحال، وفي أحد الأيام، سألت الملكة مرآتها السحرية:
– مرآتي يا مرآتي…أخبريني من هي الأجمل في الأرض؟
وأجابت المرآة:
– مولاتي الملكة، إنّك بلا شكّ أجمل النساء في هذه القلعة، ولكن هناك في أعماق الغابة، تعيش فتاة رائعة الجمال، وهي أجمل الفتيات على الأرض…إنها سنووايت.
عند سماع هذه الكلمات، استشاطت الملكة غضبًا، وقالت:
– لا بدّ أن الصياد قد خدعني وكذب عليّ…لن أغفر له هذا الأمر، وسألقّنه درسًا لن ينساه. أمّا سنووايت…فسأتخلّص منها بيديّ هاتين.
في اليوم التالي، تنكّرت الملكة في شكل سيّدة في مقتبل العمر، وحملت معها حقيبة مليئة بالأشرطة والأحزمة القماشية، وذهبت بها إلى الغابة حيث تقطن سنوايت مع الأقزام السبعة.
في ذلك الوقت كانت سنووايت الأزهار في الحديقة، عندما رأت السيدة الغريبة تقترب منها، فحيّتها بأدب، وراحت تحادثها وتسألها عن أحوالها.
– صغيرتي الجميلة، أنا أبيع الأشرطة الحريرية والأحزمة القماشية للفتيات الجميلات أمثالك، وظنّي أنّ هذا الحزام سيلائم لون عينيك، فدعيني أجرّبه عليك.
– شكرًا لك يا خالة، ولكنّي لا أملك أيّ مال لأشتريه منك.
– لا عليك. قالت البائعة، ثمّ واصلت: فكلماتك الطيبة تكفي.
وهكذا أخرجت من سلّتها الشريط الحريري، ولفّته حول خصر سنووايت، وراحت تشدّه بقوّة، حتى ما عادت سنووايت قادرة على التنفس، وحاولت من دون جدوى أن تخبر السيدّة بأنّ الحزام يؤلمها، لكنّها فشلت، وأغمي عليها قبل أن تتمكّن من قول أيّ شيء.
وقعت سنووايت أرضًا، وراحت الملكة الشريرة المتنكّرة بثياب البائعة تضحك سعيدة بفعلتها، ثمّ غادرت عائدة إلى القلعة سعيدة لأنها أخيرًا تخلّصت من منافستها، وقد أصبحت الآن أجمل فتاة في الأرض.
ومع غروب الشمس، عاد الأقزام السبعة إلى الكوخ، وأصابتهم الصدمة عندما رأوا سنووايت ملقاة أرضًا بلا حراك. حاولوا إيقاظها، ولكن دون جدوى، إلى أن لاحظ أحد الأقزام الحزام الحريري ملتفًا حولها، وقال للبقية:
– انظروا! هذا الحزام ملتفّ بشدة حول خصرها، إنها غير قادرة على التنفّس بسببه… هيا أحضروا لي المقصّ!
وبسرعة جاء قزم آخر بالمقصّ، ومزّق الحزام، فبدأ اللون يعود تدريجيًا إلى وجه سنووايت وبدأت تتنفس من جديد، وما هي إلاّ لحظات، حتى فتحت عينيها وأفاقت من إغمائها.
فرح الأقزام كثيرًا، وقصّت عليهم سنووايت ما حصل معها، فعرفوا في الحال أنّ تلك السيدة ما هي إلاّ الملكة الشريرة نفسها، وحذّروا سنووايت من عودتها، وطلبوا إليها ألاّ تحادث الغرباء مجدّدًا وأن تتوخّى الحذر.
بعد مرور أيّام قليلة قضتها الملكة الشريرة في سعادة ترتّب الحفلات، والمآدب والعشاءات مع النبلاء والأمراء، توجّهت مرّة أخرى إلى مرآتها السحرية وسألتها:
– مرآتي يا مرآتي….من هي أجمل النساء على وجه الأرض؟
وردّت المرآة:
– إنك يا ملكتي أجمل النساء في القصر، ولكنّ ما تزال سنووايت أجمل منك، وهي أجمل من في الأرض.
استشاطت الملكة غضبًا، وكادت تكسر المرآة من شدّة غضبها، وصاحت بإنكار:
– هذا مستحيل! لقد تخلّصت منها بيديّ!
وأجابت المرآة:
– ما تزال سنووايت حيّة ترزق، فقد تمكّن الأقزام من إنقاذها، وهي تزداد جمالاً في كلّ يوم.
– ليس لوقت طويل!
قالت الملكة، ثمّ تنكّرت مرّة أخرى بزيّ بائعة لأدوات التجميل، وغيّرت شكلها ووجها حتى لا تتعرّف عليها سنووايت، وذهبت مجدّدًا إلى الكوخ.
في ذلك الوقت كانت، سنووايت جالسة عند المدخل تقرأ كتابًا قديمًا، وحولها بعض من حيوانات الغابة اللطيفة. اقتربت منها البائعة العجوز، وقالت لها بصوت لطيف:
– كيف حالك أيتها الفتاة الحسناء؟ هل ترغبين بشراء مشطٍ مميّز لتسريح شعرك الأسود الجميل.
تذكّرت سنووايت على الفور ما حدث في المرّة السابقة، وشعرت ببعض الخوف، لكنّ السيدة العجوز طمأنتها، وقالت:
– أعلم أنّ التحدث إلى الغرباء قد لا يكون آمنًا، لكنّي يا صغيرتي لا أنوي بك شرًّا. انظري، سأسرّح شعري بهذا المشط حتى تتأكدي أنّه سليم وليس فيه ما يخيف.
وأخرجت مشطًا، وبدأت بتسريح شعرها، فاطمأنت لها سنووايت، وقالت:
– هل يمكنني أن أجرب أنا أيضًا؟
أجابت البائعة:
– بالطبع يا صغيرتي! دعيني أسرّح شعرك أنا…
ومن دون أن تلاحظ سنووايت، أخرجت العجوز مشطًا آخر، وقد كان مسمومًا، وراحت تسرّح به شعر سنووايت الأسود الجميل، وفي غضون لحظات قليلة، بدأت سنووايت تشعر بالدوار، فقد بدأ السمّ يتسلل إلى جسمها تدريجيًا، وسقطت بعد دقائق أرضًا بلا حراك.
ضحكت الملكة سعيدة، وغادرت على الفور عائدة إلى قصرها وهي سعيدة لأنها تمكّنت من التخلص من سنووايت. أمّا الأقزام السبعة، فقد عادوا مساءًا ومرّة أخرى وجدوا سنووايت مغمىً عليها بلا حراك. بحثوا عن شريط حول خصرها لكنّهم لم يجدوا شيئًا، وبينما هم يحاولون إيقاظها، انتبه أحدهم فجأة إلى المشط المسموم مغروزًا في شعرها، فنزعه على الفور وألقاه بعيدًا، وبدأت سنووايت تستعيد عافيتها بعده، وأفاقت بعد عدّة دقائق.
مجدّدًا، قصّت هذه الأخيرة ما حصل معها، وعرف الأقزام أنّها محاولة أخرى من محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها. فحذّروا سنووايت وطلبوا منها ألاّ تخرج من الكوخ أبدًا وألا تفتح الباب لأحد من الآن فصاعدًا.
وهكذا مرّت الأيام، وسنووايت تعيش بأمان مع الأقزام، تقضي وقتها في داخل الكوخ، ولا تفتح لأحد الباب أيًّا كان. أما الملكة الشريرة، فقد انشغلت مجدّدًا بإقامة الولائم وحضور الحفلات في القصر، ولكنها بعد عدّة أسابيع، عادت إلى مرآتها وسألتها:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض.
وأجابت المرآة:
– أنتِ يا مولاتي من أجمل النساء، ولكنّ سنووايت كانت وستبقى هي الأجمل على الإطلاق.
كادت الملكة تفقد عقلها من شدّة الغضب والحنق، وقرّرت هذه المرّة أن تقضي على سنووايت تمامًا، فتنكّرت من جديد بهيئة امرأة طاعنة في السنّ، وحملت معها سلّة من التفاح الأحمر اللذيذ، وتوجّهت نحو الكوخ لتنفّذ خطّتها الشريرة.
لكن في هذه المرّة لم تكن سنووايت في الخارج، وكان باب الكوخ مغلقًا، فطرقت الباب، وجاءها صوت سنووايت من الداخل:
– من بالباب؟
– أنا سيّدة طاعنة أسكن في الجوار، وأحتاج لكوب من الماء من فضلك، إنني عطشى…
التزمت سنووايت بأوامر الأقزام، وقالت للعجوز:
– معذرة يا خالة، ولكني لا أستطيع أن أفتح لك الباب.
فأجابت السيدة العجوز:
– لا عليك يا صغيرتي، يمكنك أن تناوليني كوب الماء من النافذة إن شئتِ.
فكّرت سنووايت قليلاً، ورأت أنّه لا ضير في ذلك، ففتحت النافذة وقدّمت للعجوز كوب الماء، فشكرتها هذه الأخيرة، وشربت الماء، ثمّ قالت:
– لقد قطفت هذا التفاح قبل قليل من شجرة عند النهر، تذوّقيها، إنّها حلوة ولذيذة للغاية.
وعلى الرغم من تردّدها، لكن سنووايت لم تستطيع مقاومة تلك التفاحة التي بدت شهيّة للغاية، فأخذتها من العجوز، وقضمتها… وبمجرّد أن فعلت ذلك، حتى سقطت أرضًا مرّة أخرى مغمى عليها، فقد كانت التفاحة مسمومة، وكان السمّ فيها قويًا للغاية.
ضحكت الملكة الشريرة وهي تنظر إلى سنووايت الملقاة أرضًا وقالت:
– هذه المرّة لن تتمكّني من النجاة أبدًا! هاهاهاهاهاها…
ثمّ عادت إلى قصرها والسعادة بالانتصار تغمرها.
عاد الأقزام ليلاً، ووجدوا سنووايت ملقاة أرضًا، فحاولوا بشتّى الطرق إيقاظها، لكنهم فشلوا… لم يعثروا على حزام حول خصرها ولا مشط مسموم في شعرها، ولم يعرفوا كيف يمكنهم إنقاذها.
حاولوا وحاولوا، ولكن دون جدوى… هذه المرّة لم يكن بالإمكان إنقاذ سنووايت.
حزن الأقزام كثيرًا على صديقتهم المسكينة، فبنوا لها صندوقًا زجاجيًا ووضعوها فيها، ثمّ ذهبوا بها إلى الغابة، وجلسوا هناك حولها يبكون وينتحبون.
ومرّت الأيام على تلك الحال دون أن تستيقظ سنووايت أو تستعيد عافيتها. أمّا الملكة، فكانت تسأل مرآتها كلّ يوم عن أجمل امرأة في الأرض، وكانت المرآة تجيب:
– أنتِ يا مولاتي أجمل نساء الأرض الآن.
فكانت تضحك وتقهقه بسعادة وفرح، لأنّ سنووايت قد ماتت، ولم تعد حيّة بعد الآن.
النهاية السعيدة
وفي أحدّ الأيام، مرّ أمير من إحدى الممالك المجاورة بالغابة، فسمع صوت الأقزام وهم يبكون، واقترب من مصدر الصوت، حتى عثر على الأقزام وهم ملتفّون حول الصندوق الزجاجي.
استغرب وأصابته الدهشة، لكنه عندما اقترب أكثر من الصندوق، ورأى سنووايت الجميلة نائمة فيه، أعجب بها كلّ الإعجاب، وسأل الأقزام عنها، فأخبروه بحكايتها، وقصّوا عليه محاولات الملكة الشريرة للقضاء عليها، وكيف أنّها نجحت أخيرًا في تحقيق مرادها.
حزن الأمير أشدّ الحزن على سنووايت، وطلب من الأقزام أن يسمحوا له بأخذها معه إلى قصره، علّ الأطباء في مملكته يقدرون على علاجها.
وبعد مشاورات فيما بينهم، وافق الأقزام على طلب الأمير، وفتحوا الصندوق الزجاجي، فانحنى الأمير نحو سنووايت وحملها بين ذراعيه ليضعها على صهوة حصانه، فتدلّى رأسها، وانفتح فمها قليلاً فسقطت قطعة التفاح المسموم أرضًا، وما هي إلاّ لحظات حتى فتحت سنووايت عينيها وعاد إليها وعيها.
فرح الأقزام أشدّ الفرح بعودة صديقتهم، واستقبلوها بالأحضان والغناء، وأمّا الأمير، فقد انحنى نحوها، وأبدى احترامه وإعجابه الشديد بها، فقال:
– آنستي الجميلة، إني ومنذ رأيتك نائمة، قد وقعت في حبّك، وأرجوك أن تقبلي طلبي بمرافقتي إلى قصري لتكوني زوجتي وملكة مملكتي المستقبلية.
احمّرت وجنتا سنووايت خجلاً، ووافقت فورًا على طلب الأمير، فهتف الأقزام فرحًا وسعادة، وهلّلوا لهذا الخبر السعيد.
وركبت سنووايت ظهر الحصان مع الأمير، وساروا في الغابة يتبعهم الأقزام يغنون فرحًا، وشاركتهم حيوانات الغابة من أرانب وعصافير وغزلان هذا الفرح في موكب جميل بهيّ.
وأقيمت احتفالات عظيمة في المملكة المجاورة احتفاءً بالأمير وعروسه الجميلة، ووصلت أخبار هذا الزفاف المهيب إلى المملكة التي كانت تعيش فيها سنووايت سابقًا، فارتابت الملكة وتشكّكت، واتجهت إلى مرآتها لتسألها السؤال المعتاد:
– مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض؟
– إنها يا مولاتي سنووايت…ملكة المملكة المجاورة المستقبلية وعروس الأمير الطيب الشجاع…سنووايت هي أجمل الفتيات في الأرض.
لم تستطع الملكة تحمّل الصدمة، وقذفت بتاجها على المرآة السحرية فتهشمّت إلى قطع صغيرة، واخترقت إحدى هذه القطع قلب الملكة فماتت على الفور. وهكذا نالت عقابها جزاء غرورها وحقدها الشديد على كلّ ما هو جميل.
أمّا سنووايت فعاشت بسعادة وهناء مع الأمير، وكانت تزور أصدقاءها الأقزام بين الحين والآخر لتلعب وتمرح معهم في الغابة.